الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 28

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2019 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



العدد /28/ أيار /مايو 2019


1. الافتتاحية:
كيف يمكن تحديد التّناقض الرئيسي في كل مرحلة سياسية؟

في عام 1927 جرت بحار من الدماء بين القوميين الصينيين في حزب «الكيومنتانغ» والشيوعيين، في تمّوز1937 غزت اليابان الصين، وضع زعيم الحزب الشيوعي «ماو تسي تونغ» تلك الدماء على الرف، ودعا إلى تشكيل جبهة وطنية متحدة مع «الكيومنتانغ» ضد اليابانيين، من أجل تقديم التسويغ السياسي لهذا التحوّل الدراماتيكي، كتب ماو نصَّاً في شهر آب 1937 تحت عنوان «في التناقض»، يمكن أن يُعد، مع كتاب مكيافللي «الأمير» وكتاب ماركس «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت»، من أفضل النصوص لتعليم السياسة، يقول ماو في ذلك النص ما يلي: "عندما تشن الإمبريالية حرباً عدوانية على بلد... فإنَّ الطبقات المختلفة في هذا البلد، باستثناء حفنة من الخونة، يمكن أن تتّحد مؤقتاً كي تخوض غمار حرب وطنية ضد الإمبريالية، وحينئذ يصبح التَّناقض بين الإمبريالية وذلك البلد التناقض الرئيسي، فيما تصبح مؤقتاً جميع التناقضات بين مختلف الطبقات داخل ذلك البلد في مركز ثانوي وتابع".
تشارك الشيوعيون والقوميون لثمان سنوات في مقاومة اليابانيين، وبعد هزيمة طوكيو عام 1945 ساهمت أجواء الحرب الباردة، بما فيها الدّعم الأميركي لزعيم «الكيومنتانغ»: «شيانغ كاي شيك» في عودة المواجهات المسلَّحة بين الشيوعيين والقوميين منذ كانون الأول من عام 1947 حتىّ استطاع الشيوعيون الانتصار بالربع الأخير من عام 1949 ودحر «الكيومنتانغ» الذي لجأ زعيمه ومعه ملايين من أتباعه إلى جزيرة تايوان.
في ذلك النص، يحدّد (ماو) التّناقض الرئيسي بحسب كل مرحلة: ضدَّ الخارج الامبريالي ثورة وطنية، ضدَّ المرحلة ما قبل رأسمالية ثورة ديموقراطية، وضدَّ السّيطرة الرأسمالية ثورة اشتراكية.
في عامي 1863 و 1864 اعترض ماركس على سياسات زعيم الاشتراكيين الألمان فرديناند لاسال الذي اتّجه إلى التّحالف مع المستشار البروسي بسمارك والجيش والإقطاعيين (اليونكرز)، متوقِّعاً أنَّ هذا سيقود إلى استحالة قيام ثورة ديموقراطية ألمانية تضم العمال والفلاحين والبورجوازيين الليبراليين، من أجل ضرب العلاقات والبنى الما قبل رأسمالية في ألمانيا وإنهاء سيطرة الإقطاعيين والنبلاء على جهاز الدولة، ورأى أنَّ وقوف الاشتراكيين وراء «الإقليم - القاعدة»، أي بروسيا، من أجل تحقيق الوحدة الألمانية سيقود إلى انسداد أفق الثورة الديموقراطية الألمانية على طراز ثورتي 1688 و1789 الإنكليزية والفرنسية، وبالتَّالي انسداد أفق الثورة الاشتراكية الألمانية التي يعتبرها أنَّها لا يمكن أن تتم إلاَّ بعد استنفاذ المرحلة الرأسمالية، وهذا واضح عنده منذ عام 1848 في «البيان الشيوعي»، صحيح أنَّ ماركس رحب بالوحدة الألمانية عام 1871 واعتبر بسمارك "يقوم بجزء من عملنا"، إلاَّ أنَّ اعتراضاته على لاسال كانت تحوي تنبؤات عن مستقبل أسود ألماني كان تجسيدها الأكبر أدولف هتلر، أو كما عبَّر «جورج لوكاتش» في «تحطيم العقل»: "العلة المركزية هي، بعد عام 1848 كما قبله، ذهنية الخضوع التي هي ذهنية الألماني المتوسط، كما هي ذهنية أكبر مثقفي هذا البلد... بما أنَّ الوحدة القومية لم تفتح بثورة، بل فرضت من فوق، فقد بقي هذا الوجه في سيكولوجيا وأخلاق الألمان، إن صح القول، بلا تغيير". في هذا الكتاب يحاول لوكاتش تفسير نشوء ديكتاتور وحشي عند الألمان، مثل هتلر، في بلد أفرز مفكرين إنسانيين كبار مثل غوته وفنانين عظام كبتهوفن، ويرى أنَّ السيكولوجيا والثقافة كانا عاملين مساعدين على ملاقاته لأرضية اجتماعية قوية لحزبه النازي، على الأرجح لو كان إدراك لاسال مثل ماركس في أنَّ التَّناقض الرّئيس ليس «الوحدة القومية» بل «الثورة الديموقراطية»، لكان من الممكن تحقيق الأولى بعد الثانية ولكان بالإمكان تفادي شلال دماء البشرية في الحربين العالميتين.
هنا لم يكن عند الشيوعيين العرب ذلك الإدراك الذي كان عند ماو تسي تونغ لـ«التناقض الرئيسي»: في نيسان 1948 كان المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا مصطفى السباعي ضمن قوَّات جيش الإنقاذ التي كانت تقاتل في معركة القسطل قرب القدس مع عبد القادر الحسيني ضدّ الصهاينة، بينما كان الشيوعيون العرب يصدرون بياناً بتأييد قرار تقسيم فلسطين، وهو ما رماه ظهير عبد الصمد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري عام 1971 بوجه خالد بكداش أثناء مداخلته في المجلس الوطني للحزب: «ليس صحيحاً ما قيل في التقرير السياسي الذي ألقي أمام المؤتمر الثالث للحزب عام 1969 من قبل الأمين العام أنَّنا لم نؤيِّد التقسيم... هناك بيان موقَّع من أربع أحزاب شيوعية تؤيد التقسيم» («قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي السوري»، دار ابن خلدون، بيروت 1972، ص272)، وذهب الشيوعيون العراقيون في يوم 11 حزيران 1948 في نص بعنوان «ضوء على القضية الفلسطينية» إلى القول «بأنَّ لهذا الشعب الاسرائيلي الجديد الحق في تقرير مصيره» وإلى وصف منظمتي «الإرغون»، بزعامة مناحيم بيغن، و«شترن» بزعامة إسحق شامير، بأنَّهما «منظمتان تقدميتان» (حنا بطاطو: «العراق: الكتاب الثاني...الحزب الشيوعي»، مؤسّسة الأبحاث العربية، بيروت1992، ص 258-259). لم يكن ستالين معجباً بماو تسي تونغ، وضغط عليه كثيراً، ولكن ماو كان وطنياً ثم شيوعياً، واستخدم الماركسية لتحرير بلده من الأجنبي ثم لتحريرها من التخلَّف وإنهاضها وتحديثها، لذلك لم يكن خاضعاً لتوجيهات ستالين، بينما كان الشيوعيون العرب حتى عام 1947 ضدَّ الصهيونية وضدَّ قرار تقسيم فلسطين، وعندما استدار السوفيات وغيروا موقفهم يوم قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 قاموا بالاستدارة على الإيقاع السوفياتي. لم يدركوا ما أدركه الياس مرقص وقاله عام 1970 في كتابه «نظرية الحزب عند لينين والموقف العربي الراهن» عندما قام بتحديد إسرائيل ككيان وظيفي للامبريالية العالمية للهيمنة على العرب، وهو عندما يقول بالوحدة العربية فإنه لا يربطها لا باللغة ولا بالثقافة المشتركة، كما يفعل القوميون العرب، أو يشرطها بالاقتصاد المشترك، كما فعل بكداش متأثِّراً بنظرية ستالين حول «الأمة»، بل يحدِّدها، كوحدة عربية، مكتسبة لمضمون واحد تؤدِّي إن تحقّقت كهدف إلى انجازه وهو «سقوط وضع التجزئة الامبريالي...» من أجل كسر (مصالح الامبريالية الثلاث: كيانات التجزئة، الهيمنة على البترول، إسرائيل)، (مرقص: «المرجع المذكور»، دارالحقيقة، بيروت 1970، ص301). هنا يقوم الياس مرقص بتحديد التناقض الرئيسي: «الامبريالية ومظاهرها الثلاث». يمكن من خلال «التناقض الرئيسي» تحديد من هو «تقدّمي» ومن هو «رجعي» بعيداً عن اصطفافات «اليمين» و«اليسار» وبعيداً عن معايير «الحداثة» و«التخلُّف»: وفق هذا المعيار عند الماركسيَّين، ماو تسي تونغ والياس مرقص، فإنَّ مصطفى السباعي هو أكثر تقدُّمية في عام 1948 من خالد بكداش.
أيضاً ووفق هذا، فإنَّ الشيوعيين العراقيين في فترة /تموز 1958 - آذار 1959/ لمَّا أفشلوا انضمام العراق للوحدة السورية - المصرية، أو جعل بغداد في حالة اتحادية مع القاهرة وبغداد، كانوا رجعيين، وبالتأكيد كان أيزنهاور في واشنطن وماكميلان في لندن وشاه إيران وعدنان مندريس في أنقرة وبن غوريون في تل أبيب يصفِّقون لهم في قلوبهم، ولا يكفي هنا وقوف خروتشوف معهم لنفي ذلك ولا المنجل والمطرقة.
لو حصلت عملية التقاء دجلة والفرات والنيل لما كانت حصلت عملية انفصال 1961 ولا هزيمة 1967 ولا حرب العراق وإيران في الثمانينيات ولا اجتياح الكويت ولا احتلال العراق، ولما كان هناك تنامياً لقوى الجوار العربي في طهران وأنقرة وأديس ابابا، وعلى الأرجح كانت إسرائيل ستنتهي أو على الأقل كان ظهرها سيكون للحائط، وكان الأكراد العراقيون سيستوعبون في الإطار الجامع. في حرب انفصال الجنوب اليمني عام 1994 كان على عبد الله صالح أكثر تقدُّمية من زعيم الانفصال الماركسي علي سالم البيض. هنا أيضاً لا يمكن قياس «حزب الله» في لبنان من خلال «عدم وجود كأس البيرة» أو «التنورة القصيرة» في الضاحية الجنوبية لبيروت بل من خلال بوصلة واحدة هي التناقض الرئيسي الذي اسمه اسرائيل.
أيضاً لا يمكن فقط قياس السّيد حسن نصر الله من خلال علاقته بإيران أو من خلال مذهبه الشيعي بل أساساً من خلال كونه أكثر عربي كان مؤلماً لإسرائيل منذ يوم الجمعة 14 أيار 1948 لمَّا أعلن «ديفيد بن غوريون» قيام تلك الدولة. وعملياً فإنَّ شخصية مثل سمير جعجع هي متفاعلة أكثر مع الثقافة الحديثة من كثير من المقاومين المتدينين في جنوب لبنان في فترة /1982- 2006/، إلاَّ أنَّ إدراك التناقض الرئيسي هو الذي يحدِّد أنَّ أولئك المتدينين هم أكثر تقدُّمية من شخص عصري وحداثي كان في تنظيم «القوات اللبنانية» الذي كانت تربطه خيوط تحرِّكه من تل أبيب منذ عام 1976، كما أنَّ علمانية ليست ناتجة عن إيمان من قبله بها بل عن وظيفية يمكن أن يستخدمها فيها لحماية طائفته أو لإضعاف الطوائف الأخرى، وهو ما يشاركه في تلك الوظيفية الكثير من طارحي العلمانية العرب الراهنين.
أيضاً، لا يمكن النظر السياسي إلى "قوات سوريا الديمقراطية" من خلال نظارة وضعية المرأة فيها، ولا من خلال "علمانية" أو"يسارية" أومن خلال "محاربة داعش"، لتحديد "تقدُّمية" هذا الفصيل العسكري لجسم سياسي اسمه "مجلس سوريا الديمقراطية" هو واجهة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بل يجب أن يكون ذلك فقط وأساساً من خلال مسطرة واحدة تتمثَّل في أنَّ هؤلاء هم مظلة سورية محلية للقوات والقواعد العسكرية الأميركية في سوريا.
------------------------------------------------------------------------------------------
2. الجبهة الوطنية الديموقراطية «جود» أو القطب الديموقراطي:
من الضَّرورة إلى التحقُّق.

د. جون نسطة

مرَّت الأزمة السورية، التي طالت سنواتها، بمراحل مختلفة، وتطوُّرات متعدِّدة، وتهديدات متشابكة، منها ما كان متوقَّعاً، ومنها لم يكن متوقَّعاً أو محسوباً، بدأت بوصفها أزمة حكم نظام استبدادي لم يفهم حركة التاريخ وقوانينه المتطوِّرة باتجاه الديموقراطية وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان التي نصَّت عليها وثيقتها الصادرة في العام ١٩٤٨ من الامم المتحدة، ممَّا أدَّى تباعا ًإلى انهيارات جسيمة في النظام السياسي العالمي، وعلى رأسها انهيار النظام السوفياتي وحلفاءه من انظمة الحكم الشمولي في اوروبا الشرقية بالإضافة الى انهيارات اخرى في انظمة الاستبداد في اسيا، بدءاً من كمبوديا الى منغوليا، فإفريقيا وخصوصاً سقوط نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا، أزمة بين نظام استبدادي وبين شعب بغالبيته مضَّطهد ومحروم من كافة حقوقه السياسية والثقافية والنقابية والفكرية، شعب يتوق-بعد تجربة مريرة-إلى متابعة مسيرة تطوُّر طبيعي وديموقراطي، بدأها منذ عهد النضال ضد الاستعمار الفرنسي، مطالبا بالاستقلال والدستور جنبا إلى جنب. وبعد فترة قصيرة من الحكم الدستوري مرَّت على البلاد سلسلة من الانقلابات الفاشلة، وصولا الى السنوات /١٩٥٤ -١٩٥٨/ التي مثَّلت الزمن الذهبي في تاريخ البلاد الديموقراطي.
جاءت الوحدة السورية المصرية المرتجلة، مع الأسف الشديد، لتقطع تطوُّر هذا المنحى، متأثِّرة بلا شك بالتجربة السوفيتية، وبظروف تلك المرحلة عموماً، مرحلة التحرُّر الوطني من الاستعمار، والنِّضال ضدَّ مشاريع الامبريالية الأميركية، شعار تلك المرحلة كان ينادي بالحرية الاجتماعية (القضاء على الفقر) أولاً ثم بالحرية السياسية، وبالنتيجة لم نحصل على الحرية الاجتماعية وخسرنا ما كان عندنا من حرِّية سياسية.
بدأت الأزمة السورية بالانفجار، بعد انتصار ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في تونس ومصر، بدءاً من درعا ثم انتقلت إلى بانياس وحماه وإدلب وحمص إلى الغوطة الشرقية وأرياف دمشق، وكانت ذات طبيعة سلمية، جابهها النظام بالعنف الشديد وبحملة اعتقالات واسعة شملت الجيل الاول ثم الجيل الثاني من كوادر الأحزاب السياسية الوطنية المعارضة التي قادت المظاهرات الحاشدة إلى حين، ثمَّ الشباب الجدد المنضمون حديثاً للعمل السياسي، وكانت السلطة من بادر إلى إطلاق سراح عدداً كبيراً من قادة الجماعات الإسلامية المتطرِّفة، الذين شكَّلوا سريعاً تنظيمات مسلحة بأسماء مختلفة، وبدعم من قطر والسعودية وتركيا والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، حتىَّ يسهل على السلطة اتهام المعارضة بالإرهاب ويسهل القضاء عليها أمام سكوت العالم.
وفشلت كل محاولات الحل السلمي من قبل الجامعة العربية إلى الامم المتحدة، ودخلت البلاد الى ساحة صراع طاحن دخل فيها حوالي ١٤٠ ألف مسلح عربي وأجنبي من دول عديدة سهَّلت تركيا عبورهم، وبالمقابل دخلت تشكيلات عسكرية مساندة للنظام من إيران وميلشيات شيعية من العراق ودول أخرى إضافة لقوات مدرَّبة من حزب الله في لبنان، ولما ظهر النظام، وحلفاءه، عاجزاً عن الدفاع عن نفسه وأصبحت حتىَّ دمشق مهدَّدة بالسقوط، لجأ إلى طلب النجدة من روسيا الاتحادية، التي تدخَّلت عسكرياً بتاريخ ٣٠ من شهر ايلول عام ٢٠١٥.
وظهر رغم ذلك لمدة طويلة أنَّ الحل العسكري غير ممكن أن يتحقق لكلا الطرفين وأنَّ علاقة لا غالب ولا مغلوب بدت سيّدة الموقف، فبدأت عملية التَّفاوض في جنيف بإشراف الامم المتحدة ومندوبها السيد ديموستورا. لقد حاول النظام افشال المفاوضات بكل الطرق الممكنة، واحياناً ساعدته في ذلك "الهيئة العليا للمفاوضات" برئاسة المنشق عن النظام «رياض حجاب».
لقد ظهر واضحاً للمراقب الحاذق بأنَّ المجتمع الدولي بأسره، من الاتحاد الأوروبي الى الأمم المتَّحدة إلى الجانب الروسي، غير راض عن تشكيلة "الهيئة العليا للمفاوضات"، والتي بدأت بالسعي الى احتكار زعامة المعارضة في الداخل والخارج، وتتحوَّل من لجنة تفاوض وظيفية محدَّدة إلى قيادة سياسية للمعارضة، ممَّا دعى إلى عقد مؤتمر (رياض ٢) في تشرين ثاني2017، الذي استطاع ابعاد عدد كبير من قادة "الهيئة العليا للمفاوضات" ومن بعض القادة في "الائتلاف الوطني" أمثال: "جورج صبرة ومحمد صبرا وسهير الأتاسي ورياض حجاب وغيرهم".
إنَّ معارضة الخارج ارتكبت أخطاء جمَّة باللجوء إلى التَّحالف مع أعداء الانتفاضة الحقيقين بالباطن والمؤيدين بالظَّاهر، فهل يمكن لدول مثل دول الخليج أن تناصر هبة شعبية من أجل الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية؟ وهل ترضى الولايات المتحدة الأمريكية عن نشوء دولة سورية حرَّة ووطنية ديموقراطية قد تستطيع تفعيل المعركة مع اسرائيل بكل الوسائل المشروعة؟
هل يمكن للإمبريالية العالمية أن تساند ثورة شعب عربي تسعى إلى تحقيق أهداف الانعتاق من أسر الانظمة المستبدة والمرتبطة معها اقتصادياً وسياسياً، وتدعوا إلى التغيير الديموقراطي وإقامة دولة الحق والقانون فتصبح سيّدة نفسها؟
معارضة الخارج استمرَّت بأخطائها عندما دعمت وساندت الفرق العسكرية الإرهابية مثل جبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام وفيلق الرحمن، والعشرات بل المئات من الفصائل المتأسّلمة بالمال والسلاح، وسمحت بالتالي بتطييف الصراع السوري.
والخطأ الثالث بدعوة الدول الاجنبية للتدخُّل العسكري، مرَّة باسم إقامة مناطق آمنة ومرَّة بتدخُّل مباشر.
والخطأ الرابع الذي ارتكبته هو غياب أهداف الانتفاضة عن أعينها والبدء بالتنافس بين أجنحتها وقادتها على تقاسم المناصب القيادية والحصول على أكبر الحصص من المال المتدفق عليها، ممَّا قادها إلى وسط الفساد، وجعل البعض من قادتها سكان الفنادق ونجوم التلفزيونات يستمرئون هذه الحياة ولم يعودوا يرغبون بانتهاء هذه الأزمة.
والخطأ الخامس التي ارتكبته معارضات الخارج هو بعدها عن جماهيرها بالداخل وعدم التَّضامن معها وتلبية مطالبها البسيطة.
والخطأ السادس ابتعاد خطابها عن جمهورها العربي والفلسطيني خاصّة، وإشارات الغزل مع إسرائيل التي وصلت إلى قيام البعض من وجوهها إلى زيارتها، دون أيّة إدانة من قيادة الائتلاف. ممَّا أدَّى إلى وقوف كل القوى الوطنية والقومية التقدمية العربية في الساحة الفلسطينية والاردنية واللبنانية والمصرية والتونسية إلخ ضدّها والتحفّظ تجاهها.
هذا كله جعل أغلبية الشعب السوري من المعارضة يفقد الثقة بها وجعل القسم الأكبر من الذين وقفوا على الحياد ينضمّون إلى صفوف الموالاة.
هذا أدى الى خلق فجوة كبيرة على الساحة السورية الواسعة منذ شهور، ان لم نقل سنين، عديدة، وبدأت الأصوات تعلوا، وخصوصاً بعد الفضائح الجديدة، وحملات التنصُّل من الأخطاء وتحميل الآخرين من الشركاء مسؤوليتها، مطالبة بملء الفراغ الحاصل على السَّاحة السياسية المعارضة، وذلك بتجميع كل القوى الوطنية الديموقراطية، صاحبة القرار المستقل، والتاريخ النضالي الناصع البياض الغير مرتبطة بأجندات اجنبية واقليمية والمؤمنة بالنضال السياسي السلمي من اجل التغيير الديموقراطي وإقامة دولة الحق والقانون.
ومن هنا ومن باب الضرورة، والحاجة الموضوعية والغير مفتعلة، جاءت مبادرة هيئة التنسيق الوطنية للدعوة بتشكيل الجبهة الوطنية الديموقراطية أو القطب الديموقراطي ومهمتها الأساسية كسب ثقة الناس المنهارة بالتجمعات السياسية التي عامت على السطح على مدى السنوات العديدة الماضية، وكسب ثقة الجماهير الحيادية السابقة، بل أبعد منذ ذلك كسب ثقة أوساط واسعة بالموالاة التي وقفت الى جانب النظام متخوِّفة من البديل الأسوأ والأخطر الذي قدَّمته المعارضة الخارجية.
إنَّ الأزمة السورية ما تزال قائمة ولم تنفرج أو تحل على الإطلاق، وأزمات النظام تزداد يوما بعد يوم، ولا داعي لتعدادها.
والانتفاضة الشعبية لم تهزم كما يحلو للبعض أن يروِّج، الذي انهزم هو الثورة المعاكسة من قوى الرجعية والظلام وحملة السلاح المأجور، الذي انهزم إلى حد بعيد هو الإسلام السياسي وحلفاءه من الليبراليين الجدد التآمريين والانتهازيين طلاب المناصب والمكاسب وباعة الوطن.
يجب العودة إلى النضال الشعبي السلمي الوطني الديموقراطي من جديد بمطالبه الشرعية والمحقة. الحق قوة بذاتها لا تهزم.
ولقد تداعت قوى وطنية ديموقراطية وشكلَّت نواة للجنة تحضيرية، قامت بجهد متقن بوضع رؤية سياسية واسعة وعرضتها على الملأ، وقامت بتاريخ ٢١ من شهر كانون الأول الماضي بعقد مؤتمر صحفي في قلب العاصمة دمشق تُلي فيه بيان الإشهار عن هذه النواة الأولية للجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الوطنية الديموقراطية أو القطب الديموقراطي.
لقد كان الصدى قوياً لهذه المبادرة الشجاعة وخصوصا لكونها أُعلنت من الداخل السوري.
وتقوم هذه اللجنة التحضيرية حاليا بتشكيل مكاتب متخصصة لها مثل مكتب اعلام، ومكتب تنظيم، ومكتب اتِّصال وتواصل مع القوى الوطنية الديموقراطية الاخرى، وتبقى الأبواب مفتوحة أيضا تجاه الأفراد والشخصيات الوطنية وأصحاب الاختصاص.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------

3. سورية حزينة لوداع... ابنها الطيب تيزيني...

بمزيد من الأسى تنعي هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي للشعب السوري خاصة، والشعب العربي عامة، رحيل المفكر الدكتور طيب التيزيني في ١٧ أيار المصادف ليوم الجمعة، أحد أهم أعمدة الفكر والفلسفة العربية والعالمية المعاصرة،الذي أثرى بمؤلفاته الفكرية والسياسيةالمكتبة العربية والعالمية ،ومن أهم المشتغلين على مشروع نهضة الأمة وتمهيد الطريق أمام عودتها من جديد.
لم يقتصر إسهام الفقيد الراحل على العطاء المعرفي وحسب ،بل قرن مشاريعه الفكرية بمواقف سياسية ونضالية لا تقل أهمية، حيث وقف ضد الاستبداد والفساد والحكم الأمني العسكري القمعي، وأسهم مع أبناء شعبه بالسعي نحو الحرية والخلاص من الاستبداد، فكان من السباقين إلى ساحات التظاهر والإعتصام مع الشابات والشبان السوريين في حمص ودمشق، وساهم في تأسيس مجلس الحكماء وغيرها من المبادرات لإنقاذ سوريا وشعبها من أخطار تنبأ بها قبل وقوعها، وناله من التضييق والإعتقال مانال الكثير من أبناء شعبنا.
إننا نعزي أنفسنا وشعبنا وأهل الفقيد ومحبيه ورفاقه وزملاءه وطلابه برحيل إبن سوريا الوفي الطيب التيزيني.
لقد خسرت سوريا والأمة العربية علما من أعلامها، ورجلا من رجالاتها ، ومناضلاً في ساحاتها .
دمشق ٢٠١٩/٥/١٩ مكتب الإعلام في هيئة التنسيق الوطنية
----------------------------------------------------------------------------------------------------

4. الهلال العسكري وصفقة القرن
(تحليل اتِّجاه)

سمير سالم

النموذج المصري:

شهد عام 2013 وتحديداً في شهريّ حزيران وتمّوز صعوداً سريعاً لوزير الدفاع المصري الجديد «عبد الفتاح السيسي» إلى واجهة الساحة المصرية بعد إعلانه عزل الرئيس السابق «محمد مرسي»، شهد الشارع المصري حينها تصاعد خطابين أحدهما كان حامله الإسلاميين والمتخوفين من حكم العسكر يرفض الانقلابات العسكرية ويدافع عن شرعية الرئيس المنتخب، ويقابله خطاب يطالب بإجراء انتخابات مبكّرة بعد حوالي السنة على انتخاب الرئيس، بسبب شعورهم بعدم الرضى عن نتائج الانتخابات، وأنَّ الكثير من المطالب التي حملتها ثورة 25 يناير 2011 لم تتحقق.
وفي حين أنَّ الجيش الذي حيَّد سلاحه خلال ثورة "25 يناير" ولم يتدخَّل فعلياً لحماية الرئيس «حسني مبارك» بعد 28 يناير، الجيش نفسه كان من المفاجئ هذه المرَّة أنَّه تدخَّل لإنهاء اعتصام المدافعين عن «محمد مرسي» في ميدان «رابعة العدوية» بالقوة في آب 2013، ودون أي تردّد، ممَّا نتج عنه آلاف القتلى والجرحى، ليظهر للعالم أنَّ مرحلة جديدة من تاريخ مصر قد بدأت، مرحلة وصفها العديد من المراقبين حينها بأنَّها "عودة لنظام حسني مبارك بوجوه جديدة"، ومن الواضح أنَّها لن تسمح لظهور أي احتجاجات في الشارع المصري.
وبعد أن أعلن عدة مرات علانية وصراحة أنَّه لن يترشَّح للرئاسة، وأنَّه لن يسمح لأحد أن يتحدَّث عن استخدام الجيش لتنفيذ أجندات سياسية محدَّدة، عاد المشير «عبد الفتاح السيسي» ليخوض الانتخابات الرئاسية عام 2014، ويحقِّق نسبة 96.9% في مواجهة منافسه «حمدين صباحي» الذي حقَّق نسبة 3.06%.
ليشهد عودة العسكر إلى تصدُّر المشهد السياسي في مصر، وهذه المرَّة بدون أي خلفية أيديولوجية أو حزبية، بل بوصفه رجلاً قادماً من الدولة لتخليص كل المصريين من فترة الاضطرابات التي رافقت فترة الإخوان القصيرة في السلطة، فالرجل الذي عيّنه "محمد مرسي" وزيراً للدفاع في آب 2012 بعد أن أحال المشير «محمد حسين طنطاوي» للتقاعد بقرار رئاسي، لم يكن العديد من المصريين يعرفون من يكون أو من هو، ليبرز نفسه خلال فترة حكم «محمد مرسي» وما شهدت من اضطرابات بوصفه رجل الدولة والجيش المخلّص، في مواجهة إرهاب غير محدد المعالم.
وفي حين أنَّ الواقع المصري قد تراجع كثيراً على المستوى الاقتصادي الاجتماعي منذ عام 2014 وحتَّى اليوم، حيث ارتفعت معدلات البطالة وتدنَّى المستوى المعيشي وتزايدت نسبة الفقر، وحتىَّ على مستوى الحريات الإعلامية والقدرة على التعبير عن الرأي في الداخل المصري حيث تراجعت هذه الفضاءات بحدّة، هذه العوامل كلّها، تجعلنا نطرح العديد من التساؤلات عن تحوّل الرئيس «عبد الفتاح السيسي» إلى رجل يحظى بدعم دوليّ كبير، ويتصدّر الواجهة الإعلامية إلى جانب الرؤساء الغربيين والحكّام العرب.
ويجدر بنا أن نشير إلى أنَّ رئيس الولايات المتحدة الأميركية «دونالد ترامب» أعلن مؤخراً أنَّ إدارته بصدد التحرّك لتصنيف "الإخوان المسلمين" ضمن قائمة الإرهاب على الرغم من انتفاء الشروط الدولية التي قد تستدعي تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في الوقت الحالي، وتعدّ جماعة "الإخوان" الحزب الإسلامي الأساسي في مصر، ويعدّ هذا الخبر بمثابة مؤشر أساسي على صعود التحالف "السعودي-الإماراتي" الذي يحارب هذه الجماعة في الساحة السياسية الدولية، في مقابل التحالف "القطري-التركي" الذي يعدّ المحرّك الأساسي للإخوان المسلمين، وأيضاً مؤشر إضافي إلى دعم أميركا للسيسي في مواجهته المفتوحة للإخوان المسلمين في مصر، والتي لا يتوقع لها أن تنتهي قريباً.
آفاق عسكرية:

وإلى غرب الأراضي المصرية، يبدو الوضع الليبي أكثر اضطراباً منذ أي وقت مضى خلال السنوات التي بدأت بسقوط «معمر القذافي» وصولاً إلى يومنا هذا، فبعد جولة على دولتيّ «الإمارات العربية المتحدة» و«المملكة العربية السعودية» أعلن اللواء «خليفة حفتر» عن عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية "طرابلس" في 4 نيسان 2019.
وقد كان الإعلان عن هذه العملية بعد بضعة أيام من لقائه بالملك «سلمان بن عبد العزيز» وعدد من القادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين في "المملكة السعودية"، وعلى الرغم من إشارة البيان السعودي إلى أنَّ الطرفين قد استعرضا آخر التطورات في ليبيا، إلاَّ أنَّ العديد من المصادر الغربية تحدَّثت عن وعود سعودية بتغطية الحملة على الصعيدين العسكري والمادي، بالإضافة إلى الدعم الإماراتي العسكري والسياسي الدائم لحفتر، والتقى الرئيس «عبد الفتاح السيسي» باللواء «حفتر» في 14 نيسان 2019، وأكدّ على دعمه ل«خليفة حفتر» في مواجهة "الإرهاب والجماعات والمليشيات المتطرفة"، ولم تحقِّق القوات التابعة لحفتر تقدُّماً كبيراً في مواجهتها للقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني إلاَّ أنَّ أكثر العناصر الملفتة هو صعود الدعم الإماراتي والسعودي لقائد عملية "الكرامة" في صراع دامِ على السلطة، ومنذ عام 2013 تشهد حقول النفط صراعات بين الميليشيات المسلحة، شهدت تدخُّلات جوية عديدة من الطيران الإماراتي لترجيح كفة قوات حفتر في العديد من المعارك للسيطرة على الحقول والموانئ النفطية، ويبدو أنَّ الاتِّجاه في الشهور الأخيرة كان لتمكينه من استلام زمام الحكم في ليبيا عوضاً عن رئيس الحكومة «فايز السراج».
أمَّا في السودان التي شهدت مؤخَّراً سقوط الرئيس «عمر البشير» بعد مظاهرات مستمرة في الشوارع السودانية على مدار الأشهر الأخيرة ومطالبات باستقالته، وقد اندلعت الاحتجاجات بداية في كانون الأول من عام 2018 في مدينة "عطبرة" التي تقع شمال شرقي العاصمة الخرطوم نتيجة تردِّي الأوضاع الاقتصادية وصولاً إلى قرار الحكومة برفع سعر الخبز، بعد أن شهدت السودان منذ عام 2017 وتحديداً بعد إصدار أول ميزانية لما سمي "حكومة الوفاق الوطني" والتي ترأسَّها نائب الرئيس الفريق أول «بكري حسن صالح»، وكان وزير ماليتها أيضاً من الجيش، وبالتَّالي لا يملك خبرة في المجال الاقتصادي، ممَّا تسبَّب بخلق مشكلات اقتصادية ومعيشية لا تطاق، على الرغم من القرار الأميركي برفع معظم العقوبات الاقتصادية على السودان في بداية 2017.
وبعد احتجاجات استمرَّت لما يقارب الأربعة أشهر، أعلن الجيش السوداني في 11 نيسان 2019 الاستجابة لمطالب المحتجين وعزل الرئيس «عمر البشير»، لكن الانقلاب الذي قام به نائب البشير ووزير دفاعه «عوض بن عوف» لم يلق الترحيب من قبل المحتجين، فوزير الدفاع هو أحد أبرز أركان نظام البشير، وتضمَّن بيان وزير الدفاع الإعلان عن فترة انتقالية لعامين، وعلى حل المجلس الوطني، وإبعاد حكّام الولايات وتعيين عسكريين عوضاً عنهم، فبدى الأمر وكأنَّه إحلال وتبديل داخل بنية النظام القائم ذاته، بدون أي انتقال إلى ما بعده، كماَّ أنَّ إعلان تعليق العمل بالدستور، وفرض حظر التجوال، فرض شكوكاً قوية حول نوايا هذا الانقلاب نفسه، فالأمر قد تمت تجربته سابقاً في شمال السودان، واليوم يعرف السودانيون آلام جيرانهم المصريين جيداً، وخصوصاً أن حجة الإرهاب الديني التي استخدمتها السلطة في مصر للسيطرة على الحياة السياسية تنتفي في السودان، حيث أنَّ «عمر البشير» يمثّل كلاً من العسكرة والإسلام السياسي.
وفي 13 نيسان 2019 أعلن المجلس العسكري في تشكيلته الجديدة عن نيته تشكيل حكومة مدنية، يترأسها شخصية مستقلة، و قد تولى منصب نائب رئيس المجلس العسكري «محمد حمدان دقلو» "حميدتي"، وهو قائد مليشيا "الدعم السريع" التي شكّلها البشير كقوات مسلّحة وكبيرة العدد، تعمل كقوة موازية للجيش السوداني، وتحوم حول "دقلو" العديد من الشكوك بسبب علاقاته الخارجية والمهام المنخرط بها، فرغم أنَّه ظاهرياً انحاز إلى الثوار في ثورتهم على البشير، فقوَّاته تشارك إلى جانب التحالف الذي تتزعمه السعودية والإمارات في اليمن، وأعلن المجلس العسكري التزامه بهذا الدور في حرب اليمن، رغم وجود معارضة متزايدة لهذا الأمر.
وفي المقابل قدَّمت قوى إعلان الحرية والتغيير رؤيتها للانتقال إلى الدولة السودانية مستقبلاً عبر فترة انتقالية تمتدُّ لأربع سنوات، وتقوم على حكومة مدنية مكوَّنة من ثلاثة مجالس (مجلس سيادة، مجلس وزراء، مجلس تشريعي)، يتألَّف مجلس السيادة المدني من ممثلين عن قوى إعلان الحرية، وقوَّات الشعب المسلَّحة عبر وزارة الدفاع، فيما الاعتماد في تكوين مجلس الوزراء على الكفاءات التي تتمتَّع بالمواصفات المطلوبة من خبرة ونزاهة، ويتضمَّن المجلس التشريعي 120 عضواً، تمثِّل المرأة فيه نسبة لا تقل عن 40%، مع ضمان تمثيل الشباب ومختلف الأطياف الدينية والثقافية السودانية، ويعمل هذا المجلس على وضع أسس الاستفتاء على الدستور الدائم، وتشكيل لجنة الانتخابات القومية وقانون الانتخابات.
أمَّا الجزائر التي أعلن رئيسها «عبد العزيز بوتفليقة» ترشّحه لانتخاباتها للمرة الخامسة على التوالي في 10 شباط 2019، فقد شهدت احتجاجات مستمرّة، وقد أخذت شكلاً منظماً بداية من 22 شباط 2019، وفي هذا اليوم نقلت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية تقريراً تنقل فيه مطالب المحتجين الرافضين لترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، ممّا أنعش آمالهم في إمكانية تغير موقف النظام، قبل أن تعلن قيادة الجيش ممثلة في رئيس هيئة الأركان "أحمد قايد صالح" وقيادات جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديموقراطي عن موقفها السلبي من الاحتجاجات، وأكدت أحقية الرئيس في الترشح للانتخابات مرة أخرى، مما أدَّى إلى رفع حدة الاحتجاجات لتأخذ المطالب شكلاً أكثر جذرية قبل أن تظهر صراعات بين قيادة الجيش «أحمد قايد صالح» ورئاسة الجمهورية ومحيطها، ليتقدَّم بعدها الرئيسَّ «عبد العزيز بوتفليقة» باستقالته من منصبه في 2 نيسان 2019، حيث رحَّبت قيادات المعارضة بالدّور الذي لعبه الجيش وباستقالة الرئيس، و بهذا أصبحت الجزائر أمام مسارين: "الأول دستوري يتبناه الجيش، ويسعى للحفاظ على النظام القائم وإجراء انتخابات، والثاني سياسي يضغط الشارع في اتجاهه بهدف الوصول إلى تحوُّل ديمقراطي"1.
كان التحوّل في موقف الجيش الجزائري ملفتاً للغاية، فبعد وصفه المتظاهرين بال "مغرر بهم" في 24 شباط 2019، بدأت في مساء 8 آذار 2019 تنسب تصريحات ل«قايد صالح» يتحدَّث بها عن وحدة الرؤية بين الجيش والشعب، قبل أن يوجّه في 26 آذار إنذاراً للالتزام بالمادة 102 من الدستور الجزائري، والتي تنصّ على ما يلي:
"-إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبَّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع.
- يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوماً رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدستور.
- وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوماً، يُعلَن الشُّغور بالاستقالة وجوباً حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقاً لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة.
- في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوباً ويُثبِت الشُّغور النِّهائي لرئاسة الجمهورية
وتُبلَّغ فوراً شهادة التّصريح بالشُّغور النِّهائيّ إلى البرلمان الَّذي يجتمع وجوباً.
- يتولَّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدة أقصاها تسعون (90) يوماً، تنظَّم خلالها انتخابات رئاسيَّة.
ولا يَحِقُّ لرئيس الدَّولة المعيَّن بهذه الطريقة أن يترشَّح لرئاسة الجمهوريَّة.
-وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمَّة لأيَّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوري وجوباً، ويثبت بالإجماع الشُّغور النِّهائيّ لرئاسة الجمهوريَّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمَّة.
وفي هذه الحالة، يتولَّى رئيس المجلس الدّستوريّ مهام رئيس الدَّولة. يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبيّنة أعلاه بمهمَّة رئيس الدولة طبقاً للّشروط المحّددة في الفقرات السَّابقة وفي المادة 104من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشح لرئاسة الجمهوريّة."
وكان التهديد بتفعيل هذه المادة بمثابة انقلاب من داخل الدستور على رمز السلطة الرئيسي، ولكي لا يفقد الجيش القدرة على التحكم بمسار الأحداث، فقد هدَّد بإعلان شغور الرئاسة، قبل أن يقدم الرئيس استقالته في 2 نيسان، وعُرِفَ عن «قايد صالح» كونه حليف «بوتفليقة»، فبعد وصوله إلى الرئاسة عام 1999 خاض صراع مع قيادة الجيش ورئيس هيئة أركانه وقتها «محمد العماري»، والذي أعلن معارضته للولاية الثانية لبوتفليقة عام 2004، قبل أن يعيِّن بدلاً منه "قايد صالح" الذي كان على وشك التقاعد بعد أن شغل منصب قائد القوات البرية منذ عام 1994 وحتَّى حينها.
وفي 2 نيسان وبعد اجتماع ترأسَّه «قايد صالح» وحضره قادة القوَّات والنواحي العسكرية والأمين العام لوزارة الدفاع صدر بيان عن وكالة الأنباء الرسمية يطالب فيه الجيش بإعلان حالة الشغور، وتنحِّي الرئيس فوراً، ليذاع بعدها بحوالي نصف ساعة خبر استقالة بوتفليقة.

العسكر في الواجهة مجدداً:

من خلال كل هذه التجارب التي خاضتها البلاد العربية خلال فترة ما بعد "الربيع العربي"، يبدو وكأنَّ توجُّهات الإدارة الأميركية، وباستخدام أدواتها في المنطقة العربية، هو في اتِّجاه تأكيد سطوة العسكر على السياسة في الوطن العربي، مع الخوف من الصعود الإسلامي الذي قد تسفر عنه التجارب الانتخابية، خصوصاً في البلاد التي تشهد نفوذاً كبيراً في الشارع لجماعات بأيديولوجيا إسلامية –مصر نموذجاً-، أي أنَّها اختارت العسكر بوصفهم نقيضاً للإسلاميين، ونلاحظ أنَّ هذا النموذج في التعامل مع السلطة جاء في جمهوريات لطالما عُرِفَ عنها في التاريخ الحديث كونها مناضلة في وجه الاستعمار بأبعاد وخلفيات أيديولوجية قومية عربية، مع أدوار بارزة للمملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة في اللعب بالشؤون الداخلية لهذه الجمهوريات، وقد لا يكون من الصدفة تزامن كل هذه الانقلابات والتحوُّلات مع تصاعد الأحاديث مؤخراً عن "صفقة القرن".
وبعد انقلاب «عبد الفتاح السيسي» في مصر، والسكوت الواضح على انتهاكاته، بل وجعله شريكاً في تنفيذ السياسات الموضوعة للمنطقة، بدا من الواضح أنَّ هناك توجُّهاً أميركياً لتكريسه كنموذجاً لرؤساء البلاد العربية التي شهدت تغييرات وصراعات داخلية على مدى السنوات الماضية، وقد تشهد الأعوام القادمة تشكُّل "هلال عسكري" في شمال أفريقيا، يعتبر الرئيس "السيسي" حجر الزاوية في بنيته كنموذج لرؤساء قادمين، وقد يكون هذا الصعود المحتمل الكبير للحكم العسكري في البلاد العربية جزء من سياسة أميركا المستقبلية في المنطقة، حيث من الممكن أنَّها وجدت آفاق التواصل مع العسكر أقل تعقيداً من تواصلها مع التيارات الإسلامية التي كانت تدعم وتتحاور مع فصائل منهم حتى الأمس القريب.
وفي ظل الأوضاع الحالية لقادة السياسة في الوطن العربي، فأنَّه لا يمكن التعويل على أي نقطة قد تعرقل هذا التوجُّه الذي يتبلور أكثر فأكثر كل يوم سوى إرادة قادة التغيير أنفسهم، الذي يبحث عن مستقبل يلائم طموحه ولا يرغب بالعودة إلى دفاتر الماضي والعسكرة التي أثبتت عدم جدواها على مدى عقود، وخصوصاً في الجزائر والسودان اللتان تشهدان مرحلة مصيرية في صناعتهما للمستقبل.

المصادر:
1- ماذا بعد استقالة بوتفليقة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، ص4.
المراجع:
-عزام، إسماعيل: هدية للسيسي وحلفائه. لماذا تحرّك ترامب ضد جماعة الإخوان؟، موقع (دويتشه فيله)،2019.
- عزام، إسماعيل: طيف عبد الناصر يلاحقه.. لماذا يركز السيسي على السودان وليبيا؟، موقع (دويتشه فيله)، 2019.
- عواد، هاني: مصر بعد "رابعة العدوية"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
- معنى إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017.
- معركة الهلال النفطي في ليبيا: صراع النفوذ ومسارات التشظي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.
- احتجاجات الجزائر: تحالف القوى التي تقف وراء الرئيس، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- احتجاجات السودان: أسبابها، سياقاتها والمواقف الدولية منها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- أبو شوك، أحمد إبراهيم: تجارب الانتفاضات الشعبية في السودان: التحديات والدروس المستفادة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- مصر عشية الانتخابات الرئاسية: جردة لسنوات حكم السيسي الأربع، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.
- هجوم حفتر على طرابلس: بين الرهانات الإقليمية ووقائع الميدان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- ماذا بعد استقالة بوتفليقة: آفاق التغيير الديمقراطي في الجزائر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
- انتفاضة السودان: تعقيدات داخلية واستقطاب خارجي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.

-------------------------------------------------------


5. روسيا تاريخياً في الشرق الأوسط


مصطفى سعد

لا يمكن اعتبار روسيا الاتحادية التي تقوم اليوم في شرق القارة الأوروبية وشمال القارة الآسيوية كياناً ثابتاً جغرافياً أو سياسياً عبر التاريخ، فالكيان الذي نراه اليوم هو حصيلة تغيرات كبيرة مؤثرة في التاريخ، فهي الكيان الذي مرّ بروسيا القيصرية وصولاً إلى الثورة البلشفية التي أسست الاتحاد السوفياتي، وانتهاءً بروسيا الاتحادية التي تبحث اليوم عن موطئ قدم لها في الشرق الأوسط.
ولا تعدّ رغبة روسيا في خلق قاعدة سياسية متقدمة لها في المنطقة أمراً مستجداً على السياسة الخارجية الروسية - وإن كانت لم تبحث في السابق عن تواجد دائم -، بل هي إحدى القضايا التي تمتلك عمق تاريخي في السياسة الخارجية الروسية، فروسيا القيصرية التي تأسست عام 1721 على يد القيصر بطرس الأكبر، الذي كان يملك رؤية مستقبلية لروسيا، تتمثّل في تكريسها كدولة عظمى، وإيجاد دور أكبر لروسيا في العالم الذي كان آنذاك ساحة لصراع توسيع النفوذ وفق عقلية الإمبراطوريات الممتدة، وعلى الرغم من أنه لا يمكن فصل رغبة روسيا القيصرية في الوصول إلى المنطقة عن الجانب الديني، فبسبب كون روسيا مركزاً للمسيحية بشقها الأرثوذكسي، جعل حلم السيطرة على القسطنطينية التي خسرتها الإمبراطورية البيزنطية – التي يعتبرون القياصرة الروس أنفسهم خلفائها - عام 1453 على يد السلطان العثماني محمد الثاني حلماً قائماً، وحنين الوصول إلى الأراضي المقدسة في فلسطين.
يمكن تضمين رغبة روسيا القيصرية في الامتداد إلى الشرق الأوسط، في سياق نزاعها المستمر مع الإمبراطورية العثمانية، وصراع السيطرة على المضائق البحرية والبحث عن الوصول إلى شرق المتوسط، وفي الأعوام ما بين ال1880 و 1914 تطوّر القطاع الاقتصادي في العالم بشكل متعاظم وتغيّرت خارطة الاقتصاد ومراكز القوة الاقتصادية الناشئة في العالم، ولا يمكن فصل النزعة الإمبريالية والتقاسم الكولونيالي للعالم حينها عن الكساد الاقتصادي الكبير، وفي كتابه "عصر الإمبراطورية (1875 – 1914)" يقول المؤرخ «إيريك هوبزباوم» : "كان من المرجح تماماً أن يتحوّل الاقتصاد العالمي الذي تحددت خطواته بفعل تطوره نفسه أو تطور نواته الرأسمالية إلى عالم يهيمن فيه "المتقدم" على "المتخلف"؛ أي، باختصار، إلى عالم إمبراطورية"1.
إلا أنه بسبب طبيعة التركيبة القومية والدينية المعقدة لكل من الإمبراطورية العثمانية وروسيا القيصرية فقد عمل كل منهما، على إثارة النزاعات الداخلية لدى الطرف الآخر، في سياق الحرب التي لم تقتصر جغرافياً على منطقة محددة. وخلال فترة روسيا القيصرية لم يبد أن لروسيا مطامع للاستيلاء على منطقة الشرق الأوسط وفرض نفوذها بقدر رغبتها بفرض سيطرتها على المضائق البحرية، حيث كانت أكثر ميلاً باتجاه إنشاء علاقات ودية وتشجيع الحركات التي تسعى باتجاه استقلال الدول العربية عن السلطنة العثمانية، ويرى الكثير من المؤرخين دعم روسيا لحركات التحرر الوطني (عند الأرمن مثلاً) في سياق رغبتها في زعزعة الاستقرار الداخلي للعثمانيين.
وبعد تهاوي الدولة العثمانية كان تقاسم تركة العثماني عبر اتفاقية سايكس بيكو والتي شكلّت ذروة الطور الكولونيالي لفرنسا وبريطانيا التي تقاسمت المنطقة، وقد ازدادت أهمية هذه التركة بشكل متصاعد مع استعاضة الصناعة عن الفحم بالنفط والغاز كمصدرين أساسيّين للطاقة.
بالتأكيد كان عام 1917 عاماً محورياً في حركة التاريخ ليس على مستوى تغير نظام حكم في روسيا بل شمل العالم كلّه، ففي عام 1917 مع وصول البلاشفة إلى سدّة الحكم في روسيا كشف وزير الخارجية «ليون تروتسكي» وثائق سريّة تبرز دور روسيا القيصرية في هذه المعاهدات، وقد كانت المعاهدة التي تولاها الثنائي سايكس – بيكو تحظى بطرف ثالث هو سازانوف، وقد كان سازانوف حينها وزير الخارجية لروسيا القيصرية، وكانت روسيا ترغب بأن تؤمن عبر الاتفاقية مصالحها على الجزء الشرقي من تركيا ومضيقي الدردنيل والبوسفور، إلا أن انكشاف هذه الوثائق وتوليّ البلاشفة الذين يملكون رؤى مختلفة تماماً مقاليد السلطة في روسيا غيّر المخطط، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان لانكشاف هذه الوثائق أثرها المباشر على الوضع العربي، وخاصة مع وعد بريطانيا للشريف حسين حول تقديمها الدعم لإقامة الدولة العربية المستقلة عن الأتراك، مما غيّر الموقف العربي من دعم الحلفاء.
وبعد تشكّل الاتحاد السوفياتي وبروزه كقطب جديد من العالم، يحمل رؤية أيديولوجية مختلفة في الاقتصاد والسياسة، ومع تعقيدات الحرب العالمية والحرب الباردة وانعكاساتها على الوضع الداخليّ الروسيّ، فإنه لم يعمل على خلق امتدادت جغرافية أو عسكرية له داخل المنطقة، بقدر ما عمل على خلق امتداد ثقافي وسياسي مع بعض الأنظمة العربية وعلى رأسها الأنظمة (المصرية والسورية والعراقية) وبعض الأحزاب الشيوعية المحليّة، وفي حديثه عن النزاع بين قطبي العالم آنذاك على المنطقة يتحدّث المؤرخ «جورج قرم» في كتابه "انفجار المشرق العربي" : "من المهم أن نسجل أن الدبلوماسية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية رأت هذه المنطقة معرّضة تعرّضاً خطيراً للمطامع السوفياتية، وبدت في عيون أصحاب القرار الأميركيين، على صعيدي الدفاع والعلاقات الدولية، منطقة تتميز "بفراغ القوة" بعد انسحاب القوتين الاستعماريتين الإنكليزية والفرنسية اللتين سيطرتا على العالم العربي منذ انهيار السلطنة العثمانية. ورأت من الضروري سد هذا الفراغ من أجل مواجهة توسع القوة السوفياتية في هذه المنطقة من العالم التي شكلت مادة للأطماع الروسية التاريخية (الوصول إلى البحار الحارة)، في نظر الغرب"2.
وقد حاولت القوى الغربية خلق بروباغندا معادية للسوفييت في المنطقة من خلال التركيز على كون الكيان السوفياتي كيان ملحد معادي للأديان، لأنها كانت تمتلك وجهة نظر تتمحور حول أن عدم الانحياز يشكّل ضمنياً دعم للمحور السوفياتي، إلا أن تغير الموقف السوفياتي من إسرائيل بعد أن كان أول دولة اعترفت بدولة إسرائيل، وما حدث خلال العدوان الثلاثي وما بعدها غيّر الكثير في تاريخ علاقة الاتحاد السوفياتي بالمنطقة، وإن كان بإمكاننا اعتبار (أزمة السويس) العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 نقطة تحوّل في تاريخ «جمال عبد الناصر» رسخته كأحد القادة الجماهيريين، إلا أنه على الجانب الآخر من المعركة خلقت الحرب حالة من التعاطف العربي مع الاتحاد السوفياتي ، لدعمه مصر في مواجهة العدوان وكقطب مناوئ للقطب الغربي الذي يدعم المشروع الإسرائيلي، بالإضافة إلى ذلك أعلن الرئيس السوفياتي «نيكيتا خروتشوف» احترامه للتعدد الثقافي والاختلاف العقائدي في العالم، وأن دور روسيا السوفياتية في دعم حركات التحرر يقتصر على إيمانها بحق تقرير المصير، ويلاحظ بوضوح أن الاتحاد السوفياتي لم يقدم للأحزاب الشيوعية العربية سوى الدعم المعنوي لكنه لم يقدم لهذه الأحزاب الحماية حينما تعرضت للاضطهاد من قبل الأنظمة العربية، بل اعتبر الأمر ضمن الشؤون الداخلية لهذه الدول، ومن الملفت أن الرؤساء المتعاقبين على روسيا السوفياتية لم يتعاملوا مع الأحزاب الشيوعية المحلية كقوى مسؤولة عن التغيير في المنطقة بل كثيراً ما اعتبرت أن الأنظمة العربية التي تعتبرها روسيا أنظمة "قومية وطنية" هي التي ستقود التغير نحو الاشتراكية مستقبلاً ضمن مترتبات النظرية السوفياتية التي قدمها «ميخائيل سوسلوف» عام 1964عن (التطور اللارأسمالي)الذي تقوده قوى "ديمقراطية ثورية" دعت موسكو الأحزاب الشيوعية العربية للتحالف معها في مصر والعراق وسوريا والجزائر والسودان ، وهو ما شكَل خلافاً للسوفيات مع عبدالخالق محجوب تجاه نظام النميري.
وفي عهد الرئيس بريجينيف لم تتغير علاقة السوفييت بالمعسكر الغربي، بل إن الرئيس بريجينيف قدم دعمه العسكري للعرب – وخاصة لمصر -في وجه إسرائيل خلال حرب 1973، وخلال السنوات التالية رأى الاتحاد السوفياتي بأن حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي لا يمكن أن يكون إلا عبر تطبيق المواثيق الدولية.
إذاً يمكننا القول بأن الحقبة الشيوعية السوفياتية لم تتسّم بأي رغبة بإقامة قواعد عسكرية أو نزعة استعمارية تجاه منطقة الشرق الأوسط، بل إن الأمر كان يقتصر على مد السوفيات للأنظمة التي تعتبرها مقربة من المعسكر الاشتراكي بالأسلحة والخبراء العسكريين.

روسيا والعودة إلى المنطقة:

كان التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا عام 2015 بمثابة نقطة تحوّل أساسية بعلاقات روسيا الاستراتيجية مع منطقة الشرق الأوسط وتمثّل للدور الذي تبحث عنه السياسة الروسية الخارجية كلاعب أساسي في المنطقة والعالم، فعلى الرغم من التنسيق الروسي – الأميركي الواضح حول التدخل الروسي في سوريا، وهو ما ترجم في القرار 2254، وانعقاد (جنيف3) حول الأزمة السورية، إلا أنه على الجانب الآخر بدا للجميع بأن روسيا تبحث عن إعادة ترسيخ نفسها كقوة أكثر تأثيراً على السياسات الدولية في مواجهة واشنطن وحلفائها من خلال ضمان مشاركة ودور لها في سياسات المنطقة حاضراً ومستقبلاً.
وعلى الرغم من وجود خطاب رسميّ روسيّ يتحدث عن رفضها التدخلات الخارجية في البلاد التي تشهد الصراعات الداخلية، ووجوب احترام سيادة هذه الدول، إلا أنه من الواضح للجميع أن السياسة الروسية كانت تبحث عن قاعدة أساسية لها في المنطقة، حيث ستحوّل سوريا إلى ما يمثل قاعدة متقدمة لها في الشرق الأوسط، تضمن من خلالها مصالحها في المنطقة، وإن كان بغير طريقة قطبي الحرب الباردة الشيوعي – الرأسمالي، بل بطريقة أقرب لأن تكون شريكاً للولايات المتحدة، برؤية مختلفة قليلاً، مع وجود خطوط عريضة متفق عليها بين الطرفين، وخاصة مع تركيز خطابات الرئيس «ترامب» على الرغبة الأميركية بالانسحاب من المنطقة، والتي هي استكمال لسياسة الرئيس «أوباما» من قبله بالتوجه نحو الشرق الأقصى.
هذه التغيرات لم تكن وليدة الساعة، بل يمكننا أن نرجع عقارب الزمن إلى الوراء لنكوّن رؤية أوضح حول دور روسيا الجديد، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في حقبة «يلتسن» خلق هذا الوضع الجديد انشغالاً داخلياً لروسيا على حساب همومها الخارجية وذلك لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، فلم يعد الاتحاد السوفياتي موجوداً على خارطة العالم السياسية والجغرافية، وتحوّلت العديد من الجمهوريات المنفصلة عنه إلى دول ضمن الناتو، وضمن الاتحاد الأوروبي، المنظومتان اللتان تمثلان كل ما هو مناوئ للتوجهات السوفياتية وتمثلان اتجاهات لتحجيم موسكو بوتين، وليس بمقدورنا فصل التوّجه الجديد لروسيا عن رؤى وشخصية الرئيس «بوتين» الذي اجتاح الشيشان عام 1999، ليظهر كرجل روسيا الاتحادية الباحث في التاريخ عن أمجاد القياصرة. تميزت حقبة بوتين بالعديد من القرارات الاستراتيجية التي كانت تكشف عن رؤاه المستقبلية، فقد قام بزيادة الميزانية العسكرية لروسيا، واستبدال هوية روسيا الأيديولوجية والعقائدية بأخرى تحمل روح الدولة الوطنية القوية الساعية إلى فرض سيادتها، والبحث عن تأمين مجالها الحيوي، ويحمل حلم أجداده القياصرة بالوصول إلى المياه الدافئة لشرق المتوسط.
ولا نستطيع أن ننظر إلى الدور الروسي الجديد بدون أن نرى علاقات روسيا مع إسرائيل وكونها مقبولة من الأطراف المشاركة في الحرب السورية (تركيا ودول الخليج العربي وإسرائيل)، أكثر من إيران "الراديكالية"، وبعد غزو العراق قام الرئيس بوتين بزيارته إلى إسرائيل ليكون أول رئيس روسي يقوم بزيارة الأراضي المحتلة، وفي إحدى زياراته الأخيرة إلى إسرائيل عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الزيارة بالقول "مع زيارة موسكو يؤشر نتنياهو لشرق أوسط ما بعد أميركا"، ويمكننا أن نفسر هذه العلاقة المستجدة بالتغير النهائي للعالم الثنائي القطبية يمثّل كل منهما رؤية مختلفة للعالم فالعالم الرأسمالي وتمثّل الولايات المتحدة رأس حربة هذا المعسكر، أما على نقيضه فكان العالم الاشتراكي وقد كانت في حينها روسيا السوفياتية تمثّل وجه هذا المعسكر، أما بعد الانهيار فقد تحول العالم سياسياً واقتصادياً إلى عالم بقطب واحد تمثله الولايات المتحدة وحلقات قوية على الصعيد العالمي تحت قبة هذا القطب مثل الصين التي تصعد بقوة ساعية للحصول على دور منافس لأميركا على الأقل في الشق الاقتصادي، وروسيا كقوة إقليمية عظمى فتحولت القوى الثلاثة إلى قوى رأسمالية الفكر، وإن كانت التجارب الصينية والروسية الاقتصادية يمكن وصفها برأسمالية الدولة، مقابل أميركا النيوليبرالية، ولأن الوضع الاقتصادي الروسي لا يسمح لها بمقارعة أميركا باستخدام ما يمكن أن نسميه بالقوة الناعمة –كما الصين-، فإن سياسة روسيا الخارجية تعتمد على عدة عوامل منها مخزونها العسكري الهائل، وإرثها الدولي السابق كقطب كبير، وانكفاء أميركا عن التواجد في منطقة الشرق الأوسط بعد ما تصنفه تجربة فاشلة في العراق، فكان تدخل روسيا العسكري المباشر في الأزمة السورية عام 2015 نقطة تحوّل في تاريخ المنطقة وعلاقات روسيا الخارجية، وكان الروس يرون التدخل كخيار وحيد في ظل هذا الفراغ للقوة، وخصوصاً بعد التجربة الليبية السابقة وخسارتهم امتيازاتهم والعقود الموقعة مع نظام معمر القذافي، بعد محاولتهم لعب دور الوساطة بين نظام معمر القذافي و"المجلس الوطني" بقيادة «مصطفى عبدالجليل»، وتقوم الرؤى الروسية في الحالتين على إرادة الإصلاح لا التغيير، أي بمعنى آخر تبحث عن الاستقرار في المنطقة بغض النظر عن نوعية هذا الاستقرار، وارتكزت في كل هذه القرارات على توافقية بنسبة معيّنة مع الشرائع الدولية فلم تصطدم بمصالح الأطراف المشاركة في الأزمة السورية، وتعتبر أنها قد نالت شرعية الدخول بمجرد أنها دخلت بناءً على طلب من حكومة دمشق في المشاركة، فهي ترى الحل في سوريا يجب أن يرتكز على لجنة دستورية ومؤتمر سوتشي لا على بيان جنيف والقرارات الدولية.
ولا تتعامل روسيا مع كل قضية من القضايا التي تشارك بها على حدة، فهي بتدخلها الصريح والمباشر في القضية السورية إلى جانب الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، كانت تسعى إلى درء المخاطر عن مصالحها الحيوية، كما في دعمها انفصال أجزاء من جورجيا وأوكرانيا وضمها لجزيرة القرم، فهي اليوم تتعامل مع كل قضاياها دفعة واحدة، فقضية أوكرانيا لا يمكن فصلها عن القضية السورية.
ولا يمكن فصل هذه القضايا أيضاً عن الأبعاد الاقتصادية لروسيا التي تمتلك شركات حكومية متخصصة في مجال الطاقة الغازية والنفطية، فصراعها على مناطق من جورجيا وأوكرانيا يتضمن فعلياً تأمينها لخطوط نقل الغاز إلى روسيا من مناطق الاستخراج، وفي دراسة بعنوان "الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط" يرى عدد من الباحثين: "تملك روسيا مصالح مهمة اقتصادية وأخرى تتعلق بالأعمال في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط يتراوح من الطاقة النووية إلى النفط والغاز. شركاتها التي تملكها الحكومة، مثل غازبروم (Gazporm) وروزاتوم (Rosatom)، تحتفظ بمصالح مهمة في مجال الطاقة ويشمل ذلك أسواق استهلاك رئيسية، وحقول نفط وغاز، وزبائن للبنية التحتية من الطاقة النووية في بلدان مثل إيران والعراق وتركيا، بالإضافة إلى إقليم كوردستان وشرق المتوسط […] إن تقلّب أسواق الطاقة العالمية، مترافقاً مع اعتماد روسيا المتزايد على عائدات النفط نتيجة للتباطؤ الاقتصادي لديها وللعقوبات الاقتصادية الغربية، ألقى بضغط أكبر على موسكو وراء مكاسب في أسواق الطاقة الشرق أوسطية"3.
في النهاية نجد أن دوماً ما كان يشكل الدور الروسيّ بنظامه الاقتصادي وسياساته الداخلية والخارجية، منذ القياصرة مروراً بالبلاشفة والبيروسترويكا وحتى روسيا الاتحادية اليوم، يشكل نقطة أساسية في خارطة العالم السياسية والاقتصادية، فأي عالم سنشهد اليوم مع وجود مستجد لروسيا مباشر في المنطقة ومحاولة صعودها نحو الهدف الذي يريده بوتين لكي تكون قطباً جديداً في صناعة القرار الدولي في العالم؟
المصادر:

1- هوبزباوم، إيريك: عصر الإمبراطورية (1875 – 1914)، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ترجمة: عمر الصباغ، ص122
2- قرم، جورج: انفجار المشرق العربي، دار الفارابي، 2006، ترجمة: د. محمد علي مقلد، ص47
3- سلادن، جيمس. واسر، بيكا. كونابل، بن. غران-كليمان، سارة: الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، مؤسسة رند، ص7

المراجع:
- زيدان، ناصر: دور روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013.
- هوبزباوم، إيريك: عصر الإمبراطورية (1875 – 1914)، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ترجمة: عمر الصباغ.
- قرم، جورج: انفجار المشرق العربي، دار الفارابي، 2006، ترجمة: د. محمد علي مقلد.
- سلادن، جيمس. واسر، بيكا. كونابل، بن. غران-كليمان، سارة: الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، مؤسسة رند.
- بشارة، عزمي: روسيا الجيوستراتيجيا فوق الأيديولوجيا وفوق كل شيء، سياسات عربية، العدد 17، تشرين الثاني، 2015.
- الجرباوي، علي: الرؤى الاستراتيجية لثلاثي القطبية الدولية: تحليل مضمون مقارن، سياسات عربية، العدد31، آذار، 2018
------------------------------------------------------------------------------------------------

6. الإخوان المسلمون والسعودية

محمد سيد رصاص
2014 / 3 / 20
جريدة "الأخبار"

في موسم حج عام 1936 التقى «حسن البنا» مع الملك «عبد العزيز آل سعود»: عرض البنا تأسيس فرع للإخوان المسلمين في المملكة، ليجيب الملك برفض مهذب من خلال العبارة التالية: "كلنا اخوان، وكلنا مسلمون". بالتأكيد كان في ذكريات الملك ما حصل في عامي 1928-1929 من قبل حركة تمرد مسلحة انبثقت من داخل الحركة (الوهابية – السعودية)، التي تأسست مع الحلف الشهير عام 1744 بين «محمد بن سعود» و«محمد بن عبد الوهاب» في الدولة السعودية الأولى لماجري تقاسم وظيفي يتولى آل الشيخ ابن عبد الوهاب الشأن الديني وآل سعود الأمر السياسي، تسمت باسم (الإخوان) بقيادة زعيم قبيلة مطير فيصل الدويش وزعيم قبيلة عتيبة سلطان بن بجاد في مناطق شمال نجد وفي المناطق المحاذية للحدود الكويتية والعراقية، كان الاثنان من كبار قادة عبد العزيز آل سعود وكان لهما دور كبير في سيطرته العسكرية على نجد والحجاز.
في أواخر العشرينيات كان هناك توتر كبير بين هاشمي بغداد وعمان، تدعمهما بريطانية، وبين آل سعود الذين أسقطوا سلطة الشريف حسين على الحجاز في عامي 1924-1925. كان الزعيمان القبليين مستاءان من تهميشهما في المناصب بالدولة الوليدة وكانت لندن تفكر في خط حديدي يربط البصرة بميناء حيفا عبر شمال المناطق التي يسيطر عليها ابن سعود. دعمت بريطانية التمرد المسلح الذي كان أكبر تحد عسكري واجهه الملك عبد العزيز في مسيرة حكمه احتاج منه سنتان وكان يقود المعارك بنفسه حتى اخماد التمرد.
هذه المعادلة، بين التنظيم الجديد المولود في مصر منذ آذار 1928 والمملكة التي أعلن رسمياً عن قيامها عام 1932 بعد ضم عسير لتنضم لنجد والاحساء والحجاز ظلت قلقة وكان تعامل الرياض الايجابي الحذر مع التنظيم الجديد له علاقة بالتوتر مع الملك فؤاد(1936 )الذي فكر جدياً بالخلافة بعد الغاء أتاتورك للخلافة العثمانية عام 1924 ثم بالعلاقة المتوترة مع ابنه فاروق القريب من بريطانية ذات العلاقة المتوترة مع المملكة السعودية الجديدة التي لم تعترف بها القاهرة بضغط من لندن.
مع تأسيس الجامعة العربية في آذار1945 بدأ تبلور حلف بين الرياض والقاهرة ضد هاشمي بغداد وعمان تزامن مع لقاء جمع الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي روزفلت بباخرة عند قناة السويس أثناء عودة الرئيس الأميركي من قمة يالطا مع ستالين وتشرشل، كان البنا مسروراً من هذا التقارب المصري- السعودي وفي حج 1945 استقبل البنا من قبل مندوب الملك الأمير عبد الله الفيصل ثم بالعام التالي استقبله الملك.
لم يكن هناك الكثير من المشتركات العقيدية بين (الاخوان) و(الوهابية): كان البنا من دون تفكير مذهبي لا يتقيد بتخوم المذاهب السنية وخلافاتها التي امتدت من الفروع لبعض الأصول مع تغلغل الأشعرية في المذهبين الشافعي والمالكي مماكان مصدر نزاعات كبرى مع الحنابلة وإنما كان يؤمن ب"صحيح اسلام جميع أهل القبلة والشهادتين" وكان تفكيره مثل الأفغاني في (اسلام عام) يتجاوز التخوم السنية- الشيعية. كان الوهابيون في الطرف الآخر عقيديا يكفرون الأشاعرة والشيعة.
كان اللقاء سياسياً محضاً: تزعزعت علاقة (الاخوان) مع الرياض في 17 شباط 1948 مع دعم حسن البنا للانقلاب على الإمام اليمني يحيى في صنعاء ومقتله ثم مع دعم الملك عبد العزيز، والملك فاروق لابن الإمام المقتول أحمد في اجتياحه صنعاء يوم 14 آذار 1948 وافشال الانقلاب في محاولة من الأسرتين المالكتين لتفشيل أية محاولة لتجاوز أنظمة الحكم الوراثي الملكي بأي من دول الجامعة العربية.
كان ضرب تنظيم الاخوان في الشهر الأخير من عام 1948 ثم اغتيال البنا في شباط 1949 حصيلة لفاتورة ما جرى في صنعاء وتداعياته في القاهرة والرياض، كان تجاوز حدود الحكم الملكي الوراثي سبباً في تقارب سعودي-اخواني عام 1954 بعد أن كان سبباً للخلاف بينهما عام 1948، لما استقبل المرشد العام للإخوان المسلمين «حسن الهضيبي» استقبالاً حافلاً أثناء زيارته للسعودية في يونيو 1954، وهو الخارج من السجن بعد خلاف عاصف مع «جمال عبد الناصر»، وزوده الملك سعود بطائرة خاصة أقلته في رحلته إلى دمشق. بعد ضرب عبد الناصر لتنظيم الاخوان، إثر حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954، لاقى الاخوان المسلمون المصريون ملجئاً رحباً في السعودية ثم تبعهم (اخوان) سوريا في فترة /1964-1982/.
تزامن هذا مع خلاف الرياض والقاهرة الذي انفجر منذ ربيع عام1957في شكل مجابهة وصلت إلى حدود "حرب باردة عربية" كانت انعكاساً لماجري بين واشنطن وموسكو وأصبح لها شكل أيديولوجي لما طرح الملك فيصل "الحلف الاسلامي" مع إيران وباكستان عام 1965 ضد عروبية عبد الناصر في ذروة حرب اليمن.
احتاج الملك فيصل إلى مدرعات أيديولوجية في وجه الطرح القومي العروبي لم يجده سوى عند (الاخوان)،الذين لم يجدوا فقط في الرياض ملجئاً وإنما أيضاً سنداً ضد القاهرة ثم كانت بوابتهم إلى العاصمة المصرية بعد أن كان الملك فيصل عراب المصالحة بين الرئيس المصري الجديد السادات وتنظيم الاخوان في صيف 1971 إثر ضرب ناصريي 15 مايو 1971 وتوتر العلاقات المصرية- السوفياتية.
كانت حصيلة هذا الزواج بين السلطة السعودية وتنظيم الاخوان، سيطرة الأخيرين على النظام التعليمي بالسعودية ويكفي هنا الاشارة إلى الاخواني المصري «مناع القطان» الذي وضع منذ الخمسينيات السياسات التعليمية في المملكة وأصبح مديراً للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود، والاخواني السوري «عبد الفتاح أبوغدة» الذي وضع مناهج الدراسات العليا في كلية التربية بجامعة الامام محمد بن سعود ووضع مناهج المعهد العالي للقضاء بالرياض وكلية الشريعة بجامعة الامام ابن سعود. نازعهم السلفيون الوهابيون التقليديون في حقل القضاء.
في الحياة الأكاديمية السعودية بفترة /1970-1991/ كانت السيطرة الاخوانية غالبة أمام السلفيين و"الليبراليين "،وقد امتد الاخوان إلى النظام التعليمي الحكومي ثم قاموا بتأسيس مدارس خاصة مثل (مدارس التيسير) في جدة التي أسس سلسلتها الاخواني المصري «أحمد حسن الخولي» عام 1968.
تعزز هذا الزواج السياسي السعودي- الاخواني في محطة أفغانستان /1979- 1988/ ولم تزعزعه تقاربات الاخوان مع الخميني عقب وصول الأخير للسلطة وارسال التنظيم الدولي للاخوان وفداً لمقابلة القائد الايراني كان أحد أعضائه سعودياً هو «عبدالله سليمان العقيل».
في عام1986حصل تصدع اخواني سوري مع الرياض لما انقسم التنظيم السوري بين موالين للرياض بقيادة الشيخ أبوغدة وموالين لبغداد بزعامة «عدنان سعد الدين»، خففت آثاره بوقوف القيادة الاخوانية بالقاهرة مع الجناح الموالي للرياض، لم يؤد هذا الزواج إلى تقاربات أيديولوجية بين النزعتين الاخوانية الأصولية والنزعة السلفية الوهابية وعندما حاول الإخواني السوري «محمد سرور زين العابدين» المقيم بالسعودية ايجاد توليفة جامعة بين ابن عبد الوهاب وسيد قطب نبذه الاخوان، ولكن لاقت "السرورية" رواجاً كبيراً ولتنافس الاخوان في حصونهم التعليمية والأكاديمية السعودية بالثمانينيات كما كان لتلاميذه تأثير ثقافي كبير في السعودية مثل(سفر الحوالي).
كانت محطة غزو العراق للكويت في 2 آب 1990 سبباً لافتراق اخواني – سعودي كبير لماوقفت كل تنظيمات الاخوان(ماعدا الفرع الكويتي وجناح الشيخ أبوغدة) ضد استعانة دول الخليج بالقوات الأميركية ضد العراق، شارك الاخوان في هذا السروريون، ثم سلفيون آخرون مثل أسامة بن لادن كان متأثراً باخواني درًس في السعودية هو «عبد الله عزام» هو من المتأثرين بسيد قطب، قبل أن يمزج ابن لادن سلفيته الوهابية مع "جهادية" أيمن الظواهري المتأثر أيضاً بسيد قطب.
خلال التسعينيات لم تقطع الرياض مع (الاخوان) ولكن كان واضحاً تفضيلها للرئيس مبارك وزين العابدين بن علي وجنرالات الجزائر الداخلون جميعاً في صدامات مع الاسلاميين، وبعد(11 سبتمبر 2001) أصبح واضحاً مع الضغط الأميركي لربط الوهابية بالإرهاب ثم مع دخول (السلفية الجهادية) في عمليات داخل السعودية ضد السلطة، أن الرياض ستتجه نحو انفصال "ما" مع ما بدأ مع الحركة الاسلامية العالمية منذ خريف 1954، وقد أتى تصريح الأمير نايف في 23 نوفمبر 2002 لجريدة السياسة الكويتية عن أن "جماعة الاخوان المسلمين أصل البلاء، كل مشاكلنا وافرازاتنا جاءت من جماعة الاخوان المسلمين فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار" لتوضيح معالم الطلاق لهذا الزواج السعودي- الإخواني، خلال عقد زمني فاصل عن بدء "الربيع العربي "في الشهر الأول من عام 2011 كانت السعودية في افتراق جبهي في المواضيع الرئيسية عن(الاخوان): غزو أفغانستان-العراق-الموقف من الأنظمة العربية القائمة-حرب تموز2006-إيران.
شعرت السعودية بالقلق من الظاهرة الاسلامية التركية الأردوغانية وبداية طروحات أميركية عن "بديل اسلامي معتدل" لتطرف "القاعدة" ترافق مع تقاربات اخوانية مصرية مع واشنطن أثمرت ضغطاً أميركياً على مبارك قاد لأخذ (الاخوان) خمس مقاعد البرلمان المصري عام 2005 ثم دخول الحزب الاسلامي العراقي في وزارة المالكي بأيار2006.
مع سقوط زين العابدين بن علي ومبارك بعام 2011 ثم تولية أنقرة والدوحة الملف السوري المعارض من قبل واشنطن كان هناك صعود اخواني برعاية أميركية- تركية أثمر وصولاً إلى السلطة لاخوان تونس ومصر وتصدراً اخوانياً للمشهد السوري المعارض عبر "مجلس اسطنبول". قوبل هذا بتوجس وقلق سعودي كبير قاد إلى دعم سعودي صريح لقوى مضادة للإخوان في القاهرة وتونس ولدعم قوى مضادة للإخوان في المعارضتين المدنية والعسكرية السورية حتى احكام سيطرة الرياض على "الائتلاف "السوري المعارض منذ أواخر أيار2013، ثم ظهر دور الرياض في دعم انقلاب3يوليو 2013 ضد مرسي وفي دعم الاضطراب المعارض التونسي ضد سلطة حركة النهضة.
كخلاصة عامة: كان هناك زواج مصلحة متبادلة بين الرياض و(الاخوان) في فترة /1954-1990/ تزعزع في محطة الكويت، الطلاق كان بعد(11 سبتمبر2001)، المواجهة كانت مع الصعود الإخواني ب عام 2011.
يبدو أن انطلاق المجابهة وتحولها إلى صدام علني هو بسبب الخوف من تكرار في عهد مرسي لتحالف اسطنبول والقاهرة كالذي كان بين السلطان العثماني ومحمد علي باشا لماقام الأخير بتدمير الدرعية ب عام 1818وقضى على الدولة السعودية الأولى، وخاصة مع وجود الكثير من الزرع الفكري-الثقافي-المؤسساتي ل (الاخوان المسلمين) في المجتمع السعودي كان يمكن أن يجعلهم "البديل الاسلامي" في حال نشوب أي اضطراب داخلي كالذي جرى في قاهرة25 يناير2011، انضاف لهذا القلق السعودي ما أوحى به مرسي في طهران من طرحه لتلاقي مصري-تركي-ايراني-سعودي كان من الواضح أن الرياض ستكون هي الطرف الأضعف فيه إن قبلت وسيطوقها إن رفضت. قبل هذ وذاك توجس الرياض من أي قطب عالمي للإسلام السني يكون خارجها.


7. مقتطف من كتاب: "رأسمالية الدولة في روسيا" لـ«توني كليف»
البيروقراطية الستالينية:
أقصى وأنقى تجسيد لرأس المال.

كتب ماركس:
"ليس للرأسمالي أية قيمة تاريخية، ولا أي حق في ذلك الوجود التاريخي، إلا كتجسيد لرأس المال... ولكن طالما أنه رأس مال متجسد، فإن ما يدفعه للعمل ليس القيمة الاستعمالية، ولا الاستمتاع، وإنما القيمة التبادلية وزيادتها. إن الرأسمالي، وهو الخادم المتعصب للتراكم، يجبر الجنس البشرى بلا رحمة على الإنتاج من أجل الإنتاج، وحيث أنَّ أعماله ليست إلاَّ مجرَّد وظيفة لرأس المال -وهو رأس مال لديه، في شخصه، وعي وإرادة - فإن استهلاكه الشخصي يصبح سرقة، تتم على حساب التراكم... وبالتالي، ادخروا، ادخروا، ادخروا، أي أعيدوا تحويل أكبر قدر ممكن من فائض القيمة أو فائض المنتج إلى رأس مال! التراكم من أجل التراكم، والإنتاج من أجل الإنتاج".
تصبح الوظيفتان -استخراج فائض القيمة وتحويله إلى رأس مال -وهما أساسيتان للرأسمالية - منفصلتين مع انفصال السيطرة والإدارة. ففي حين أن وظيفة الإدارة هي استخراج فائض القيمة من العمال، فان السيطرة تشرف على تحويله إلى رأس مال. بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي، هاتان الوظيفتان فقط ضروريتان، يبدو حاملو السندات أكثر فأكثر كمستهلكين لجزء ما من فائض القيمة. إن استهلاك جزء من فائض المنتج بواسطة المستغلين ليس قاصرا على الرأسمالية، وإنما وجد في ظل كافة الأنظمة الطبقية. أما ما يميز الرأسمالية فهو التراكم من أجل التراكم، بهدف الاستمرار في المنافسة.
في الشركات الرأسمالية، معظم التراكم يكون مؤسسياً، تمول الشركة نفسها داخلياً، في حين يستخدم الجانب الأعظم من العوائد الموزعة على حاملي الأسهم للاستهلاك. في ظل رأسمالية دولة تطورت بالتدريج من الرأسمالية الاحتكارية، يظهر حاملو السندات أساساً كمستهلكين في حين تظهر الدولة كأنها الجهة المسئولة عن التراكم.
كلما ازداد ذلك الجزء من فائض القيمة المخصص للتراكم مقارنة بالجزء المستهلك كلما كشفت الرأسمالية عن نفسها بصورة أكثر نقاءً. وكلما ازداد الوزن النسبي لعامل السيطرة مقابل عامل حمل السندات. أي بعبارة أخرى، كلما ازداد خضوع العوائد للتراكم الداخلي بواسطة الشركة أو الدولة المالكة، كلما كشفت الرأسمالية عن نفسها بصورة أكثر نقاءً.
الكل يعرف أن أولئك الذين يسيطرون على رأس المال، أي الذين يمثلون أقصى تجسيد لرأس المال، لا يحرمون أنفسهم من متع هذا العالم، ولكن أهمية إنفاقهم تقل كثيراً من الناحية الكمية وتختلف من الناحية النوعية عن أهمية التراكم، ولايمثِّل إنفاقهم أهمية تاريخية رئيسية.
إننا نستطيع بالتالي أن نقول إن البيروقراطية الروسية، من خلال "امتلاكها" للدولة وسيطرتها على عملية التراكم، تمثل التجسيد الأكثر نقاء لرأس المال. إلا أن روسيا مختلفة عن النموذج -أي مفهوم رأسمالية الدولة المتطورة بالتدريج من الرأسمالية الاحتكارية. إن هذا الاختلاف عن مفهوم رأسمالية الدولة التي تتطور تدريجياً، وعضوياً، من الرأسمالية الاحتكارية لا يجعل مسألة مفهوم رأسمالية الدولة غير ذات أهمية. بل على العكس من ذلك، فما له أهمية عظمى أن نجد أن الاقتصاد الروسي يقترب من هذا المفهوم أكثر كثيراً مما تستطيعه أية رأسمالية دولة تطورت تدريجيا على أساس رأسمالي. فكون أن البيروقراطية تنفذ مهام الطبقة الرأسمالية، وبذلك تحول نفسها إلى طبقة، يجعلها التجسيد الأكثر نقاءً لهذه الطبقة. وعلى الرغم من اختلافها عن الطبقة الرأسمالية، فإنها في الوقت نفسه الأقرب لجوهرها التاريخي. البيروقراطية الروسية كنفي جزئي للطبقة الرأسمالية التقليدية هي في الوقت نفسه التجسيد الأكثر صدقا للرسالة التاريخية لهذه الطبقة. إن القول بأن طبقة بيروقراطية تحكم في روسيا والوقوف عند هذا الحد هو تحايل على القضية الأساسية – علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة في روسيا. والقول بأن روسيا رأسمالية دولة سليم تماماً، ولكنه غير كافي، فمن الضروري أيضاً الإشارة إلى الاختلافات في العلاقات القانونية بين الطبقة الحاكمة في روسيا والطبقة الحاكمة في رأسمالية الدولة التي تتطور تدريجيا من الرأسمالية الاحتكارية. الاسم الأكثر دقة إذن للمجتمع الروسي هو "رأسمالية الدولة البيروقراطية". شكل ملكية البيروقراطية يختلف عن شكل ملكية البرجوازية في روسيا، تظهر الدولة كصاحب عمل، ويظهر البيروقراطيون كمديرين فقط. هناك فصل كامل بين وظيفة الملكية ووظيفة الإدارة. إلا أن الأمر كذلك من الناحية الصورية فقط. فمن الناحية الجوهرية، تتركز الملكية في أيدي البيروقراطيين كجماعة، إنها متمثلة في دولة البيروقراطية. ولكن كون أن المدير الفرد يبدو وكأنه لا يمتلك وسائل الإنتاج، وكون أن حصوله على الجزء الخاص به من الدخل القومي في شكل راتب قد يخدع المرء ويجعله يعتقد أنه يحصل فقط على مكافآت مقابل قوة عمله بنفس الطريقة التي يحصل بها العامل على مكافأة مقابل قوة عمله. وفضلا عن ذلك، فحيث أن عمل الإدارة ضروري لكل عملية إنتاج اجتماعي، وبالتالي ليس له صلة بعلاقات الاستغلال، فان الفارق بين وظيفة العامل ووظيفة المدير يصبح ضبابياً لأن الوظيفتين متضمنتان في عملية الإنتاج الاجتماعي. هكذا فان العلاقات الطبقية العدائية تبدو كأنها متناغمة. ويبدو عمل المستغلين وعمل تنظيم الاستغلال كلاهما متجسد كعمل. كما تبدو الدولة وكأنها تقف فوق الشعب، كأنها ملكية مجسدة، في حين يبدو البيروقراطيون، الذين يشرفون على عملية الإنتاج ويعتبرون بالتالي تاريخيا تجسيداً لرأس المال من الناحية الجوهرية، يبدون كعمال، وبالتالي منتجين للقيمة بعملهم ذاته.
ولكن، من الواضح أن دخل البيروقراطية له علاقة مباشرة بعمل العمال لا بعمل البيروقراطية ذاتها. كما أن حجم هذا الدخل في حد ذاته يكفي لكشف الفارق الكيفي بين دخل البيروقراطية وأجور العمال. لو لم يكن ثمة فارق كيفي بينهما، فيتعين علينا إذن أن نقول إن اللورد ماكجوان، الذي يحصل على أعلى مرتب يتقاضاه مدير في بريطانيا، لا يفعل سوى بيع قوة عمله. والى جانب ذلك، فان الدولة، التي هي صاحب العمل وتبدو كأنها تقف فوق الشعب، هي في الحقيقة تنظم البيروقراطية كجماعة.
ما الذي يحدد تقسيم فائض القيمة بين الدولة والبيروقراطيين كأفراد؟
في حين أن التقسيم الكمي للقيمة الإجمالية المنتجة بين الأجور وفائض القيمة يعتمد على عنصرين مختلفين كيفيا –قوة العمل ورأس المال -فان تقسيم فائض القيمة بين البيروقراطية كجماعة (الدولة) والبيروقراطيين الأفراد لا يمكن أن يقوم على أي فارق كيفي بينهما. لا يستطيع المرء إذن أن يتحدث عن قوانين دقيقة عامة لتقسيم فائض القيمة بين الدولة والبيروقراطية أو توزيع نصيب البيروقراطية بين مختلف البيروقراطيين. وبالمثل لا يستطيع المرء أن يتحدث عن قوانين عامة دقيقة تنظم توزيع. الربح بين ربح المشروع والفائدة، أو بين ملاك مختلف أنواع الأسهم في البلاد الرأسمالية. (انظر كارل ماركس، رأس المال الجزء الثالث، ص ٤٢٨)
سيكون من الخطأ، مع ذلك، أن نفترض أن هذا التقسيم يحدث بشكل اعتباطي تماما. فالنزعات يمكن أن تعمم. وهي تعتمد على ضغط الرأسمالية العالمية الذي يتطلب الإسراع بالتراكم، والمستوى المادي الذي وصل إليه الإنتاج بالفعل، وميل معدل الربح للانخفاض الذي تقلل نسبيا مصادر التراكم، الخ. إذا أخذنا هذه الظروف في الحسبان، نستطيع أن ندرك لماذا تتم مراكمة جزء أكبر على الدوام من فائض القيمة. وفي الوقت نفسه، فان البيروقراطية التي تدير عملية التراكم لا تهمل إشباع رغباتها الشخصية، وتزداد كمية فائض القيمة التي تستهلكها بشكل مطلق. إن هاتين العمليتين ممكنتان فقط إذا كان هناك تزايد مستمر في معدل استغلال الجماهير، وإذا وجدت مصادر جديدة لرأس المال بشكل مستمر (يفسر هذا عملية التراكم البدائي التي تم بها نهب الفلاحين الروس، والنهب الذي تم لبلاد أوروبا الشرقية.)

_______________________________________

8. شخصيات ماركسية:

برز بمداخلته في المجلس الوطني العام للحزب الشيوعي ضد كتلة خالد بكداش-يوسف فيصل"...
سلسلة قادة الأحزاب الشيوعية العربية: أحمد فائز الفواز

من مواليد الرقة عام 1934. انتسب للحزب الشيوعي السوري عام 1950 أثناء دراسته في حلب. نال الشهادة الثانوية عام 1952. انتسب بعد ذلك لكلية الطب في الجامعة السورية وقضى فيها خمس سنوات.
أكمل دراسته في كلية الطب في جامعة هومبولت (برلين)، وتخرج كطبيب عام 1960، وبدأ الاختصاص بالأمراض الباطنية في مستشفى الشاريتيه الجامعي في برلين وأنجزه عام 1967. عاد لسورية بعد ذلك وفتح عيادته الطبية في الرقة.
انتخب في المؤتمر الثالث للحزب في حزيران 1969 كعضو مرشح للجنة المركزية. برز بمداخلته في المجلس الوطني العام للحزب المنعقد في تشرين الثاني 1971 ضد كتلة خالد بكداش-يوسف فيصل (منشورة ضمن كتاب "قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي السوري" ص ص 377-404). بعد انشقاق 3 نيسان 1972 الذي أعلنه خالد بكداش أصبح عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي.
بعد المؤتمر الرابع للحزب (كانون الأول 1973) انتخب عضواً في المكتب السياسي للجنة المركزية والأمانة المركزية، ورئيساً لهيئة تحرير جريدة "نضال الشعب" الناطقة باسم الحزب حتى اعتقاله في يوم 5 تشرين الأول 1980، وأفرج عنه في يوم 5 تشرين الأول 1995.
كان المسؤول الرئيسي عن كتابة "موضوعات المؤتمر الخامس" وكتابة "ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي" (كانون الأول 1979) وكان هو الذي كتب نص "بيان إعلان التجمع الوطني الديمقراطي" الصادر في 18 آذار 1980.
حضر المؤتمر التداولي للحزب في شهر آذار 2001، وبعد ذلك انقطعت علاقته التنظيمية بالحزب.
ساهم في نشاط التجمع الوطني الديمقراطي وترأس هيئة تحرير نشرة "الموقف الديمقراطي" بين عامي 2001 و 2005.
انتخب رئيساً لجمعية حقوق الإنسان، التي كانت تنشط في الهامش الضيق المتاح، والتي ألغيت بقرار من المحكمة الإدارية العليا في 2009.
بعد مؤتمر حلبون في 17 أيلول 2011 أصبح عضواً في المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية ثم استقال في كانون الثاني عام 2012.
------------------------------------

9. ذكرى :
عيد النصر على ألمانيا النازية



الدكتور جون نسطة
صفحة الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الفيسبوك
https://www.facebook.com/scppb.org/
جرت البارحة التاسع من شهر أيار/مايو احتفالات كبيرة وحاشدة شارك فيها أكثر من ١٢ مليون مواطن روسي، بمناسبة عيد النصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. ولقد شارك الرئيس بوتين بهذه المسيرات رافعا صورة لأبيه الذي سقط في هذه الحرب الشعواء. وكان قبل ذلك قد شهد استعراضا عسكريا ضخما للجيش الروسي، ظهرت فيه اسلحة روسية متطورة وحديثة، والقى فيه خطابا بهذه المناسبة الغالية على قلوب الروس وكافة الشعوب السوفياتية سابقاً.
المسيرات المليونية في العاصمة موسكو ظهرت فيها بكثافة غير عادية الإعلام الروسية وأعلام الاتحاد السوفييتي سابقاً، وحمل أكثر المشاركين صور كبيرة لأهاليهم وأقاربهم، الذين سقطوا شهداء في الحرب، إلى جانب صور القادة العسكريين السوفييت، وشاهدت بأم عيني صورة كبيرة للجنرال ستالين أيضا.
مسيرات موسكو، الزاهية الألوان، مع بالونات الهواء المختلفة الألوان، عبرت شوارع المدينة الكبيرة متوجهة إلى الساحة الحمراء رافعة الأعلام والصور ومنشدة اغاني النصر السوفييتية، قدمت دليلاً واضحاً على الملأ باحتفاظ الشعب الروسي بذاكرته الحية على هذا الحدث التاريخي وعلى التضحيات الهائلة التي قدمها، فقد سقط في هذه الحرب الوطنية العظمى ٢٨ مليون إنسان سوفيتي. ولم تقتصر هذه المسيرات على العاصمة موسكو بل عمت كافة المدن الروسية.
بدأت هذه الحرب بالهجوم المفاجئ والمباغت للجيش الألماني بيوم ٢٢ حزيران عام ١٩٤١ بمشاركة ٤.٥ مليون جندي على جبهة طولها ٢٩٠٠ كم، تحت اسم بربروسا الإمبراطور الألماني السابق.
رغم النجاحات الألمانية الهتلرية الاولى، فإن صمود مدن بأكملها مثل ستالين غراد ولينين غراد الاسطوري وبطولات الجيش الأحمر ودعم المدنيين الروس الكبير وتشكيلات الحرس الأحمر، حولت مجرى الحرب لصالح الاتحاد السوفييتي، وبدأت الهزائم الالمانية المتكررة والتراجع خطوة بخطوة، إلى تمكن الجيش الاحمر بقيادة الجنرال جوكوف من دخول العاصمة برلين ورفع العلم الأحمر على مبنى الرايشتاغ البرلمان الألماني إلى انتحار هتلر وغوبلز وهزيمة ألمانيا النهائية عام ١٩٤٥.
إن هذا النصر العظيم شكل نصراً عالمياً لكل الانسانية جمعاء. فقد قضي على أعتى قوى الظلام والوحشية والعنصرية النازية في التاريخ الإنساني. وشكل بداية حقيقية لعصر التحرر والاستقلال الوطني لشعوب أفريقيا وآسيا، وفي طليعتها الدول العربية، فقد كانت سوريا أول بلد في آسيا ينال حريته واستقلاله التام المنجز في السابع عشر من نيسان عام ١٩٤٦.
------------------------------------








___________________









زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا