الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر سنوات على خطاب أوباما الثقافي

مصطفى مجدي الجمال

2019 / 6 / 4
السياسة والعلاقات الدولية


خطاب الثقافة ودبلوماسية الخطابة

((في يوم 4 يونيو 2009 ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابه الدرامي إلى العالم الإسلامي عبر قاعة جمال عبد الناصر بجامعة القاهرة التي تتسع لثلاثة آلاف شخص. ويومها تم إخلاء شوارع القاهرة من كل حركة حرصًا على أمن الضيف. ويقال إن أوباما اشترط على حسني مبارك ألا يحضر اللقاء حتى يكون هو النجم الأوحد ولا يتم إثقال صورته بحضور "الدكتاتور".

سبق الخطاب بأسابيع دعاية هائلة لخطورة ما سيقال، كما انبرى الليبراليون والإسلاميون وبعض "االيساريين" بالتبشير بنقلة هائلة في العمليات السياسية في الشرق الأوسط بفعل هذا التدخل الأمريكي المباشر على خط "الإصلاح"، وعلى أعلى مستوى، ومن بؤرة الأحداث.. القاهرة.

المهم أن رئيس تحرير إحدى الصحف الكبيرة المتمتعة بدعم خليجي، والتي كانت ترتدي زيًا ليبراليًا متصالحًا مع التيار "الإسلامي" ومع التطبيع الإسرائيلي في ذات الوقت.. اتصل بي (عن طريق صديق) وطلب أن أكتب تعليقًا سريعًا على الخطاب التاريخي، بحيث يتم إرساله إلى االصحيفة بعد انتهاء الخطاب بساعة لا أكثر، مراعاة لظروف الطباعة.

جلست أتابع الخطاب كلمة كلمة.. وأدون ملاحظات جانبية أولاً بأول.. وبمجرد انتهاء الخطاب، كتبت المقال في أقل من ساعة وأرسلته على الفور.. وتلقيت الشكر..

لكن ظهرت الصحيفة في اليوم التالي بدون مقالي بالذات، رغم وجود عدد من التحليلات السطحية للخطاب.. وبقراءتها عرفت من نفسي سبب استبعاد مقالي، ولم أتصل بالصحيفة احتقارًا لمسلكها.. وهم أيضًا لم يفكروا في الاعتذار أو حتى إرسال المكافأة المالية عن عمل طلبوه وشكروني عليه..

وقد وقع المقال المهدر في يدي أخيرًا فوجدت نشره مفيدًا في وجه عشاق الديمقراطية الأمريكية.. الذين سبق لهم أن هللوا للمجرم كولن باول لمجرد أنه من أصل أفريقي رغم أنه قد مارس الكذب والتضليل على العالم كله بشأن أسلحة التدمير االشامل في العراق.. ثم هللوا وفرشوا الأبسطة الحمراء أمام المجرمة كوندوليزا رايس (لأنها تجمع بين الحسنيين: الزنوجة والأنوثة ومقولة "الفوضى االخلاقة") التي أصرت على إطالة الحرب الوحشية على لبنان حتى مع إعلان العسكريين الصهاية أنهم أنجزوا كل "بنك الأهداف" الموضوعة للعدوان.. أما باراك أوباما (الذي يجمع بين الشباب والزنوجة ورطانة "الإصلاح") فقد أريقت في مديحه أنهار من الأحبار وعوالم من الأثير..

أخيرًا أترك القارئ لمطالعة المقال..))


عرف التاريخ الحديث صورًا متعددة من الدبلوماسية غير التقليدية، مثل "دبلوماسية الزوارق المسلحة" أيام الحرب الباردة، ودبلوماسية "البنج بونج" للانفتاح على الصين، و"الدبلوماسية العامة" التى لجأ إليها الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) في فترته الرئاسية الثانية للتغلب على الأثر التدميري الذي ألحقته مغامراته الحربية بسمعة الولايات المتحدة عالميا، وذلك تحت شعار "كسب عقول وقلوب المسلمين".

ويزعم الكاتب أننا إزاء نوع جديد من الدبلوماسية الأمريكية يمكن اعتباره صناعة خالصة للرئيس أوباما، ونستطيع أن نسميه مؤقتًا "دبلوماسية الخطابة". فمن المؤكد أن من أهم عناصر سحر أوباما الشخصي كونه خطيبًا بارعًا بالسليقة وأنه قد تلقى دروسًا عملية ونظرية لتطوير هذه الموهبة إلى مستويات مدهشة، وقد كانت هذه الموهبة أو المهارة عاملاً رئيسيًا في فوزه بانتخابات الرئاسة أمام منافسيه من الحزب الديمقراطي وخصمه الجمهوري الباهت "جون ماكين". ويبدو أيضًا أن مستشاريه قد أفهموه مدى عمق تجذر الخطابة في الثقافة العربية، ومن ثم يمكن المراهنة على موهبته شخصيًا في استعادة ما تبدد من السمعة الأمريكية التي أراقها المحافظون الجدد.

من هنا كانت أهمية خطبته في جامعة القاهرة إلى العالمين العربي والإسلامي. فمن مميزات الخطابة أنها تصل إلى مشاعر الجماهير العادية أسرع من الدبلومسية المعتادة، كما أنها تتيح للخطيب أن يبذل وعودًا على الأثير يسهل عليه التخفف منها فيما بعد، فهي ليست محادثات رسمية موثقة. كما أن فنيات الخطابة تتيح للخطيب أن يخلق جوًا من الراحة لدى مستمعيه عن طريق استخدام مفاهيم ومترادفات ووعود غير محددة سياسيًا أو قانونيًا، لكنها تخلق حالة من "الالتباس البناء" الذي يمكن أن يُرضي الأطراف المتناقضة.

منذ مدة وهناك ترويج إعلامي هائل لخطبة أوباما، وكأنها فاتحة جديدة في السياسة الأمريكية.. والآن بعد أن حصلنا على الخطبة فما هو الجديد فيها؟ وماذا يمكن أن نفعل بها؟

بداية فإن لدينا خطبًا أمريكية سابقة لا تقل عن الخطبة الأخيرة بكثير، مثل خطب كارتر وكلينتون وحتى تعهد بوش بإقامة الدولة الفلسطينية، بل إن لدينا أصلاً قرارات كثيرة للأمم المتحدة تنصف الحقوق العربية، ولم تعرف حتى الآن طريقها للتنفيذ. إذن لا بد من الاعتراف في النهاية بأن التسويات الدولية الكبرى تقوم على المصالح وتحسمها توازنات القوى، قبل أي شيء آخر.

لا داعي للتأكيد على أهمية إعلان أوباما احترام الثقافة والتاريخ الإسلاميين، أو دعوته لتعميق الحوار وبداية جديدة. ولكن الفارق بين الخطاب الثقافي هنا وخطاب المحافظين الجدد حول إدارة بوش، أن الأخيرين كانوا يعزون التشدد والعنف الإسلاميين إلى كراهية قيم الحرية والديمقراطية الغربية. ولكن خطابي بوش وأوباما يتشابهان في بعد مهم وهو تجاهل الجانب المتعلق بالحقوق أو على الأقل تفسيره بالنظرة الأحادية للمصالح، أو بتغليب الأمر الواقع على حساب الحقائق التاريخية.

وهو ما نسميه بخطاب الثقافة الذي ساد في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث يتم تقسيم العالم على أساس ثقافي، وبالأحرى ديني. بينما يتم في الوقت نفسه تجاهل دور الإدارات الأمريكية منذ الحرب الباردة في تنظيم وتسليح "الجماعات الإرهابية" للاستفادة منها في الصراع مع المعسكر السوفيتي السابق، وتلميع "المجاهدين" إعلاميًا باعتبارهم "مقاتلين من أجل الحرية". كما يتم التعمية على عنصري الأيديولوجية المحتفية بالاستعمار الاستيطاني الصهيوني (كنسخة من المشروع الأمريكي نفسه في نصف الكرة الغربي) والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع قضايا المنطقة.

فمثلاً يبجل أوباما حق الشعب اليهودي في الوطن القومي مبررًا هذا بالمحرقة في أوربا، ومن ثم فعلى العرب أن يتجرعوا الثمن المرير- من أرضهم وسيادتهم وأمنهم- لتعويض اليهود عما وقع لهم على أيدي الأوربيين.

وفوق هذا لا يصل أوباما طبعًا إلى حد إنكار شرعية الاستيطان وعدم قانونية كل ما يترتب عليه، وإنما يكتفي بالمطالبة بالتوقف عن التوسع فيه، وهو الموقف الذي يبالغ البعض في تثمينه رغم أنه لم يتضمن أي إشارة لإجراء عملي لإيقاف الاستيطان، ولا لكيفية التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية الموغلة في اليمينية، ولا كيف سيتم التعامل مع أي توسع استيطاني يتم على الأرض في المستقبل.

في الوقت نفسه لم يتحدث أوباما بكلمة واحدة عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ولا عن حقهم في الانضمام للوطن القومي المقترح لهم. وصمت تمامًا عن محنة عرب 1948 الذين يلقون معاملة مواطنين من الدرجة الثالثة، ولم يهتم بكيف يحصلون على حقوقهم في ظل مطالبة الغرب للعرب بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

وأدان أوباما بشدة الدعوات لـ"محو إسرائيل من الخريطة"، ولكنه يتناسي عمليًا الحق في النضال من أجل القضاء على آخر نظام للفصل العنصري في عالمنا، بل إنه ينحاز أكثر لبقاء نظام الفصل العنصري هذا من خلال التأكيد على يهودية الدولة العبرية.

وبينما تجاهل أوباما الجريمة الإسرائيلية الأخيرة في غزة نجده يعبر عن انزعاجه الشديد من صواريخ حماس (التي تهدد أطفال إسرائيل)، ومن البرنامج النووي الإيراني، ومن الجماعات المتطرفة في وسط آسيا، ولكنه لم يجد في خطابه أي مساحة ممكنة للتعامل مع انزعاجنا- نحن- المشروع لاحتكار إسرائيل للسلاح النووي في الشرق الأوسط، رغم أنه ذات الخطاب الذي سمح له بتناول مسهب لعدد من القضايا الجزئية والثانوية!

وإحقاقًا للحق لا يفوتنا أن نلاحظ تنصل أوباما من إرث بوش الخاص بـ"الحرب العالمية على الإرهاب" و"مبدأ الحرب الاستباقية".. وكذلك وعده بالانسحاب من العراق والحفاظ على وحدته وترك ثرواته له، وهو ما لا نستطيع إزاءه سوى قول "أفلح إن صدق"!

كما تراجع أوباما عن فكرة "تصدير الديمقراطية" التي لم تكن تعني عمليًا سوى "تأديب الدول المارقة" وإقامة نظم موالية، إلا أنه رغم تأكيده على "رفض فرض نظام أو حكومة معينة على أي بلد" نجده يتجاوز هذا سريعًا حينما خص "أقليتين" في الشرق الأوسط بالذكر هما الموارنة في لبنان والأقباط في مصر.

ذلك رغم أنه يعلم بالتأكيد أن للموارنة حصة معترفًا بها في ديمقراطية التوافق الطائفي في لبنان، وأن الطائفة المارونية موزعة الآن على جانبي المعارضة والموالاة على السواء. أما بالنسبة لأقباط مصر فمن الإجحاف الحديث عنهم كأقلية مضطهدة بينما هم جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر. فما هي الإشارة التي يريد أوباما إيصالها لهاتين "الأقليتين" ولمجتمعيهما؟ وألا توجد أقليات أخرى تستحق الذكر أيضًا؟ وماذا عن الأقليات الإسلامية في الغرب، وما تتعرض له بعد 11 سبتمبر؟ ألم يكن من الأجدر الإشارة إليهم أيضًا في خطاب يتحدث عن بداية جديدة مع الإسلام والمسلمين.

أخيرًا لا ننكر أن هناك نغمة ومفردات في خطاب أوباما أفضل بكثير من سلفه، ولكن المجتمع السياسي العربي قد بلغ مرحلة من النضج تجعله لا يبالغ في قيمة استشهاد الرئيس الأمريكي بالآيات القرآنية أو إشادته بالحضارة الإسلاميه أو تأكيده على احترام الخصوصيات. ذلك أن البداية الحقيقية يجب أن نراها على الأرض وليس على موجات الأثير، وأن نجاح هذه البداية رهن قبل كل شيء بقدرتنا على توحيد صفوفنا واستخدام كل ما لدينا من أوراق استراتيجية بجرأة ومرونة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أميركا
فؤاد النمري ( 2019 / 6 / 4 - 17:44 )
الإشكال الأكبر الي يواجهه شيوعيو اليوم هو عدم فهم تطور العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين
برحيل روزفلت صديق ستالين الصدوق تسلم مجرم الحرب ترومان قيادة أميركا وبذلك انحرفت أميركا إلى سياسات معادية لكل ما هو إنساني إلى توظيف أميركا كل مقدراتها الهائلة ضد الشيوعية العالمية بقيادة الإتحاد السوفياتي
ما لا يفهمه أنصاف الشيوعيين هو أن تكريس كل المقدرات لمقاومة الشيوعية هي بالتحليل الأخير ضد الرأسمالية أكثر منها ضد الشيوعية
تلك السياسة الحقيرة والحمقاء عملت على نهاية الرأسمالية الأميركية المتطورة في العام 50 إلى رأسمالية منهارة في العام 71 حين فقدت أميركا غطاء نقدها وراحت تستعطف دول الجي فايف لأن تكفل عملتها
الحقيقة الصادمة اليوم ولم تصدم الشيوعيين من أمثال الرفيق مصطفى الجمال هي أن أميركا تدفع معاشات جنودها من أموال تستدينها من الصين وأن أميركا مدينة اليوم ب 23 ترليون
دولار تدفع فوائدها السنوية بما يزيد على 600 مليار دولار
هل سمعت يا مصطفى خطاب نانسي بيلوزي زعيمة الديموقراطيي في البرلما في الخريف الماضي تصيح وتولول نادبة مصير أميركا التي تستدين مليون دولار كل دقيقة

تحياتي البلشفية


2 - اوباما والحديث عن الاسلام
محمد البدري ( 2019 / 6 / 5 - 01:21 )
وهل توقعت نشره في صحيفة بتلك المواصفات الفكرية. !!!
حرام عليك يا عزيزي الجمال. فمن المؤكد ان رئيس تحريرها يعرفك جيدا، بل جيدا جدا. فكما لا يسمح هو بنشر ما تكتبه في الطليعة الجديدة التي لا اعرف إذا كانت لازالت تصدر ام لا، فهو بالقطع لن ينشر مقالك.
لكن عايز الحقيقة، يا ريت تكتب مقال وستجد مليون موقع يمكنهم نشره واولهم الحوار المتمدن موضوعه ان خطاب اوباما عن الاسلام كان اكثر من رائع واتحدي شيخ الازهر ان يتمكن هو والجوقة بتاعته، فرقة حسب الله يعني، ان تكتب مثيله. وان ما قاله كان هو ذاته الاسلام المصري زمن الليبرالية المصرية، لولا بقا عبد الناصر اللي ذكري وفاته الحقيقة انهاردا، وهو امر يدل بصراحة وانت عارف ان الصراحة راحة ان الامريكان والانجليز وكل كفار الارض يعرفون عن الاسلام باكثر منا نحن اللي اتولدنا، لسوء حظنا، في بيئته الثقافية. المشكلة ليست في خطاب الرجل انما فيما كان يدبر ليحدث بعدها بحوالي عامين، حسب نبوءة العرافة الحيزبون كوندليسا رايس. ولازالت خشبة المسرح مضاءة والعرض مستمر كما هو الان في السودان والجزائر. تحياتي وعيد سعيد عليك وكل سنة وانت طيب

اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان