الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنسانية الأديب باسم خندقجي

رائد الحواري

2019 / 6 / 24
أوراق كتبت في وعن السجن


إنسانية الأديب باسم خندقجي
ما يحسب للأسرى الفلسطينيين أنهم ما زالوا يعطون، وفاعلون، ومؤثرون، فنضالهم مستمر ولم يتوقف، لكن أخذ أشكالا جديدة، وهم بهذا يؤكدون على مقولة لينين: "ليس هناك شكل محدد للنضال، الظرف والزمان والمكان من يحدد شكل النضال" والملفت لنظر أن أسرانا يبدعون في عطائهم/نضالهم الجديد، ويتجاوزون المألوف/العادي، بكل موضوعة ما ينتجه الأسرى من أدب يرتقي إلى مصاف الأدب العالمي، ليس لأننا نتعاطف معهم ومع ما ينتجونه، بل لأنهم فعلا فدموا ما هو جديد ومتألق، فرواية "الكبسولة" تعد رواية استثنائية في المنطقة العربية، لما فيها من تجاوز للعقل وتمرد عليه، ورواية باسم "نرجس العزلة" ترتقي لتأخذ القارئ إلى ما هو أبعد من سطح السرد، الذي يحمل خلفه معاناه الإنسان كإنسان، قبل أن يكون مُحتلا من قبل احتلال استيطاني، يعمل على الاستيلاء على الأرض وتغيب/محو/شطب/إلغاء الإنسان، ما كتبه "كميل أبو حنيش" في "كعك العيد على بوابة السجن" يؤكد على أن السجن لم ينل من إنسانية الفلسطيني، فهو متشبث بهذه الصفة ويعمل من أجلها، وفي رسالة "باسم الخندقجي" الذي يبدأ رسالته "أحبتي" والتي يكررها أثناء الرسالة في أكثر من موضع، تستوقفنا هذه الكلمة "أحبتي"، فمن نحن لنكون أحبته؟ وما فعلنا له ومن أجله حتى يخاطبنا بهذه اللغة؟ وهل هناك مبررات/دواعي لهذه الكلمة "أحبتي"؟.
إذا ما دخلنا إلى مضمون الرسالة: "...أتوجه إليكم بها دون نص أو قصيدة" خطاب للمثقفين/القراء الذين يتابعون ما ينتجه من أدب، فقد تحول "باسم من مناضل سياسي إلى مناضل أدبي، فلم يعد (يقلق) للعامة، لهذا يخصص رسالته للقراء، فرغم مجموعة وكثر القراء إلا أنهم يبقوا جزء من كل، وهذا التحول في الخطاب له أسبابه الشخصية، والطرف الموضوعي له الدور كذلك، لهذا عندما وصف ظروف الأسر قال: "أعيشُ خارج المألوف في غربة حديدية لا يلوح من غيابها أُفق يشي بحرية ولكنني على يقين تام أن هذه الغربة لا تعيش فيَّ فأنا حر بكلماتي.. حُرٌّ بكم.." ابتعاد "باسم الخندقجي" عن اللغة العادية المتداولة، وانتقاله إلى لغة أدبية فيها من الصور ما يجعل من الفكرة/المشهد القاسي مشهد مقبول رغم ما فيه من ألم، فالخطاب (الجماهيري الثوري) لم يعد موجودا، لأن الفئة التي يخاطبها تغيرت، ولأن الظرف جعل باسم تحول/تغير من مناضل (جماهيري) إلى مناضل أدبي.
يتقدم باسم أكثر نحو القراء/المثقفين: "أرتبكُ بعد أن ألقت عليَّ إحدى القارئات القبض متلبسًا بعينيها" دائما ذكر/حضور المرأة يلعب دور في تهدئة الأجواء ويضفي لمسة ناعمة ويثر ويثري الحوار، وكأن "الغربة الحديدية" أراد أن يتخطاها من خلال "أعين لقارئات، وهذا يشير إلى أن العقل الباطن "لباسم" هو من الذي يُكتبه، من هنا كانت المرأة حاضرة ومؤثرة.
ورغم أن باسم له أكثر من خمسة كتب، وفيها ما هو جديد، إن كان على صعيد الشكل، أو طريقة التقديم، إلا أنه ما زال يشعر بأنه لم يصل إلى الهدف/الذروة: "لم أجرؤ بعد على البوح بأنني بتُّ روائيًا.. لا فأنا ما زلتُ في بداية الدرب" فالتواضع حاضر فيه، وأيضا على أنه كاتب مثابر، فالرواية التي يريدها لم يكتبها بعد.
من يقرأ رواية "نرجس العزلة" يشعر بأن هناك صراع عند السارد، صراع بين الشاعر والروائي فيه، الصراع بين الحزب والفرد، الصراع بين المرأة والمرأة، بين الأم والأم، واعقد أن الرواية بحاجة إلى أكثر من قراءة لما فيها من أبعاد فكرية ونفسية ومشاعر إنسانية، "باسم" من خلال رسالته يشير إلى مكانة الرواية في العقل الباطن قبل أن (يُسأل) عن أحب الكتب إليه: "أعيش اللحظة.. أُداعب نرجسيتي" تلفظه ب"نرجسيتي" تعطي القارئ للرسالة أن هذا اللفظ له مكانة عند الشاعر، حتى لو لم يكن يعرف/يعلم أن هناك رواية بهذا العنوان، وعندما (سُئل) أجاب: "أجمل رواية قرأتها هي " نرجس العزلة" يتحدث عن اجمل/افضل ما قرأ وليس ما كتب، وهذه (الانقلاب/الانعكاس) في الحديث عن الرواية يشير إلى مكانتها عند "باسم" وأيضا يمثل دعوة ليتقدم منها "احبتي"/القراء.
لكن باسم الأديب ما زال فعلا لم يكتب روايته، رواية الحلم: "أُريد أن أكون على سجيتي.. أُريد أَسخر.. أضحك.. أن أكسر حواجز المألوف.. أُريد أن أبحث معكم عن كاتب أو روائي قادر على إلغاء الحدود بينه وبين وقارئه" هذا البحث/القلق/الحركة هي من تؤكد على أننا امام أديب قالق ما زال يفكر/يسعى إلى هدفه، وما يحسب له أنه يشاركنا معه نحن القراء في البحث/السعي نحو الهدف، ألسنا (الجماهير) التي يخاطبها/يحرضها على الخوض في النضال والاستمرار فيه؟، وهذا ما يجعل كلمة "أحبتي" التي افتتح بها الرسالة تكون ذات أثر وفاعلية في المتلقي/القارئ.

الكاتب بحاجة إلى الناقد/القارئ، وإلا سيفقد الكتاب/النص شيء من قيمته، فالقراء بالنسبة للكاتب/للكتاب كالجمهور بالنسبة للمسرح/للمسرحي، كلاهما يجد حضوره في الآخرين: "ألمحُ ناقدًا يُخفي في جعبته سهام نقده.. أُرحب به أُرحب بنقدٍ قليل السم كثير الدسم.." (الخوف) من النقد السلبي حالة طبيعية عند كل إنسان، فهذا النوع من النقد مزعج ومؤذي ليس في الأدب فحسب، بل حتى في السلوك البشري العادي، فما بالنا بالأديب الذي يتأثر ويرتبك من أية اشارة أو إيحاء!!.
عملية الكتابة صعبة وشاقة، فالكاتب يعطي الأكثير للقراء، لهذا تكون/تحمل الكتب قيمة روحية وأخلاقية: "أكتبُ على إيقاع الحلم والشغف.. أحيانًا خمسُ دقائق وأحيانًا ساعة أو ساعتين.. بالمناسبة أنا لا أُدخن أثناء الكتابة.. بل أُدخن ما بعدها.. فلا يمكن لعاشقين أن يمارسا الحب وهما يدخنان في نفس الوقت" يشير "باسم" إلى العلاقة الروحية بين الكاتب ونصه، فالكتابة فعل إنساني روحي، وليست فعل للتسلية وتمضية الوقت، وهنا نجد دعوة ـ غير مباشرة ـ على ضرورة الاهتمام بما يكتب، والتعامل مع الكتاب بشيء من (القدسية).
للكتابة (طقوس) خاصة، لا يعيها إلا الكاتب، الأديب: "حسنًا أنا لا أُحب الوسائل التكنولوجية.. وأُفضل رائحة الحبر والورق وعرق كفّي أثناء الكتابة" ومن هنا نجد الفرق بين المنتوجات الصناعية والتي تجهز بمجرد (الضغط على الزر)، وتلك المنتوجات التي يبذل فيها الإنسان وقته وجهد وعقله.
لكل كاتب لغته واسلوبه وطريقته في تقديم المادة الادبية: "وعلى صعيد التأثير فأنه لا يوجد كاتب لا يتأثر بفضائه الأدبي.. ولكنني لا أُقلد أحد" شرط اساسي لكل من يريد أن يكون مبدعا، عليه التخلص والتحرر من الآخرين ومحاولة تقليدهم.
تجاوز المألوف/العادي لا يأتي إلا من خلال أن يكون الأديب نفسه/ذاته، لا يشبه أحد، ولا احدا يشبهه، يقدم "باسم" افكار جديدة وبلغة غير معهودة: "علينا أن ننتزع حقنا من هذا التاريخ الذي لم يكتب لنا ولكنه كُتب بنا" رغم (الثورية) والصوت العالي في الفقرة إلا أنها جاءت بطرح جديد، التاريخ "كتب بنا" وهذه لوحدها كافية لجعل القارئ يتوقف عند هذا الطرح الجديد غير المألوف.
إنسانية "باسم" حاضرة في الرسالة من خلال: "هل عدم تفكيرك بالزواج هو تعبير تهربك من حياة الاستقرار والإلتزام الأُسري؟ ( يتدخل يوسف هنا منوهًا بأدب الحضور بألاّ يسألونني أسئلة شخصية" اعطاء يوسف شقيقه فعل (المنع) يشير إلى رغبة باسم في فعل الزواج، لهذا هو لا يريد أن يقول: (أنه يرغب في الزواج)، لأن السجن والسجان يحولان دون ذلك، فختار أن يكون "يوسف" هو الحائل دون الاجابة على السؤال، لكن الرغبة والحاجة موجودة وبقوة.
حديث "باسم" عن عائلته وأسرته يشير إلى رغبته في أن يكون إنسانا (طبيعيا/عاديا) يمارس كل ما يمارسه الناس، وأيضا يشير إلى أن هذه العلاقة الأسرية هي من تجعله قادرا على مواصلة نضاله الأدبي: "وأُسرتي كلها تدعمني عمي أبو يسار.. أمي أخوتي .. أخي يوسف بالتحديد هو بمثابة وكيل كلماتي.. هو الذي يتعب ويتحمل ألغاز خطي أثناء طباعته للنصوص يصمم النسخ التجريبية يتواصل مع دور النشر" الاجتماعية الفلسطينية هي الطاقة التي الوحيدة التي يستطيع بها الأسير الفلسطيني أن يواصل مسيرته كإنسان وكمبدع.
تأكيد على عملية التكامل بين الكاتب/باسم والقراء:" أحبتي ... أن ثمة من يكترث لكتاباتي. فأنتم متنفس كلماتي. أحبتي." وهنا دعوة لنا نحن جمهور باسم لنكون نحن واياه معا مبدعين متألقين، فنتلقف ما يكتبه باهتمام وتفهم.
الرسالة منشورة على صفحة الشاعر فراس حج محمد على الفيس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ترصد الواقع المأساوي للاجئين السودانيين في تشاد


.. لحظة اعتقال فتاة فلسطينية من بلدة كفر مالك شرق رام الله




.. مفوض عام وكالة الأونروا يحذر من مجاعة بعد تردي الأوضاع في غز


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مفوض عام الأونروا يحذر من أن المج




.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق