الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أنت مجنون؟

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2019 / 6 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل أنت مجنون؟
نضال نعيسة

عادة ما يوصف أي نمط من السلوك والتفكير والقول والظهور غير المعهود والمختلف مع ما هو متعارف وسائد بأنه "جنون" أو خروج عن المألوف، لكن في حالات كثيرة في التاريخ، عوقب عليها بشر كثيرون بتهمة الجنون، تبين فيما بعد أن من حاكمهم وعاقبهم كان هو المجنون، وبأنهم كانوا عين الصواب وليسوا مجانين أبداً.
عبثية الحياة أو الحياة العبثية التي لا معنى بالنهاية لها طالما أن الخاتمة التراجيدية موجودة هناك وتنتظر الجميع، دونما استثناء، والذين يتساوون بنفس النهاية رغم تباين مستوياتهم وألوانهم وانتماءاتهم، وهذا حقيقة نمط من أنماط العدالة الكونية الجمعية الخفية أو فلسفة الكارما وبأحد معانيها: "الانتقام غير المرئي من نفس الفعل"، والتي يبدو، وإلى حد كبير أنها تحكم الكون فعلاً، وهي فلسفة هندية قديمة جداً تسربت مع السنين بالتلاقح والتبادل والتقادم الثقافي نحو ثقافات أخرى ووصلت للقرآن عبر آية: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"، (الزلزلة7) ..
وأما فلسفة العبث Absurdity فهي فلسفة هامة ومتكاملة وتحتل حيزا كبيرا في وعي الغربيين الذين يعيشون حالة متقدمة من الحضارة البشرية، ونعتبرهم نحن مجانين، وتعني فيما تعني الاستخفاف بكل ما هو موجود وقائم وعدميته وخواؤه ولا معناه ولاشيئيته وعدم أهميته ويعتبر أيضاً كثيرون غيرنا هذا النمط من التفكير جنوناً أو أمراً غير مقبول حسب القاعدة القائلة أي تفكير غير عادي وخروج عن نسق التفكير العام والسائد هو غير مقبول سيعتبر ضرباً من جنون......
وكما تقول كتب السيرة، والرواية الرسمية المعتمدة للدعوة، حين دعاهم محمد للإسلام وعبّر لهم عما في داخله وعما يحصل معه ويراه ويوحى له وما هو بصدد فعله والقيام به وشرح لهم رؤيته للحياة وكيفية العيش بعد الموت وانقضاء الأجل المحتوم وكي يحصلوا على مكافأة كائن خرافي وصفه بالله وقال لهم بأن يقطن في سماء سابعة فوفق تصوره البسيط للكون في تلكم الأزمان فهناك سبعة طوابق للسماء العالية وهذا تصور خيالي مفرط في تلكم الأيام حيث لم تكن "الأدوار" أو الطوابق معروفة في بيئة من سعف النخيل وبيوت الطين وخيام الشعر إذ كانت "الكعبة" معجزة عمرانية بمنظور ذاك الزمان، وصار يصف لهم الحياة بعد الموت والجنة التي سيثابون وفيها جنات تجري من تحتها الأنهار العذبة الباردة من ماء وخمر وعسل وخمور وألبان في بيئة صحراء قحط مقفرة جرداء هجير، فوصفوه، ويا للهول، عندها بـ"المجنون"، وقبل أن يتمكن منهم، وقالوا عنه بأنه مجنون ونزلت حينها الآية المكية لتدحض وتفند مزاعمهم وافتراءاتهم وتنفي مدافعة عنه بالقول: "وما صاحبكم بمجنون" (التكوير22)، لكن فيما بعد، وبعدما استطاع "إقناعهم" وفرض وجهة نظره، أصبح نبياً ورسولاً يـُعبد وتصلي له ملايين البشر، وأصبحت فلسفته ورؤيته وسلوكه وأقواله هي "الإسلام" و"دين الله" ومرجعية ومعياراً للهداية والتعقل والرشد والالتزام الخلقي بعدما كان "صاحبهم المجنون" وفق التوصيف القرآني....
ويعتقد اليوم كثيرون وهم يتساوقون مع التيار العام، ويتقبلون ما هو سائد من تفكير وأنماط حياة بأنهم بشر طبيعيون وأسوياء دون إخضاع ما يقومون به لأية مراجعة أو عملية نقد وتقييم ومراجعة لما هم فيه بأي شكل وتراهم سعداء مطمئنون، يشكرون الغيب على نعمه، لتظهر لاحقاً أو يتبين لهم مع التطور والزمن وانكشاف الكثير من الحقائق، أو ليظهر لهم بعد فترة "مجنون" آخر ويقول لهم أن كل ما يفعلون هو خطأ، ولتظهر معه جدلية ومعادلة واتهامات الجنون إلى أن تستقر الأمور على من هو المجنون أو من سيتمكن من الآخر يصبح هو العاقل.
تأكد تماماً، ودائماً، بأنك مجنون فقط حين تعجز عن فرض وجهة نظرك، وبالمقابل وحكماً فأنت لست مجنون، فقط حين تستطيع أن تفرض وجهة نظرك، وصحتها، على الآخرين بأي شكل...
أنسوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي