الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الحزبية بالمغرب

بحضاض محمد

2019 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تعد الظاهرة الحزبية في المغرب حديثة العهد مقارنة بمثيلاتها في أوربا، وذلك لأنها ارتبطت في البداية بالنضال من أجل الإستقلال. 
ورغم أنها انتقلت بعد الاستقلال لترتبط بالسياق السياسي الحديث عبر محاولة الإنضمام إلى صف المطالبة بالديمقراطية، فقد ظلت مرتبطة بجذورها الأولى (...) و هذا ما عرقل بشكل كبير بروز فكر سياسي حديث كان من المحتمل جدا أن يساهم في بناء تجربة حزبية بالمعنى السياسي الديمقراطي الحديث.
لقد أدى التغلغل الإستعماري بالمغرب إلى إدخاله مجموعة من التنظيمات السياسية التي كان يعرفها المجتمع السياسي المغربي عبر مراحل تطوره من رابطة وطائفة وزاوية وطرق ...
فقد أدخل الإستعمار الإسباني والفرنسي خاصة النموذج الحزبي كإطار جديد للتنظيم السياسي بالمغرب بحيث تغلغل النموذج الفرنسي في البنية السياسية المغربية من خلال إقرار هياكل الدولة الإستعمارية و هجرة المعمرين الفرنسيين إلى المغرب، الشيء الذي أفضى إلى بلورة حياة سياسية استدعت خلق الأحزاب الميتروبولية لفروع لها في المغرب من أجل استقطاب مطالب هذه الفئات. فكان ذلك بداية انعكاس النموذج الحزبي الفرنسي بالمغرب الذي أثر في مختلف الشرائح السياسية المغربية التي كانت تمارس العمل السياسي والمطلبي، إذ رغم سياسة التمييز الإستعمارية ورغم الحظر الذي كان ممارسا على النخب المغربية، فإن ذلك لم يمنع الكثير من أعضاء هذه النخب من التأثر و التمرس و الإطلاع على التقنيات الحزبية المستوردة.
و من بين هؤلاء النخب نذكر على سبيل المثال لا الحصر :
- علال الفاسي ومساهمته في البناء السياسي و الإيديولوجي و التنظيمي لكتلة العمل الوطني وفيما بعد حزب الإستقلال خاصة بعد انشقاق 1959.
- محمد بلحسن الوزاني ودوره التأسيسي في الإنشاء والتطوير الإيديولوجي والتنظيمي لحزب الشورى و الإستقلال.
- المهدي بن بركة وعبد الله ابراهيم وإسهامهما في تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية.
- عبد السلام ياسين والدور التنظيمي و التأسيسي الذي لعبه في تأسيس جماعة العدل و الإحسان. ولعل مختلف هذه الأدوار التأسيسية والمواقع القيادية التي احتلها هؤلاء المفكرين ذاخل التنظيمات السياسية التي كانوا ينتمون إليها جعلتهم ينكبون على التأمل في الظاهرة الحزبية في مختلف أبعادها حتى أضحت إحدى الإشكاليات المحورية في كتاباتهم.
إن إشكالية الأحزاب السياسية في المغرب تكتسي أهمية بالغة ليس فقط من الزاوية السياسية أو بحكم ارتباطها بالمرحلة السياسية التي تمر منها بلادنا، أو من الناحية السوسيوتاريخية والثقافية، أي في علاقة مع سيرورات التنظيم و التأطير والإندماج ذاخل المجتمع، بل من زاوية الدور الذي تلعبه في ترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة ومن ثم تدبير الشأن العام على قاعدة تداول السلطة السياسية وفق تعاقدات برنامجية مع المواطنين كأحد أسس الإنتظام الديمقراطي للمجتمع.
و بالنظر إلى الظاهرة الحزبية حديثة العهد ببلادنا، فيبقى التساؤل المطروح هو : إلى أيد حد تمكنت الأحزاب السياسية المغربية من التحرر في بنية تكوينها و اشتغلالها من الأشكال التقليدية للتنظيم و التأطير و إعادة نمط الإنتاج الاجتماعي " الزاوية، القبيلة، مرورا بالعشيرة والإثنيات؟. لذا فالأجدر بنا الحديث في الوضع الحالي عن التشكيلات السياسية عوض الحديث عن الأحزاب بالمعنى الدقيق للكلمة.
و بتأمل طبيعة الفعل الحزبي في المغرب منذ الاستقلال إلى الآن، يلاحظ هيمنة منطق التشرذم و النزوع نحو التفكك و الإنشقاق بدل الاتجاه نحو الانصهار و التكثل.
و يظل التساؤل عن الحزب السياسي في المغرب بالأساس تساؤلا عن طبيعة النظام السياسي، إذ لا يمكن منهجيا تحليل مواطن الخلل في الفعل الحزبي أو مظاهر التعثر في الممارسة الديمقراطية ذاخل البناء الحزبي دون استقراء الأساس الاستراتيجي لهذا السلوك متمثلا في جوهر السلطة السياسية،
بالاختلاف حول مضمون السلطة السياسية وصيغ الوصول إلى ممارسة تكتسي بعدا ديمقراطيا، والتباين حول الاختيارات الاستراتيجية في مغرب الاستقلال، ظلت عقبات متواترة في تحقيق التوافق السياسي بشأن المنطلقات والأهداف ومن خلال الوسائل والآليات، مما تولد عنه توتر مستمر بين مكونات الطبقة السياسية تبعا لمراحل تطورها وترتيبا على طبيعة تفاعلاتها.
وقد شكلت طبيعة السلطة السياسية في هذا الخضم محددا محوريا في تطور الحياة السياسية في المغرب، إذ لا يقابل تصورات المعارضة الحزبية لآليات تحقيق الديمقراطية إلا تمثل الملكية لدورها المركزي في تحديد قواعد اللعبة السياسية وضبط المجال السياسي بشكل يجعل السلطة السياسية مغلقة في حقيقتها.
كثيرا ما نسمع أو نقرأ تحليلات سياسية تؤكد جميعها أن الأحزاب السياسية المغربية هياكل فارغة لا جدوى منها (...) لكن ما لا يأبه له هؤلاء هو أن الفضاء السياسي الذي ظهرت ونشأت فيه الأحزاب في المغرب هو فضاء غير ديمقراطي، بينما الظاهرة الحزبية جاءت من أجل الديمقراطية، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي في التجربة الحزبية بالمغرب ويقدم عنها صورة مشوهة لدى المجتمع ولدى عموم الباحثين.
فالمسؤولية إذن لا تتحملها الأحزاب وحدها؛ بل يتحملها النظام السياسي المغربي القائم على أساس ملكية تنفيذية تجمع بين يديها جميع السلطات، أما الأحزاب فلا تحظر إلا  زينة لتأثيث المشهد السياسي.


لائحة المراجع المعتمدة: 
شقير محمد: أصول الظاهرة الحزبية بالمغرب، منشورات المجلة المغربية لعلم الإجتماع السياسي، العدد 11-12، 1990، ص 66.
-شقير محمد: التنظيمات السياسية بالمغرب، منشورات المجلة المغربية لعلم الإجتماع السياسي، مطبعة المعارف الجديدة، 1993.
-شقير محمد: الفكر السياسي المغربي المعاصر، إفريقيا الشرق، شارع يعقوب المنصور، الدار البيضاء،2005.
-مقتطف من كلمة العدد، مجلة نوافذ، العدد 8-9، يوليوز 2000، بعنوان التشكيلات السياسية في المغرب.
- برادة يونس: طبيعة النظام السياسي المغربي و جوهر الممارسة الحزبية، لموقع الجزيرة نت.
- ظريف محمد: الأحزاب السياسية المغربية، منشورات المجلة المغربية لعلم الإجتماع السياسي،ط 1، الدار البيضاء 2001.
- جنداري ادريس: التجربة الحزبية في المغرب غموض التصور و إعاقة الممارسة، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، الدوحة، 2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر