الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركية المعرفة فى الشارع السياسى العربى: 5/4 التضاريس

محمد رؤوف حامد

2019 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حركية المعرفة فى الشارع السياسى العربى: 5/4 التضاريس

كما جرت الإشارة فى السابق, مع إرتفاع منسوب المعرفة السياسية يزداد عزم تحول هذه المعرفة الى حركية, أى "حركية المعرفة".
ولأن من الطبيعى أن يكون لهذه الحركية تضاريس, فمن المفيد الإنتباه الى أن قدر كفاءة عمليات تحول المعرفة الى حركية لايعتمد فقط على جودة التضاريس, ومدى التفاعل مع أبعادها, وفهم ومتابعة مراحلها, وإنما يعتمد أيضا على عناصر أخرى تتمثل فى عديد من العوامل, والسياقات, والفعاليات المجتمعية المحيطة المؤثرة.

وعليه, فإن لهذه العناصر مجتمعة, من تضاريس وخلافه, تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة فى مخرجات حركية المعرفة.

وبإعتبار أن كفاءة حركية المعرفة وتحولاتها تمثل جسرا رئيسيا لصنع وإستمرارية وتطورية مسار التقدم, فإن الطرح الحالى يختص بتناول تضاريس حركية المعرفة, وما يؤثر فيها من مؤثرات, وما يمكن أن يكون لها من مخرجات.

يتشكل هذا الطرح من البنود التالية:
- دورة حركية المعرفة.
- العوامل المساعدة على تعظيم حركية المعرفة.
- التوجهات المجتمعية العامة المتعلقة بالسياقات الحاضنة لحركية المعرفة.
- المخرجات المجتمعية الأعظم لحركية المعرفة.

أولا- دورة حركية المعرفة:
كما تبين سابقا, تكاد تكون حركية المعرفة لازمة أساسية للمعرفة ذاتها, بمعنى أن للمعرفة عزم يقود (أو يؤدى) الى تحول ما (و/أو الى إنجاز ما). هذا التحول هو الجوهر المُجسد للحركية.
ماتحدثه المعرفة من تحول أو حركية يكون عمليا من نفس نوع (وفعل) مايحدثه التفكير العلمى بشأن التعامل مع أية سؤال أو مشكلة (من حيث التوصل الى فرض أو التحقق من صحة الفرض), أو مايحدثه التغيير التكنولوجى من تطور وتغيير, سواء كان تغييرا بسيطا Incremental, أو تغييرا جذريا Radical , أو أدنى أو أرقى من هذا أو ذاك.

الإشارة هنا الى التشابه مع كل من التفكير العلمى والتغيير التكنولوجى تقصد جذب الإنتباه الى أمرين.

الأمر الأول هو أن حركية الإرتقاء المعرفى تُجسد (ولا تخرج أو تحيد عن) المعرفة العلمية.

وأما الأمر الآخر, فهو أن حركية الإرتقاء المعرفى هى حركية حلزونية الطابع, مما يدفع الى ملاحظة أن تصاعداتها تتواصل فى مسارات متباينة فى السرعة, الأمر الذى سيتضح أكثر من خلال وصف موجز لما يمكن أن تكون عليه دورة حركية المعرفة.

تمر هذه الدورة بخطوات (أو مراحل) عديدة يمكن إيجازها من خلال إستعراض مايلى:
أ‌) مرحلة التنقيب عن المعرفة ونقلها.
ب‌) مرحلة إستخدام المعرفة وتقييمها.
ت‌) مرحلة تطوير المعرفة وتوليد معرفة جديدة.

( أ ) مرحلة التنقيب عن المعرفة (ونقلها):
تبدأ نقطة الإنطلاق فى هذه المرحلة من التصاعد فى منسوب المعرفة. إنه يصنع خليطا جديدا من عمليات الفهم والإندهاش والتساؤل, مما يقود الى الإرتقاء نحو إدراكات جديدة, والتى تتمثل فى أسئلة و/أو مشكلات و/أو تحديات.

التحول العملى الذى تصنعه الإدراكات الجديدة يتمثل فى التنقيب عن المسار (أو المسارات) بخصوص التوصل الى إجابات للأسئلة, أو حلول للمشكلات, أو طرق لمواجهة التحديات.

هذا التنقيب قد يتخذ أكثر من شكل, أو نوع, أو منحى. فهو قد يُبحر فى الخبرات الذاتية الموجودة فى المعرفة المحلية (لدى الأفراد أو المؤسسات ...الخ), كما قد يرجع الى التراث, مما يؤدى عموما الى تحديث وتطوير للبنية المعرفية القائمة, والتى قد تصل الى جديد يمكن نقله الى موطن الإستفادة. أيضا, قد يتجه التنقيب, بشكل جزئى أو كلى, الى خبرات أخرى خارجية, أى من خارج المجتمع المعنى.
وسواء إتجه الإعتماد جزئيا أو كليا على الخبرات المولدة محليا أو تلك المنقولة من الخارج, فإن مايتلو هو الإنتقال الى مرحلة الإستخدام (أى التطبيق) للمعرفة الجديدة.

( ب ) مرحلة إستخدام المعرفة (وتقييمها):
عندما يؤدى تصاعد منسوب المعرفة الى ممارسة التنقيب عن المعرفة و/أو نقلها, فمن المتوقع لهذا المنسوب أن يتواصل فى التصاعد من خلال الخبرات المكتسبة أثناء السعى فى التنقيب والنقل.

يتزايد هذا التصاعد أكثر وأكثر مع الإستخدام التطبيقى للمعرفة, خاصة عندما يجرى ذلك فى مسار يتضمن "التقييم وإعادة التقييم", بمعنى تقييم عمليات التطبيق ذاتها, وأيضا تقييم كفاءة المعرفة المنقولة من حيث مدى مناسبتها لما كان قد إستوجب التوصل اليها (من أسئلة ومشكلات و تحديات).

وفى المقابل, إذا ما خلت مرحلة إستخدام المعرفة وتطبيقها من عمليات التقييم وإعادة التقييم, فإن حركية المعرفة تهدأ, .. وتضعف تدريجيا, ... وتكاد أن تتوقف.
يرجع ذلك الى أن عمليات التقييم وإعادة التقييم تُعد ركنا طرائقيا أصيلا من أركان الإرتقاء المعرفى, حيث هى تهدف الى تعظيم مسار التوصل الى الأهداف والمقاصد, وتعتمد – تلقائيا – على التفكير العلمى, وتمر بجدلية حوارية مثمرة, مما يؤدى الى رفع الإتقان والكفاءة.

( ت ) مرحلة تطوير المعرفة (وتوليد معرفة جديدة):
من البديهى أنه لايمكن الوصول, من جانب الأفراد أو المؤسسات, أو عموم المجتمعات, الى إمكانية تطوير المعرفة القائمة وتوليد معرفة أحدث (أو أكثر جدة), إذا ماجرى التوقف عن إتمام أى من المرحلتين السابقتين, أى مرحلة التنقيب عن المعرفة (ونقلها), و مرحلة إستخدام المعرفة (وتقييمها).

فى نفس الوقت, يكون بلوغ هذه المرحلة الرئيسية الثالثة نتاجا طبيعيا لما يمكن أن يحدث من تراكم فى الخبرات الناجمة عن المرحلتين السابقتين.

وهنا, قبل النظر الى المراحل الرئيسية الثلاث لحركية المعرفة, كمتتالية صانعة لحلزونية الإرتقاء, تجدر الإشارة الى أن تعويق الدخول الى (أو الإنخراط فى) المراحل الثلاث لحركية المعرفة يحدث عادة لأسباب إدارية و/أو سياسية.

هذا التعويق, أى تعويق الإنخراط فى حر كية المعرفة, أيا كانت خلفياته من أسباب, يُعد المانع الرئيسى لتقدم الكيانات البشرية, من مؤسسات و مجتمعات وبلدان, وبالتالى هو الحاضن الحقيقى للتراجع والتخلف.

وفى حالة عدم وجود موانع معوقة, فإن المراحل الثلاث لحركية المعرفة تنطلق فى الإرتقاء بشكل حلزونى.

أما عن الكيفية التى ترتقى بها حركية المعرفة حلزونيا, , فإن ذلك يجرى على غرار الإرتقاء فى عمليات الإزدهار التكنولوجى.
مع إفتراض إنجاز المرحلة " أ", والخاصة بالتنقيب عن المعرفة ونقلها, فإن الخطوة التالية "ب", والخاصة بتطبيق المعرفة وتقييمها تقود الى خبرات تؤدى الى إدراكات من نوع جديد (سواء تمثلت فى بزوغ لأسئلة, أو إكتشاف لمشكلات, أو تنبؤ بالتحديات).

هذه الخبرات هى التى تقود الى المرحلة الثالثة (ت) من حركية المعرفة, أى مرحلة تطوير المعرفة وتوليدها.الأمر المؤكد فى هذه المرحلة هو التوصل الى التصور لتحسينات فى صياغة المعرفة وإستخدامها.

ذلك بمعنى أن ممارسة المرحلة "ت" تؤدى الى تحسين (وتطوير) الأداء الخاص بالمرحلة "ب".

وهكذا, تتواصل العمليات التطويرية, فيما تأخذ شكل "تغذية مرتدة" Feedback بين المرحلتين "ت" و "ب".

المرحلة "ب" (والخاصة بالتطبيق وإعادة التقييم) تكتشف الجديد فى شكل تساؤلات أو مشكلات أو تحديات, والتى نحفز المرحلة "ت" الى التعامل معها, بالإجتهاد فى التوصل الى مايلزم من تحسينات (أو تطويرات).

وهكذا, المسألة إذن أن المرحلة "ب" تُصعد من إكتشاف نقاط (أو سلبيات) بحاجة الى معالجات, وأن المرحلة "ت" تصل الى المعالجات وتحملها الى "ب".

ببساطة, المرحلة "ب" تصنع حاجات وأهداف جديدة يكون على المرحلة "ت" إنجازها. وعندما تصل المرحلة "ت" الى الإنجاز (بتوليد الجديد) فإنها تدفع المرحلة "ب" الى إستخدام وتطبيق هذا الجديد, والذى يكون أرقى فى الكفاءة (و/أو الموصفات).

بمعنى آخر, لدينا هنا مرحلة تطبيقية تصنع طلبات Demands , وأخرى تالية تنجز إستيفاءأ ما لهذه الطلبات, وعندها تكون الإنجازات (فى التحسين والتطوير) بمثابة قوة دفع للإرتقاء بتطبيقات ومخرجات المرحلة الأسبق, وهلمجرا.

قد يبزغ هنا تساؤل عن مصير المرحلة "أ", والخاصة بالتنقيب عن المعرفة (ونقلها).

الحقيقة أن المرحلة "أ" تظل موجودة بإستمرار فى محيط فعاليات حركية المعرفة, فيما قبل وما بعد المرحلتين "ب" و "ت", غير أنه مع إستمرارية الإرتقاء المعرفى يحدث لدورها قدر من التبدل, والذى يظهر فى ثلاث نقاط.

النقطة الأولى تتمثل فى إتساع وتعمق مجال التنقيب, وزيادة سرعته. ذلك بمعنى تعظيم الإستفادة من التراث, بدءا بالتراث المحلى الذاتى, مع الأخذ فى الإعتبار للتراث العالمى برمته (بما يتضمنه من تنوعات فى الأيديولوجيات والمذاهب والنظريات ...الخ).

وأما النقطة الثانية فتتمثل فى تعظيم الإستفادة من الإرتقاءات التكنولوجية المحضة, مثل الذكاء الإصطناعى (أو ذكاء الآلة) Artificial Intelligence , فضلا عن المعلوماتية والإتصال.

وعن النقطة الثالثة فتختص بالنقل, حيث مع تراكم عمليات التطور فى حركية المعرفة, من خلال "ب" و "ت", يحدث إرتقاء يصل الى قدر نقل وتصدير المعرفة الى الغير (الآخر أو الأجنبى), بشكل مباشر أو غير مباشر, بعدما كان الأمر -فى البداية- يقتصر فقط على نقلها من الغير.

بعد ماسبق ذكره من تفاصيل, بشأن الإرتقاءات الخاصة بالمرحلتين "ب" و "ت", تجدر الإشارة الى أن الإرتقاءات التى تنجزها المرحلة "ت" تكون فى أكثر الأحيان إرتقاءات بسيطة Incremental . تأتى هذه الإرتقاءات البسيطة كإمتداد متوقع (والذى يكاد يكون إمتدادا خطيا) فى ظل الأداءات الروتينية (أو الإنتظامية) التى تحفل بها المرحلة الأسبق "ب" (بخصوص التطبيق والتقييم و الى إرتقاءات إعادة التقييم).

غير أنه يحدث فى بعض الأحيان أن تصل المرحلة "ت" الى إرتقاءا تطويريا يكون خارج حدود التوقعات النمطية (أو الخطية), بمعنى أنه إرتقاء جديد تماما, أو هو تغيير جذرى Radical Change , حيث يكون أرقى جدا من الإمتدادات الروتينية (الإرتقائية البسيطة) لما هو سائد, وقد ينطبق عليه الوصف بأنه "من خارج الصندوق".

عندها, تنتقل المرحلة "ب" الى إستخدام (وتطبيق) التغيير الجذرى الجديد, أيضا مع تقييمه وإعادة تقييمه.

عندما يحدث ذلك تكون المرحلة "ب" قد إنتقلت الى مستوى (أو مدار) معرفى أكثر جدة وإرتقاءا (أى أعلى جدا) مقارنة بكل ماسبق.

من هنا تأتى مسألة حلزونية إرتقاءات حركية المعرفة. حيث تأخذ هذه الإرتقاءات شكل عديد من التصاعدات المتتالية البسيطة (الناجمة كإمتداد تطويرى أو تحسينى لبعضها بعضا), ثم فجأة يحدث قفز الى مدأر إرتقائى أعلى بكثير, والذى ينجم هذه المرة عن التغيير الجذرى.

وبنفس المنوال (أو التتالى التغييرى), تستحدث سلسلة تغييرات بسيطة جديدة, بالإرتكاز على التغيير الجذرى الأخير, وهلمجرا حتى يستجد تغيير جذرى جديد آخر.

وهكذا, تتوالى حركية المعرفة, إرتقاءات بسيطة متتالية يعقبها إرتقاءا جذريا, ثم إرتقاءات بسيطة أخرى متتالية فى مدار هذا الإرتقاء الجذرى, حتى تصل المعرفة الى إرتقاء جذرى آخر, يكون من شأنه نقل خطوات الإرتقاءات البسيطة الى مدار أعلى مقارنة بما سبق, وهكذا.., وهكذا.

من هنا, يمكن تمثُل, أو تصور, أو إكتشاف نماذج عملية متنوعة للحركية الإرتقائية للمعرفة طبقا للمراحل السابق ذكرها.

ينطبق ذلك على مجالات تتعلق بكافة جوانب وأنشطة الحياة, كالإدراة, والتكنولوجيا, والموضة, والتدريبات والأداءات الخاصة بالرياضات البدنية (مثل الجمباز والقفز بالزانة والقفز العالى وكرة القدم), وكذلك الرؤى والتصورات الفكرية والسياسية ...الخ.
ربما فى عجالة هذا الجزء من الطرح يمكن الإشارة فيما يلى الى بعض النماذج التى يمكن إعتبارها مخرجات لحركية المعرفة:
- الإدارة الكلية للجودة.
- الإدارة بتطبيق مبدأ "فى الوقت المحدد تماما" Just in Time , أو JIT .
- رسم سيناريوهات لحل الصراعات.
- إمتحانات الكتاب المفتوح, والأخذ فى الإعتبار للأداء الجماعى للطلاب عند منحهم درجاتهم كأفراد (يمكن الرجوع لمزيد من التفاصيل فى مقال للمؤلف بعنوان "خبرات شخصية بشأن ديمقراطية العملية التعليمية فى الجامعة" – الحوار المتمدن 2/3/2018 )
- الهدم البناء (كمفهوم يتعلق بالتنمية التكنولوجية).
- توصُل الشارع السياسى التونسى فى وقت ما الى حل معضلات حادة تعتريه عن طريق مبادرة "الرباعى التونسى للحوار".
- تحولات النموذج الإسترشادى Paradigm Shift (نظرية لتوماس كون).

هذا, ومن المهم جذب الإنتباه الى وجود, وبزوغ, ما قد يصعب حصره من أمثلة ممكنة لمخرجات حركية المعرفة على مستوى الحياة اليومية, داخل الأسرة, وفى وحدات العمل, وعلى مدى الشارع العام ..., وفى العلاقات بين الدول, ...الخ.

ثانيا – العوامل المساعدة على تعظيم حركية المعرفة:

فيما يلى ذكر لبعض العوامل التى يمكن أن تكون لها إنعكاسات إيجابية, مباشرة وقوية:
1- إستخدام الإزمة, أى أزمة, كنافذة لحل المشكلات والتطوير, بحيث تُعامل الأزمة كفرصة لتفعيل البحث والدراسة, وتبادل الرأى والحوار من أجل التوصل الى أفضل الحلول.
2- التفاعلية الصحية مع الآخر, والذى يُقصد به نسيج عموم الآخر من المواطنين, من أصحاب المصلحة, والخبراء, والأكاديميين, والمفكرين, والمعارضين السياسيين ... الخ.
3- تحريك "الطلب" و "العرض" فى المسافة بين السياسات من ناحية, والبحث العلمى من ناحية أخرى.

ثالثا- التوجهات المجتمعية العامة المتعلقة بالسياقات الحاضنة لحركية المعرفة:

تعود أهمية هذه التوجهات الى مايمكن أن تنتجه من تداخلات (إيجابية أو سلبية) بشأن العوامل المساعدة على تعظيم حركية المعرفة, والتى جرت الإشارة اليها أعلاه.
لهذه التوجهات أشكال عديدة, ومن أمثلتها مايلى:

(أ‌) توجهات مفاهيمية تمثل مايمكن إعتباره فلسفات تتعلق بالتقدم:
من أمثلة ذلك تأتى "الوطننة", والتى تعنى تجنب الأوضاع أو السياقات أو الإرشادات المفروضة من الخارج بينما يمكن أن يكون لها تداعيات سلبية على عناصر الشأن الوطنى, مثل الموارد البشرية, والقدرات الإنتاجية والخدمية ...الخ.

وقد ظهر مفهوم "الوطننة" -فى الأصل- كرؤية تهدف, على وجه الخصوص, الى الحفاظ على الإمكانات الوطنية من التأثيات السلبية للعولمة (مرجع: الوطنية فى مواجهة العولمة – سلسلة إقرأ – دار المعارف- القاهرة - 1999).
إضافة الى ذلك يمكن الإشارة الى التوجه الخاص بالتقدم الأُسى كهدف وآلية لإحداث التقدم بأعلى فعالية ممكنة وبتسارع (مرجع: التقدم الأُسى-إدارة العبور من التخلف الى التقدم – كراسات مستقبلية – المكتبة الأكاديمية – القاهرة – 1997).

(ب‌) توجهات تتعلق بالإدارة:
من بين هذه التوجهات مايختص بإستخدام المعرفة فى الإدارة, وكذلك إدارة المعرفة ذاتها, وإدارة الإبداع المجتمعى (مرجع: إدارة المعرفة والإبداع المجتمعى – مكتبة الأسرة – الهيئة العامة للكتاب - القاهرة - 2006).
وبينما يمكن للتوجهات المتعلقة بالإدارة أن تتكامل مع التوجهات الفلسفية للتقدم ( كالوطننة والتقدم الأسى), فإن التمكن من الأخذ بها يدعم النجاح فى إدارة الجدليات التى يمكن أن تظهر أثناء عمليات التحول, والتى قد تأخذ أشكالا مختلفة, على غرار مايلى:
● التمييز فى مقابل التكامل (فيما يتعلق بالأفكار والخبرات والأفراد والجماعات والخلفيات ... الخ).
● الذهنيات فى مقابل السلوكيات.
● الطاعة (و/أو الإحترام) فى مقابل الرفض (و/أو الإختلاف).
● الجديد فى مقابل القديم (أو التقدمية فى مقابل المحافظة).
● التناقضات التى تنشأ عن (أو تسبب) النقص (و/أو الجهل) المعرفى.
من جانب آخر يمكن لممارسات إدارية قاصرة, مثل تدخل المسؤل (أو القائد) الأعلى "بأنفه" (أى بتوجيهات جزئية جدا) فى دقائق تفاصيل الأداءات التى على المسؤل (أو القائد) الأدنى ممارستها, أن تسبب خللا فى إنجاز الأخير و زملاءه للمهام التى يكون عليهم القيام بها, فى أى من (أو عبر) مراحل حركية المعرفة, والمشار اليها أعلاه. أحيانا يُطلق على هذا التوجه الإدارى تعبير Micro-management , والذى فى حال وجوده يسبب إنحطاطا فى در جات الحرية المناسبة للعمل, ولحركية المعرفة, مما يقود الى إفشال الأعمال, سواء كان الأمر يختص بوحدة عمل صغيرة, أو بمؤسسة كبيرة, أو – حتى – بدولة.

(ج) توجهات سياسية الطابع:
تتعلق هذه التوجهات بالعادات, والممارسات, والقيم التى يمكن أن تتداخل مع الوزن السياسى للأفراد والكيانات.
من الأمثلة التى تأتى على غرار ذلك يمكن الإشارة الى:
- إكتساب رجال الأعمال لأوزان أعلى من غيرهم نتيجة ما قد يكون لهم من علاقات وتفاعلات مع شخصيات (أو مستويات) قيادية تنتمى الى أعلى سلطات الدولة.
- حدوث تسيُد للتوجهات الصادرة عن قيادات عليا على المستويات المؤسسية أو الوطنية العامة, نتيجة عدم السماح بمناقشتها, أو بإتخاذ مواقف مختلفة معها.
وكذلك قيام بعض أصحاب الأعمال بممارسات مضادة لمصالح العاملين طرفهم, والتى تتم - أحيانا - بمساندة جهات حكومية أو أمنية, دون الإعتبار للقواعد القانونية.
- الإستيعاب السياسى الموجه لقطاعات بشرية معينة, ممن هم فى قاع المجتمع, نتيجة الفقر و الجهل ...الخ. وذلك بإستغلالهم كأدة فى إتجاهات سياسية ضارة بالشأن العام, فيما يتعلق – مثلا- بالتصويت, و التظاهر, ... وأحيانا زرع البلطجة.

رابعا- المخرجات المجتمعية الأعظم لحركية المعرفة:

من شأن التطورات الإيجابية لحركية المعرفة أن تؤدى الى مخرجات نفسية, وإجتماعية, وسياسية تكون فى حد ذاتها صانعة لسياقات حاضنة وسامحة للتقدم.
من أبز هذه المخرجات مايلى:
- رفع مستويات الثقة المتبادلة بين أفراد وكيانات المجتمع.
- زيادة مستويات اليقينية ودرجات الطمأنينة, ومن ثم تقليل القلق المجتمعى.
- تحسين فى عموم الممارسات السياسية والجماهيرية للحكومة والأحزاب والنقابات و جماعات العمل المدنى ...الخ.
- زيادة إمكانات وفرص التشاركية (من الأفراد والكيانات) فى إدارة الشأن المجتمعى على كافة المستويات.
- رفع مستويات الوعى بالمستقبليات.

ختاما, وبعد أن أشارت الأجزاء السابقة من الطرح الجارى الى توصيف لحركية المعرفة السياسية, و خصائصها, وإشكالياتها, ثم تضاريسها (فى الجزء الحالى), فإن الأعظم فى أهميتة دوما يتعلق بالعلاقة (المتفردة) لحركية المعرفة السياسية بالمستقبليات, الأمر الذى يستحق معالجة قائمة بذاتها فى الجزء التالى, ان شاء الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت