الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل الطوارق في إقامة دولة؟

أحمد أغ أبو اليسر
(Ahmed Ag Aboulyousri)

2019 / 6 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أعرف تمام المعرفة أن هذا السؤال هو سؤال أكبر بكثير من أن تجيب عليه مجرد تغريدة عابرة كما ينبغي، وأعرف أنه موضوع لكي يتم تناوله جيدا يجب أن يكون موضوعا لعدة أطروحات دوكتراه في العلوم الإنسانية المختلفة، لكنني أود أن أبتذل عنه إجابة بسيطة حد الاختزال والسطحية من منظور فكري محض؛ اعتمادا على ما رأيتُه بعد مطالبة الحركة الوطنية لتحرير أزواد بإقامة دولة يمكن أن نقول عنها إنها دولة طارقية، واعتمادا على ما ينتجه مثقفوها من رؤية ساذجة لتسيير هذه الدولة الناشئة لو حصلت، علما أن كل ما قرأته من مثقفي الطوارق لهم عقلية نمطية واحدة، لا تنتمي إطلاقا حتى للقرون الوسطى فضلا عن القرن الواحد والعشرين بإستثناء شخصية "الكوني" وحده، الذي لي عليه هو الآخر مآخذ عدة في تناوله لكيفية التغيير نحو العصرنة الذي يرفضه لصالح الارتماء الدائم في حضن الطبيعة، بل ويرى الذوبان والاندثار البشري في التغيير، وكأنه ينسى أن الخلايا الدماغية المتطورة، التي تقوم بإفراز الفكر الراقي، الذي يحمله هي شيء جاء رقيُّه وتطوره نتيجة تراكمات التغيير، بل ونتيجة لإحداثيات كونية شاملة، طالت الذهن البشري بأكمله بعد عمليات التطور الأولى، وما زالت تشمله وتطوره لحد الآن، وإلا فلا يمكن أن يحمله إطلاقا في زمن قريب نسبيا وهو عصور ما قبل التاريخ بقليل، فضلا عن أن يحمله في القرن الحجري السفلي، الذي يسبق ظهور الإنسان العاقل، أو ما يسمى بالنياندرتال بمئات آلاف القرون، قبل أن تقوم الطبيعة بانتخابات عدة، شملت الأنواع كلها - بحسب علماء الأحياء التطوريين، وعلماء الأركيولوجيا - لصالح بقاء الأنسب، (وليس الأقوى كما يقول الداروينيون) وعلى كل حال لنعد إلى موضوعنا: لماذا يفشل الطوارق في إقامة دولة؟
منذ أن أعلنت الحركة الوطنية الأزوادية نفسها كحركة تحريرية مطالِبة بإقامة دولة قومية في عام 2012، لم أسمع لهذه الدولة إطلاقا سوى صوتين؛ صوتُ خطابٍ سياسي، ذو بعد تاريخي مظلومي موجه للعامة، وصوت عسكري موجه للدولة المركزية (هذا عندما لا نريد الدقة)، الذي ينقصه هو الآخر عدم وجود نظام استخباراتي مستقل، ومدرب باحترافية على أداء المهام الاستخباراتية الداخلية والخارجية على حد سواء، أما الأيديولوجيا الاقتصادية المتمثلة في: (الإنتاج/ الاستهلاك / الاستيراد أو الاكتفاء بالذات مع قليل من العولمة، أو حتى عدمها) وكذلك الأيديولوجيا الاجتماعية، والمؤسساتية، والثقافية الفكرية المتمثلة في التيارات والنظريات المختلفة لهذه الدولة فلا أثر لها إطلاقا، والدولة في القرن الواحد والعشرين لا يمكن أن تقوم بدون هيكلية كاملة وشاملة يغذيها دهاء سلطوي، واجتماعي نفعي محض، ذو ركائز ودعائم قوية وثابتة أيضا (وهذا لا أثر له عندنا إطلاقا)، وإلا فلا يمكن إلا أن نقوم بالمتاجرة بصوت الشعب، وبمعاناته، أو أن نقوم في أحسن الأحوال بإعادة سيرة همج الفايكنج الذي لا يملك صوتا وجوديا سوى الصوتين المذكورين أعلاه، والمؤسف أن عصر الفايكنج يختلف وجوديا عن هذا العصر، فالفايكنج عاشوا في عصر يسود فيه الإنسان الخرافي، والغيبي، الذي يسهل استغلاله بالخطاب السياسي، أو الديني، أو البلاغي بعد إخضاعه بالقوة العسكرية، أما نحن فلا نعيش حتى في قرون الحداثة الصلبة، التي استقل منها الكثير من دول العالم، بسبب بحث الإنسان الحداثي الأول عن بناء نيرفانا مادية، بدل الخيالية التي يُهلوِس خلفها قدماء كهنة البوذيين، بل إننا نعيش في عصرِ ما بعد بعد صلابة الحداثة، أي: في عصر السيولة الحداثية، الذي تسيطر عليه الآلة السائلة بدل الإنسان الصلب، وتسيِّره الآلة السائلة بدل الإنسان الصلب، وتقرر الآلة السائلة مصيره بدل الإنسان الصلب، كما يقول زيجمونت باومان، وتسيطر عليه المعلومة بدل المعرفة، والمعرفة الممنهجة بدقة شبه آلية، بدل المعرفة ذات الإسباتات اللغوية القديمة، والمؤسسات بدل الدول، التي ليست سوى مجرد غطاء عام فقط لمؤسساتها المحترفة في التسيير الداخلي لكافة هياكل الدولة، وامتصاص مؤسسات الدول الأخرى لصالح الدخل المحلي لتلك المؤسسات، وعلينا أن نعي أن أول وأبسط ما يمكن أن يواجه أي ثورة ضعيفة وركيكة على كامل المستويات مثل الثورة الأزوادية، أو غيرها من ثورات الطوارق هو محاولة النجاة شبه المستحيلة من فخاخ شركات البنزين، وشركات الأسلحة، والشركات المصنعة للسيارات، هذا دون التفكير في مقاومة أجهزة الاستخبارات للدول المتقدمة، التي يمكن أن تتدخل في الوضع لاستغلاله، فمقاومة هذه الاستخبارات هو أمر فوق مخيالنا، ولا يمكن أيضا أن يتم إلا عبر مؤسسات فائقة القوة وعالية التطور والفعالية والكفاءة، وهي مؤسسات لا تحلم بها إفريقيا عموما فضلا عن أن نمتلكها نحن الذين لم أعرف بعد من نحن.. إذن ما الذي علينا نحن؟ قبل كل شيء علينا أن نعي العصر الذي نحن فيه، حتى لا يسير في اتجاه ونبقى نحن بلا سير وبلا اتجاه، أما الدولة هذه فلم نمتلك أدمغتها ولا بطونها أو سواعدها بعد، وهي مصير تقرره الشعوب بأدمغتها بعد أن تعي حقيقة نفسها الهشة، وحقيقة العالم، أما الساسة فلم يقرروا يوما سوى إضافة مزيد من الدهون، ومزيد من السعراة الحرارية لبطونهم المنتفخة، مع مزيد من تخدير الناس وتنويمهم باللغة العاطفية حتى لا يروا يروا بطونهم، فاستيقظوا يرحمكم الرب؛ لأن الدول لا تبنى بالخطابات السياسية والتاريخية المليئة بالبكاء على وقائع التاريخ، كما لا تبنى أيضا بالرصاص دون أدمغة قوية، وبدون مشاريع وجودية كبرى ومرنة.. الدولة تحتاج لآلاف من الهيكليات التنظيمية المختلفة.. تحتاج لألف تخطيط وألف فكرة وألف رؤية، ونحن ليس عندنا أي شيء سوى البكاء على أحداث الماضي، وهذا العالم لا يسمع أي بكاء فافهموا يا سادة..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حسابات فرنسا
عبيدس ( 2019 / 6 / 29 - 20:57 )
أستسمحك أستاذ بعد هذا الفيض الذي قدمته مشكورا ولكن عندي رأي أن الدول قامت ليس على كل ما ذكرته في مقالتك هذه بل في رأي قامت وستقوم أخراها أيضا في المستقبل على حسب أمزجة الدول الكبرى المتحكمة في مصير كل هذا العالم بل وحتى في الفضاء.فرنسا هي من هندست تقريبا مجمل خريطة افريقيا وخاصة شمالها وكانت تستطيع اعطاء الطوارق دولة لو أرادت ذلك من كان سيمنعها

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا