الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أصبح تاريخ العرب ديناً للشعوب ! (3)

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2019 / 6 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تعرفنا في المقال السابق على رؤية العلماء والفقهاء في تفسير قول الله تعالى " (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)123/التوبة. ‏وعرفنا أن جمهور العلم والعلماء والفقهاء الأجلاء قالوا بأن هذا أمر من الله تعالى غير مشروط بقتال كل المجتمعات المجاورة غير المسلمة لكن بالدور ‏وعلى التوالي، وهذه كانت القاعدة والشرط الوحيد الذي وضعه العلماء في قتل البشرية جمعاء ما لم يكونوا مسلمين... لدرجة أنني حينما كنت طفلاً ‏صغيراً في المدرسة، أتذكر كان أستاذنا يشرح لنا في حصة اللغة العربية قصص وحكايات الصحابة في الجهاد والفتوحات ومدى البطولات التي قدموها في ‏فتح تونس والجزائر، حيث كان التوانسة تتولى حكمهم امرأة، وكانت عظيمة الشأن بينهم ويحترمونها جداً ، ورغم كبر سنها كانت عروقها تنضح وطنية ‏واستمات في الدفاع عن وطنها ضد العرب وأذاقتهم المرار حتى فشلوا في هزيمتها خمس سنوات متواصلة، هذه المرأة مرمطت كرامة الرجال الذكور العرب ‏في تراب تونس، لدرجة أنهم أطلقوا عليها اسم " الكاهنة " لأنهم اعتقدوا أنها تهزمهم كل مرة بالسحر.... وكان اسمها ديهيا كما ذكره العلامة ابن ‏خلدون، وفي النهاية وقعت في مقدمة جيشها فانتهك العرب جثتها ومثلوا بها أبشع تمثيل.. كانت الحملة الأخيرة والناجحة للعرب بقيادة عقبة ابن ‏نافع الذي تمكن من هزيمة هذه المرأة الوطنية الشجاعة بالخيانة والغدر... لكن قيل لنا أن عقبة ابن نافع هذا كان صحابياً جليلاً وكان بطلاً وجاهد في ‏سبيل الله وعاد من تونس بالكثير من الفتايات الحسناوات وصدرهم إلى قصر الخليفة الأموي في دمشق.. فكنت أتساءل في نفسي؛ هل كانت فتايات ‏تونس في هذا الزمن جميلات مثل فتايات تونس اليوم ؟! ... صدقني سيدي القارئ؛ كُنت طفلاً صغيراً وكانت تساؤلاتي بريئة ... ‏

كُنت أتساءل فقط لأنني عرفت أن الخليفة الأموي في هذا الوقت اعترض على نوعية السبايا وطلب عينة أخرى حدد مواصفاتها بدقة، والحمد لله ‏أن هذه المواصفات لم تكن موجودة في الفتايات والسيدات المصريين ولا السودانيين، كان الجمال بارعاً في نساء الأمازيغ والجزائر وتونس، وهذا كان من ‏نصيبنا حيث كانت طلبيات السبايا من تونس والجزائر أكثر من مصر.. أما السودانيين فكان حظهم عنب... وفي هذه السن الصغيرة لم يكن يشغلني ‏السؤال عن هؤلاء الفتايات التونسيات الذين اغتصبهم العرب تحت مظلة ملك اليمين واستعبدوهم تحت مظلة الجهاد... كان يشغلني شيء آخر ‏كنت أعاتب ربي عليه، وأشعر بأنني مغبون في الخلق، لأنني كي أكون مؤمناً حقاً مثل عقبة ابن نافع وأجاهد في سبيل الله فلا بد على الأقل أن تكون ‏لدي القدرة على الذبح بشجاعة كما تمكن عقبة ابن نافع من ذبح الكاهنة التونسية وسلخ رجالها أحياء، لأنني كنت أخشى ويقشعر بدني من مشهد ‏الدماء والقتل والذبح بالسيف هكذا وبشجاعة وصلابة قلب لا يتمتع بها إلا العربي المؤمن حقاً... فكنت اعتبر ضعفي هذا ضعفاً في درجة إيماني بالله.. ‏ثم أعود لأطمئن نفسي، فلست أنا من خلقت نفسي ضعيفاً هكذا يخشى الدماء وتجزع نفسه من القتل والذبح أو يمتلئ قلبي بالرحمة والتعاطف، ولكن ‏الله هو من خلقني ضعيف خجول رقيق الحس مرهف المشاعر بهذه الدرجة، فبالتأكيد سيقبل الله عذري ... ‏

ولا أخفي سراً بأنني كنت متعاطفاً مع هؤلاء الأبطال التونسيين وفتاياتهم ونسائهم وأبطالهم الشجعان لكنني لا أستطيع أن أرفض تنفيذ أوامر ربي ‏بقتلهم كما يقول الصحابة الأبرار.. فقط كنت أتنازل عن حق سبي واغتصاب الفتايات التونسيات رغم جمالهن المدهش، لأن ذلك لم يكن واجب بل ‏كان فقط حق وأجر للمجاهدين في سبيل الله، فعاهدت نفسي إن أعطاني الله شجاعة الذبح أن أتنازل عن حق السبي والاغتصاب مهما فاق جمال ‏الفتايات التونسيات جمال الفتايات المصريات ... ثم بعدما كبرت وقرأت ودرست القانون الذي وضعته الدولة، عرفت أن كل من يسعى لفعل ما فعله عقبة ابن نافع ‏سيقدم للمحاكمة بتهمة الإرهاب وفي النهاية سيُعدم.. إذن لماذا تدرس لنا الدولة الإرهاب ونحن أطفال، ثم عندما نكبر تقدمنا للإعدام إذا طبقنا ما ‏تعلمناه ؟! أم أن الجهاد كان فريضة في عهد الصحابة الكرام فقط، وفي عصرنا أصبح إرهاب وعقوبته الإعدام ؟!‏

ونعود مرة أخرى؛ ففي عهد النبي عليه السلام كانت الحرب دفاعية انتقائية، بمعنى أنه لم يكن يفكر في الحرب بداية ولم يكن منهجه قائماً على ‏الحرب والغزو بل على الدعوة، بل كان فقط يعد جيشه عندما تصله أخبار بهجوم معادي، أما في عهد الخلفاء صارت سياسية توسعية حصّادة (الأقرب ‏فالأقرب) وفسر المفسرون الآية التي تقول " قاتلوا الذين يلونكم" على أن الحرب تكون حصّادة للشعوب المجاورة بأولوية القربى والجوار، أي الأقرب ‏فالأقرب. وهذا تحوّل خطير في بوصلة الدين تخرجه عن مبادئه بالكلية، إذ أن معنى ذلك أن هذه الحصّادة الدموية تحل محل الدعوة إلى الله بالحكمة ‏والموعظة الحسنة، بل إنه اعتراف من الفقهاء والمفسرين بأن الحصّادة الدموية هي السبيل الوحيد الإلزامي على كل مسلم لنشر الإسلام في ربوع ‏الأرض... والآن سنطالع اجتهادات المفسرين وأخطائهم الفادحة في تأويل النص القرآني بما يخالف المنطق العقلي على مدار العصور ويوافق هواهم وتاريخ ‏العرب، فهذه العبارة التي جعل منها المفسرون حصّادة دموية " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" قد وردت ضمن عشر آيات ملتحمة في سياق واحد في ‏سورة التوبة التي تحدثت بكاملها عن المنافقين وصفاتهم وحيلهم، هذا السياق القرآني جاء متصلاً لا منفصلاً، وجاءت الآيات الأولى منه واضحة ‏بالحديث عن المنافقين، ثم جاءت هذه العبارة في المنتصف " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‎ ‎قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم‎ ‎مِّنَ‎ ‎الْكُفَّارِ‎ ‎وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ ..." واستمر ‏الخطاب القرآن عن المنافقين بذات السيناريو. وآيات الله لا تقرأ كجزر منعزلة عن بعضها البعض ولكن تقرأ ضمن سياقها لنتعرف على مقصود الله ‏تعالى على وجه واحد لا يحتمل غيره، بينما هم سلخوا الآية من سياقها واعتبروها محور وعنوان العلاقة بين المسلمين والشعوب المجاورة لهم، واختصروا ‏علاقة الجوار المجتمعي في (قتل الأقرب فالأقرب مع المعاملة بغلظة)!‏

يقول الله تعالى في بداية السياق: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ ‏مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)‏‎ ‎يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‎ (119) ‎مَا كَانَ لِأَهْلِ ‏الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي ‏سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‎ (120) ‎وَلَا يُنفِقُونَ ‏نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‎ (121) ‎۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ ‏مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‎ (122)‎‏/سورة التوبة

ثم يقول تعالى مباشرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)‏‎ ‎وَإِذَا مَا ‏أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‎ (124) ‎وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا ‏إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ‎ (125) ‎أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‎ (126) ‎وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ ‏بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ‎ (127) ‎لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا ‏عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ‎ (128) ‎فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‎ (129)‎‏/التوبة

وكما يتبين لنا من الآيات التي سارت وفق السياق العام، بدأت بالحديث ن المتخلفين عن الجهاد وذكرت أحوالهم النفسية تفصيلاً، وحفزت ‏المؤمنين بالتقوى وأن يكونوا مع الصادقين وألا يتخلفوا عن رسول الله وألا يبخلوا بأنفسهم في الدفاع عنه، ثم انتقلت الآيات تدريجياً إلى (بعدما ذكرت ‏المتخلفين عن الجهاد وقبول توبتهم، ونصحت الآيات بإتقان العمل الصالح وتنقية النفس وإسباغ الإيمان) حتى وصلت في تسلسل تدريجي سلس إلى ‏الحديث عن النفاق والمنافقين، وهم الوباء في هذا المجتمع سواء خرجوا أو قعدوا. وقد نزلت سورة التوبة في الحديث عن النفاق بوجه عام ووصف أحوال ‏المنافقين وحيلهم، وأرشد الله رسوله والمؤمنين إلى مجاهدة المنافقين الذين عدد أوصافهم بدقة، حيث يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ‏الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ، والمقصود بهذه الآية هم المنافقين، وليس الأمر متعلقاً بالحرب العسكرية وإنما متعلقاً بنضال المنافقين في الداخل، ‏والغلظة هنا لا محل لها في الحرب العسكرية لأنها تقوم على القتال فهل يكون هناك غلظة أبعد من ذلك؟ فالقتل بالسيف يلزمه القوة لا الغلظة، وإنما ‏الغلظة مع السيف تعني تمثيل بالجثة أو ما هي الغلظة التي قد يأمر بها الله في الحرب غير كونها حرب؟ وهل يحتاج الأمر من الله أن ينصح بالغلظة في ‏الحرب العسكرية؟.. ‏

فالواقع أن الله إنما يحدث المؤمنين عن المنافقين وينهاهم عن التودد إليهم وتليين الخطاب أو التعاطف معهم لأن نفوس المنافقين مريضة ولا يرجى ‏شفاؤها، وموطن الغلظة هنا هي القطيعة مع المنافقين والحذر الشديد منهم ومن وساوسهم حتى لا تجد هوى في نفوس المؤمنين فتضعف أو تستجيب ‏لهم أو تلين أو تزيغ قلوبهم كما حدث في جيش العثرة وتحدث الله عن ذلك في الآية 117 من ذات السورة ثم تاب الله عليهم إنه رءوفٌ رحيم، وما يؤكد ‏أن الأمر هو قتال معنوي للمنافقين وليس تصفية مادية للجيران، هو أن الله أكمل الآية بالمقارنة بالتقوى وهي عكس النفاق تماماً بتمام، فقال: ‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" وعكس المتقين هم المنافقين وليس الكافرين، فالكفر نقيضه الإيمان، والنفاق نقيضه التقوى، وإذا كان الله يحذر الناس من ‏النفاق، فمن الطبيعي أن يحثهم على التقوى، وإذا حذرهم من العمل الفاسد فطبيعي أن يحثهم على العمل الصالح وفرق الثواب في ذات السياق لأن ‏النفس البشرية تنسجم مع التضاد سواء كان في اللفظ أو المعنى، بل إن التضاد يوضح المعنى ويبرزه. فالله قد أقام مقارنة سياقية بين فئتين متقابلتين ‏متناقضتين تماماً هم المنافقين والمتقين، وذم المنافقين بوصفهم (كافرين موالين أي عملاء خونة) وحذر من فريق المنافقين وحث على الانضمام لفريق ‏المتقين والتمسك به. والمنافقين هنا لم يرد ذكرهم لفظاً ولكن سياقاً وعبارة؛ بمعنى أنه ذكر الكافر الموالي، وهذه العبارة معناها المنافق، غير أنه عاد ووصف ‏المنافقين صراحة بأنهم (الكافرين الذين في قلوبهم مرض)‏

والمقصود بالأمر " قاتلوا " ليس فعل القتل والتصفية الدموية، ولكن الله يأمر بمجاهدة ومكافحة المنافقين لأنهم وباء، وعلى الرسول والمؤمنين ‏الكفاح والمناضلة ضدهم لتطهير المجتمع من النفاق الذي ينخر في دعائمه مثل السوس، وهو ما ظهر جلياً في جيش العثرة الذي نزلت هذه السورة ‏بمناسبته، ولذلك لم يقم الرسول بالقبض عليهم وذبحهم في بيوتهم ليلاً وإنما حذر منهم وفضح أمرهم، فهو قتال معنوي لا مادي، نفسي لا دموي، ‏متعلق بالفكر والإرادة وليس بالسيف والخنجر. والغلظة معنوية لا مادية، في قوله"وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً" لكن العرب في تفسيراتهم للقرآن كانوا أكثر ‏سذاجة وأهملوا ما هو معنوي وكثّفوا من المفاهيم المادية لأن ذلك ينسجم مع طبيعتهم النفسية وبيئتهم ومجتمعهم ومنشأهم. ثم تستمر الآيات في ذات ‏السياق، حيث يقول الله تعالى في تكملة وصفه للمنافقين:"‏‎ ‎وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ " .. ‏

والملاحظ أن الآية بدأت بأداة عطف وليس استهلال، أي أنها ليست بداية واستئناف لموضوع جديد بل تكملة وتفصيل معطوف على ما قبله، ‏وتكملة على سياق موضوع الحديث عن (الذين يلونكم من الكفار أي الكافرين الموالون لكم العملاء الخونة الذين يسيرون تحت لوائكم نفاقاً ظاهرياً ‏وقلوبهم مليئة بالكفر والضغينة ويسخرون من القرآن). ونحن لن نتوقف كثيراً على واو العطف كرابط إلزامي لسياق الحديث، وإنما سنقف على الضمير ‏المتصل بعده " فمنهم" (( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم ))، ونسأل بسذاجة وبديهية؛ ممن؟ وإلى من يعود هذا الضمير بعد واو العطف؟ فطالما حرف ‏عطف فلابد أنه رابط بين العبارتين، وطالما ورد بالآية ضمير فلا بد أن يعود إلى أقرب اسم صحيح ورد بالجملة التي قبلها، وإلا لن يكون للضمير معنى ‏هنا ولا لحرف العطف قيمة نهائياً، والغريب أن الفقهاء اتفقوا على أن الضمير حقيقة يعود على المنافقين الواردة السورة كلها بشأنهم، فالمقصود بهذا ‏الضمير هم المنافقين، كما ورد ذكرهم بالسورة عامة، فهم كلما نزت سورة من الوحي استهزؤوا بها، لكن السؤال يثور هنا للغويين، هل من المنطق القول ‏بأن الضمير يعود على المنافقين عامة في السورة؟ دون أن يشير إلى الاسم الصحيح الموصوف في العبارة السابقة عليه برغم وجود واو العطف بين ‏العبارتين؟ أم أن المنطق اللغوي يقول بأن المنافقين الذين ورد ذكرهم في العبارة السابقة (الكافرين الموالين للمؤمنين والخونة العملاء) هم الذين يعود عليهم ‏رابط الضمير؟ فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)‏‎ ‎وَإِذَا مَا ‏أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" فهل يثور شك بأن الضمير الوارد بهذه الآية يعود ‏على المنافقين الموصوفين في العبارة التي قبلها التي تقول" قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ"؟ ، فالمنطق يقول بأن الله يأمر المؤمنين بأن قاتلوا المنافقين ‏الكفار الذين كلما نزلت سورة فمنهم من يتساءلون بسخرية أيكم زادته هذه إيماناً؟.. غير أن الآية جمعت بين المتناقضين في مواجهة صريحة ومباشرة، ‏فالله ذكر الكفار الموالين الخونة العملاء وحفز على قتالهم وفي المقابل مدح المتقين، فقال: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" أي أن الله يتحدث في سياق عام ‏عن تنقية وتطهير المجتمع وتصفيته من المنافقين ليبقي فقط المتقين. وقد جاء هذا الحديث تالياً على الحديث عن المؤمنين الذين تخلفوا عن الخروج مع ‏رسول الله والذين زاغت قلوبهم وضعفت بسبب وشاية المنافقين وأحاديثهم.‏

‏ ثم يستمر المولى عز وجل في وصف المنافقين وحيلهم، وفي ذات السياق المقارن، فيقول أما المؤمنون فإذا نزلت سورة فإنهم يستبشرون‎ ‎وَأَمَّا الَّذِينَ ‏فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ‎ (125) ‎‏/التوبة. أي أن الله وصف المنافقين وصفاً مستقلاً بأنهم كافرون لأنهم في قلوبهم ‏مرض وهذا المرض زادهم رجساً فماتوا وهم " كافرون" فصفة النفاق لا تخلوا من صفة الكفر، وبالتالي حينما يقول تعالى: قاتلوا الذين يلونكم من ‏الكفار، لا ينبغي فصلها عن سياقها وصرفها إلى قتل الشعوب المجاورة الأقرب فالأقرب كما لو كان الإسلام جاء حصّادة دموية للشعوب. ثم كيف ‏يكون سياق الحديث كله عن درجات النفاق وأحوال المنافقين وصفاتهم وألاعيبهم وخيانتهم، وفي منتصف الكلام تأتي عبارة مقتضبة ودون سياق ‏لتوجيه جيوش المسلمين لإعلان الحرب الدائمة في الزمان والمكان وبدون أسباب على جميع الشعوب المجاورة بأولوية القربى من بلاد المسلمين الأقرب ‏فالأقرب على اعتبار أن الجار أولى بالقتل !، ثم يعود الخطاب القرآني ليبدأ (بعد جملة واحدة) مجدداً حديثه عن المنافين باستئناف ابتدائي وبأداة عطف ‏يتبعها ضمير ربط متصل !! ‏

فالسياق العام للآيات بكاملها يتحدث عن درجات النفاق وأفعال النفاق والمنافقين والمقارنة بينهم وبين المؤمنين المتقين، وأوضح أن باب النفاق ‏يبدأ بالتكاسل عن نصرة الرسول ثم الذين يتهربون من الجهاد ويتلمسون الأعذار والذين ينفرون منه ثم يتطور الحديث تدريجياً حتى يصل إلى المنافق ‏الخائن العميل. إذن سياق الآيات متصل في حديثه عن المنافقين ووجوب قتالهم أي جهادهم ومكافحة نفاقهم وكفرهم، فطبيعة الحال تؤكد أن المنافقين ‏كافرين بل إنهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم ليسو فقط كافرين بل يضللون الرسول والمؤمنين بنفاقهم وتظاهرهم بالإسلام، فهل هناك منطق يقول ‏بأن عبارة الكفار الواردة في منتصف الآيات تنصرف إلى قتل الروم المسيحيين واليهود من الشعوب المجاورة في الشام والعراق ؟؟ وهل يمكن لله أن يصف ‏المسيحيين واليهود جملة وإجمالاً بكلمة الكافرين؟ وهل يأمر بقتلهم دون سبب؟ وهل من المنطق أن يرد الأمر بقتال الكافرين (المسيحيين واليهود) في ‏عبارة مقتضبة خاطفة دون سياق وسط آيات تتحدث جميعها عن المنافقين وكفرهم ودرجات النفاق؟ قبلها وبعدها آيات تتحدث عن المنافقين وتعدد ‏صفاتهم، فكيف يتوسط هذه الآيات أمر بقتل المسيحيين واليهود ووصفهم بأنهم كافرين؟ ثم ما الدافع إلى نفي كلمة الكافرين عن المنافقين مع أنهم هم ‏الكافرين حقاً، فلماذا نفى المفسرون وصف الكافرين عن المنافقين وصرفوه إلى المجتمعات المجاورة من المسيحيين واليهود (الروم والعرب في الشام) ثم ‏عادوا في العبارة التالية ليصرفوا الضمير الوارد بها إلى المنافقين عامة ! فلماذا لم يصرفوه إلى المنافقين الواردين بالآية السابقة؟ ذلك لأن الميول النفسية لدى ‏الفقهاء والمفسرين خرجت بالنص القرآني عن سياقه لينسجم مع تاريخ العرب وما فعله الصحابة بعد وفاة الرسول، وليكون تاريخ العرب الصحابة هو ‏الدين وهو المفصل حصراً لآيات الله ، ليصنعوا من عباراته أوامر بإنشاء حصّادة تجوب العالم بالقتل والذبح ! باعتبار أن كلمة " الذين يلونكم" تعني ‏التالي، أي الذين يتلونكم في الجوار، فهل جاء الإسلام لحصد الشعوب والمجتمعات بالسيف ؟ باعتبار الدنيا كلها أعداء وما على المسلمين إلى قتل كل ‏الشعوب والمجتمعات؟ فلماذا قال الله: ‏‎ ‎وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)/يونس‎ ‎‏ ؟؟

إن عبارة الذين يلونكم الواردة في سياق الآية يقصد بها المنافقين الذي ينضوون تحت لواء المسلمين، لأن مشكلة النفاق وظاهرة النفاق ذاتها تنشأ ‏من تبعية بعض الكافرين لواء الإسلام، وسيرهم تحت لواء المسلمين وهم كافرون، بل إن الله قد حذر المؤمنين من ذات الشيء لأن النفاق درجات وليس ‏كله كفر، وبذات الجذر اللغوي، فيقول في سورة آل عمران: " لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ‏فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) وهو أمر مباشر من الله للمؤمنين بعدم موالاة الكافرين أي عدم ‏الانضمام إلى لوائهم وزمرتهم، لأن من يلي الكافرين فليس من الله في شيء. ويقول الله تعالى في سورة المائدة مستخدماً ذات الجذر اللغوي:" ۞ يَا ‏أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)‏

ولو دققنا في المعنى اللغوي للفظ المنافقين، سنجد أن وصف الكافرين ينطبق عليهم وأن الله جل وعلا لم يخطئ حينما وصفهم بالكافرين، لأن ‏المنافق مزدوج العقيدة والنفاق صفة مزدوجة بين الإيمان الظاهري والكفر الباطني، فالمنافق يمكن وصفه بأنه من المؤمنين لأنه حمل صفة الإيمان بوقوفه ‏تحت لواء المؤمنين، وكذلك يمكن وصف المنافق بأنه كافر لأنه فعلاً يحمل الكفر في باطنه، ولذلك استخدم الله في الآية الأولى 123بأنهم كافرين موالين ‏‏(الذين يلونكم من الكفار) وفي الآية التالية 125 وصف المنافقين بأنهم كافرين في قلوبهم مرض ورجس، وأما الصفة التي تدمج الصفتين معاً فهي ‏‏"منافق" أي مؤمن كافر أو كافر موالي أو كافر في قلبه مرض، ولأن الله لا يريد مناضلة صفة الإيمان أو حتى التظاهر بالإيمان وإنما فقط يريد مناضلة ‏صفة الكفر في المنافقين، لأن صفة الإيمان الظاهر لا ضرر منها وإنما الضرر من الكفر الباطن، وبالتالي لو عدنا لوصف القرآن حيث يقول" قاتلوا الذين ‏يلونكم من الكفار" فهو يعني حتماً المنافقين، لكنه يقصد فقط صفة الكفر في كل منافق. وكلمة كافر هي الأكثر تركيزاً ودقة من كلمة منافق، لأن كلمة ‏منافق هي وصف عام شامل يشمل الصفتين معاً " الإيمان الظاهر والكفر الباطن" والله حينما أمر بقتال هؤلاء المنافقين نزع عنهم صفة الإيمان الظاهري ‏بعد أن أوضح أنه ظاهري ولا قيمة له، وطالما نزع الله عن المنافق صفة الإيمان فلم يعد منافق وإنما كافر، ولذلك قال الله" قاتلوا الكفار" ثم تبع سبب ‏ذلك الأمر بتفصيل أفعالهم وسخريتهم من القرآن. ‏

غير أننا نعود لتحليل كلمة منافق فهي تعني اندماج صفتين كما سبق، تعني كافر مع صفة إيمان ظاهر أي موالاة المؤمنين، أي الكافر الموالي ‏للمؤمنين هو المنافق، حتى أن الله قال في الأمر قاتلوا الذين يلونكم من الكفار أي جمع صفة الموالاة (الإيمان الظاهر) وصفة الكفر، واندماج هاتين ‏الصفتين يكون صفة النفاق. لكن العرب كعادتهم يهجرون الأمور والمفاهيم المعنوية ويكثفون من المفاهيم المادية بما ينسجم مع طبيعتهم النفسية ‏وهمجيتهم ووحشيتهم، فاعتبروا وصف "الذين يلونكم" اعتبروا أن الله يقصد الذين يسكنون قريباً منكم مكانياً وجغرافياً أي الشعوب المجاورة، ولم يفهموا ‏أن اشتقاق الفعل من صفة الموالاة وإعلان الولاء والتقرب المعنوي.. ونبحث على الجذر اللغوي لكلمة "يلي" للوصول إلى المقصود بعبارة "الذين ‏يلونكم" الواردة بالآية، فنقرأ معجم المعاني الجامع ‏:‏
o وَلَى‎): ‎فعل‎(‎
o ولَى‎ ‎يلِي ، لِ / لِهْ ،‎ ‎وَلْيًا‎ ‎، فهو‎ ‎والٍ‎ ‎، والمفعول‎ ‎مَوْلِيّ (خادم)‏
o ولَى‎ ‎فلانًا : دنا منه وقرُب منه
o كما‎ ‎يلي‎ : ‎كما يَتْبع
o وَلاَهُ فِي الْمَوْكِبِ : تَبِعَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، قَرُبَ مِنْهُ
o وَلا‎: ‎‏(فعل)‏
o وَلى‎ ‎‏(‏‎ ‎يلِيه‎ ‎‏)‏‎ ‎وَلْيًا

ويتضح من البحث ببساطة في المعجم أن الجذر ينصرف إلى معانٍ عديدة، تشتق جميعها من معنى القرب والولاية، أي تنصرف صراحة في سياق ‏الآية إلى وصف المنافقين الذين يلون المؤمنين أي يسيرون تحت لوائهم وفي مواكبهم ظاهرياً، وهذا ما يسير مع منطق الآيات التي تحدثت منذ بداية ‏السورة عن المنافقين وأوصافهم وحيلهم، وعن جيش العثرة وما حدث فيه، ولا مجال هنا لغرس معنى شاذ ينصرف إلى أمر مباشر بقتل المجتمعات المجاورة ‏من النصارى واليهود الأقرب فالأقرب بوصفهم كفار كما ذهب المفسرون على مدار التاريخ، فالمعنى يحمل دلالة واضحة على المنافقين لكن جنوح ‏النفسية العربية إلى المزاج الحربي جعلتهم يغلبون المعنى الشاذ على المعنى الواضح الصريح، ويجعلون من القتال المعنوي قتالاً مادياً بالسيف، والغريب أن ‏الطبري في تفسيره قد أدرك هذا الجذر اللغوي واستخدم عبارة "ولي" بمعني يلي بمعني يتبع، ومع ذلك صرفها إلى وجوب قتال المجتمعات المجاورة أولاً بأول ‏أي بتشكيل حصّادة دموية مثل حصّادة القمح تزيل لشعوب والمجتمعات أولاً بأول.‏

وهذه كارثة التبعية للسلف في التأويل والتفسير، فما وقعوا فيه من خطأ استمر هامش الخطأ آلاف السنين مقدساً حتى تحصن بطول الزمن وأصبح ‏من " ثوابت الأمة "، والكارثة الأعظم أنه ليس خطأً عادياً، وإنما خطأ عقائدي إجرامي معناه وجوهره أن وظيفة المؤمن في الحياة هي قتل الناس، وكلما ‏انتهى من تصفية المجتمعات المجاورة له توسعت دائرته لتطال شعوباً أبعد منه وبذلك تتوسع دائرة الإسلام ! وبالطبع هم لم يفهموا أن ذلك ليس نشراً ‏للإسلام وإنما تصفية عرقية لغير المسلمين، وهي فكرة شيطانية جوهرها أن يصبح الإسلام قوياً، ليس بقوته الذاتية والحكمة والموعظة الحسنة، ولكن قوته ‏بتصفية خصومه .! والفرق شاسع ما بين انتشار الإسلام بقوة معانيه ومبادئه وما بين سيادته بتصفية خصومه . لكن المفسرين الأوائل؛ ابن كثير ‏والطبري والقرطبي والسعدي وابن عاشور والبغوي والجلالين، وحتى المفسرين الجدد في عصر الإنسانية وحقوق الإنسان، نجد شيخ الأزهر الدكتور سيد ‏طنطاوي والشيخ الشعراوي أيضاَ يسير على نهج السلف في تفسير القرآن بذات النظرة الفلسفية الحربية وبنظرية الحصّادة الدموية! وجميعهم تبنوا هذه ‏العبارة " اقتلوا الأقرب فالأقرب من الشعوب المجاورة " ! ‏

وفي الواقع فإننا لا نجد أي منطق عقلي أو علمي أو إنساني يفسر لنا ما اقتنع به " جمهور العلماء" إلا لجنة خبراء في الطب النفسي، كي تفسر لنا ‏كيف يقتنع إنسان بأنه مأمور من الله ليدور بالقتل على المجتمعات والشعوب المجاورة له بالدور الأقرب فالأقرب، ويقدم الدليل بأنه كما فعل الصحابة في ‏العراق، فالشام، ثم فارس، ثم مصر، ثم شمال إفريقيا، ثم الأندلس !! فهم لم يقدموا الدليل من العقل أو من الدين وإنما من تاريخ العرب، وهذا ما يفسر ‏استمرار الأمراض النفسية الجمعية في هذه الشعوب التي انكسرت إرادتها تحت الجيوش العربية المتوحشة فأصابها رُهاب وخضوع مزمن لفكر العرب ‏ومعتقداتهم ومبادئهم، حتى صار العرب هم الآباء الروحيين لهذه الشعوب.‏

ففي قوله تعالى" يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ‏‎"‎‏. يقول ابن عاشور:"كان جميع بلاد العرب خلص للإسلام قبل حجة الوداع، ‏فكانت تخوم بلاد الإسلام مجاورة لبلاد‎ ‎الشام‎ ‎مقر نصارى العرب، وكانوا تحت حكم‎ ‎الروم، فكانت غزوة‎ ‎تبوك‎ ‎أول غزوة للإسلام تجاوزت بلاد العرب ‏إلى مشارف‎ ‎الشام‎ ‎ولم يكن فيها قتال، ولكن وضعت الجزية على‎ ‎أيلة‎ ‎وبصرى، وكانت تلك الغزوة إرهاباً‎ ‎للنصارى، ونزلت سورة براءة‎ ‎عقبها فكانت ‏هذه الآية كالوصية بالاستمرار على غزو بلاد الكفر المجاورة لبلاد الإسلام ((لاحظ أنه يقول كانت الغزوة إرهاباً للنصارى، فهل أمر الله بنشر دينه ‏بإرهاب النصارى؟ ثم يقول كانت هذه الآية كالوصية باستمرار الغزو !)) بحيث كلما استقر بلد للإسلام وكان تجاوره بلاد كفر كان حقاً على المسلمين ‏غزو البلاد المجاورة. ولذلك ابتدأ الخلفاء بفتح‎ ‎الشام‎ ‎ثم‎ ‎العراق‎ ‎ثم‎ ‎فارس ثم انثنوا إلى‎ ‎مصر‎ ‎ثم إلى‎ ‎إفريقية‎ ‎ثم‎ ‎الأندلس. فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ‏تكملة للأمر بما يتعين على المسلمين في ذيول غزوة‎ ‎تبوك"..‏‎ ‎

بالطبع لا يمكن أن نجد منطق عقلي صحيح يستوعب أن يكون دور الإنسان المؤمن في الحياة هو قتل الناس وإرهابهم، وهذا ليس دين من الله ‏ولكنه تاريخ العرب والصحابة، لكن دعنا نتساءل إذا كان الصحابة أخطأوا وتجاوزا حدود الدين واعتدوا على الشعوب المجاورة لهم بالقتل والسلب ‏والنهب ..إلخ. فما الذي دفع هؤلاء الجمهرة من علماء المسلمين على مدار 1400 سنة أن يؤمنوا ويقتنعوا بهذا الكلام؟ هل لأنهم مجرمون جميعاً؟ وهل ‏يصح توقيفهم للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولة بتهمة التحريض على القتل الجماعي؟ أو التصفية العرقية للشعوب؟ أو الاضطهاد الجماعي؟

بالطبع لا ولكن يجب النظر إليهم بعين الرأفة، لأنهم أصيبوا بعدوى متلازمة ستوكهولم العربية على مستوى العقل الجمعي، وهي التي تصيب العقل ‏بمازوخية الخضوع لغيره الذي اعتدى عليه، وإن كان هؤلاء العلماء لم يروا الصحابة أصلاً ولم يتعرضوا لعدوانهم، فكيف تفسر لنا متلازمة ستوكهولم هذا ‏الوضع؟ في الواقع إن العدوى لا تصيب شخص أو فرد أو عائلة أو قبيلة وإنما تصيب شعباً وشعوباً بأكملها، فجميع الشعوب التي تعرضت لغزو ‏الصحابة والعرب خلال حقبة الفتوحات، جميعها أصيبت بنوع من العدوى النفسية كما الفيروس النشط، هي عدوى الرُهاب والخضوع للعرب، فقد ‏جعلت هرمونات المازوخية العقلية، وهي مجموعة هرمونات تفرزها غدد صماء في الجسم تعمل على تشغيل المخ بمزاج معين، هذه الجينات عادة ما تكون ‏خاملة أغلب الوقت، ولا تنشط إلا مع وقوع حدث معين، وعندما حدثت حقبة الفتوحات، فقد أدت إلى تنشيط جينات المازوخية العقلية "متلازمة ‏ستوكهولم" في أبناء الشعوب التي تعرضت لها، واستمرت هذه الجينات نشطة على مدار السنين تنتقل من جيل إلى جيل بنفس معدلات النشاط وتفرز ‏هرموناتها باستمرار، ولا تخمد هذه الجينات وتقل معدلات إفرازها الهرموني إلا بمرور مئات السنين، وتضعف تدريجياً. وهذا ما يعني استمرار الحال على ‏هذا الوضع لحقب زمنية طويلة، وكل جيل يموت ويأتي جيل بعده حاملاً لذات الجينات النشطة في عقله، فلا يمكن أن يخرج من ذات الدائرة. وكانت ‏النتيجة أن وجدنا جمهور علماء المسلمين على مدار ألف وأربعمائة عام جيل ورا جيل يؤمنون ويقتنعون بذات الأفكار وبأن جرائم الحرب التي وقعت ‏خلال حقبة الفتوحات هي جهاد في سبيل الله وحق مشروع وواجب ديني مقدس.. ‏

فهؤلاء الجمهرة من أجيال علماء المسلمين لم يكونوا مجرمين ولكن مصابين بصدمة نفسية على المدى البعيد تفسرها متلازمة ستوكهولم، وجميعهم ‏من أبناء الشعوب التي تعرضت للصدمة عندما اكتسح العرب بلادهم خلال حقبة الفتوحات، إنما لا يمكن أن يقتنع عالم من أبناء الشعوب التي لم ‏تتعرض لهذه الانتكاسة النفسية أن يقتنع بهذا الفكر وهذا التوجه الفقهي أبداً، فقط أنباء الشعوب التي تلقت الصدمة وخضعت لسيطرة العرب ‏وحكمهم هم من يؤمنون بفكر العرب وتوجهاتهم الإرهابية العدوانية، وهم من يستمدون قواعدهم الفقهية من تاريخ العرب وليس من كتاب الله لأنهم ‏تأثروا بفعل العرب قبل أن يعرفوا كتاب الله. فأبناء هذه الشعوب على مدار مئات السنين ستظل تعاني آثار الصدمة لأنها أصيبت بمتلازمة ستوكهولم التي ‏نشطت جينات المازوخية والخضوع لفكر العرب دون إرادة، إلا القليل النادر من أبناء هذه الشعوب الذي استطاع أن يكسر هذا الإطار الفكري وينفذ ‏خارجه، وهم قلة قليلة ونادرة جداً من النوابغ المعدودة حصراً مثل ابن خلدون وابن رشد والحلاج..إلخ، وجميعهم من أصحاب العلوم العقلية الذين أعملوا ‏عقولهم واعتمدوا السببية والموضوعية العقلية، وهذا ما يعني أن رجال الدين استبعدوا الموضوعية العقلية وخضعوا لعدوى متلازمة ستوكهولم العربية... ‏وأذكر واقعة فردية حدث خلال حرب أكتوبر 1973م، حيث كان أحد الضباط المصرين من قادة الألوية المدرعة، وبرغم أن لواءه حقق بطولات عظيمة ‏وخطوات هجومية تجاه العدو الإسرائيلي في سيناء، إلا أن هذا الضابط أصابته نوبة خوفٍ ورُهاب مفاجئ فترك قواته وهرب من المعركة متجهاً إلى ‏السويس، ووجد معتكفاً في مسجد بمدينة السويس يجلس بجوار المنبر وينزوي ويبكي كثيراً ويستغفر ويدعو الله بخوفٍ وهلع، فقبضت عليه الشرطة ‏العسكرية وتم اقتياده إلى المحكمة العسكرية حيث تمت محاكمته بالقاهرة على هروبه من المعركة، ولكن تم وقف تنفيذ الحكم نظراً للظروف النفسية غير ‏الطبيعية التي دفعته لفعل ذلك، فهو في الواقع لم يتخذ قرار الهروب من المعركة عمداً وعن فكرٍ ووعي وإدراك واختيار، إنما وجد نفسه مدفوعاً لفعل ذلك ‏نتيجة لصدمة النفسية أصابته.. برغم بطولاته العظيمة إلا أنه استشعر لحظة هزيمة أمام العدو الإسرائيلي، فانعكست أفكاره وانبطحت قدراته العقلية ‏واستسلم.. وهكذا الجيوش بوجهً عام تُحدث صدماتٍ نفسية عنيفة في الشعوب التي تجتاحها، كما حدث في مصر وفارس والعراق عقب اجتياح الجيوش ‏العربية بذريعة نشر السلام والرحمة والإيمان ! ‏

وهذا ما قد يفسر لنا كارثة الإجماع التي استمرت على مدار ألف وأربعمائة عام ولم تستطع الأجيال الجديدة كسرها باعتبار إجماع علماء الأمة هو ‏دليل إثبات للأحكام الشرعية، ودعامته إجماع الأمة وعلماءها، بينما الحقيقة أن هؤلاء العلماء إما من أبناء العرب الذين اكتسحوا شعوب العالم ‏بالسيوف، فهم مقتنعون بما يفعلون وإلا ما فعلوا، وإما أن يكونوا من أبناء الشعوب المكسورة تحت سطوة الجيوش العربية فهم خاضعون للعرب لا إرادياً ‏بفعل الصدمة النفسية ومتلازمة ستوكهولم العربية، فهم مثل الرهينة المجبور على التفكير بعقلية الخاطف المُحتَجِز المعتدي. فإرادتهم ليس حُرة وليست ‏خالية من عيوب الإرادة.‏

والأمر لم يتوقف على المفسرين المعروفين فقط، ولكن بالطبع شمل كل الفقهاء والعلماء، حتى أنهم عمدوا إلى تعطيل آيات كاملة من كتاب الله ‏لتدعيم وجهة نظرهم في طريقة نشر الإسلام بتصفية غير المسلمين، ومن هنا ظهرت فكرة النسخ في القرآن، أي نسخ وتعطيل آيات منه وتفعيل آيات ‏أخرى وتوسيع نطاقها بإحلالها تنفيذياً محل الأولى، بل وتطور الأمر إلى اعتناق البعض فكرة أن الأحاديث والمرويات من شأنها نسخ القرآن وتعطيل ‏أحكامه ! يقول الأستاذ الكاتب كمال حبيب:"بينما كنت أحرر مسألة متعلقة بتأويل قوله تعالي “لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم ‏يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، الممتحنة، الآية 8، لأفهم معني البر والقسط لمن لم يخرجنا من ديارنا أو يقاتلنا في ‏ديننا، وعُدت لتفسيرات المفسرين القدامى فوجدت من يقول بنسخ الآية، والنسخ يعني رفع الأحكام التي تتضمنها تلك الآية والمعاني المستبطنة داخلها ‏لصالح آية السيف.. وأذهب إلي أنها آية محكمة وأنها من أم الكتاب لا تشابه فيها بل هي واضحة وضوحًا جليًا يُذهب عنها كل إبهام أو تشابه كما ‏ينفي عنها النسخ وهي قائمة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء"، فكيف نقول بأنها منسوخة بآية السيف التي جاءت في سورة التوبة وأن ‏أحكامها قد رُفعت؟. وذهب بعض المفسرين القدامى للقول بأن آية السيف في سورة التوبة نسخت مائة وأربعة عشر آية في أربعة وخمسين سورة، ما ‏يعني أن آية واحدة رفعت أحكام أكثر من مائة آية وما فيها من معانٍ، فلماذا لم يقولوا العكس؟ لماذا تمسكوا بحلول آيات القتل محل آيات العدل ‏والرحمة والمعاملة الحسنى بالحسنى؟ أو لماذا لم يقولوا بأن آيات العدل والسلام نسخت آيات القتل؟ أو لماذا لم يقولوا بأن كل آية لها ظروفها المجتمعية ؟ بل ‏إنهم قالوا بأن آيات السلام والرحمة والعفو نسختها آيات الحرب والقتل وحلت محلها، قالوا ذلك لأن تاريخ العرب جاء كذلك، فهم يعتبرون تاريخ ‏العرب هو بوصلة الدين ولائحة تنفيذية للقرآن !!‏

فشرع الله جل وعلا يجعل القتال محصورا في الدفاع فقط (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190/البقرة) ‏، ويأمر بالبرّ والقسط مع الأمم المخالفة في الدين التي لم تقاتل المؤمنين ولم تُخرجهم من ديارهم (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ ‏يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا ‏عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة).‏

في الواقع، لا ريب أن بروز ظاهرة النسخ ما هو إلا دلالة على أن ملكة الرحمة في العقل قد تعطلت وحل محلها ملكات العنف والقتل والنرجسية ‏والعداء للبشرية، فكيف نقول بأن آية في كتاب الله عطلت أخرى؟ وعلى أي أساس؟ إلا إذا كان هذا الأساس هو الميول النفسية العدوانية التي سيطرت ‏على العرب فجعلتهم يبحثون عن مبرر لدوافع القتل بداخلهم، فلم يجدوا لها مخرج إلا بتعطيل آيات الله التي أمرت بالعدل والسلام بين المجتمعات، ‏لتتحول وظيفة المؤمن في الحياة إلى القتل، ويصبح مصدر دخله ومعاشه من القتل ! ، ولهذا وضع الفقهاء ركناً جديداً اخترعوه في الإسلام وهو " جهاد ‏الطلب" أي الحرب الهجومية لطلب الجزية والخراج والإتاوات، وجعلوا ذلك العمل اللصوصي ركناً من أركان العبادة ووضعوا له أحكاماً ضوابط تعبدية ‏ومواعيد دورية تتواتر في مواسم تحصيل الضرائب والخراج كما قال أبو حنيفة. بل إنه في عصرنا، عصر الحضارة التكنولوجيا والانفتاح الثقافي على العالم، ‏عصرنا الذي صار العالم فيه قرية صغيرة تجوب أركانها وأنت جالس في مقعدك، ما زال هناك من ينادون بـ"الفريضة الغائبة" وهي السطو المسلح على ‏الشعوب للنهب والسلب واغتصاب النساء والبنات وخطف الأطفال واستعبادهم لتأمين طريق الدعوة إلى الله !! ففي عصرنا أصبحت مسألة نشر الدين ‏أسهل من الجلوس للطعام، لأننا أصبح بإمكاننا محاورة العالم أجمع بمجرد الجلوس إلى حواسبنا الآلية.. لكن هذه الوسيلة السهلة لم يستخدمها العرب وما ‏زالوا غير مقتنعين بها، ما زالوا مقتنعين بأن الجهاد يلزمه تحصيل العوائد من الجزية والخراج والسبايا من النساء والفتيات الحسناوات والأطفال ‏لاستعبادهم.‏

برغم أن المقصود من قوله (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) هم المنافقين الذين يقفون تحت لوائكم ويتولونكم وكأنهم مؤمنين وهم في الحقيقة ‏كافرين، لأن الله وصفهم في الآية التالية عليها بدقة، وهذه الآية التالية بدأت بضمير متصل" منهم" ومن المنطق أن يعود الضمير على أقرب اسم صحيح ‏سابق عليه، لا أن يظل معلقاً في الهواء بلا معنى، فقد وصفهم الله بقوله : فمنهم من إذا نزلت سورة من القرآن استهزؤوا بها، ثم في الآية الخامسة ‏والعشرين بعد المائة قال بأنهم مرضى وزادهم الله مرضاً في قلوبهم وماتوا وهم كافرون، وهذا ما يؤكد أن حديثه عن الكافرين هم المنافقين الموالين ‏للمؤمنين، أما أن يتم صرف الآية خارج سياقها وجعلها تتحدث عن الشعوب المجاورة بما يجعل دور المؤمن في الحياة قائم بصفة من الديمومة على قتل ‏المجتمعات المجاورة، فهذا شطط وخلل نفسي عقلي أصاب الفكر العربي أو هو انتقال بالإسلام من منهج سماوي إلى أعراف العرب وتقاليدهم وغرائزهم ‏القائمة على الحرب والإغارة على القبائل بصورة مستمرة من أجل السلب والنهب، لأنه حتى الشعوب المجاورة لم يكونوا كافرين وإنما نصارى ويهود في ‏الشام، ونصارى ويهود في مصر وكذلك العراق، ونصارى في الدولة البيزنطية" الروم" ولم يكن الله عاجزاً عن توجيه الأمر مباشرة إذا أراد إعلان الحرب ‏الدائمة على نصارى الشام ومصر والروم، فالله تعالى يتحدث في سياق حديثه عن المنافقين، مستخدماً عبارة" قاتلوا" وهي لا تعني القتل ولا تعني التعبئة ‏العسكرية وإعلان الحرب، وإنما تعني النضال والكفاح ضد وباء اجتماعي منتشر في نفوس المنافقين، لكن الفقهاء حاولوا أن يوجدوا مبرر للحرب ‏الدائمة على الشعوب المجاورة، حاولوا أن يوجدوا مبرر لانحراف الصحابة عن منهج الإسلام بعد وفاة الرسول، فحوّلوا المنهج ذاته بالتأويل إلى منهج ‏إجرامي ينسجم مع طبيعة العرب، فصرفوا تفسير هذه الآية إلى ما فعله الصحابة وكأن الصحابة هم تطبيق عملي للقرآن، ومن ثم أصبح فعل الصحابة ‏وتاريخ العرب هو الضابط لأحكام الدين وصارت أخطاؤهم السياسية والتاريخية ديناً للأجيال القادمة بعدهم ! هكذا سارت الأمور، وما زال الحبل على ‏الجرار..‏

وهذا محض خطأ تاريخي وقع فيه المفسرون بتفسير آيات القرآن وفق المسار التاريخي والسلوكي الذي اتخذه العرب بعد وفاة الرسول، حتى أصبح ‏تاريخ العرب ونفايتهم وجرائمهم ديناً للشعوب، والغريب أن منهم من أفتى بعدم جواز توقف الحرب لأكثر من عشرة أعوام !! ولم يجرؤ أحد من الفقهاء ‏على الخروج من هذه النفق المظلم وتطهير الإسلام من وساخات التاريخ العربي فقط لأن ذلك معناه تخطئة الصحابة ! ويأتي كل جيل من الفقهاء ليتبع ‏غيره في البحث الفقهي ويركع في ذات البؤرة الملوثة بالجهل والغباء والهمجية... ويرتبط تعريف هذا الخطأ المتسبب في هذه الكارثة بمزحة قديمة، حيث ‏يجد ضابط شرطة في أثناء مناوبته الليلية رجلًا ثملًا يزحف على يديه باحثًا عن شيء ما. يسأله الضابط عن الشيء الذي فقده، فيجيبه الرجل بأنه ‏يبحث عن محفظته، وعندما يسأله الضابط ما إذا كان متأكدًا من فقدان محفظته في هذه البقعة، يقول الرجل إنه يعتقد أنه فقدها في الجهة المقابلة من ‏الشارع، فيسأله الضابط عن سبب بحثه هنا إذن، فيجيبه الرجل بأن الضوء هنا أفضل للبحث!. هكذا يكون الكثير من العلماء مضطرين أحيانًا للبحث ‏عن الحقيقة في المناطق المضيئة لهم، وليس الأماكن التي من المفترض أن الحقائق موجودة فيها. ولهذا نجد أغلب الفقهاء يدورون بحثاً في ذات البؤرة التي ‏شغلها السابقون دون أن يتوقعوا تواجد الحقيقة في مكانٍ آخر يختلف تماماً وكلياً عما قال به السابقون.. حتى قال بعضهم أن من تكلم في شيء لم يقل ‏به السابقون فكلامه بدعة ! .... (انتهى بتصرف من كتابنا ؛ غُبار الاحتلال العربي )‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا