الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول أزمة اليسار التونسي

سالم المرزوقي

2019 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



ملاحظات حول أزمة اليسار التونسي



القطيع ليس مفرد في حركة اليسار التونسي بل جمع قطعان ولكل حزب أو زعيم قطيعه الخاص الذي لا يحيد عن خط السير مهما كانت المنعرجات ولكل دكان حراسه من غلاة الالتفاف حول القيادة،فلا تغالوا كثيرا في الحماسة لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد باعتباره نموذجيا في ديمقراطيته وحياته الداخليه فهو يعاني من نفس الأمراض في بنيته التنظيميه ،و كثيرين من المنتمين له لم يكتشفوا المواقف الأصليه لقيادة حزبهم إلا منذ أيام بل أذكر أن بعضهم كان يصارع باسم موقف حزب العمال بحماسة حمقاء ظنا منه أنه يحمي وحدة الجبهه الشعبيه لكنه في الحقيقه يصارع ضد النقد وضد حرية التعبير وبالتالي ضد الديمقراطيه بدافع الهوس پأن كل نقد هو تخريب للمنجز التنظيمي ، تذكروا مثلا كم دافع البعض عن الموقف الهزلي الغبي أثناء الدوره الثانيه للانتخابات الرئاسيه 2014 أي موقف " قطع الطريق " ولم يكتشفوا إلا منذ أيام أن قيادة حزبهم كانت مع انتخاب الباجي وهو موقف سليم،لا أحد يحدثني عن الالتزام وخدمة الوحده كتعله لأن الالتزام والوحده لا تكون على حساب الشفافيه والصدق ،فمن يخدع الناس ويخفي مواقفه خدمة لتنظيمه لا يختلف عن الاخواني المتلون باسم "التقيه".

رغم أني لست محايدا وأتماهى كثيرا مع مواقف حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد السياسيه لكني أعتقد (وهذا رأيي ) أن الشرخ الحاصل اليوم بين حزب الوطنيين الموحد وحزب العمال ليس سببه تطور في وعي هؤلاء على حساب الآخرين وليس سببه قراءه جديده للأزمه التنظيميه (ربما في قادم الأيام ونتيجة الصدمه تظهر قراءات جديده) لكن سببه الأصلي والمؤسس هو التجميع الكمي سواءا للأحزاب أو للجبهه دون وعي بضرورة إعادة قراءة وتقييم الماضي سلبا وإيجابا وصياغة الجديد وطرح الأسئله الجريئه بقوة مثل :هل نمط الحزب البلشفي اللينيني مازال صالحا في ظل تطور العلوم والمعارف الفلسفيه أم أصبح عائقا للابداع والخلق وخانقا للحريه وتحول الى بيروقراطيه قاتله ؟ أو هل أن الثوره البروليتاريه النقية الحاده هي الحل لبلادنا وشعبنا أم أنها أصبحت أداة تستعملها الامبرياليه بشكل شعبوي لتقويض استقرار وأمن البلدان والشعوب (الفوضى الخلاقه أقصد هنا)؟ أو ماهو الأقل تكلفه للشعوب والبلدان الضعيفه كتونس في ظل تطور أسلحة الإباده والدمار وتقنيات الحصار ،الاصلاح ومراكمة المكاسب كما يحصل اليوم في أمريكا اللاتينيه وافريقيا وجنوب شرق آسيا أم الثوراة والزلازل الثوريه كما حصل في روسيا والصين وكوبا ؟او بإيجاز هل المنظمه المنشود بناءها لانجاز الأهداف النبيله اصلاحيه تعمل على مراكمة المكاسب للشعب والوطن أم هي خلية مغلقه تبني جيش البروليتاريا لتحقيق انقلاب نوعي يسمى ثورة ؟ بهكذا أسئله وأجوبه يمكن البناء التنظيمي الصلب الذي لا يهتز أمام الخلافات السياسيه وليس الوفاقات والوحده المغشوشه الدعائيه.

للتاريخ هذه الأسئله خامرتي منذ اليوم الأول الذي التقيت فيه الشهيد شكري بالعيد إبان تأسيس حزب الوطنيين الديمقراطيين قبل أن يصبح موحدا وكنت بأشد الحاجه لمن يساعدني على الإجابة لكن الرجل (شكري) كان حالما تغلب فيه روح الشاعر الطموح والثوري المتيم بالقيم على روح المحترف بمكر السياسه،وللحقيقة كان الهاجس الأمني اكثر حضورا في ذهني والمانع الرئيس آنذاك لعدم انخراطي في مشروع البناء ذاك،إذ لا يعقل تجميع كمي دون فرز بعد انقطاع وانفلاش تنظيمي دام لعقود وتمحورت برامجه وأطروحاته حول صراعات داخل الجامعه أريد لها أن تتحول لبرنامج حزب سيخرج للشارع ويخاطب المجتمع .للأسف لم يكن ممكنا إعادة طرح الأسئله والتنبيه لثغرات التجميع الكمي تلك خاصة بعد مؤتمر التوحيد وتأسيس الجبهه الشعبيه التي كانت لكثيرين وانا منهم بارقة أمل فشلت وربما تنتهي في قادم الأيام بعد انتفاضة الرفاق النواب.

اليوم بعد انتفاضة نواب الجبهه الشعبيه وإدراكهم لخطورة السير بحركة اليسار في طريق الوحده المغشوشه المبنيه على العواطف والوفاقات أصبح بالإمكان إعادة الأسئله واستفزاز العقول وحتى نعطي لكل ذي حق حقه فأول المنتفضين على انحراف الجبهه الشعبيه واليسار هم المستقلون الأفراد الذين أصبحوا أكثر إيمانا بالتغيير وأكثر وفاءا للحريه وأكثر رهانا على المستقبل ثم تلاهم انشقاق بعض الوطنيين الديمقراطيين ونخص منهم عائلة الشهيد شكري بالعيد ورفاقه ثم توجت هذه الانتفاضات بمغادرة خيرة مثقفي حزب العمال كرد فعل على تفرد القياده وانعدام الديمقراطيه داخل حزبهم.

إذن وبالعودة لمقدمة هذا النص فأزمة اليسار لا يتحملها هذا الحزب أو ذاك والوطنيون الديمقراطيون المنتفضون ليسوا أول من اطلق صيحة الفزع ونكاد نجزم أنها بداية في الطريق السليم لكنهم الآن على الأقل ليسوا النموذج الأصلح لبناء لبنات مشروع تنظيمي ثوري حي مبدع وداخلهم يشيئ بهذا فلا أحد منعهم من هيكلة حزبهم بشكل ديمقراطي وبناء منظوريهم فكريا وثقافيا ما يجعلهم منفتحين أكثر على طاقات المجتمع ونخبه كما يريدون للجبهة،بل أن كل اطروحاتهم ظلت طيلة الثماني سنوات الماضيه بلا جديد وهي اجترار وتكرار لماضي الخط الوطني الديمقراطي ومواقفه من القضايا الكبرى كالمسأله الوطنيه وتجميع المنظورين حولها واستثمار إسم الخط الوطني الديمقراطي لا أكثر وآثروا من حيث البنيه التنظيميه البناء الشكلي والديمقراطيه الجوفاء التي جوهرها السير باستقامه وراء القياده واستهلاك الماضي النضالي كبقية الأحزاب ما يعني أن أزمة اليسار التونسي هيكليه عامه وليست محصوره في هذا الفصيل او ذاك (هنا نتحدث عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد كمؤسسه ولا نتحدث عن المبادرات والاجتهادات الفرديه خارج سياق الحزب كالمؤلفات والصحافه والاشتغال بالفنون والآداب والنضالات النقابيه والجمعياتيه).

في الأخير ورغم تحفظي على استقالة الرفاق النواب من حيث توقيتها وظروفها فلست محايدا بل مساندا لكل احتجاج يمكن أن يكون لبنة لاستفزاز ملكة العقل والنقد وتحفيز الطاقات اليساريه على الاجتهاد والتساؤل والاقتراح ودفع المتصدرين من زعماء وقاده لاستيعاب المشهد الجديد باعتباره خلاقا طموحا وليس هداما كما يظن بعض الأخلاقويين الطيبين أو الانتهازيين المتسترين بالشعارات الفضفاضة.
القاعده الأصل تقول أن القائد البيروقراطي لا يوجد من فراغ بل أن وجوده ملازم لمحيط من القطيع الذي يغذي فيه روح التفرد والنرجسيه وأعرف أن قاده وزعماء كثيرين سواءا داخل حزب الوطنيين الديمقراطيين أو خارجه واعون أنهم ليسوا وحدهم ماركسيين ولا وحدهم وطنيين ديمقراطيين ومدركين لأزمة اليسار بل أن بعضهم بحكم موقعه القيادي يعرف أكثر منا جميعا أدق التفاصيل عن أمراض اليسار والاختراقات الحاصله داخل نسيجه لكن المحيط المتآمر والمتربص باليسار من ماكينات الاخوان ومنظومة الحكم العميله تفرمل في هؤلاء القاده عامل الجرأه والمجازفه بالتغيير في بنية أحزابهم والإجهار بأفكارهم.

اليوم لم يعد ممكنا تأجيل الحسم والاستكانه للانتظار فاليسار مهدد بالاندثار ومزيدا من التفكك في كل منعرج سياسي قادم وعلى الذين يمتلكون موهبة القياده أن يتقدموا الصفوف رافعين شعار ليسقط من يسقط وليتقدم من يتقدم ولا مكان للوفاقات والتلفيق بين الماديه والمثاليه وبين الواقعيه والعبث والوهم البرجوازي الصغير متسلحين بشعار أنشتاين الذي يقول : " لا يمكننا حل المشاكل بنفس العقليه التي خلقت المشاكل " وهنا أعني ما أقول فالذين صنعوا بعقلياتهم اليمينيه أحزابا وقاده بيروقراطيين لا يجب اعتمادهم لإعادة البناء التنظيمي وترسيخ الديمقراطيه وروح النقد الخلاق

أختم بالاعتذار لقساوة بعض العبارات مثل "قطيع" فلا أقصد بها شخصا بعينه او حزبا أو شريحة بل أقصد بها ظاهرة عامه صنعتها العقليه البلشفيه الموروثة.

سالم المرزوقي ـ تونس ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس