الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ظاهرة الانشقاقات الحزبية بالمغرب

بحضاض محمد

2019 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


إن أهم محدد جوهري أنتج ظاهرة الانشقاق الذي طال الأحزاب السياسية المغربية يكمن أساسا في الكيفية التي تبلور بها الفكر الحزبي المغربي وطبيعة تداعياته وانعكاساته على دافع الممارسة الحزبية، خاصة خلال فترة خضوع المغرب للحماية، فرنسية كانت أو إسبانية، وبالتالي فإن مقدمات صياغة إجابة ترصد أهم المحددات الجوهرية للانشقاقات الحزبية تبدأ بطرح السؤال التالي: كيف نشأ الحزب السياسي في المغرب؟

انبثق الحزب السياسي المغربي في سياق مواجهة سلطات الحماية، حيث ظهر أول حزب سياسي سنة 1934 باسم «كتلة العمل الوطني» التي سرعان ما تعرضت للانشقاق سنة 1936 ليظهر «الحزب الوطني» بقيادة علال الفاسي و«الحركة القومية» بقيادة محمد حسن الوزاني، وقد تحول بعد ذلك «الحزب الوطني» إلى «حزب الاستقلال» وتحولت «الحركة القومية» إلى «حزب الشورى والاستقلال.

لقد كان من المفترض أن يحصل تحول في بنية الحزب السياسي المغربي غداة الحصول على الاستقلال، سواء على مستوى هياكله أو على مستوى أيديولوجياته، خاصة وأن السياق العام لم يعد محكوما بشعار المطالبة بالاستقلال وإنما أصبح محكوما بشعار بناء الدولة الديمقراطية. غير أن شيئا من هذا لم يحصل، فقد ظل الحزب السياسي المغربي يعمل في السياق الجديد بنفس البنية والآليات القديمة. وبتعبير آخر، فإن الثقافة الحزبية التي نظمت سلوك القيادات في فترة الحماية استمرت في مغرب الاستقلال. في فترة الحماية كان «المخالف» يعتبر عميلا للاستعمار، وفي فترة الاستقلال أصبح يعتبر عميلا للسلطة السياسية القائمة. وهذا الموقف يفيد بأن المبدأ الذي حكم الفكر الحزبي هو مبدأ «الإجماع»، كما أن أساس المشروعية لم يتغير مضمونه، فأساس كل مشروعية هو مقاومة السلطة السياسية والنضال ضدها.

لقد تفشت ظاهرة الانشقاقات الحزبية في المغرب بشكل جعلها من أهم سمات الممارسة الحزبية في البلد، وهذا لعدة أسباب منها ما هو خارجي يتجسد خصوصا في طبيعة النظام السياسي ورؤيته لدور الأحزاب السياسية وأهميته، وتدخلاته الرامية إلى التحكم في المشهد الحزبي، بالإضافة إلى عوامل داخلية مرتبطة خصوصاً بغياب الديمقراطية داخل الأحزاب التي جاءت نتيجة ترسبات تاريخية وثقافية وتتجلى في اختلالات تنظيمية لا تسمح بالتعدد الفكري وحرية التعبير عن الرأي والمساهمة في صناعة القرار، وتحول دون تكافؤ الفرص في الوصول إلى موقع القيادة وتقلد المسؤوليات الانتخابية.

عموما، فإنه يصعب تحديد الأسباب الأساسية المؤدية إلى الانشقاق، أو تحديد نصيب الأشخاص الذين لعبوا فيه دورا ما. تتعدد أسباب الانشقاق وتأويلاته بتعدد المسؤولين عنه، ومن الشائك أيضا محاولة اتخاد معايير موضوعية في هذا التحري، ولا استبعاد الخلافات الأيديولوجية وصراعات الأجيال، لكن لا يجب أن نهمل أيضا النزاعات الشخصية والدور المحوري الذي تلعبه السلطة القائمة في تزكية هذه الانشقاقات.

تختلف أسباب الانشقاقات الحزبية من حزب إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، ومن أهمها العوامل التاريخية والثقافية إذ تلعب المراسل الثقافية والتاريخية دورا هاما في عملية الانشقاقات الحزبية، لأن ثقافة الانقسام متأصلة في المجتمع المغربي، بل إنها إحدى مميزاته الأساسية، فالمجتمع المغربي مبني على أسس قبلية وعشائرية لها انعكاساتها الواضحة على السلوك السياسي تتجلى على الخصوص في الانتماء الحزبي والترشيح والتصويت الانتخابي. كما أن العوامل التاريخية تفسر في كثير من الأحيان هذه الميولات الانشطارية، حيث لم تسلم الأحزاب السياسية من داء التفكك حتى في مرحلة الحركة الوطنية عندما كان العمل الحزبي أحد آليات مقاومة الاستعمار.

كان من الممكن تفادي العديد من الانشقاقات الحزبية لو احترمت الديمقراطية الداخلية باعتبارها ترسيخا لمبدأ التداول على المسؤوليات، من جهة، واحتراما للاختلاف، من جهة أخرى، فالعجز عن تدبير الاختلاف هو سبب جوهري يكمن وراء انشقاقات حزبية كان من الممكن تجنبها. إذ تشكل شخصنة الحزب عاملا أساسيا في خلق أزمة لدى الأحزاب المغربية، ذلك أن مسيرة الحزب السياسي تتماهى مع حياة أمينه العام. وبتعبير أوضح، فإن تاريخ الحزب هو تاريخ أمينه العام، وهذه إن المقاربة الانقسامية لا تسعفنا كثيرا في التعاطي مع الراهن السياسي المغربي بشكل عام وواقع الحياة الحزبية بشكل خاص. لقد وجهت العديد من الانتقادات إلى المقاربة الانقسامية. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع تلك الانتقادات، فالأكيد أن تحليل واقع الحياة الحزبية المغربية الآن انطلاقا من مقدمات تلك المقاربة، لا يساعدنا على رصد الدينامية التي يعيشها المجتمع المغربي، خاصة على مستوى فعاليات المجتمع المدني وارتباط تلك الفعاليات بالفعل الحزبي بشكل عام.

لائحة المراجع المعتمدة:

-شقير محمد، الديمقراطية الحزبية في المغرب بين الزعامة السياسية والتكريس القانوني، أفريقيا الشرق، 2003.

-ضريف محمد، لجريدة المساء، بتاريخ 12 فبراير، 2011.

-واتربوري جون، الملكية والنخبة السياسية، ترجمة عبد الغني أبو العزم + عبد الأحد السبتي + عبد اللطيف الفلق، مؤسسة الغني للنشر.

-سويقات أمين، الانشقاقات الحزبية في الجزائر والمغرب، دراسة في الأسباب والتجليات، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر، 2015.

-سعيد نكاوي، المشهد الحزبي في المغرب بين التحالف والانشقاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج