الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزواف zouaves أو الخديعة الكبرى [ ج3]

الطيب آيت حمودة

2019 / 6 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


.......
إنها تسمية مسمومة .
استعملت خُبثا للنيل من قبائل الزواوة .

°°عمد قادة الإستعمار على رسم خطط إشراك الجزائريين في قتال إخوانهم الجزائريين ، فأسسوا تنظيمات ذات علاقة بأسماء محلية ، فقد اقتبسوا من أعراش زواوة إسم (زواوة ) وحرفوه إلى zouaves وكونوا تنظيما للجيش باسمه ، ونفسه فعلوه مع جيش الصبايحية التركي بأن جعلوه جيش SPAHIS الذي يسميه الأهالي بجيش ( سبايس) والذي خصصت له ثكنات في مجمل التراب الجزائري تحمل إسم [ الزمالة ] ، ومن التنظيم المخزني التركي كونوا ما يسمى ب(المكاتب العربية ) التي هي محور التسيير بين الأهالي والإدارة الفرنسية ، وبعدها كونوا جيشا صحراويا من قبائل الشعانبة الذي يستخدم جمال المهاري فأطلقوا عليه ( المهاريست Les Méharistes ) .
°°° فلنركز على جيش الزواف حاليا ريثما تتوفر لنا فرص الحديث عن الأقسام الأخرى من جيش الأهالي الذي خدم فرنسا ولأمد بعيد ، فإن كان مصطلح (الزواف) خيانة وعمالة فإن الخيانة والعمالة سجل مشترك بين كل الجزائريين ، فالكل له نصيبه من الخيانة من تمنراست إلى كاب ماتيفو، ومن غارديماو إلى مركز زوج أبغال الحدودي مع المغرب ، فلولا الخيانات لما كان للفينق ، والرومان، والعرب ،و الترك ، والفرنصيص ، موطأ قدم في هذه البلاد .

°°zouaves أو التسمية التي أساءت للزواوة (القبائل).


إلى وقت قريب لم تكن تسمية (الزواف zouaves) تثير إشكالا أو جدالا بين الجزائريين ، فهي مجرد تسمية إستعمارية خبيثة ألصقت بالزواوة وهم أبرياء منها كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام .
فالزوف zouaves اشبه بطرد نحل يُخيل أن داخله نحل ، وفي حقيقته مملوء بأسراب الدبابير ، أو أنه شبيه بمدينة عبد القادر kader في ولاية ) إيوا الأمريكية ( التي تحمل إسم المقاوم الجزائري ، فقد يُخيل أن سكانها جزائريون وهم في الحقيقة أمريكيون معجبون ومُقدرون لمقاومة الأمير وإنسانيته في حماية مسيحي دمشق في 1860.
فمصطلح (الزواف ) حاليا يعني الخيانة والإنصياع للمغير الأجنبي والإصطفاف معه رغبة في نيل المكاسب ، وظاهرة ( الزوافة ) قديمة قدم الأوطان نفسها ، فلكل حقبة من تاريخنا لها زوافها ومن كل جهات الوطن الفسيح كشفه يتطلب قليلا من البحث والحصافة الفكرية والقراءة الواعية الموضوعية .

لماذا...إحياء مصطلح الزواف ؟ ! .

حتى وإن كنا منشغلين بالتاريخ ، ومهوسين بأحداثه ، إلا أن جل الجزائريين لم يُصدم بهذا المصطلح إلا مؤخرا ، فمصطلح الزواف zouaves لم يكن مذكورا إلا في أمهات الكتب الفرنسية المتخصصة بالشأن الحربي ، فقد اتضح بأن الوثبات التي حققتها الهوية الأمازيغية في الإبانة عن نفسها والجهر بمقوماتها وتاريخها لم تكن مرضية لبقية الجزائريين الذين تشبثوا اديولوجيا بقوميتهم العربية فراحوا يخلطون الأوراق و ينبشون في التاريخ لإيجاد مثبطات ضد من خالفهم[ 1]، خاصة بعد ترسيم الأمازيغية في الدستور الجزائري في 2016، ووصموا منطقة القبائل بشتى النعوت القدحية من قبيل ( البربريست) و (الزواف ) و (أصحاب فرنسا) ، و (فرنكو بربريست) ، و(الحركى ) ..... وتلك كلها دعاية وبروباغندا تفتقر لأدنى توثيق موضوعي .
°°من أكثر التهم المضرة للنسيج الإجتماعي التي يطلقها بعض الرعاع الناكرين للبعد الأمازيغي في الجزائر هي توصيف كل من يدعوا للأمازيغية والحل الديمقراطي باسم [ الزواف zouaves] من منظور كراهية الآخر المخالف بعيدا عن الإستقصاء التاريخي ومعالجة موضوع التهمة برويَّة وفي زمنها ومكانها بعيدا عن التعميم المخل بالمعنى .

°°مصادر التاريخ الجزائري الحديث شئنا أم أبينا هو فرنسا الإستعمارية ، فنحن ننتمي إلى [ أمة لا تقرأ ولا تكتب ] ، ولا يوجد في مكتباتنا التاريخية سوى فتات قليل يمكن عده على الأصابع فيه إشارات مقتضبة عن القضايا التاريخية الكبرى ، وحتى وثائق الثورة بقلتها الموجودة حاليا عندنا محجورٌ عنها بطريقة أو بأخرى ، يصعب الوصول إليها ، فأطنان الأرشيف محفوظة في فرنسا وبالأخص في ( إكس إن بروفانس ) شمال مرسيليا و في (قصر سانت فانسان) بباريس ، فهي مصدر الأساس لكل باحث جاد يريد الوصول إلى الحقيقة بنفسه كما حدثت في (حينها ) على يد (المساهمين) فيها و(بخط يراعهم ) ، ولو هي بوجهة نظر صانعيها وتحتاج الحيطة من الأخذ بها .

°°وأنا في باريس تقربت من المكتبة التاريخية بقصر (سانت فانسان) مستطلعا شغوفا الإطلاع على وثائق ومخطوطات تاريخية كتبها الفاعلون وصناع التاريخ بأنفسهم ، وبخط أيديهم لاستحضار الماضي [بدخانه ولهيبه وغباره ] الذي يزكم الأنوف ، بعد تسوية إجراءات التسجيل شرعت في العمل في فضاء جيد التنظيم اكتشفت فيه مدى عناية الأمم بتاريخها ورموزها و أفعالها ، وكيف لهم أن يجمعوا هذا الكم الهائل من الأرشيف المكتوب والمخطوط ذو القيمة الرمزية والمصدرية وكيف هم يجعلون من مكتباتهم مصدر كل قول في التاريخ يخصهم ويخص مستعمراتهم .
تخمرت في ذهني وانا والجٌ هذا الفضاء الفسيح أن أبحث عن [ حقيقة جيش الزواف ] الذي ملأ الأفاق وجعلوه مطية لتخوين منطقة (الزواوة ) أي القبائل ، ولم أكن أعلم بأنني سأجد مبتغاي بسهولة ، بحثت في الجرد الخاص بالمكتبة فوجدت ورود هذه التسمية في كثير من صناديق أرشيفها التي طلبتها متتالية و صورت الكثير من تلك الوثائق التي هي عبارة عن مراسلات وتقارير بين القيادات الفرنسية تشير بوضوح و بدقة إلى نشأة جيش الزواف وتطوره ومختلف الإشكالات والعراقيل التي جابهته ، سأحوال ترجمة أفكارها فيما سيأتي مع محاولة تحليلها .

التأسيس :


أول وثيقة اكتشفتها مخطوط كتبه كلوزيل[ 2] بخط يده ، عبارة عن رسالة مؤرخة في 8 سبتمبر 1830 موجهة لوزارة الحربية ، يوضح فيها نيته ورغبته في تشكيل جيش باسم الزواف ZOUaVES .
يقول فيها :
(….JE VIENS DE PRENDRE DIFINITEVEMENT LES DESOSITIONS DANT JE VOUS AI DEJA ENTERTENU POUR LA FORMATION D’ UN CORD D’ARABES ZOUAVES …) [ ... بدأت في اتخاذ الإجراءات النهائية التي حدثتكم عنها لتكوين جيش الزّواف من العرب ...]

هل جيش الزواف zouaves كلهم من الزواوة ؟

يبدو أن مراسلة القائد العام للقوات الفرنسية ( كلوزيل ) لوزارة الحربية ، وهو الذي خلف دوبورمون [بعد شهرين] من سقوط العاصمة الجزائر في 5جويلية 1830 ، مبديا نيته في تكوين جيش اسمه زواف zouaves من العرب ، فلماذا حدد العرب وليس القبايل أو الزواوة مثلا ؟ أو القبائل كما يُقال ويُنشر .
المخطوط الفرنسي العسكري المتداول طيلة الثلاثينات من القرن التاسع عشر يعتقد خطأ بأن (كل الجزائريين عرب ! ) ، وانبنا اعتقادهم في ذلك على أن ( كل مسلم هو عربي) ، فلم تتضح للجيش الفرنسي التنوعات العرقية للجزائر إلا زمن الماريشال بوجوThomas Robert Bugeaud . في الأربعينيات الذي غذته المدرسة التاريخانية الفرنسية على لسان روبير أجيرون ،و شارل أندري جوليان ، ستفان قزيل.... وغيرهم .

فلم يُفصح على المكونات الأولى لجيش الزواف سوى تفسير المراجع التي كتبت عن الموضوع فيما بعد ، التي وضحت بأن النواة الأولى لجيش الزواف متكونة من قيادة فرنسية وجنود من الأهالي الجزائريين من مختلف مكونات المجتمع الجزائري في الجزائر العاصمة أنذاك [ عرب ، وزواوة ، أتراك ، كراغلة ، أندلسيون ( مور) ، يهود ، وأسبان ..] هذا ما تؤكده جل المراجع التي كتبت عن الموضوع واطلعت عليها أمثال أ) قاسطون جانجلوف ،ب)وميشال لوفي ، ج) ودوتايي ... وغيرهم [3 ] ، فاختصار مكون الجيش [ الزوافي في قبيلة الزواوة ] هو ضرب من ضروب التجني و المرض العنصري البغيض الذي يخلوا من كل موضوعية ومن الحس العلمي الرزين ، فالخيانة موجدة في كل الأجناس والمجتمعات لا شك .
°° التأصيل الحقيقي للزواف حسب الوثيقة يبدأ من التفكير الذي قد رسا عند الفرنسيين أول نزولهم في بر الجزائر زمن (الماريشال دوبورمون) ، فقد فكروا الإستعانة بالقوة النشاز التي تمثلت في حل الجيش الإنكشاري و قوات المخزن التي ألفت مداخيل لنفسها ، فهؤلاء في حاجة إلى أولائك في زمن لم تكن فيه القومية والوطنية حاضرة في مفهوم الأهالي الجزائريين [لايمكن الحكم على الأهالي الجزائريين بمنظور اليوم ، ففي ذلك الوقت كان الولاء للقبيلة والسلطة وليس للوطن الذي كان مقصورا على مجالهم الضيق ]، ووجه التفضيل في الإنتقاء مرهون بمدى الإستجابة والقدرة ، فلم يكن الإنجذاب للعمل مع المغير المستعمر طوعيا وإنما لحاجة وفاقة كانوا يعيشونها ، كما أن الولاء كان للقوة الجديدة من باب ( مات الملك عاش الملك) .

°°بدايات .. جيش الزواف .

°°الفترة الإنتقالية بين حكم الترك والفرنسيين خلقت فراغا قاتلا في صفوف القوات المستسلمة من الجند النظامي وغير النظامي ، فكانت الحاجة ملحة للعمل والكسب ، فتدفقت الإغراءات الفرنسية قوية لجلب الجنود وبسلاحهم ، يشيرالمؤرخ قاسطون قانجلوف - Gaston GANGLOFF [4]بأن نية استخدام العرب في جيش إفريقيا قد بدأت في الشهرين الأوليين للإحتلال زمن [ دو بورمون] كمشاة وخيالة باعتبارهم أكثر دراية بالعدو مقابل إغراءات مالية معتبرة وقد نجح مبدأيا في توظيف 500 جندي من مختلف التخصصات ومن مختلف الأصول ، (كراغلة ، سود ، بساكرة ، قبائل ...) ويبدو أن الماريشال دو بورمون هو من أطلق تسمية الزواف على الجنود تيمنا باسم ( الزواوة ) المشهورون بالبطولة وحب الخدمة العسكرية ، وهو ما أكده صاحب تاريخ الزواوة [5] ، أو أن التسمية جاءت من كلمة (زحف) العربية حسب المترجم العسكري أمير محمود شهاب وحورت تدريجيا نحو زواف . [ Gانجلوف قاسطون - Gaston GANGLOFF ص 16] .
°°ما وددت قوله هو أن مصطلح الزواف حق أريد به باطل ، وأنه مصطلح إستعماري استغلته الغوغاء عن جهل دون أن يعلموا بأنه (يسيء لهم ولغيرهم من الجزائريين ) لكون بعض أجدادهم كانوا في صفوف هذا الجيش طيلة العشرية ما بعد الإحتلال .
.....
سيتبع
المراجع والهوامش---------------------------------------------------------
[1] يعمد المهيمنون دائما إلى تحقير المغلوب بوصفه بشتى النعوت القدحية منها على سبيل المثال : تشويه ديهيا بجعلها كاهنة ساحرة ، والبطل ميسرة المدغري أسموه ميسرة الحقير ، و الثوار شوهوا تسميتهم باسم فلاقة ... وهذه الدعاية كثيرا ما يمارسها المنتصر على المنهزم .
[2] نسخة الرسالة عندي ، أصلها مؤرشف ، موقعها : - GR-1 H4 - D1. SHD لمن أراد الوصول إليها .
[3] أنظر الكتب التالية بصفحاتها :
أ) Les zouaves - Gaston GANGLOFF le corps des zouaves. Le regiment des zouaves 1830 -1852 - 1893 page 13
ب) Les zouaves et les chasseurs a pied - michel –levy fréres 1855 page 16 .
يقول بأن تشكيلة الزواف غير متجانسة فيها من كل حدب وصوب فيها (الكحلان) وفيها جماعات تقول أنها من ( البليدة ) ومن ( بلاد القبائل) ومن ( تونس) و(المغرب) و(جماعة من الأسبان) .
ج) quelques aspects du recrutement zouaves1830/1852 - capitaine henry dutailley page 4
[4] Les zouaves - Gaston GANGLOFF le corps des zouaves. Le regiment des zouaves 1830 -1852 - 1893 page 13
[5] أبو يعلى الزواوي ، صاحب كتاب تاريخ الزواوة ، يقول :
[ ... ومن محامدهم وغرائزهم الروح العسكرية والخدمة الجندية ، وتاريخهم في ذلك لا يستوفى ، وبما تقدم من الإشارة كفاية ، وبقي ذلك فيهم إلى اليوم مع ضعفهم إلى درجة الإضمحلال ، وقد اعترفت لهم فرنسا بذلك الفضل مثلما اعترفت لهم جميع الدول ... وقد اسمت فرنسا فريقا من جندها الشهير بالبسالة والإقدام باسم الجند الزواوي zouaves) ) بتحريف دقيق تخليدا لهذه المنقبة . تاريخ الزواوة ص 107 و108 دارالفنون والآداب 2005.


















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟