الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أينَ ذَهَبَ الغَجَر.. ؟!

يحيى علوان

2019 / 6 / 28
الادب والفن


طوبى لذاكرةٍ ما شاختْ بَعدُ !

في شِعابِ ما كان أندلُساً ، وعلى مرمىً من أضواءِ قُرطُبة ، سَهرنا عندَ أطلال " الزهراء " (1)
حملنا خبزاً وملحاً ورقائقَ من اللحم المُقدَّدِ وجبنةِ الجَبَلِ ..
دونَ أنْ ننسى " قِرَبَ " إبنةَ العِنَبِ !
.............................
سَاعَتَها لم يكن خوفنا من الماء ، فالبحر بعيدٌ ، لكن أرَقَ الموجِ حاضرٌ ..
ولا الظلام ، رُغمَ أنه كثيفاً كان .. خارجَ نِطاق الشموع ، حملناها معنا ،
قناديل السماء تَلصفُ ، مُرتَعِشَةً ..
أوقدنا ناراً زاهيةً في عَتمةِ الفضاء ..
تَتراقَصُ أشباحها على ما تبقّى من قصورِ الناصرِ ، عبد الرحمن ،
شرِبنا نخبَ غارسيا لوركا ، طِفلَ أندَلُسٍ عَشِقَها حدَّ الموت ..
نَخبَ روفائيل ألبرتي وبالثازار ونيرودا وماركيز وبورخيس ... وما لا أذكر ..!
مُتَوحّدينَ مع الطَلَلِ والليلِ ..
غفلاً عمّن يُمكِنُ أنْ يأتي ..
كنّا مُسَوَّرينَ بالعَتمَةِ وعَبَقِ التأريخ !
نَهَرنا الفِكرَةَ ، المُمكنةَ إلى رَفِّ السَهَرِ ..
كان الليلُ يُوَصوِصُ ناعماً ،
لوسيا (2) شَرَعَتْ تتَرَنَّمُ بـ"غجرية " لوركا ،
........................
من حيث لا ندري ، خَضَّنا حَضورُ غَجَرٍ باقينَ على قيدِ الحُلُمِ ،
لا نَدري من أينَ جاءوا ..
أَمنَ اليابسةِ ؟ أم من البحرِ ؟ أم هبطوا من الغيم ؟!
إلَتقَطوا الشِعرَ ، دونَ إِذنٍ !!

فيما كان الظلامُ سميكاً من حولنا ..
إشتَعَلَ الليلُ رقصاً وغناءً !!
راحوا ، بنَقْرِ كُعوبهم يستنطقونَ صخرَ المَدْرَجِ ،
رَقْصٌ أهوج العَفَويِّةِ والغِبطة ،
ولَمّا أضناهُمُ الرَقصُ ونَزيفُ العَرَقِ ،
راحوا يتسابقونَ حولَ إمرأةٍ بقُبَّعةٍ من الخوصِ ..
لکنْ حینَ آًعلَنَ کبیرهُم نهايةَ السَبقِ ، دونَ فَوزِ أحَدٍ ،
وضعَ البعضُ شِفاهه على ثقوبِ الهارمونيكا ،
قَوَّسَ آخرونَ رَشيقَ الأصابِعِ ، بأَظافِرَ مُتَّسخة على أوتارِ الگيتار ..
الأكفُّ تضبط الإيقاعَ والغناء ..
...................
...................
صَحَونا إذْ قَرَصتنا شَمسُ الأندَلُسِ ،
مُبَعثَرينَ ، مثل حاجيّاتٍ نَثَرَتها ريحٌ شَرقيَّةٌ ،
ما كانَ أحدٌ غيرنا ..
من دونِ دعوَةٍ ، حضَرَ الخَيّامُ :
[ أَنا سَكِرتُ ، وتُبدي أنتَ عربَدَةً ،
ليتَ الثُرَيَّا بِفَمِي ، هَلْ كُنتَ نَشوانا ؟!]
.................
عُدنا إلى قُرطُبَة ،
قَصَدنا حانةَ " وَلاّدة "، وسط المدينة القديمة ..
" سالوت " مَدام خوانيتا !
ــ " سالوت " !
نُريدُ فُطورَ " وَلاّدَة " ..
تعانقت مع لوسيا ، وصاحت :
ــ يا عَبدو ، إسقِهم " دَمَ المسيح " ما إستطاعوا!
نَوّعْ لهم الجبنة وما يشتهون !
لا تبخلْ مع صحبنا ، ولا تُخجِلنا أمامَ ضيوفهم !
* سَمعاً وطاعَةً ، مدام !
...................
تَحَلَّقنا حَولَ طاولةٍ عند برميلٍ هائلٍ من النبيذ ،
قَرَّبنا رؤوسنا من وَسطِ الطاولةِ ، نَهمِسُ ، مثل مُتآمرينَ ،
" أينَ ذَهَبَ الغَجَرُ ؟!!"










ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مدينة بناها الخليفة عبد الرحمن الناصر 936م – 940م لتكون مستقراً له بعيداً عن ضجّة العاصمة قُرطبة،
التي تبعد قرابة 12كم جهة الغرب. دمّرها الكاثوليك والأمازيغ ، كما فعل الرومان مع قرطاج ،
خلال حروب الطوائف ، التي أنهت الخلافة العربية في الأندلس . وبقيت آثارها مطمورة حتى أُعيد إكتشافها مطلع القرن الفائت...

(2) لوسيا شاعرة من قرطبة ولدت هناك عام 1952 ، إنضمَّت إلى مجموعة من الشاعرات يُعنين بالأرث الثقافي
– ولا سيما الشعري – الأندلسي ، وبشكل أخصّ شاعرات الأندلس.
من بين هذه المجموعة شاعرات لولا ساليناس ، كونتشا لاغوس و خوانا كاسترو ...




















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما