الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشيع والدولة

انور الموسوي
مهندس كاتب وصحفي

(Anwar H.noori)

2019 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أن قيمة فكرة التشيع وجوهره قائمة على أساس تحقيق العدالة ورفض الظلم،ويأتي هذين المفهومين منسجماً تماماً مع الإرهاصات الأولى للفكرة التي ترسخت في الوعي الشيعي والتي مثلها علي بن ابي طالب( ع) فكانت معايير هذه النظرية هي الزهد والاعتدال والركون إلى الضعفاء والطبقات المسحوقة واليتامى... الخ.

فتشكل الوعي الطبقي لا الديني لدى تلك الطبقات المسحوقة على طول التأريخ وحتى عصرنا الحاضر، والتفت نحو من يؤمن لهم ذلك الملاذ. فالتشيع أساسه الجذب المستند على الخلاص و الى الانتماء للزهدِ ورعاية المظلومين والذين يجدون الملاذ الآمن لهم في ذلك عند علي والحسين والأئمة.
تجذرت تلك المضامين تاريخياً وأصبحت الجماهير التاريخية تلوذ بِحِمى عليٍ لأنه يمثل تلك الايقونة الخالدة للفقراء.
فالمستوى الجماهيري لحاشيةِ علي وجمهوره كانوا من الفقراء.
يقول حسن العلوي في كتابه الشيعة والدولة القومية(( أن الخيط الذي كان ينظم القوى التي ناضلت تحت راية التشيع اساساً، كان خيط الضائقة الاقتصادية وفقدان الغنى واليسار. وكما يقول جورج كيرك، أن فكرة التشيع انتشرت بين فقراء العرب اللذين لم ينالوا شيئاً من غنائم النصر)).
وهذا واضح من خلال أنتفاضة المسلمين ضد خلافة عثمان بن عفان وقتله وهو يقرأ القرآن، فالانتفاضة التي حركت المسلمين كانت على أساس ميزان الإجحاف والفقر " محركات إقتصادية" الذي طال طبقةً من المسلمين آنذاك، او كما يقول حسن العلوي
" العامل الطبقي واضح في تلك الانتفاضة". وبعد مقتل عثمان يذكر المؤرخون احصائيات عن الوضع المالي لعثمان بن عفان قدرت بمبلغ (150) الف دينار و( الف الف درهم)... الخ
بينما كانت ثروة علي لاتتعدى ( 300) درهم..!
وبهذا المستوى من التمثيل لميزان القوى الذي اتخذه علياً صار الفقراء أوفياءً جداً لعلي والتشيع ضمن المحركات الاقتصادية.
.................................................
رؤية في المنطلقات الحاضرة ؛
نظرية التشيع قائمة في أصولها على جذر تأريخي في إدراة الدولة، فتنطلق تلك النظرية من وحدة الإمامة التاريخية وتنتهي الى حدود الإمامة الخاتمة للتأريخ وللزمكان العالمي، من خلال خروج الإمام الثاني عشر الذي سيختم التأريخ ومسيرة البشرية ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
هنالك أسين في تلك النظرية
الأول ؛ نهاية التأريخ الإنساني على يدِ أمام من اهل بيت محمد، وهذا ما يربك المشهد السياسي لدى أي قوة شيعية تريد أن تمسك ميزان الحكم للدولة،فنظرية السياسية والدولة على طرفي نقيض من مبدئية واحقية الإمامة في الحكم، ومهما حاول المعنيون من قادة الشيعة أن يعيدوا إنتاج تلك الفرضية سيصطدمون بالعتبة التاريخية القاضية الى عدم أحقية تلك الحكومة أو الحكومات، فخرجوا من ذلك الأشكال بنظرية ولاية الفقيه آلتي أسسها العاملي من لبنان،لتكون ترجماناً لأمتداد نهاية التأريخ والإمام المنتظر. نظرية ولاية الفقيه إشكالية لازالت قائمة وماهي إلا تأويل اجتهادي لبعض الفقهاء وليست حكماً نصياً يعول عليه، والأخذ والرد فيها طويل ومباح واختلف علماء الشيعة في قبولها ورفضها وتبقى مخرجاً ضمنياً لتدارك الحكم السياسي لا أكثر.
الثاني ؛
الظلم والجور المتولد والعدل والقسط المنشود .... هذا يحيلنا الى الفرضية السابقة وهي فرضية الاندكاك الطبقي للمعدمين والمحرومين والمظلومين تحت مظلة علي والتشيع.
لذلك تولدت لدى الطبقة الشيعية الرفض لكل أشكال الملك والسلطان للحكومات السابقة على طول مر التأريخ وسموهم "بالروافض". فالطبقة الشيعية على طول خط التأريخ رافضة لأي أشكال الظلم والجور مقتنعة تماماً بعدم أحقية اي شكل من أشكال الحكم السياسي اياً كان نوعه قديماً وحديثاً.
لسببين؛
الأول ؛ لانها لاتمثل الامتداد الصريح والاسمي للمهدي المتتظر، فلا عدلٌ ولا حكمٌ يكون إلا بوجوده.
والثاني ؛ إشكاليات الظلم والحيف والجور التي تقع على المجتمع والشعوب نتيجةً لسياسات الدول من مشرقها إلى مغربها.
فالبعدين غير منسجمين تماماً مع منطلقات النظرية الشيعية في تحقيق الدولة المنشودة.
....................................................
الإنبعاثات ؛
تشكل الوعي الجمعي الشيعي علىٰ أساس تلك الركيزيتين، ( المهدي المنتظر لتحقيق العدل المطلق، وزهد علي وتطبيقه لكل مفردات القيم، والتفاف الفقراء والمظلومين حوله ).
لذلك اصبح الوعي الجمعي الشيعي "رافضياً" لكلِ أشكال الدولة،ولكل من يقودها حتى لو كانَ منهم (( شيعياً)) وضمن ايدلويجتهم التاريخية ومؤمناً بما يأمنون وسائراً على نفس خطى جماهيرهم، فور استلامه لأي حكمٍ سياسي سيكون تحت مرمى نيران الجماهير ونقدهم ومعارضتهم له،وذلك لكون شرعيته بالأساس منقوصة تماماً إذ لا يمثل القيادة المنصوص عليها " بالمهدي المنتظر" والشيء الآخر المقارنات التي يقارنها جمهور التشيع في الحكم في تسنم الإدارة السياسية، ومقارنتها وزهد علي ورحمته وعدالته، مماينتج التناقض الحاد بما من تسلم الإدارة السياسية أو الحكم، يضاف إليها كمية الجور والظلم والفقر الذي يلاحظونه في طبقاتهم المسحوقة والفقيرة ولعدم توفر ما يُملي ذلك الفراغ ويعيد العدالة لهؤلاء المحرومين والفقراء ضمن المحفز الاقتصادي والمحرك لها... ينتج الوعي الشعبي الشيعي ميكانزم الدفاع عن الثوابت والعقيدة آلتي استندت عليها ضمائرهم من منطلقات طبقية إقتصادية، فيتحولون إلى معارضين ناقمين محتجين علىٰ سوء التطبيق وعدم التماثل بين الأيقونة المستوحاة من عدلِ علي، بمعية عدم الشريعية المستوحاة من نظرية "آخر الزمان" (المتمثلة بالمهدي المنتظر).
لذلك فأي نوعٍ من المحاولات في كسب أصحاب هذا المذهب المعتقدين بتلك النظريتين المثالييتن سوف لن تجدي نفعاً طالماً هناك تحقق ((للجور والظلم وازدياد مطرد في الفقر))، "واي نوعٍ من إدارة الدولة سوف يكون غير مرحب به وغير خاضع للقبول من قبل فقراء التشيع والمعدمين لكونه لم ولن يمثل التمظهرات التاريخية لعدالة علي وزهده".
وهنا تبرز إشكالية الدولة وإدارتها في الوعي الشيعي، إذ كيف يخلصون إلى سبيل لإدارة الدولة وتلك الركيزتين إحداهما غير متحقق البتة ( لعدم ظهور الإمام الثاني عشر) ولعدم القدرة تماماً في تحقيق العدل وازالة الفقر، فتصطدم تلك الإشكالية مع العصر وحالة التقلبات السسيوسياسية في العالم. إذ برز تخبط واضح وملموس في نظام إدارة الحكم لجميع القوى الشيعية التي تسنمت الدولة أو أشتركت في العمل السياسي في جميع العالم.فمن جهةٍ الثوابت العقائدية غير ممكنة التحقق وبعضها لايتسم بالشرعية، ومن جهةٍ عدم القدرة على التمثيل الحقيقي لاشراقاتِ علي سلام الله عليه، فضلاً عن الازدواجية والكذب والتضليل الذي يمارسه البعض من الساسة ورجال الدين، بحجة الانتماء لمذهب التشيع وبحجة الانتساب لفكرِ علي للاستحواذ على السلطة والمال.
وبات من الصعبِ جداً اعطاء أي شرعية لأي حكم سياسي قائم ولأي جهةٍ كانت ضمن الإطار السياسي لقيادة أي دولة، وتبقى الجماهير على طول الخط رافضة وغير منسجمة وسالبة لشرعية أي نظام سياسي يقوم حتى لو اختاروه هم بأنفسهم، فبعد الرجوع الى الذات وإجراء الإسقاطات اللازمة على التأريخ والسيرة ستبرز حالة "الرافضية" لدى جمهور الشيعة وسيكون قادة الرفض هؤلاء الأكثر تماهياً مع علي ابو الفقراء والمظلويمن، والمتعلقين به حد الذوبان، والشاعرين بالغبن والجور عليهم لعدم تطبيق تلك الفرضية ضمن الواقع الحالي فالمحركات الاقتصادية للتأريخ اكثر واكبر من المحرك الديني و هي اساس عتيد.
...................................................
إسقاطات رمزية؛
أن الأقرب إلى مخيال الجماهير الشيعية هي التمثلات القدسية، فالأقرب إلى الروح المعنوية لدى الفرد هم الأشخاص الأكثر اجادةً للدور التأريخي الذي يعيدُ في مخيالهم الماضي والسيرة للصالحين.فهذا الباب لطالما عزف عليه الكثير من الزعامات السياسية في محاولةٍ منهم لإضفاء صبغة الشرعية على حكمهم خارج نسق الثوابت.من خلال توظيف المقدس لصالح كسب الجماهير، بعد زمنٍ وجد الشيعة كذب هذه الادعاءات وصاروا يميزون البون الشاسع بين تلك الإسقاطات الرمزية الهادفة لمنح الشرعية للحكم السياسي فصار الرجوعُ الى الذات وإعادة إنتاج " الرافضية" تحصيل حاصل عقائدي وقيمي من جهةً وذي محرك إقتصادي من جهةٍ أساسية.

الخاتمة؛
لاتوجد مرتكزات عصرية لدى قادة الشيعة ولامفكريهم ضمن المسارين المذكورات انفاً في تحقيق رؤية فعالة لإدارة الدولة أو تحقيق مشروع سياسي ناضج وفقاً لمتطلبات العصر الحديث...والكلام عن إدارة سياسية للدولة ماهو إلى محض تأويل ومخالفة صريحة لبنود العقائد المرتكزة في الضمير الشيعي، أو قفز على متون النص لنيل السلطة فقط.
من المؤكد أن مراحل تطور التأريخ وإرهاصات الدول المتقدمة جعلت المراجعة والنقد والمصارحة سمة إيجابية لإعادة إنتاج نظريات ضمن النص الديني او خارجه ، تنسجم مع التغير الحاصل في مفهوم الدولة، ومفهوم القيادة، ومفهوم العمل السياسي وكذا مفهوم الراعي والرعية.
ولايعول كثيراً ضمن اي فلسفة قائمة لإدارة الدولة علىٰ الجمهور بوصفه حالة محركة للواقع نابضة بالتغيير. فأي تغيير ممكن أن يقع وعلى يد نفس تلك الجماهير ستجد المعارضة والرفض يحصل بعد حين وبفترة قصيرة جداً....لأن اندماج الجماهير الشيعية مع اس الخلاص كفكرة تتوق إلى الإمام الثاني عشر " حصراً" ستسلب الشرعية والقيادة وتجعلها رمزية بحتة، "والطبقية" التي تقع ستعيد إنتاج فكرة علي في أذهانهم والتماهي مع تلك اليوتيوبيا لرفض أي أنواع الحكم والحكومات مهما كانت ساعية إلى تحقيق العدالة وحتى لو تغيرت رؤية المفكرين من الشيعة للماضي وحققت طفرةً نوعية على أساس الايدلويجا في إدارة الدولة والنظم الديموقراطية الحديثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم