الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الاعتراف و التفهم و التكامل في فلسفة الغير

احمد زكرد

2019 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا ممارة أن الإنسان لا يستطيع العيش وحيدا ، هكذا عبر مالبرانش بقوله : " أكبر عقاب لي أن أعيش وحيدا في الجنة "؛
لأنه عندما وجدنا معا واجهنا الطبيعة و تحكمنا فيها ، و كأني هنا أعيد صياغة عبارة ديكارت بتعبير آخر : كنا عبيدا للطبيعة بتفرقنا و أصبحنا سادة عليها بتجمعنا .
هكذا فالأنا لا يستطيع أن يعيش إلا في علاقة بالغير autrui ، حقا أن الفرد يولد بمفرده و يموت بمفرده ولكنه لا يحيا إلا مع الآخرين وبالأخرين و للأخرين . فالشعور الفردي ليس ذلك الشعور الخاص الذي نستشعر معه أننا موجودين و حدنا دون الغير ( كما اعتقد ديكارت : " كيف أجد في ذاتي أنا الحجج و الأدلة على وجود الغير، والحال أن إدراك وعي آخر من طرف وعيي أنا، ينافي معنى الوعي بوصفه حضورا للذات إزاء نفسها" ولكن الشعور بالذات هو شعور بفضل الغير كما أقر بذلك هيجل: ( لا يكون الوعي بالذات حقيقيا إلا من خلال تعرفها على صداها و ظلها في الآخر).و سارتر بقوله : الغير هو الوسيط الضروري بيني انا وبين ذاتي ) هكذا أشار كل من سارتر وهيجل إلى مبدأ الوساطة . وكذلك ليفيناس عندما انتبه الى أن غياب الغير هو بالضبط حضوره كغير ؛ أي أن الوجود بدون الغير هو شكل من أشكال الوجود مع الغير ؛ بمعنى أن الشعور الفردي لا ينطوي على أي انفصال مطلق مع الغير الذي هو من مقومات الوجود الإنساني . و مهما كانت هذه العلاقة التي تربط الأنا بالغير ( صديق أو خصم ) ، فكلتا الحالتين لا أستطيع أن أعيش بدونه ولا أستطيع أن أحدد وجودي إلا من خلاله .
هكذا فإنه من المؤكد ، أن الوجود بدون آخر إنما هو ضرب من المرض العقلي أو من الأنانية المفرطة ... فمن خلال فيلم cast away للمخرج Robert Zemeckis وبطولة Tom Hanks لم يستطع بطل الفيلم أن يواجه الطبيعة في استقلال بطولي وإنما أول ما فعل رسم وجه على كرة، اشارة الى وجود الغير كسند و مدعم ، و كأن هنا الإشارة إلى أن الحاجة الى الغير تنم عن نقص وحرمان .
وبالتالي فالإنسان اجتماعي بطبعه ولا يمكن أن يكون إلا كذلك ، و إذا افترضنا العكس سنقول كما قال ارسطو: " إن الانسان الذي لا يقوى أن يكون عضوا في المجتمع أو الذي لا يجد الحاجة الى ذلك ، لأنه يكفي ذاته بذاته ، فهذا إما أن يكون بهيمة أو إله ." بمعنى أن الانسان اذا عاش دون المجتمع أو دون الحاجة الى المجتمع ، فإنه لا يبقى مجرد انسان لآنه أما أن يعلو بنفسه فوق الإنسان او يهبط بنفسه إلى ما دون الانسان .
منه فوجود الغير لا يوجود كعضوية حية أو ككثلة من اللحم النيء ، و إنما وجوده كوعي خارج وعي آخر ( الانا الذي يشبهني و يختلف عني ) بتعبير سارتر . و الفينومنولوجي ميرلو بوتني قد أشار الى ذلك في عبارة شديدة الاقتضاب " ان كلام الغير و سلوك الغير ليس هو الغير « 
وحتى ننهى من هذا التقصي عن جذور الجذور ... فوجود الغير يطرح اشكالية الاعتراف المتبادل .فكيف يتم ذلك هل بالانتزاع أم بالعطاء ؟ 
هنا سنعود للأصل المفهومي " للأنا " في معجم لالاند هو ميل إرجاع كل شيء إلى الذات ؛ به سيكون مفهوم الأنا مبني على السيطرة ، سيطرت الذات على ما تتخذه موضوعا لها . استحضر تعبير لبليز باسكال يقول : " للأنا خاصيتان : من جهة هو في ذاته غير عادل من حيت يجعل من نفسه مركز لكل شيء ، ومن جهة أخرى مضايق للأخرين من حيت أنه يريد أن يكون المسيطر على الكل . » 
وبالتالي فالأنا لا يفهم إلا بوصفه سلبا أو نفيا للغير ، و كما قلنا إن العلاقة متبادلة ، بالتالي فالانا يسلب الغير وينفيه و الغير يسلب الانا وينفه ، واعتراف أحد الطرفين بالآخر لابد أن ينتزع. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغير، وتستمر العلاقة بينهما في إطار جدلية العبد والسيد بتصور هيجل . هكذا يكون وجود الغير بالنسبة إلى الذات وجودا ضروريا؛ اي بوصفه قنطرة تتعرف الذات من خلاله على نفسها (مبدا الوساطة ) .
اذن فوجود الغير يطرح اشكالية الاعتراف به والاعتراف بحريته ، هنا نكون أمام سؤال اخر ، هو : هل استطيع من خلال تشكيل و جود الغير المختلف عندي التمكن من معرفته و إلى بناء علاقتي به ؟
قلنا أن إشكالية الغير هي اشكالية وعي مقابل وعي ، و عندما نطرح اشكال المعرفة هنا نكون إزاء ذات مقابل موضوع ، وبالتالي فمن نافلة القول اعتبار الغير قابل للمعرفة ، لآنه بتعبير سارتر فبمجرد الدخول في علاقة معرفية مع الغير معناه تحويله  إلى موضوع (أي تشييئه) : أي أننا ننظر إليه كشيء خارج عن ذواتنا ونسلب منه جميع معاني الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية. لهذا يجب ان نتحدث عن تفهم الغير ، لأن وجودنا مع الغير يتميز بخاصية البينذاتية، ولهذا قال ماكس فيبر :" لا يمكن معرفته (الغير ) إلا بطريقة تفهمية تكشف عن الدلالات والمعاني المقصودة ذاتيا من طرفه."
اذن انطلاقا من الاعتراف و التفهم يفتحنا هذا على رهان الوجود المشترك او العلاقة بالغير ، اكيد فرهان العلاقة بالغير هو التكامل . قلنا في بداية هذا المقال ان الإنسان منذ ‘أرسطو’ عرف بأنه “حيوان اجتماعي بطبعه” أي أنه كائن يظل دوما في حاجة إلى الغير. فرغم المؤهلات والقدرات العقلية الهائلة التي زودته بها الطبيعة، بالمقارنة مع باقي الموجودات الأخرى، فهو يظل عاجزا عن أن يكفي نفسه بنفسه، وأن يحقق بمفرده كل ما يقتضيه بقاؤه ودوام عيشه. وبقدر ما ينطبق هذا الأمر على الفرد الواحد بقدر ما ينطبق على الجماعة. فكل جماعة، مهما كثر عدد أفرادها، ومهما شسعت المساحة التي تقيم عليها، فهي تظل بالضرورة عاجزة عن تحقيق كل متطلباتها ما لم تنفتح على جماعات أخرى تتبادل معها الأخذ و العطاء سواء فيما يتعلق بالخيرات المادية، أو فيما يتعلق بالخبرات المعرفية. وهكذا فالإنسان، فردا كان أو جماعة، مفروض عليه بالطبيعة نفسها التعاون و التكامل، وكل ابتعاد عن هذا المبدأ يؤدي بالضرورة إلى التخلف و الانحطاط، يقول ‘كلود ليفي ستراوس ‘ مؤكدا على هذا الأمر:”إن القضاء المحتوم الوحيد، و النقص الوحيد الذي يمكن أن يصيب جماعة بشرية، ويعوقها عن تحقيق طبيعتها على نحو تام لهو أن تكون وحيدة ومعزولة." وهذا ما كان واضحا من خلال فيلم " الطفل المتوحش " L’enfant sauvage للمخرج السينمائي ‘فرونسوا تريفو’ ومن جهة ثانية، قبائل عديدة تم اكتشافها في القرنين الماضيين في مناطق مختلفة من العالم لا زالت تعيش كما كان يعيش الإنسان البدائي، وذلك بفعل انغلاقها التام على ذاتها، وعدم مدها لأي جسور تواصل مع باقي الجماعات المعمرة لهذا الكوكب. من حيث المبدأ إذن الإنسان مفطور على التعاون والتكامل، أو بتعبير معاصر،وهو للفيلسوف الألماني ‘هايدغر’،”الوجود الإنساني هو وجود مع الغير” لأن العالم الذي أوجد فيه هو دائما العالم الذي أتقاسمه مع الآخرين، إنه عالم مشترك، وكل فرد يوجد فيه هو بالضرورة يوجد مع أفراد آخرين هم أيضا يوجدون فيه، وتبعا لذلك مفروض عليهم التعاون والتفاهم من أجل اقتسام خيراته ومن أجل الاستفادة منه على أفضل نحو ممكن. 
اذن فالعيش معا قدر محتوم ، والسؤال الذي اصبح يطرح اليوم وبالحاحية كبيرة هو : كيف نستطيع أن نعيش معا في ظل الاختلافات التي نعيشها على المستوى العقدي أو السياسي أو العرقي ...؟
لا مبرر إذن لإقصاء الغير وتهميشه: فاختلافه عنا مصدر غنى بالنسبة لنا،. غير أن وصول الإنسانية جمعاء إلى الوعي بهذا الأمر يبدو أنه يحتاج إلى إسالة مزيد من الدماء. فالعنصرية والشوفينية والامبريالية والاستغلال و النفود ما زالت قائمة ، والعولمة والهيمنة والتوحش ما زالت مستفحشة؛ ذلك لان العنف و الارهاب لا يقدر على البوح باسمه . الشر والبؤس والرداءة في كل مكان . 
ربما الإيتقا هي حل الراهن الانساني ، باعتبارها فكرة كونية تتجاوز حدود الدين او العرق و الأصل و الفصل .
به فان مجتمع الاتيقا لا يعيش باسم ماض مشترك أو تجربة تاريخية متقاسمة أو هويه جماعية ... بل هو التتويج التاريخي لإرادة ذوات تستهدف قيمة الحرية ، وتقوم على الاعتراف بالحرية المتبادل بين الذوات ويتمثل في مبدأ المساواة ، حيت يغدو الاعتراف بالغير هو عين الاعتراف بالذات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين