الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق انتصار ثورة الشعب السوداني

رضي السماك

2019 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



مع أن كلا الحراكين أو الإنتفاضتين الجماهيرتين السودانية والجزائرية بدتا قد استفادت بدرجات متفاوتة من دروس إخفاقات ثورات وانتفاضات بلدان الربيع العربي مطلع العقد ، إلا أن الانتفاضة الجماهيرية السودانية - لأسباب متعددة ليس هنا مجال الخوض فيها تفصيلاً - هي الأكثر استفادة من تلك الدروس وهي الأكثر تأهلاً لتكللها بالإنتصار المؤزر . وإذ كان واحد من أبرز مزايا ثورات ربيع العام 2011 إضطلاع الشباب الوسطي المعتدل المستنير بها معتمداً على قواه الذاتية وموظفاً بذكاء وسائل التواصل الاجتماعي في تواصل مجاميعه والحشد والتعبئة لتنظيم حراكه في الميادين ؛ فإن واحداً من أبرز إخفاقاته فقدانة للقيادة الموحدة المتماسكة في مفاوضاته مع الأنظمة العربية ببالتي يراد إصلاحها جذرياً أو اقتلاعها ببراعة ويقظة ثورية ، وذلك لفقدانه الخبرات السياسية المتراكمة لدى الأحزاب التقليدية ، وعلى الأخص الأحزاب اليسارية والقومية منها التي كان ينتابها الوهن والضعف مماسهّل لتلك الأنظمة العربية القدرة على المناورة مع الثوار الشباب الحديثي العهد بمناوراتها وخُبثها ومن ثم احتواء وإجهاض ثوراتهم تدريجياً والإجهاز على من مكتسبات حققوها بتضحياتهم ودمائهم وأرواحهم ، جنباً إلى جنب مع تمكن قوى الإسلام السياسي اختطاف تلك المكاسب وركوب الموجة بإطروحاتها وشعاراتها المتطرفة لاسيما الإخوان المسلمون كما حدث في مصر والتي سهلت وأعطت الانظمة العسكرية ذرائع للعودة من الشباك للحكم والقضاء المبرم على كامل تلك المكاسب والإنجازات التي حققتها ثورات الشباب .
وإذ جاءت الانتفاضة الشبابية في 17 ديسمبر / كانون الأول 2019 الماضي متوافقة مع الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب التونسي في نفس التاريخ من العام 2010 فإن نضالات منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة ، حتى على رغم ضعفها وما عانت منه من ضربات النظام المتوالية لم تكن غائبة نهائياً من حيث تأثيرها ووزنها في الساحة السياسية ؛ وعلى الأخص أحزاب اليسار ، وفي القلب منه الحزب الشيوعي ، ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التي له تأثير فيها ، ومن ثم فقد تمكنت هذه المنظمات في أن تكسب ثقة الشباب المنتفضين وأن تعبّر سريعاً عما يجيش في صدورهم من تطلعات ومطالب للتغيير السياسي وتوظيف خبراتها السياسية المتراكمة منذ نحو ستة عقود ونيف منذ الاستقلال في متناول أيدي الشباب المنتفضين ، وصولاً إلى صياغة مطالبهم بصورة منظمة ومدهم كذلك بأساليب وطرق احتجاجاتهم السلمية التي تجاوبوا معها ، سواء باتجاه التصعيد أو باتجاه التفاوض والمرونة مع المجلس العسكري الانتقالي الذي حل محل الدكتاتور المخلوع الجنرال الإسلاموي عمر البشير الذي تربع على كرسي الحكم ثلاثة عقود متصلة وسرعان ماتظاهر شركاؤه في الحكم داخل المجلس انتقالي بكشفهم حجم الفساد المذهل الذي كان وحاشيته متورطون لتملق الجماهير وكسب ثقتها .
وبات تأثير الحزب الشيوعي السوداني في الحراك السياسي السوداني ملموساً للقاصي والداني ، بما في ذلك متابعة وسائل الإعلام العربية والعالمية لبياناته كمصدر مهم من مصادر متابعة هذا الحراك الجماهيري وتحالف قوى الحرية والتغيير الذي فرض نفسه على النظام للتفاوض معه كمعبّر شرعي عن الإنتفاضة رغم كل محاولات المجلس الانتقالي المكابرة لنزع منه هذه الصفة ولو على الأقل الاعتراف به بصفته أبرز القوى الأساسية المعبرة عن الحراك الجماهيري ، وأصبح لا يتورع عن الخضوع لتدخلات الإنظمة والقوى الإقليمية العربية التي لا تخفي قلقها من تكلل انتفاضة الشعب السوداني بالإنتصار التام والتدخل السافر للتأثير عليهاوإجهاضها كما حصل في مصر وليبيا واليمن وأقطار عربية اخرى في الخليج العربي والمنطقة ومن ثم إستعانته بها لمواجهة قوى الإنتفاضة والتغيير .
ومع أن الحزب الشيوعي السوداني هو من الأحزاب الشيوعية العربية التي نشأت حديثاً نسبياً إذ يعود جزء رئيسي من جذور نشأته إلى منتصف أربعينيات القرن الماضي إبان انضمام حلقة من الطلاب السودانيين في القاهرة إلى حركة حدتو اليسارية المصرية ، إلا أنه سرعان ما قوي عوده وأصبح واحداً من أقوى الأحزاب اليسارية في العالم العربي ولم تفلح كل محاولات شيطنته وتكفيره من قِبل الانظمة الدكتاتورية العسكرية المتعاقبة ولا من قوى الثورة المضادة إبان الانتفاضات الشعبية المتوالية ، فقد كان قادته قريبين إلى نبض الشارع والشعب السوداني وتقاليده وثقافته الدينية وجزءاً أصيلاً لا يتجزأ من فئات الشعب غير متعالين على ثقافته وموروثه الدينيين اللذين يتميز بهما هذا الشعب العربي المسلم . وهو يشبه في ذلك إلى حد كبير شقيقه الحزب الشيوعي العراقي في استيعاب وإدراك هذه الحقائق على الأرض وعدم القفز عليها ، وكلاهما كانا قد بلغ في درجة بأسهما السياسي ونفوذهم الجماهيري حتى في صفوف القوات المسلحة ، فالعراقي كان بإمكانه من خلالها استلام السلطة في عهد عبد الكريم قاسم ( 1958 - 1963) والسوداني تمكن ضباط موالون له من اسقاط حكم الدكتاتور جعفر نميري واستلام السلطة لمدة ثلاثة أيام في يوليو / تموز 1971 لولا اجهاض حركتهم بتدخل سافر من نظامي أنور السادات ومعمر القذافي الدكتاتوريين لإنقاذ نظام حليفهم الجنرال نميري مما مكنه لاحقاً من الانتقام من الحزب الشيوعي شر انتقام حيث أقدم على إعدام الشخصية الفذة المناضلة ممثلة في القيادي المؤسس عبد الخالق مججوب والقيادي النقابي الكبير في الحركة العمالية السودانية والعربية والعالمية شفيع الشيخ ، وإذ نذّكر بهذه الحقائق بصرف النظر عن تقييم خطوة الاستيلاء على السلطة من خلال الإستعانة بنفوذ الحزب داخل القوات المسلحة .
وبهذا يمكننا القول بشيء من الحذر أن تكلل الانتفاضة الشعب السوداني الراهنة باتت مسألة وقت وأن فرص المناورة أمام المجلس العسكري الانتقالي السوداني باتت تضيق ولم يبق من خيار له سوى التسليم الكامل لمطالب الجماهير المنتفضة و قوى التغيير المعبرة عنه دون البحث عبثاً عن محاصصة له تكون له اليد الطولى في تقاسم السلطة الإنتقالية ومن ثم التوهم بأن تسوُل له نفسه أن ينفرد بالسلطة مجدداً بعدما ضاقت الجماهير ذرعاً من كوارث الإنظمة العسكرية المتعاقبة منذ إستقلال السودان .
أما في الجزائر فإن آفاق تكلل الحراك الجماهيري بالإنتصار القريب ليس واضحاً مضموناً بما فيه الكفاية ، وإن بدا قد أستفاد من دروس إخفاقات ثورات الربيع العربي مطلع العقد لإختلاف البيئتين السياسية ،وبخاصة أوضاع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بين القطرين العربيين وهو ما سنتناوله في مقال قادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة