الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع المسافات - الحلقة 13

دينا سليم حنحن

2019 / 6 / 11
الادب والفن


ربيع المسافات حلقة 13

رحلة الى القارة الأسترالية

دينا سليم حنحن

منطقة بايرون بي

الليلة الثانية:


كانت ليلة ملائكية، صحبتني فيها (جوى) والدة (تمارا) إلى مكان جميل، امرأة هيفاء وأنيقة ووسيمة وهي من أصول فرنسية.

السماء صافية والفصل صيفا وصادف موسم تزاوج الحشرات والحيوانات البرية. تتلألأ النجوم في البعيد وتضع بعضا من نورها على سطح المحيط الهاديء، أخذنا موقعا آمنا بعيدا عن الأشجار، تخوفا من سقوط العناكب الصغيرة السامة على رؤوسنا، وقد حذرتني جوى إلى عدم السير تحت الأشجار الضخمة ليلا، خاصة الأشجار التي تحاذي الشواطيء.

العناكب في أستراليا أنواع، منها غير سام ومنها الضّار، خاصة عناكب حمراء الظهر التي يقع في شركها آلاف المصابين سنويا وهي صغيرة الحجم، بحجم عقلة الأصبع تقريبا وتكثر في الأماكن المشجرة حيث تخيط أعشاشها على الأغصان والشقوق والجدران.

تأملنا السماء والطبيعة الخلابة وتبادلنا الحديث الرومانسي وعرّفتني تمارا على أسماء النجوم المزروعة في السماء والتي تحتل العلم الأسترالي، بحثت عن (الميزان) فوجدته والدببة السماوية، ودعتني أيضا إلى فسحة استرخاء وتأمل، دعوة إلى التجدد العقلي والرقي والنزوح إلى أفكار أفضل، ثم سألتني:

- لو كنتِ رسامة ماذا كنت سترسمين الآن؟
كان سؤالها صعبا لأنني لم أكن رسامة أبدا في حياتي، فمهنتي هي رسم الكلمات على طبق من بياض الصفحات.
أجبتها بثقة:

- أرسم قاربا محطما على الشاطيء البعيد، تلاطمه أمواج المحيط دون رحمة، أمزج ألوان العاصفة بعظمة الحدث، ثم أظللها بالسكون لأبرز رهبة الكون الذي لا يموت، ثم أنتفض بريشتي وأجدد الحياة حتى لأصل بها إلى العصرية لكن بضعفنا وبؤسنا وبقوّتنا ورهافة حسنّا، برومانسيتنا وعدائيتنا والتناقض الذي نحن فيه، أرسم الحرية أمام الجمال الصادق والهدوء أمام صخب أنفسنا، وأحاول رسم الرائحة الشذية المنبعثة من الأزهار العطرية مقارنة بطنين الدبابير والحشرات التي لا تكف عن امتصاص الرحيق، أرسم صورة جلوسنا بقرب سيارتك الحديثة على مقاعد نقالة.

بعد سنة، أقامت (جوى) حفلا دعتني إليه، احتفلت بلوحتها الفائزة والتي أسمتها، (اللوحة الخالدة)، تناص عالٍ للأسماء أو ربما سرقت الفكرة، (فاللوحة الخالدة) عنوان إحدى مجموعاتي القصصية.
*

وكلما اختليت بنفسي وهذا ما اعتدت عليه بعد استقراري في هذا البلد الجميل،
أبقى أتأمل السماء الخالدة والمحيط بعملقته، وحدي بين أحضان الطبيعة ومع نفسي ضد العالم، ومع العالم الخارجي ضد نفسي، أتأمل الطيور المصفقة بأجنحتها وهي تتجه تارة نحوي تبحث عن الفتات، ولا أملك سوى ملابسي وبعض العثرات، وتارة تجانح إلى أعلى، ثم تنحني إلى القارب المحطم البعيد، أحسها جائعة مثلي لحياة أفضل، أطير بعيني نحوها إشفاقا وربما حسدا، وأحزن لعدم اتقاني للطيران مثلها، لكن مهما طرت فاكتفي بمركبتي المتواضعة التي لا توصلني سوى إلى حوانيت العطور.

واسترسلت في دواخلي:

- أشعر أنني طائرا محلّقا حراّ يحيا دون قيود لكنني ما زلت ملتزمة للماضي، وأن السماء واحدة لو بعدت خطواتي إلى أقصى الممنوع، وأرض السلام باقية في مكان آخر، والمستقبل الزاهر متاح لي هنا، بل بين يدي وما أزال مقيده.
لكن الأهم هو أنه لا صوت رصاص ولا رائحة دخان ولا طائرات تقصف ولا دماء ولا قيود ولا كره ولا رائحة موت.... ومنعتُ الدموع من مباغتتي.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج