الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة العشرين .. منتدى اقتصادي أم محفل للعلاقات العامة ؟

رضي السماك

2019 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية




بإختتام قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية وصدور قراراتها التقليدية في أواخر يونيو / حزيران الماضي كان الحدث الغائب عن محيطها الخارجي بالقرب من مكان انعقادها يتمثل في الاحتجاجات الشبابية الشعبية القوية ضد أقطاب القمة والذي يحظى باهتمام وسائل الإعلام العالمية بنفس قدر اهتمامها تقريباً بحدث القمة ، وأقطاب القمة المقصودون هنا هم على وجه الخصوص قادة الدول الرأسمالية الكبرى باعتبارهم المؤثرين الفعليين في القمة ، وعلى رأسها الولايات المتحدة لما لسياساتها من دور محوري في سياسات العولمة وانعكاساتها السلبية على شعوب العالم ، وكذلك تلويث البيئة الكونية والتغير المناخي ، والبطالة ، والعنصرية وغيرها من القضايا والأزمات المتعددة التي تحمل بصمات جرائم الرأسمالية العالمية و التي تؤثر في حياة واستقرار وأمن ورفاهية شعوب العالم ، بمن فيها شعوب الدول الرأسمالية نفسها .
ومع أن قطاعاً كبيراً من المشاركين في هذه الاحتجاجات يأتون من خلفية منابت فكرية وثقافية متعددة ، وبخاصة مجاميع مُنظَمة تمثل اليسار أو قريبة منه ، ومنظمات الخٌضر أو المدافعة عن البيئة ، واخرى تمثل مؤسسات المجتمع المدني ، ولا سيما النقابات العمالية والمهنية المختلفة ، وبالنظر أيضاً إلى أن أعمال العنف تتخلل تلك المسيرات السلمية وأماكن تجمعاتها في كثير من الأحيان ، فإن ذلك يٌحمّل الدولة المُضيفة أعباءً ومسؤوليات جمة في منتهى الخطورة بغية ليس تأمين وحماية مكان انعقاد القمة التي يحاول المحتجون الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة منه ، بل وأمن قادتها لا سيما قادة تلك الدول الكبرى المشاركين فيها . وفي قمة العشرين الأخيرة التي عُقدت قبل أيام نشرت اليابان 32 ألف شرطي ، وأغلقت 700 مدرسة ، وبدّلت مواعيد حركة القطارات والحافلات ، هذا غير إيعازها للكثير من المحلات التجارية والشركات للإغلاق الطوعي . كما يأتي اختيار الحكومة اليابانية أوساكا مكاناً لعقد القمة ليس بعيداً عن تلك الاحترازات والتحوطات الأمنية القصوى ، بل ولما توفره هذه المدينة أيضاً من بيئة آمنة أكثر مؤاتاة من العاصمة طوكيو ، ومن هنا فقد نجحت اليابان أيما نجاح في خططها وتدابيرها الأمنية .
لكن هل يعود هذا النجاح إلى مكان انعقاد القمة الذي وُفقت الدولة المضيفة في اختياره فضلاً عن الاجراءات الأمنية المتخذة المتقدم ذكرها ؟ في تقديرنا ثمة أسباب ذاتية وموضوعية متشابكة ساهمت أيضاً بدورها في النجاح الأمني المحرز ، ويأتي على رأس الاسباب الذاتية ضعف اهتمام -على ما يبدو - المنظمات والمجاميع الشبابية في اليابان بالقضايا العالمية الراهنة المشتركة قياساً بقوة هذا الاهتمام نفسه من قِبل الجهات الشعبية والاهلية السالفة الذكر في الدول التي سبق أن عُقدت القمة فيها ، لا سيما الدول الغربية . أكثر من ذلك فإن الموقع الجغرافي الفريد من نوعه للبلاد كجزر معزولة في أقاصي شرقي آسيا ساهم بدوره في منع وصول أي محتجين من خارج اليابان في ظل غياب احتجاجات أهل البلد ، اللهم مظاهر محدودة منها ، على عكس ما حدث في قمم سابقة لاسيما تلك التي عُقدت في دول ديمقراطية غربية . فإذا ما صحت كل هذه العوامل ، وبخاصة تدني دور قوى اليسار ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية بتلك القضايا العالمية المشتركة التي تتسبب فيها - كما أسلفنا - الرأسمالية العالمية والتي تُعد اليابان أحد مراكزها الرئيسية الثلاث بعد امريكا واوروبا والتي يُعد الشعب الياباني أو قطاعات مهمة منه ليس بمنأى عن التأثر بها ، فإن كل ذلك لمدعاة لإخضاع هذه الظاهرة إلى تحليلات ودراسات معمقة عن أسباب عزوف تلك القوى والمنظمات في هذه الدولة الرأسمالية دون نظرائها من الدول الاخرى بهذه الصفة السلبية .
وفي ظل الإضطراب السياسيي الكبير الذي يشهده العالم منذ أوائل الألفية والذي وصلت - كما نعلم - ذرره في السنوات القليلة الماضية ، وبخاصة في المناطق الساخنة التي تشكل بؤر التوتر العالمية الراهنة والتي تُعد منطقتنا العربية أكثرها خطورةً ، لما تلعبه الولايات المتحدة من دور محوري أساسي في تأجيج أوضاعها منذ تولي رئيسها الحالي دونالد ترامب الرئاسة ، فإن التناقضات في المصالح التجارية والاقتصادية المتعددة بين أعضاء القمة ، سواء فيما بين روسيا والصين من جهة بين أمريكا وحلفائها الغربيين من جهة اخرى ، أو بين هذه الأخيرة مجتمعةً وبين الدول الاخرى داخل القمة ، فإن تلك التناقضات كثيراً ما تنعكس على الحصاد الهزيل المرتجى من نتائجها المعبّر عنها في بياناتها الختامية ومن ثم يقلل من فرص وضع مبادئها وأهدافها موضع التنفيذ والتي من أجلها تم تأسيس هذا المنتدى الاقتصادي العالمي ؛ ومن هذه الاهداف على سبيل المثال : تطوير الاقتصاد العالمي وتعزيز نموه واستقراره ، وإصلاح المنظمات المالية الدولية ، وتحسين النظام المالي العالمي وتعزيز الرقابة عليه ، وتنظيم أسواق المال العالمية ، وتطوير فرص العمل ، وتفعيل التجارة المنفتحة ، وتعزيز التنمية في مناطق مختلفة من العالم .
وباستثناء المبدأ / الهدف المتعلق بتطوير فرص العمل ،على ما في نصه من هلامية ، علاوة على انعدام أي جدية لتطبيقه ، فأن سائر الشعارات الاخرى تكاد تكون فضفاضة لم تترجم إلى أي نتائج ملموسة فوق الأرض منذ تأسيس القمة أواخر تسعينيات القرن الماضي ، ناهيك عما تنفرد به امريكا حالياً من ممارسات ونزعات نحو الهيمنة الكوتية لا سابق لها في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة وربما في تاريخ الولايات المتحدة نفسها أيضاً ، وذلك كما يتمثل في فرض هيمنتها على التجارة العالمية الحرة وتقييدها لمصالحها ، وانتهاك مبادئها وقوانينها الدولية من خلال الاجراءات الحمائية بطريقة موغلة في التعسف بما يُعرّض المصالح التجارية للدول الكبرى الرأسمالية ، ومن ضمنها اليابان الدولة المضيفة نفسها للخطر ، فضلاً عن روسيا المدرجة ضمن لائحة العقوبات الامريكية على خلفية تضارب مواقف ومصالح الدولتين من الأزمة السياسية الداخلية الاوكرانية ، وكذلك فرض العقوبات الاقتصادية غير المشروعة على بعض دول العالم الثالث التي لا تروق لها سياستها - كفنزويلا وإيران - حيث وضعت نفسها وصية على شعبيهما لتبرير هذه العقوبات لصالحهما من خلال تأديب نظاميهما الدكتاتوريين على حد زعمها . وهي إلى ذلك لم تكتفِ بالانسحاب من اتفاقية دولية متعددة الاطراف لتسوية ملف الثانية النووي ، بل وتهديدها بتأديب كل من لا يؤتمر بأوامرها في السير على خطى عقوباتها وفق مصالحها السياسية الاقتصادية الضيقة دون أدنى اعتبار لوجود منظمة دولية تتمتع الولايات المتحدة نفسها بالعضوية فيها وتحتضن مقرها ( الامم المتحدة) ، ودون اعتبار كذلك لحلفائها الاوروبيين المضطرين للخضوع أو ممالئة سياساتها وعلى الأخص بريطانيا . ومن ثم فإن انتهاج سياسة متشددة ومتقلبة رعناء كهذه هذه إنما تهدد وتقوّض أسس السلم العالمي والذي بدونه يستحيل الحديث عن أي تنمية أو رخاء اقتصادي وفق أي معايير دولية لنجاح خطط التعاون الاقتصادي بين مختلف دول العالم وتحقيق مستويات معقولة من التنمية الإقتصادية ورفاه الشعوب في الدول النامية .
وهكذا فلا غرابة إذن إذا ما جاء جاء بيان القمة الأخيرة هزيلا في التوافق على أهم القضايا الحيوية الآنية التي وُضعت على أجندة أعمالها ، ومن ذلك على سبيل المثال مسألة الحمائية التجارية التي توظفها واشنطن في حروبها التجارية ضد منافسيها التجاريين وعلى رأسهم الصين ، حيث نجحت ضغوطها في تفادي البيان حتى مجرد الإلتماس بنبذ هذا السلاح أو عدم التعسف في استخدامه ولو دون الإشارة إليها بالإسم . وفيما يتعلق بالمناخ فمع أن البيان أكّد على التمسك باتفاقية باريس لكنه لم يشر ، ولو غمزاً على الأقل ، لخطورة انسحاب واشنطن منها إرضاءً لخاطر السيد الامريكي داخل القمة وتجنباً من عواقب تهديداته . إلى ذلك فقط اعترف البيان الختامي بأن النمو الاقتصاد العالمي العالمي لا يزال ضعيفاً ، وأن الاحتمالات تتجه للأسوأ مع تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية .
وهكذا فإن بيانات قمة العشرين أضحت تتشابه في هزالتها وانشائيتها إلى حد كبير مع بيانات القمم العربية ، بحيث لا تستحق ما يُصرف عليها من نفقات مالية تحضيرية مشتركة ، بعدما أثبتت التجربة خلال القمم القليلة الماضية بأن حصادها ضئيل للغاية وأن تنفيذ قراراتها أو توصياتها غالباً ما يظل مجرد حبر على ورق . والحال فإنه في ضوء غياب الحدث الموازي للقمة ( الاحتجاجات ضد الرأسمالية )، وصدور بيان هزيل فإن قمة العشرين باتت - كما تجلى ذلك بسفور صارخ في قمة أوساكا - تٌستغل كمحفل دولي للعلاقات العامة ، لتلتقاط الصور التذكارية لأقطاب القمة ، أو صور على صعيد العلاقات الثنائية لأعضائها ، كما باتت القمة تُتخذ من قِبل بعض قادة الدول وسيلةً لتسول اللقاءات الجانبية على هامش القمة ، و تُوظف أيضاً لخروج بعض قادتها الدكتاتوريين بمنطقتنا العربية من عزلتهم الدولية بمباركة حلفائهم الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وذلك للإستمتاع بشيء من الأضواء الإعلامية الخاطفة ، لعل ذلك يكون بوابة لكسر االعزلة بشكل نهائي وتناسي المجتمع الدولي جرائمهم بحق الإنسان . وكذا فإنها تُوظف أيضاً لعقد اللقاءات الثتائية بين بعض أقطابها الكبار لعقد مصالحات طارئة على سبيل جس النبض والاختبار المتبادل ( أمريكا وروسيا نموذجاً ) . أما الفائدة الثانية فهي تخص تحديداً القوى المناهضة للرأسمالية والعولمة ، لما تمثله القمة من فرصة سنوية لخطف أنظار وسائل الإعلام العالمية لتقوية وتطوير الاحتجاجات وتكثيف الضغوط ضد سياسات الرأسمالية على الصعيدين الإقتصادي والبيئي كافة . وفيما فيما يتعلق بهذا الصعيد الثاني والمعني به قضايا التغير المناخي وتلوث البيئة ، فكلها قضايا مهمة بالغة الحيوية لما لها من صلة بمستقبل الحياة البشرية على الأرض والذي تقابله الولايات المتحدة عادةً - للحفاظ على مصالحها الاستثمارية الانانية الضيقة - باستخفاف بالغ يتناقض و كونها أكثر دول العالم تقدماً في العلم والتكنولوجيا ومن ثم فإنها يُفترض يُفترض الأكثر وعياً وإحاطةً علميةً بمآلاتها وتبعاتها الخطيرة على سكان كوكبنا ، بل ومجمل الحياة الفطرية فيه إذا ما تُركت دون معالجة بأدنى الحلول الممكنة وقد تجلى هذا الاستخفاف بوجه خاص بعد انسحابها من اتفاق باريس للمناخ عام 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد