الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم العالي في العراق... كيف نصلحه؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


التربية والتعليم ركنان أساسيان لنهضة وإزدهار أية أمة من الأمم , إذ لا يمكن لأي بلد تحقيق أي قدر من التقدم بدون بناء منظومة تعليمية راقية بدءا برياض الأطفال وإنتهاءا بالجامعات , ذلك أن التربية والتعليم هما أهم أدوات التنمية المستدامة وتفوق أهميتهما أهمية رأس المال ومصادر الطاقة والموارد الطبيعية , كما أثبتت ذلك تجارب الأمم والشعوب قديمها وحديثها . ويكفي أن نشير هنا إلى ما أولته الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأعظم في عالمنا المعاصر لقطاع التربية والتعليم في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان عندما أشار وزير التربية والتعليم الأمريكي يومذاك تيريل إتش بيل إلى أن النظام التعليمي في الولايات المتحدة قد فشل في تلبية الحاجة الوطنية للقوة العاملة التنافسية , حيث شكل لجنة من (18) عضو من القطاع الخاص والحكومي والتعليمي برئاسة ديفيد بيربونت غاردنر لتقييم "نوعية التعليم والتعلم" في المرحلة الابتدائية والثانوية ومستوى التعليم بعد الثانوي،العام والخاص , ومقارنة المدارس والكليات الأمريكية مع تلك الموجودة في الدول المتقدمة .
صدر التقرير عام 1983بعنوان " أمة في خطر " , جاء في صفحاته الإفتتاحية : " لقد تآكلت الأسس التعليمية الحالية في مجتمعنا عن طريق الموجة المتصاعدة من الوسطية التي تُهدد مستقبلنا بصورة كبيرة كأمة وشعب وحكومة" . "وإذا حاولت قوة أجنبية معادية أن تفرض على أمريكا أداءً تعليميًّا متوسطًا مثلما هو موجود اليوم، فينظر إليها على أنها حرب" . وضعت اللجنة( 38) توصية، انقسمت إلى( 5) فئات رئيسة هي: المحتوى، والمعايير والتوقعات، والوقت، والتعليم، والقيادة والدعم المالي :
1.المحتوى : لطلاب المدارس الثانوية (أ) 4 سنوات لتعلم اللغة الإنجليزية؛ (ب) 3 سنوات لتعلم الرياضيات؛ (ج) 3 سنوات لتعلم العلوم؛ (د) 3 سنوات للدراسات الاجتماعية؛ (هـ) نصف عام لتعلم علوم الكمبيوتر. وأوصت اللجنة أيضًا أن يتعلم الطلاب إتقان اللغة الأجنبية بدءًا من الصفوف الابتدائية..
2.المعايير والتوقعات: حذرت اللجنة من تضخم الصف المدرسي وأوصت بأن يتم رفع المعايير الإدارية والاختبارات الموحدة خلال السنوات الأربعة للكلية من مستوى التعليم المدرسي إلى غيره وخاصة من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية أو المرحلة العملية.
3.الوقت : أوصت اللجنة المناطق التعليمية والهيئات التشريعية الحكومية بأن يكون اليوم الدراسي لمدة (7) ساعات يوميا , وأن تتراوح السنة الدراسية ما بين( 200 – 220) يوما دراسيا .
4.التعليم :أوصت اللجنة بأن تكون رواتب المعلمين قابلة للمنافسة على المستوى المهني وحساسية السوق وأن تكون على أساس الأداء وأن يُبرهن المعلمين على كفاءتهم في المناهج التعليمية.
5. القيادة والدعم المالي : لاحظت اللجنة أن الحكومة الإتحادية لها دور رئيسي في
المساعدة في تلبية احتياجات المجموعات الرئيسية من الطلاب الموهوبين والمتفوقين والمحرومين اجتماعيًا واقتصاديًا والأقلية وطلاب الأقليات اللغوية وذوي الاحتياجات الخاصة. وأشارت اللجنة أيضًا إلى أن الحكومة الاتحادية يجب أن تساعد أيضًا في ضمان الامتثال للحقوق الدستورية والمدنية وتقديم المساعدة المالية والبحثية والتدريب بعد التخرج.
أن ما اردنا تأكيده من خلال إستعراض هذا التقرير , هو أن إصلاح منظومة التربية والتعليم لا يقتصر على الدول النامية كما قد يتصور البعض , بل عملية مستمرة في معظم دول العالم في ضوء متغيرات العصر ومتطلبات التنمية وضمان التفوق في عالم شديد المنافسة. وأن عملية إصلاح قطاع التربية والتعليم مهمة وطنية ليست باليسيرة , ولا تقتصر على وزارتي التربية والتعليم العالي فقط , بل مهمة كبرى يجب أن يشارك بها كبار العلماء والمفكرين والتربويين وبدعم كبار قادة الدولة ممن يتحكمون بموارد البلاد وإتخاذ القرارات وسن القوانين .
وقدر تعلق الأمر بالعراق ,مرت مسيرة التعليم العالي بمحطات مهمة كان لها الأثر البالغ برسم سياسة وتوجهات قطاع التعليم العالي نوجزها بالآتي :
1. صدور قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم ( 342) في 5/8/1969 المتضمن إعادة تنظيم الجامعات , وتشكيل لجنة لإعادة النظر في الوضع الجامعي والتخطيط التربوي, وذلك بناءا على توصية المجلس الأعلى للجامعات. قدمت اللجنة تقريرها في أيلول عام 1969 حيث أشارت إلى عدم وجود فلسفة واضحة لتعليم جامعي مستمدة من فلسفة تربوية واضحة مستندة بدورها إلى الفلسفة الإجتماعية التي يرتضيها المجتمع لنفسه, فضلا عن عدم تكامل التخطيط للتعليم العالي مع التخطيط الإقتصادي والإجتماعي والسياسي, وعدم تكامل وإنسجام التخطيط للتعليم العالي مع التخطيط للتعليم العام. إقترحت اللجنة إستحداث وزارة خاصة بالتعليم العالي والبحث العلمي لتنفيذ سياسة الدولة التربوية والثقافية والعلمية والتكنولوجية. وهو ما تم فعلا بإستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لأول مرة في العراق.
2. كلفت لجنة عليا برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الذي يمثل أعلى سلطة تشريعية في العراق عام 1974, ضمت خبراء تربويين واكاديميين,وإعطائها الأهمية الاستثنائية القصوى والصلاحيات الكاملة الضرورية لانجاز مهامها خارج إطار وزارة التعليم العالي, لوضع سترتيجية لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي للمرحلة المقبلة تنبثق منها خطط خمسية وتنفيذها سنويا .
3. عقد في تموز عام 1981 مؤتمرا موسعا في مبنى المجلس الوطني على مدى ستة أيام , برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء, ومشاركة أعضاء قيادة حزب البعث العربي الإشتراكي وعدد كبير من الوزراء وبعض كبار الموظفين والجهات الأمنيىة ورؤساء الجامعات ومساعديهم وعمداء الكليات كافة , ومشاركة رئيس الجمهورية بين الحين والآخر, وذلك لمناقشة أوضاع قطاعي التربية والتعليم العالي في ضوء ورقة عمل معدة لهذا الغرض . صدرت بعد ذلك قرارات حاسمة تمثلت بإعفاء وزيري التربية والتعليم العالي , وإعادة هيكلة مركز وزارة التعليم العالي بإلغاء بعض دوائرها , وتقليص عدد مساعدي رئيس الجامعة , ومنح رؤوساء الجامعات صلاحيات أوسع .
4. عقدت في شهري حزيران وتموز عام 1992 بديوان رئاسة الجمهورية إجتماعات برئاسة رئيس الجمهورية ومشاركة وزراء التعليم العالي والتربية والتصنيع العسكري والنفط والصناعة والإتصالات ورؤوساء الجامعات ووكيل وزارة التعليم العالي والمدراء العامين بديوان الوزارة, ووزير التعليم العالي السابق ورئيس مجلس البحث العلمي المنحل , وذلك لمناقشة ورقة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي المكلف بإعدادها مسؤول هيئة الطاقة الذرية والتي تم إعدادها بعد زيارات ميدانية للجامعات ولقاء مسؤوليها. صدرت بعد ذلك قرارات مهمة, ولعل أبرزها توسيع برامج الدراسات العليا وبخاصة برامج الدكتوره بصورة غير مسبوقة , برغم ما لحق بالبنى التحتية من دمار شامل بسبب العدوان الأمريكي الغاشم , لمعالجة نقص الكوادر العلمية التي يواجهها العراق يومذاك , حيث إقترحت حينها من موقعي رئيسا لجامعة البصرة ,التفرغ الجزئي لحملة الماجستير العاملين في الجامعات الذين يشكلون أكثر من ( 70 % ) من إجمالي عدد أعضاء الهيئة التدريسية وسط معارضة شديدة من معظم رؤساء الجامعات, للإلتحاق ببرامج الدكتوراه, مع إحتفاظهم بكامل رواتبهم ومخصصاتهم الجامعية أسوة بأقرانهم, ويمكنهم أخذ المقررات الدراسية وأداء الإمتحانات في الجامعة التي تتوفر فيها تلك الدراسات , والعودة إلى جامعاتهم لإستكمال متطلبات البحث تحت إشراف تدريسي متخصص من جامعته أو من جامعة الدراسة أو إشراف مشترك مع متخصص من العاملين في المؤسسات الأخرى , أي حشد جهد الدولة العلمي . وقد نال المقترح إستحسان رئيس الجمهورية ليصبح قرارا للعمل به من قبل الجامعات , كان نتيجته زيادة عدد المقبولين في برامج الدكتوراه من نحو (300 ) طالبا وطالبة إلى نحو ( 2000 ) طالبا وطالبة في العام الدراسي 1992 / 1993, لتتصاعد بعدها الأعداد عاما بعد آخر. وبذلك تجاوز العراق محنة محاولة إفراغه من الكوادر العلمية بعد أن سدت بوجهه منافذ الدراسات العليا خارج العراق. ومن القرارات الأخرى المهمة التي صدرت عن هذه الإجتماعات زيادة الترابط بين الجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة في إطار آليات واضحة للعمل, نجم عنها إنجاز المئات من البحوث والدراسات وتقديم الإستشارات التي أسهمت بحل الكثير من المعضلات التي واجهتها تلك المؤسسات وبخاصة المؤسسات الإنتاجية في ظروف الحصار الظالم,كما أسهمت بإثراء المعرفة النظرية بالتطبيقات العملية التي أسهمت بتطوير العملية التعليمية. كما تقدمت بطلب إعمار جامعة البصرة بسبب ما تعرضت له من دمار بسبب الحرب العراقية الإيرانية , فأوعز الرئيس بتلبيتها فورا, وكان هذا الطلب مدخلا لإعمار جامعات القطر الأخرى في أوسع حملة إعمار شهدتها الجامعات برغم ظروف الحصار.
وبذلك تم إنقاذ قطاع التعليم العالي من محاولة إفراغه من الكوادر العلمية وتفويت الفرصة على أعدائه لتحقيق حلمهم المشؤم بإعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة , وذلك بتضافر جهود كوادره العلمية التي آلت على نفسها خدمة العراق في أحلك ظروفه وتوفير فرص التعليم المجاني برغم قسوة الحصار الظالم وشح موارده.
والآن بعد أن آل ما آل إليه قطاع التربية والتعليم من خراب ودمار شامل , ليس على صعيد بناه التحتية فحسب , بل تدمير قيمه الجامعية والتربوية , وتسلط الفاسدين والمفسدين على الكثير من مفاصله . فهل يا ترى يمكن إصلاحه وعودته إلى سابق عزه ومجده بوصفه نظاما تعليميا رصينا وراقيا يشهد له بذلك القاصي والداني ؟ . نقول نعم يمكن إصلاحه إذا ما توفرت لمنظومته قيادات وطنية كفوء بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة الطائفية والأثنية , وتهيئة البيئة الوطنية الساندة لقطاع التربية والتعليم والمدركة لأهميته القصوى بتحقيق التنمية الصحيحة المستدامة, وإجتثاث كل الفساد التي تنخر هذا القطاع الحيوي. وهذا يتطلب إصدار مرسوم جمهوري بتشكيل هيئة مستقلة من كبار علماء العراق ومفكريه ومبدعيه وأساتذة الجامعات ووزراء التعليم العالي والبحث العلمي والتربية والصناعة والزراعة والنفط والإتصالات والمجمع العلمي العراقي , لمسح واقع التعليم العراقي الراهن, وإقتراح الحلول الآنية العاجلة لإنتشاله من واقعه الآني المرير , ووضع ستراتيجية وطنية للنهوض بهذا القطاع الحيوي والعمل على توفير الدعم المالي لتحقيق هذا الهدف النبيل , ويمكن الإستئناس ببعض الخبرات العربية والدولية لهذا الغرض. ومن الله السداد والتوفيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية