الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات ريفية و مدينية.. من مصر العربية

محمد عبد الشفيع عيسى

2019 / 6 / 21
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


ما هى إلاَ بضعة أيام قلائل كان لنا حظ قضائها خارج القاهرة بمناسبة عيد الفطر ، شطر منها فى إحدى بلدات الريف، وشطر آخر فى ثغر الإسكندرية .. و منها نشتق عدداً من الملاحظات والتأملات التى أوحى بها المقام القصير .
فأما البلدة الريفية فقد أوحت لنا بثلاث ملاحظات ذات طابع اقتصادى – اجتماعى – إدارى و ربما سياسى أيضا، فى البعد التاريخي.

الملاحظة الأولى تتعلق بما كنا خشيناه فإذا به يصير واقعاً محققاً ، ونقصد ما أدى إليه التزايد السكانى السريع في مصر بمعدل نمو ديموجرافي مرتفع نسبيا بما يتراوح بين 2,50% و 2,25% تقريبا خلال السنوات الممتدة منذ 2011 حتى 2016 ، وهو أحد أكبر المعدلات في الدول النامية وفي الوطن العربي. و كان هذا المعدل قد شهد هبوطا نسبيا خلال عقد 1996-2006 وحتى 2010 بعد القمة التي استوى عليها في أواخر الثمانينات بمعدل بلغ نحو 3% (2,94% عام 1988: الكتاب الإحصائي السنوي2017، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، القاهرة، جدول 3-1). تزاوج ذلك مع معدلات منخفضة للنمو الاقتصادي الكلي و خاصة في الأقاليم الريفية، مع المعدل المنخفض للنمو في القطاع الزراعي و معدلات الاستثمار، إلى جانب ضيق المساحة الزراعية الأرضية. مع ملاحظة ارتفاع "المساحة المحصولية" بفعل زيادة الإنتاجية لمختلف المحاصيل في سياق التقدم التكنولوجي العالمي، بما فيها القمح والأرز والبطاطس والقطن وقصب السكر وما سواه .

وإنما حدث ضيق المساحة الزراعية بفعل التوسع العمرانى اللاهث بما يأكل الأخضر واليابس، زحفاً على النطاقات التى كوّنها طمي النيل بخصوبة التربة عبر آلاف السنين من التاريخ المكتوب لواحد من أقدم المجتمعات "الهيدروليكية" فى العالم .
نحو مليونيْ فدان من تلك الأرض "التاريخية" تبددت فى البناء السكني على امتداد الريف المصرى فى الوجهين القبلى والبحرى خلال نصف القرن الأخير على وجه العموم .

ولولا ما تم استصلاحه على دورات متتابعة، منذ ثورة الاستصلاح والاستزراع الأولى لثورة 23 يوليو 1952 وحتى 1970 ، من خلال مشاريع "الوادى الجديد" و "مديرية التحرير" ، وفى بقع غير ذلك؛ لولا ذلك لما بقيت مساحة الأرض الزراعية المصرية في حدودها القائمة ( 6,2 مليون فدان من الأرض القديمة+2,9 من الأرض الجديدة عام 2015: الكتاب الإحصائي السابق، جدول 5-1) بحيث عوض المضاف إلى الأرض فاقدها ضمن هامش معين.
ولنعلم أن التوسع الزراعى فى مصر ترد عليه قيود من الطبيعة شديدة ، أبرزها القيد المتعلق بمحدودية الموارد المائية ، فى ضوء تواضع حصة مصر من مياه النيل (55,5 مليار متر مكعب سنويا مقابل 18,5 مليار للسودان وفق اتفاقية 1959 بين البلدين مع الأخذ في الاعتبار ردّ 6 مليار متر مكعب كانت تستفيد بها مصر اتفاقيا من حصة السودان حتى عام 1977).

و لولا ما تم من جهد كبير فى إدارة الموارد المائية ، من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، والاستفادة من مخزون المياه الجوفية الذى يبدو شحيحاً على كل حال ، لازداد حرج الموقف المائى بأكثر مما هو عليه . و دعْ عنك الملابسات المتعلقة بالوضع المحتمل الناشىء عن التوقعات البديلة لمشروع "سد النهضة" الأثيوبى . ولعل توقف قوة الدفع الخاصة بمشروع زراعة مليون ونصف مليون فدان، وبناء مجتمع ريفى جديد مصاحب، يصبح مؤشراً على ضرورة إعادة النظر فى طريقة التعامل مع ميزان الموارد المائية فى مصر.

نعود إلى أصل هذه الملاحظة الأولى المتعلقة بارتفاع معدل النمو السكاني مقابل ضيق المساحة الزراعية، لنشير إلى أن ذلك أدى ، ويؤدي، إلى نزوح ريفي تنشتد وتيرته نحو مناطق الاستصلاح والاستزراع الجديدة، مثل "النوبارية" وغيرها ، و إلى امتهان أنشطة غير فلاحية فى المجتمع الريفى نفسه، و كذا الانتقال صوب العمل فى مشروعات البنية الأساسية والطرق الرابطة بين محاور الوادي، وبين القاهرة وما حولها من مدن جديدة هنا وهناك ... أو إلى العمل فى الوظائف الهامشية فى المدن الكبرى، لاسيما القاهرة والاسكندرية .

ولاشك أن الاعتداء على النطاق القابل الزراعة ، وتجاوز النطاق العمرانى المحدد ، فى غياب تعريف نهائى ومستقر ل "الأحْوِزة العمرانية" فى المدن والقرى ، يؤدى إلى ارتفاعات (فلكية) فى أسعار أراضى البناء فى ضوء التقلص الطبيعى لها ، والملاحقة الحكومية بين الفيْنة والأخرى.

وممّا له صلة وثيقة بذلك، اشتداد وتيرة البحث عن فرص عمل خارج الأرض الزراعية ، فى وسط اقتصادى – اجتماعى حساس ، بفعل الظروف المصاحبة لثورة 25 يناير 2011 وما بعدها ، من حيث التأثير على معدل النمو الاقتصادى الكلى.. وأنه حتى مع الارتفاع الأخير فى المعدل المذكور، وخاصة بالمعيار الإسمى ، فإنه لا يتحقق من باطن الأنشطة الأعلى إنتاجية فى الأجل الطويل ، وخاصة الصناعة التحويلية والإنتاج الزراعى ، بقدر ما يتم من خلال أنشطة أخرى أبرزها أنشطة البناء و التشييد المختلفة، وخاصة فى مجال المرافق العامة والبنى الأساسية وبناء المدن ، بالإضافة إلى أنشطة الاتصالات والمواصلات .
والشىء بالشىء يذكر ، فإن الملاحظة الأساسية المتعلقة بضيق المساحة الزراعية ، وتزايد حرج القيْد المائي، مقابل التوسع فى أنشطة المرافق والبنى الأساسية وبناء المدن ، كل ذلك يؤدى بنا إلى ملاحظة وثيقة الصلة، وإن كانت تناقض ما سبق، ولو من حيث الظاهر فقط. نقصد بذلك أن القرى المصرية المحيطة والمنبثة فى الوادي القديم، فى الوجهين القبلى والبحرى، تعانى من ظاهرة مزدوجة هي: شح المياه الموجهة لكل من الاستخدام المنزلى والاستخدام الإنتاجى – الزراعى .. من جانب أول .. وسوء حالة البنية الأساسية نسبياً، بالمقارنة مع الحضر، وخاصة مرافق المياه والصرف الصحى والكهرباء، من جانب ثان .
ومن الظواهر المألوفة أن تجد القنوات المائية (الترع) فى معظم فصول السنة ، تقترب من حالة الجفاف، وعلى الأقل، دون الحد الأوسط ، وربما دون الحد الأدنى اللازم لمواصلة الإنتاج الزراعى بكفاءة ، وخاصة فى ظل عدم التوسع فى وسائل الرى غير التقليدية فى القرى (القديمة) مثل الرى بالرش و "التنقيط". ويشار هنا، بالمناسبة، إلى تناقص كمية مياه الري المستخدمة للمحاصيل الزراعية من 40,9 مليار متر مكعب عام 2006 إلى 36,7 مليار متر مكعب عام 2105 (الكتاب الإحصائي السابق، جدول 5-16)

ومن الظواهر المألوفة أيضا تكرار انقطاع المياه عن المساكن – محدودة الطوابق بطبيعتها – حتى فى أيام (صيام رمضان) على مقربة زمنية شديدة من عيد الفطر، وهذا ماخبرناه بأنفسنا خلال الأيام السابقة على عطلة هذا العيد .

وملاحظة ثالثة مرتبطة بذلك، أن أجهزة الإدارة المحلية – التنفيذية ودع عنك الشعبية – ضعيفة التأثير فى الحياة الريفية، فيما يسمى هذه الأيام بالحوكمة الرشيدة، ممّا يتصل مثلا بالمياه والكهرباء الموجهة للاستخداميْن الاستهلاكى والإنتاجى، وسوى ذلك فيما يتعلق خاصة بمرافق التعليم والصحة. وهناك حدّثْ، ولا حرج، عن أحوال المدارس والمستشفيات برغم التحسن الذى طرأ على بعض المرافق الصحية فى السنوات الأخيرة .

ومن الأدلة على ذلك أنه فى ظل أزمة الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء، لا نجد ثمة دوراً للإدارات المحلية وللمجالس الشعبية (التى لم تنتخب بعد لعدم إقرار قانونها المعروض على مجلس النواب منذ فترة). و كمْ هو ضروري أن يعاد النظر فى هيكلة الإدارة المحلية ( و لا نقول "الحكم المحلى" لبُعد الشُقّة عن الواقع المعاش راهناً) بحيث يتم التفعيل و رفع مستوى الكفاءة، مع تحسين آليات المراقبة والمحاسبة والمساءلة على جميع المستويات .

ملاحظة رابعة من الريف و عنْه، تتعلق بدور المرأة ، حيث ارتفعت نسبة الاستيعاب المدرسىّ لتقترب نظرياً من أكثر من 90% ـ وتزايد الاهتمام بتعليم الفتيات إلى مستوى التعليم الأساسى على الأقل ، و كذا التعليم الثانوى ، الفنّي بالخصوص ، لاسيما فى مجالىْ التجارة والتمريض. ولكن ضيق فرص العمل ، يحبس الفتيات فى المنازل دون إضافة حقيقية للناتج العائلى والريفى والوطنى العام . ولا يختلف الحال كثيراً عن ذلك بعد الزواج المبكر- أو السريع غالباً – للفتيات وتحولهن إلى (إنتاج الأطفال) بعد أن عزّ الإنتاج الاقتصادى (غير"إنتاج البشر") فى ظل تحول القرية والأسرة النووية والعائلة الممتدة إلى وحدة مستهلكة بعد أن كانت وحدات منتجة. فى ظل ذلك تتدهور مكانة المرأة – الزوجة – فى ميزان الاقتصاد الحقيقى، و قد يقتصر دورها على تحضير المواد الغذائية المشتراة من السوق ، وخدمة الزوج ، والإنجاب المتكرر .. وخاصة فى ظل ارتفاع معدلات بطالة الإناث خريجات التعليم المتوسط والعالى إلى حدود جدّ حرجة فى معظم الأحوال ، وما يتصل بذلك من انخفاض معدل النشاط الاقتصادى وارتفاع "معدل الإعالة". ويذكر هنا مثلا أن معدل البطالة بين حملة المؤهل الجامعي وفوق الجامعي بلغ 20,7% عام 2016: 14,9% للذكور و 30,9% للإناث: الكتاب الإحصائي السابق، جدول 4-7) . ولكن إلامَ يُفْضي ذلك من زاوية العلاقات الاجتماعية عموماً، و العلاقة بين الرجل والمرأة، والزوج والزوجة خصوصاً ؟ هذا ما نتركه لأبحاث رجال علم الاجتماع والاجتماع الريفى، للمزيد من الدراسة الميدانية الفاحصة، من أجل التوصل إلى استنتاجات قوية تصلح دليلاً إرشادياً لوضع السياسات الضرورية للتعامل مع الواقع الريفى المستجد.

ملاحظة خامسة قادنا إليها حظنا (العاثر..!) في تلك اللحظة النادرة حين انتقلنا من البلدة الريفية فى محافظة البحيرة ، إلى الإسكندرية لنقضي بها يوماً أو يومين.

فى مساء يوم الخميس السادس من يونيو 2019 – ثاني أيام عيد الفطر مباشرة – واجهنا أهوالاً شديدة فى المساء للانتقال من أحد ضواحى المدينة (العجمى) إلى شارع الكورنيش و وسط المدينة، ثم العودة. و القصد الأصلي زيارة عائلية وتناول شىء من الطعام . وكانت أهوال ما يشبه (يوم القيامة) فى تلك الليلة، حين اختنقت مدينة الأسكندرية بأهليها و زوارها، واستحال السير، وعدنا دون زيارة حقيقية، ودون طعام، لنعود أدراجنا بعد قضاء الساعات الطوال كل الليل تقريباً وحتى شروق الشمس اليوم التالى، فى محاولة لأن نعود أدراجنا من حيث ذهبنا.

مدينة الأسكندرية تعانى من الاكتظاظ الذى لم تستعد له تخطيطاً وإدارة يوماً، ولا يتوفر بها من مسارات للحركة الحرة سوى شارع الكورنيش، والشارع الموازى له (شارع جمال عبد الناصر – و امتداده "أبو قير")، مع الحرمان من مشروعات تسهيل المرور كالمحاور الجديدة مثل المتوفرة بالقاهرة، و تلك الجسور المعلقة من حولنا فى العاصمة فى كل مكان تقريبا. ويا له من غياب مدهش لأجهزة الإدارة المحلية ومرفق المرور، فى تلك الليلة الليلْاء، ليحل محلها جميعا بعض من (أولاد الحلال) الذين أخذوا على عاتقهم التطوع بتنظيم المرور فى المحاور الفرعية المقفلة .

وهذه الإسكندرية التى كان يجب أن تستفيد من الظهير الصحراوى العظيم حولها فى الاستيعاب المنظم للداخلين الجدد إلى الحياة وإلى أسواق العمل، فإذا بإقليم "مريوط" الذي كان يزود الامبراطورية الرومانية بالقمح – إذا به يتحول فى شريطه الساحلي الطويل إلى سلسلة من المنتجعات غير المستغلة ولو فى النشاط السياحى، وليبقى "الساحل الشمالى"، كما يسمّى، علامة على فوضى التخطيط العمرانى و الاقتصادى خلال الأربعين عاماً الماضية وزيادة.

فكيف نستدرك الأمر فى القرى وفى الإسكندرية ؟ هذا ما نطرحه على خبرائنا الأجلاّء لتقديم محاولات للإجابة على سؤال الحاضر، باتجاه النظر إلى المستقبل ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فكيف نستدرك الأمر
هانى شاكر ( 2019 / 6 / 22 - 01:03 )


فكيف نستدرك الأمر
_________

مصر بها 100 مليون نسمه .. و قدرتها على اعاشة مواطنين اصحاء لا تتعدى 15 مليون ..

حكمنا حثالة البشر ( فاروق ، ناصر ، السادات ، ابو ريالة ، ابو زبيبة ، و ابو جلمبو ) فافقرونا و اذلونا و تركونا نتكاثر كالحشرات .. وصرنا بلا ثمن و بلا قيمه

شيوخ البترول ( يتزوجون ) بناتنا المراهقات ب 500 دولار للموسم .. و جنرلاتنا يستخدمون اولادنا المراهقين للعمل بالسخرة مجانا فى مزارعهم و قصورهم ( مجندين ب 300 جنيه اى 15 دولار فى الشهر ) ...

من أين نبدأ؟

الحل يحتاج الى 100 عام .. تدريجيا و سلميا .. ينزل فيها التعداد من 100 مليون الى 15 مليون .. ، .. و حجم الفساد من 100 % الى 20 % .. ، .. و يتم فصل الدين عن الحكم و الحياة العامة

....

اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان