الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فردوس الكبار / قصة سخيفة

أحمد أغ أبو اليسر
(Ahmed Ag Aboulyousri)

2019 / 6 / 29
الادب والفن


الجد المنعزل في الخارج منذ سنوات مجهولة، وحده هو الذي يشاهد يوميا دخان اللحوم المشوية في جمر الذهب وبعر الفضة وهو يفور ويتصاعد كثيفا نحو السماء، فيرتطم بسقف البيت الطيني الذي يقزم تصاعده ويجبره على الانكسار قبل أن ينتشر في أركان غرفة مولاة الجميع "تَامنَايْتْ" داخل الدار المعظمة، التي غطى امتدادُ بنائها ألف متر مربع، وسط سهل فسيح لا يحده شيء من كل الجهات سوى السديم والظلام..
ضغطت تامنايت على نجم متدلّ في الجدار الكروي للبيت فانطفأ ضوء القمر المعلق في السقف، واختفت معه النجوم التي تلمع بجانبه كحبات جواهر وضيئة، فغرق البيت في الظلام، ثم بدأت تمروح نارا فظيعة في غرفتها المحجوبة عن المنتظرين فيما يشبه الصالة، وكان البيت مع كل اتساعه الكبير مخططا لصالة واحدة مخصصة للزوار، وثلاث غرف، إحداها مطلية بضوء القمر داخليا، والثانية بضوء النجم، والثالثة بلهب النار، وموزَّعة على أفراد العائلة، التي تنقسم بدورها إلى: آباء، وأبناء، وخدم، موزعين على الغرف الثلاث، الغير المتساوية لا في جمال الفرش، ولا في الاتساع..
من داخل الغرفة الكبرى التي تنبعث منها روائح دخان اللحوم المشوية امتدت ولولة رضيع في المهد للحاضرين في الصالة:
-- إنها تنفي الموتى، وتأكل لحم الأطفال والخدم..!
بغموض تفوّه الشيخ الجليل، ذو اللحية الرديئة الموقرة، الذي يجلس القرفصاء وسط الظلام في الزاوية الغربية من الصالة قرب صندوق القرابين:
-- بحق شيبي الناصع، وبحق هراوتي القديمة أبعدوه عن البَرَكة..
لم يقطع صوت الشيخ سوى خرخرة الكلب الثمين الشرس الذي يحرس البيت بصرامة، وهو جاثٍ على أظافره الأمامية على أهبة الاستعداد للقفز لأي حركة مريبة أحس بها وسط الظلام، مقابل العظام التي تُرمى له يوميا ليقوى بها على الحراسة.. على الحراسة فقط،، لكن خرخرته لم تحجب الصراخ الهيستيري للرضيع الذي يرش شرر النار بولا نحو السماء من شدة الرعب بعد أن عاد مجددا للاستنجاد ونوبات البكاء تقطع صوته:
-- إنها تمص لساني لتبلع من خلاله دماغي.. أنقذوني..! أنقذوني..!
انتصب اللبن في أثداء الأم التي بدأ الشيخ يتحرش بها وسط الظلام، فقفزت من تحت فخذه هلوعة لإنجاد رضيعها، لكن الكلب الشره مكن مخاليبه في ساقها اليمنى فارتطمت بالجدار الكروي للبيت واللبن يسيل من نهديها المترهلين، وهي تحاول النجاة من أنياب الكلب، ومن أصابع الشيخ المرتعشة التي بدأت تلامس بطنها بسفالة، فارتطمت جمجمتها بنجمين لا ضوء لهما معلَّقيْن على الجدار فعاد ضوء القمر للبيت، مع غياب تام للصراخ، وللكلب، وللشيخ، ولها هي الأخرى، فبقي البيت الفارغ يغرق في السديم وفي لبن الأم.!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-