الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثيسيوس بطل أثينا الإنسان

محمد زكريا توفيق

2019 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثيسيوس هو أهم أبطال الأساطير الإغريقية بالنسبة لمواطني مدينة أثينا. أوفيد، الذي عاش في العصر الأوغسطي، أخبرنا بقصة حياته بالتفصيل، كذلك أبولودوروس في القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد. بلوتارخ، كتب عنه أيضا، في نهاية القرن الأول بعد الميلاد.

هو شخصية بارزة ظهرت في ثلاث مسرحيات ليوريبيديس وواحدة لسوفوكليس، وتحدث عنه كثير من الشعراء. تنسب له مغامرات كثيرة كانت تحكى وتتردد في مدينة أثينا.

أبوه أحد ملوك مدينة أثينا، إيجيوس. قضى فترة طفولته وصباه في أحضان أمه جنوب اليونان. والده إيجيوس تركه وأمه وهو لا يزال في بطنها وانفك عائدا إلى أثينا. لكنه قبل ذلك، ترك سيفه وحذاءه تحت صخرة عظيمة.

ولد الطفل وصار شابا يافعا فاق أقرانه في القوة والذكاء والجمال. أخذته أمه إلى الصخرة وأخبرته بالأشياء التي وضعها والده تحتها. ثم أخبرته أن الوقت قد حان لكي يذهب بها إلى أثينا لمقابلة والده وإثبات بنوته.

رفض ثيسيوس السفر بالبحر، لأن السفر بالبحر أسهل وآمن. إنه يبغي أن يكون بطلا عظيما بأسرع ما يمكن، مثل بن عمه البطل هرقل، الذي يكن له كل الإعجاب.

سكة السلامة ليست سكته، ولا هي الطريق الأمثل لبلوغ هدفه. مثل الشاطر حسن في الأساطير المصرية الشعبية، الذي يختار دائما سكة الندامة، رافضا سلوك سكة السلامة.

اختار ثيسيوس الطريق البري المليء بالمخاطر والأهوال للوصول إلى أثينا. كانت الرحلة طويلة، شاقة مرعبة. الأرض غير مهدة. لابد من عبور الفيافي والقفار وتسلق الجبال والهضاب وخوض البرك والمستنقعات. قطاع الطرق تختبئ في الأحراش وتتربص بالمسافرين والمارة لزهق أرواحهم ونهب ممتلكاتهم.

لكن ثيسيوس قام بقتلهم جميعا. لم يترك واحدا منهم يمكنه الاعتداء على المسافرين. طريقته في تطبيق العدالة كانت بسيطة، لكنها ناجعة. وهي تطبيق مبدأ الجزاء من نفس العمل.

قاطع الطريق سكايرون الذي كان يجبر ضحاياه على الانحناء لغسل قدميه، ثم يقوم بركلهم لكي يسقطوا من حافة الجبل إلى البحر، قام ثيسيوس بإلقائه إلى الهاوية لكي يلقى حتفه.

المفتري سينيس، الذي كان يقتل المارة بربط كل منهم في شجرتي صنوبر بعد ثنيهما إلى الأرض، ثم يتركهما لكي يقوما بتمزيق الضحية وقتلها شر قتلة، قام ثيسيوس بربط سينيس في شجرتين وقتله بنفس الطريقة التي كان يقتل بها ضحاياه.

الحداد والمجرم بروكرست، كان يقبض على المارة ويضعهم بالطول فوق سريره الحديدي. ثم يقوم بقطع أرجل الضحية، إن كانت طويلة، أو شدها من رأسها ورجليها بآلة خاصة، إن كانت قصيرة، حتى يجعل طول الجسد مناسبا لطول السرير.

هذا يشبه مجازا تشويه الحقائق والمعطيات بالتفسيرات والتأويلات غير المناسبة التي تملأ حياتنا، لإثبات صحة فكرة أو عقيدة مسبقة. هنا يقوم ثيسيوس بواجبه البطولي بأن يذيق بروكرست الموت الزؤام بنفس الطريقة المبتكرة التي فرضها على من يمر به من المسافرين.

عندما وصل الشاب ثيسيوس إلى أثينا، بعد أن أمن الطرق المؤدية إليها وجعها خالية من قطاع الطريق، كانت تسبقه أنباء البطولات التي قام بها ، وبات بين عشية وضحاها بطلا معترفا به.

تمت دعوة ثيسيوس إلى مأدبة أقامها ملك أثينا، إيجيوس، تكريما للشاب البطل، والملك لا يعلم أنه ابنه. في الواقع، كان إيجيوس خائفا من شعبية الشاب التي انتشرت انتشار النار في الهشيم فجأة في المدينة.

مما جعل الملك يحس بمدى خطورة وجود بطل شعبي تلتف حوله الجماهير في مدينته. ماذا يكون مصيره هو إن طالبت الجماهير بالبطل ملكا على البلاد بدلا منه؟

لذلك كانت الوليمة ودعوته لها، لا بغرض تكريمه، ولكن لدس السم له في الطعام لقتله. لم تكن الخطة من بنات أفكار الملك، وإنما جاءت من الساحرة ميديا، التي كانت تعرف بأعمالها السحرية من هو ثيسيوس.

لقد جاءت الساحرة ميديا إلى أثينا بعد أن تركت بلدها كورينث في عربة مجنحة تجرها التنانين، وكان لها تأثير كبير على الملك إيجيوس. لذلك لم تكن ترغب في وجود ابنا له يهدد نفوذها.

بعد أن ناولت ميديا الكأس المسموم إلى ثيسيوس لكي يشربه في نخب هذه المناسبة السعيدة، لم يسرع ثيسيوس بشرب الكأس ووضعه جانبا. لأنه وجد أن الأفضل في هذه اللحظة الفارقة كشف حقيقة شخصيته إلى والده وللجميع.

بعد أن رأى الملك إيجيوس السيف والحذاء، وعرف أن ثيسيوس هو ابنه، أسرع إلى الكأس المسموم لكي يسكبه ويحطمه. هنا عرفت ميديا أنه قد تم افتضاح أمرها فولت هاربة بعربتها المجنحة إلى آسيا. بعد ذلك أعلن الملك إيجيوس اعترافه بابنه ثيسيوس وقام بتنصيبه وليا للعهد.

قبل مجيء ثيسيوس إلى أثينا بعدة سنوات، جاء ابن ملك جزيرة كريت الوحيد لزيارة مدينة أثينا. استقبله الملك إيجيوس استقبالا حارا وأكرم ضيافته. لكنه فعل ما لا يجب أن يفعله أحد لضيوفه. لقد أرسل الضيف الإبن في مهمة خطرة. أرسله لكي يقوم بقتل ثور بري مرعب.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. لقد جاءت الأمور بعكس المأمول. قتل الثور الشاب الضيف، ابن مينوس ملك كريت.

جن جنون مينوس لفقده لابنه الوحيد وولي عرشه. فقام بغزو أثينا، ثم أعلن أنه سوف يقوم بمساواتها بالأرض إذا لم يقم سكانها بإرسال سبع عذارى وسبع شبان كل تسع سنوات إلى جزيرة كريت، للتضحية بهم، انتقاما لمقتل ولده.

مصير مرعب ينتظر العذارى والشبان عند وصولهم إلى كريت. يتركون في قصر التيه لكي يلتهمهم وحش مرعب. الوحش هو مينوتور نصفه العلوي ثور والنصف الآخر إنسان.

الوحش المينوتور، أمه باسيفاي زوجة الملك مينوس، وأبوه ثور جميل قد أهداه الإله بوسيدون إلى مينوس لكي يقوم بالتضحيه به قربانا لإله البحر بوسيدون. لكن مينوس لم يستطع قتل الثور لجماله، لذلك قرر الاحتفاظ به لنفسه، ورفض التضحية به.

لكي يعاقب بوسيدون، إله البحار، الملك مينوس، جعل بوسيدون باسيفاي زوجة مينوس تقع في غرام الثور وتحبه بجنون. عندما ولدت باسيفاي المنيتور، لم يقتله الملك مينوس خوفا من الإله بوسيدون.

كان لدى مينوس مهندس عظيم اسمه دايدالوس. أمره الملك ببناء قصر تيه، من يدخله لايستطيع الخروج منه لكثرة غرفه وممراته ودهاليزه وتشعبها وتشابكها.

إلى هذا القصر كانت تؤخذ العذارى السبعة والشبان السبعة كل تسع سنوات. يتركون داخل القصر للوحش المنيتور لافتراسهم. إذا حاول من بالداخل الهرب، أيا كان الاتجاه الذي يسلكه، يجد نفسه مباشرة في مواجة الوحش. وإن وقف ساكنا في مكانه، قد يفاجئه الوحش في أية لحظة.

هذا هو المصير المرعب الذي كانت تنتظره مجموعة من الشابات والشبان، أربعة عشر، بعد قدوم ثيسيوس إلى أثينا ببضعة أيام. لقد حان الوقت لتقديم القرابين للوحش كما ينص الاتفاق المسبق.

على الفور، تقدم ثيسيوس متطوعا لكي يكون أحد الشبان المضحى بهم. كان يحبه الجميع لنبله وشجاعته، لكن لم يكن يدور بخلد أيا منهم أنه يبغي بذلك محاولة قتل الوحش المنيتور.

أخبر ثيسيوس والده الملك إيجيوس، أنه في حالة نجاحه في قتل المنيتور، سيعود بالسفينة رافعا الشراع الأبيض رمزا للنصر، بدلا من الشراع الأسود، رمز الهزيمة. حتى يطمئن الأب على ولده بأسرع ما يمكن قبل أن تصل السفينة إلى الميناء.

عندما وصل الشبان الضحايا إلى جزيرة كريت، تم إعدادهم وسط حشد كبير من المشاهدين لكي يواجهوا الوحش المنيتور في قصر التيه. من بين المشاهدين كانت أريادني ابنة الملك مينوس. عندما رأت ثيسيوس أثناء مروره أمامها، وقعت في حبه من أول نظرة.

بعثت أريادني برسالة عاجلة إلى دايدالوس، المهندس الذي قام ببناء قصر التيه، تطلب منه على وجه السرعة، معرفة طريقة الهروب من قصر التيه. ثم طلبت مقابلة ثيسيوس لكي تخبره بطريقة الهرب، في مقابل أن يأخذها ثيسيوس معه إلى أثينا ويتزوجها هناك.

كما هو المتوقع، لم يرفض ثيسيوس ذلك العرض. وقامت أريادني بنقل طريقة الخروج من القصر سالما إليه كما أخبرها بها دايدالوس. طريقة دايدالوس بسيطة للغاية. وهي أن يأخذ ثيسيوس معه بكرة خيط. يقوم بربط أول الخيط في أول باب يدخله. ثم يسحب خيط البكرة معه أينما يذهب داخل القصر.

هذا ما فعله ثيسيوس بالضبط. إنه الآن يستطيع الخروج من القصر عندما يريد بمجرد تتبع الخيط من نهايته إلى بدايته. هذا أعطاه الثقة اللازمة للبحث عن الوحش المنيتور ومواجته.

وجد ثيسيوس المنيتور نائما. هجم عليه، رفعه ثم ألقاه على الأرض. بعد ذلك لكمه لكما شديدا بيديه إلى أن قتله، فلم يكن معه سلاح يمكن أن يستخدمه. لقد مات الوحش البشع الذي أزهق العديد من الأرواح من قبل.

إلتقط ثيسيوس بكرة الخيط، وتتبع خيطها إلى أن خرج سالما من قصر التيه هو والشبان والشابات، ثم توجه إلى السفينة ومعه رفاقه وأريادني عائدا إلى بلده أثينا.

وصلت سفينة ثيسيوس إلى جزير ناكسوس. هنا توجد حكايتان:

الأولى تقول بأن ثيسيوس قد تخلى عن أريادني وتركها أثناء نومها وعاد بدونها. لكن الإله ديونيسوس، إله الخمر، رأف بحالها، واساها وخفف من آلامها، ويقال أنه قد تزوجها. ديونيسوس إله، أجمل شكلا من ثيسيوس الإنسي.

الثانية تقول بأن أريادني كانت تشعر بدوار البحر، فتركها ثيسيوس على الشاطئ وذهب إلى السفينة ليقضي بعض الأعمال الضرورية. في هذه الأثناء، هبت عاصفة شديدة دفعت السفينة إلى عرض البحر. عندما عاد ثيسيوس يبحث عن أريادني، وجدها ميته. هذه الحكاية هي أقرب إلى طبيعة شخصية ثيسيوس وسلوكه من الأولى.

فرحة ثيسيوس بنجاح مهمته في قتل المنيتور، أو ربما حزنه على أريادني، جعله ينسى تغير شراع السفينة من اللون الأسود إلى الأبيض كما وعد والده الملك في بداية الرحلة.

الملك إيجيوس كان يراقب بنفسه، وهو على أحر من الجمر، السفن في عرض البحر من مكانه في أكروبوليس أثينا. لكنه لم ير سوى الشراع الأسود يزف إليه خبر موت ابنه.

لم ينتظر إيجيوس حتى يتأكد من الخبر، فأسرع بإلقاء نفسه من صخرة عاليه لكي يلقى حتفه غرقا في البحر، حزنا على ابنه. البحر الذي غرق فيه الملك إيجيوس، اسمه الآن بحر إيجه. وهو البحر الذي يفصل بين اليونان وآسيا الصغرى.

أصبح ثيسيوس الآن ملكا على أثينا. هو أحكم وأنزه من رأتهم البلاد من حكام. أعلن لشعبه أنه لا يبغي حكمهم. الناس يجب أن تحكم نفسها بنفسها حتى يتساوى الجميع.

ترك ثيسيوس حكم أثينا وأسس كومنولث. ثم أقام مجلسا نيابيا يجتمع فيه الناس للمناقشة وتبادل الآراء وأخذ القرارات بالتصويت. اكتفى بمنصب القائد الأعلى.

أصبح سكان مدينة أثينا، دون باقي سكان مدن العالم القديم، هم الوحيدون الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم. وهم الأسعد والأكثر حرية ورخاء وازدهارا بين باقي البشر.

أثناء حرب السبعة ضد طيبة، عندما رفض أهل طيبة المنتصرون دفن جثث أعدائهم، استنجد المهزومون بالبطل ثيسيوس والأثينيون. وهم واثقين من أن أثينا الحرة تحت قيادة عظيم مثل ثيسيوس لن تقبل أبدا انتهاك حرمة الأموات ومعاملتهم بمثل هذه القسوة.

لم تذهب دموع المهزومين وتوسلاتهم هباء. قاد ثيسيوس جيشه ضد طيبة، هزمها وأجبرها على السماح بدفن الموتى من أعدائهم احتراما لقدسية الموت. عندما صار ثيسيوس منتصرا على طيبة، لم يطغ على أهل طيبة بالرغم من سوء أفعالهم السابقة.

أظهر طبيعة الفارس النبيل. رفض أن يقوم جيشه بنهب وتدمير المدينة. إنه لم يأت لهذا الغرض ولكنه جاء بهدف دفن قتلى الحرب المهزومين. عندما تحقق الهدف المنشود، عاد ثيسيوس بجيشه المنتصر إلى أثينا.

قصص كثيرة من هذا النوع تبين لنا خلق بطل أثينا العظيم ثيسيوس. استقبل أوديب الهرِم عندما نبذه الجميع، وكان معه عند وفاته يواسيه ويخفف آلامه. ثم قام بحماية ابنتي أوديب بعد وفاته وأرسلهما سالمتين إلى بلدهما بعد وفاة والدهما.

عندما لعنت الإلهة هيرا هرقل، أصابته بالجنون فقام بقتل زوجته وأطفاله. وعندما برئ من مرضه أصيب باكتئاب شديد جعله يفكر في قتل نفسه. لم يجد هرقل من يقف إلى جواره في محنته سوى ثيسيوس. باقي أصدقاء هرقل فروا هاربين خوفا من أن تصيبهم عدوى الجنون أو لعنة هيرا.

مد ثيسيوس يده إلى هرقل في محنته. حاول رفع روحه المعنوية. أخبره بأن القدوم على الانتحار هو نوع من الجبن وعمل خسيس. ثم أخذه معه إلى أثينا. حب ثيسيوس للخير وقيادته لشعبه ومساعدته لأصدقائه، لم تمنعه من حب المخاطرة ومواصلة أعماله البطولية.

ذهب ثيسيوس إلى نساء الأمازون المقاتلات. البعض يقول بأنه أخذ معه البطل هرقل، وآخرون يقولون بأنه ذهب إليهن وحيدا. عاد بواحدة منهن اسمها أنتيوبي أو هيبوليتا.

جاءت نساء الأمازون المقاتلات إلى أتيكا لنجدة هيبوليتا. أتيكا هي البلد التي تحيط بمدينة أثينا. في ذلك الوقت، أنجبت هيبوليتا من ثيسيوس ابنا أسمته هيبوليتوس. لكن جيش الأمازونات أصيب بالهزيمة، ولم يستطع أي جيش دخول أتيكا أثناء حياة ثيسيوس.

قام ثيسيوس بمغامرات أخرى. منها ذهابه مع بحارة السفينة أرجو بقيادة جاسون للبحث عن الفروة الذهبية. شارك أيضا في قتل خنزير كاليدونيا المرعب، عندما استنجد ملك البلاد بكل أبطال اليونان لقتله.

أثناء مطاردة الخنزير، أنقذ ثيسيوس حياة صديقه المتهور بيريثوس. كان بيريثوس ملك ثيساليا باليونان هو الآخر بطلا عظيما، لكنه مندفع تنقصه حكمة ثيسيوس. نشبت بينهما صداقة عظيمة. عندما أراد بيريثوس اختبار قوة ثيسيوس، ذهب إلى أتيكا وقام بسرقة بعض ماشية ثيسيوس كنوع من جر الشكل.

عندما واجه ثيسيوس، أعجب كل منهما بالآخر. مدّ بيريثوس يده بالمصافحة لثيسيوس قائلا: "أنا مستعد لتقبل أية عقوبه ترضيك، فأنت الحكم." أجابه ثيسيوس: "أنا لا أطلب منك سوى صداقتك والوقوف إلى جواري عندما أقاتل." ثم أقسم كل منهما بالحفاظ على الصداقة بينهما مدى الحياة.

دعي ثيسيوس لحضور الاحتفال بزواج صديقه بيريثوس. لكن الأمور لم تكن تسير كما يرتجى وكما هو مخطط لها. القناطير (مفردها قنطور)، هي كائنات نصفها الأسفل في شكل جسم حصان، والأعلى صدر ورأس إنسان. تمت بصلة القرابة للعروس، لذلك دعيت القناطير للحفل.

القناطير تحب شرب الخمر. شربت حتى الثمالة ثم بدأت في مطاردة النساء وهم في حالة سكر شديدة. عندما حاول أحدهم خطف العروس، هب ثيسيوس للدفاع عنها، وقام بصرع القنطور وتخليصها من قبضته. هنا قامت معركة حامية الوطيس. أدت في النهاية إلى طرد جنس القناطير من البلاد كلية.

بعد الحفل الكارثي ووفاة العروس ليلة زفافها، قرر بيريثوس أن تكون عروسه الثانية هي بيرسيفوني التي خطفها إله العالم السفلي هاديس، وهي أصعب النساء وصولا وأكثرهن حماية على الإطلاق.

بمقتضى عهد الصداقة بينهما، قرر ثيسيوس مساعدته في هذا الأمر الخطير، ولكن بعد أن يقوم هو بخطف الطفلة هيلين، التي أصبحت بطلة حرب طروادة فيما بعد، بهدف الاحتفاظ بها حتى تكبر ثم يتزوجها.

نجح ثيسيوس في خطف هيلين، ولا ندري كيف، فقام أخواها كاستور وبولوس بالهجوم على القرية التي بها هيلين وعادا بها سالمة. ولحسن حظ ثيسيوس، لم يجده الأخوان أثناء تحرير هيلين من الخطف. لأن ثيسيوس كان في طريقه هو وصديقه بيريثوس إلى العالم السفلي لتحرير بيرسيفوني.

تفاصيل هذه المغامرة غير معروفة. غير أن هاديس إله العالم السفلي والذي قام من قبل باختطاف بيرسيفوني ليتزوجها، كان على علم بنوايا الصديقين.

لم يقم هاديس إله العالم السفلي بقتلهما، لأنهما كانا في عالم الأموات. لكنه دعاهما للمثول في حضرته. أشار لهما بالجلوس على مقعدين أمامه لم يستطعا القيام منهما. من يجلس عليهما ينسى كل شئ، لذلك يسميان بمقاعد النسيان. من يجلس عليهما، لا يستطيع الحركة وتمحى ذاكرته وتصبح بيضاء صافية.

هناك جلس بيريثوس هكذا إلى الأبد، لكن هرقل قام بإنقاذ ثيسيوس وتحريره من العالم السفلي وكرسي النسيان. رفع هرقل ثيسيوس من كرسي النسيان وجاء به سالما إلى عالم الأحياء.

عندما حاول هرقل فعل نفس الشئ مع بيريثوس، لم يسمح إله العالم السفلي هاديس بذلك، لأنه يعرف أن بيريثوس هو المذنب الحقيقي وصاحب فكرة أخذ بيرسيفوني، زوجته وحبيبته، منه.

عندما تقدم العمر ب ثيسيوس، تزوج من فيدرا أخت أريادني وابنة مينوس ملك كريت. زواج جاء بالوبال على كلاهما وعلى ابنه هيبوليتوس الذي انجبه من هيبوليتا الأمازونية.

ابنه، هيبوليتوس، كان قد أرسله، عندما كان طفلا، إلى جنوب البلاد التي قضى بها ثيسيوس شبابه للتربية والتعليم. هناك كبر الصبي وصار شابا يافعا قويا، صائدا ماهرا وبطلا في الألعاب الرياضية. إلا أنه لم يكن يؤمن بالحب.

يعتبره نوعا من الضعف ويحتقر من يقع في حباله، وخصوصا من كانت حياتهم سهلة رخوة، وينعمون برغد من العيش. كان يكره افروديت، لكنه كان يعبد ويعجب بأرتميس، إلهة الصيد والقمر. أرتميس هي نفسها ديانا عند الرومان.

عاد ثيسيوس إلى جنوب البلاد، حيث يوجد ابنه، ومعه فيدرا زوجته. قابل ثيسيوس ابنه الشاب بعد طول غياب. في التو واللحظة تأججت بينهما عاطفة الأبوة، وتبادلا الاحترام والإعجاب. لكن الابن هيبوليتوس لم يلتفت إلى زوجة أبيه، فيدرا. إنه بحكم أفكاره، لا يحترم أية امرأة غير أرتيمس.

أما فيدرا، فقد وقعت في غرام هيبوليتوس من أول نظرة. صارت مجنونة بحبه. لم تستطع كبت حبها، ولم تراعي الرباط الأسري بينهما، فعواطفها كانت جياشة طاغية لا تستطيع كبحها.

بالطبع، افروديت إلهة الحب والجنس، كانت وراء هذه العاطفة المشؤومة البائسة. لقد كانت غاضبة من هيبوليتوس بسبب كرهه لها، وأرادت عقابه بقسوة بطريقتها.

تملك فيدرا اليأس، لأنها لم تجد من يساعدها ويخرجها من محنتها وكربها. كانت تفكر في الانتحار للتخلص من آلامها، لكنها لم تبح بسرها لأحد. إلا أن وصيفتها التي لا تفارقها اكتشفت أمرها وسبب شقائها وعزمها على الانتحار.

أسرعت الوصيفة، كمحاولة أخيرة لإنقاذ فيدرا، إلى هيبوليتوس قائلة: "إنها تحتضر حبا فيك. دعها تعيش. اعطها حبا بحب."

لكن هيبوليتوس فر هاربا منها. إنه يشمئز من حب أية امرأة. فما بالك بالحب المحرم. إنه يرعبه ويجعل بدنه يقشعر. خرج يجري إلى الفناء الخارجي، تتبعه الوصيفة راجية مستعطفة.

" أنت أيتها البائسة، أتريدينني أن أخون أبي. إنني أشعر بالخزي والعار لمجرد سماعي ما تقولين." قال هيبوليتوس. "النساء خائنات، كل واحدة منهن خائنة. سأذهب بعيدا ولن أدخل هذا البيت إلا عندما يعود والدي."

علمت فيدرا بما حدث، فأقدمت على الانتحار. عندما عاد ثيسيوس من سفره، استقبلته النساء بالبكاء والعويل، وزففن له خبر موت زوجته، فيدرا. لقد قتلت نفسها. وجدوها ميته وفي يدها رسالة لزوجها ثيسيوس.

"آه يا زوجتي وأغلى ما عندي. هل هذه الرسالة تحمل وصيتك الأخيرة؟ " صرخ ثيسيوس عندما رأى جثتها. ثم فض رسالتها وبدأ يقرأها.

أعاد ثيسيوس قراءت الرسالة أكثر من مره ووجهه يزداد شحوبا. ثم صرخ يجري إلى فناء الدار الممتلئ بالخدم: "الرسالة تقول كل شئ، والكلمات تتكلم، لها لسان. فليعلم الجميع أن ابني قد حاول أثاء غيابي الاعتداء على زوجتي فيدرا. يا إلهي العظيم بوسيدون. اسمعني وكن شاهدي وأنا ألعن ابني من كل قلبي."

هنا حضر هيبوليتوس وقال متسائلا: "ماذا حدث؟ وكيف قتلت نفسها؟ أخبرني أنت يا أبي. لا تخفي عني أحزانك.

"يجب أن يكون هناك معيار حقيقي لقياس المودة" أجاب ثيسيوس. "وسيلة لمعرفة من يمكن الوثوق به ومن لا يمكن. انظروا إلى ما فعله ابني بزوجتي المنتحرة. لقد تجرأ واعتدى عليها أثناء غيابي. رسالتها أبلغ من الكلام وتقول كل شئ." ثم أشار إلى ابنه وقال له: "إذهب. أنت منفي من هذا البلد. إذهب إلى حتفك الآن."

"أبي" أجاب هيبوليتوس. "إنني لا أجيد الكلام أو الدفاع عن نفسي. وليس لدي شهود تثبت براءتي من هذه التهمة الظالمة. كل ما أستطيع فعله هو القسم باسم الإله الأعظم زيوس بأنني لم ألمس أبدا زوجتك، أو رَغبتُها أو حتى خطرت على بالي. وليقتلني إلهي شر قتلة إن كنت مذنبا."

"موتها يثبت صدق ما جاء برسالتها." أجاب ثيسيوس. "إذهب. اختفي من هذه الأرض، وكن طريدا باقي عمرك."

ذهب هيبوليتوس، لا إلى المنفى، ولكن إلى حتفه، حيث كان الموت في انتظاره. بينما كان يسوق عربته في الطريق الساحلي، خرج وحش من البحر جعل خيول عربته تجفل وتخرج عن السيطرة. مما تسبب في ارتطام عربته بالصخور.

هنا ظهرت الإلهة أرتميس لتخبر ثيسيوس بالحقيقة قائلة:
"لقد جئتك بالألم والندم، لا بالمساعدة. حضرت لأبين لك كم كان ابنك بريئا نبيلا. زوجتك فيدرا هي الآثمة. أعماها حبها له. كابدت شغفها به، وعندما رفضها قتلت نفسها. ما كتبته فيدرا في رسالتها كذب وهراء ومحض افتراء."

كان ثيسيوس يصنت وهو مذهول حزين مهموم. هيبوليتوس حُمل إلى بيته وهو لايزال حي ينزف. قال موجها كلامه إلى الإلهة أرتميس:
"أنا برئ، يا إلهتي أرتميس. إنني أحتضر الآن."

"لا أحد آخر يستطيع أن يأخذ مكانك. يا أنبل الرجال وأقربهم إلى قلبي." أجابت الإلهة أرتميس. ثم التفت هيبوليتوس إلى والده وهو يحتضر قائلا: "يا أبي. لا تحزن فليس هذا ذنبك."

"آه لو أمكن أن أموت بدلا منك." صاح ثيسيوس. هنا جاء صوت الإلهة أرتميس العذب يقول: "خذ ابنك بين ذراعيك يا ثيسيوس. لم تكن أنت الذي قتلت ابنك، إنما هي. افروديت. اعلم هذا. ابنك لن يُنسى أبدا. سوف يعيد ذكراه الشعراء وكتاب الأغاني على الدوام".

وتنتهي قصة ثيسيوس بمقتله أثناء زيارته للملك ليكوميديس في جزيرة سكيروس. يقال أن الملك خاف من شهرة ثيسيوس وخشي على ملكه منه. ألقاه من صخرة عالية إلى البحر لكي يلقى حتفه.

لكن الأثينيون لم ينسوه. أحضروا رفاته وبنو له قبرا عظيما في أثينا، جعلوه ملجأ للعبيد والفقراء والمحتاجين. ذلك تخليدا لذكرى ثيسيوس العظيم الإنسان. الذي وهب حياته دفاعا عن المستضعفين، وعن كل من لا يستطيع الدفاع عن نفسه. هذا هو المعنى الحقيقي للبطل في الأساطير الإغريقية القديمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسطورة والفلسفة
محمد البدري ( 2019 / 5 / 27 - 07:12 )
رغم ان لجميع الشعوب اساطيرها الا ان هدية بلاد اليونان للعالم أجمع ما لا يستطيع العالم الاستغناء عنه، الاسطورة والفلسفة.
بين ثنايا كل اسطورة قيمة فلسفية نري صداها وتداعياتها في آراء ومواقف سياسية كتطبيقات علي ارض الواقع بين فشل كثير ونجاح اقل.
تأتي الاحلام فقط اثناء النوم كمحاولة لتحقق النجاحات المتعثرة في الحياة ويجري الاحباط بالاستيقاظ لحظة الولوج الي ذروة التحقق، وكأننا ممنوعون دائما من الوصول الي النهايات.
فيما بين الاسطورة وبين الفلسفة أو بين الحلم والحقيقة يتعثر دائما ذلك الانسان في سعيه لتحقيق ما هو ابعد من الاحلام وبين ما هو أشد وطأة في الواقع. وتظل هدايا اليونان للانسانية التراث الاعظم لكل من قرر السير دائما لتحقيق المستحيل.
تحياتي للعزيز الفاضل استاذ زكريا توفيق وعميق امتناني لكل ابداعاتك


2 - إلى العزيز محمد البدري
محمد زكريا توفيق ( 2019 / 5 / 27 - 08:54 )
شكرا لمرورك الكريم وتعقيبك القيم. ما لدينا يمثل جدولا صغيرا وبقعا عكرة من الماء. بينما ما كتب باليونانية، هو الينابيع العذبة الصافية، والأنهار التي تتدفق بالذهب الخالص.


3 - طويل طويل طويل!!!
أفنان القاسم ( 2019 / 5 / 28 - 11:34 )
فكر في العميان اللي زيي هههه!!! وصلت حتى أوديب ، فتذكرت ابنته من أمه أنتيجون، أسطورنها تستاهل مقال عنها، فهي رمز الحرية الفردية...


4 - إلى الدكتور أفنان
محمد زكريا توفيق ( 2019 / 5 / 28 - 14:47 )
غالي والطلب رخيص. المقال موجود في هذا الموقع تحت عنوان
أنتيجون لسوفوكليس، أقدم صرخة في وجه الدكتاتورية
موجودة بالعدد 4478

اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى