الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مداخلة حول كتاب - رأس المال لماركس

خليل اندراوس

2019 / 7 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



كتاب رأس المال لماركس، بشكل مواصلة لكتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي المنشور عام 1859. مضمون الكتاب المبكر المشار اليه آنفا ورد بصورة ملخصة في الفصل الاول من المجلد الاول لكتاب رأس المال، وكتاب رأس المال يمثل عماد الاقتصاد السياسي الماركسي انجزه كارل ماركس عام 1867، لكن المجلد التاسع منه فقد جمعه وأتمه فريدريك انجلز. يقول ماركس في مقدمة الطبعة الاولى "ان البداية، كل بداية صعبة دائما وهذه الحقيقة تصدق على كل علم من العلوم وفي حالتنا هذه تتمثل اكبر الصعوبات في فهم الفصل الاول لا سيما ذلك البند الذي يتضمن تحليل البضاعة، اما ما يتعلق خاصة بتحليل ماهية القيمة ومقدار القيمة فقد جعلته مبسطا قدر الامكان، ان شكل القيمة الذي يحصل على صورته النهائية في الشكل النقدي هو اولي وبسيط جدا، ومع ذلك حاول العقل البشري عبثا ان يدركه في سياق اكثر من 2000 سنة، بينما افلح من جهة اخرى ولو بصورة تقريبية على الاقل، في تحليل اشكال اغنى مضمونا واكثر تعقيدا، فلماذا؟ ذلك لأن دراسة الجسم المتطور اسهل من دراسة خلية هذا الجسم، زد على ذلك انه لا يمكن لدى تحليل الاشكال الاقتصادية استخدام المجهر او الكواشف الكيماوية. بل يجب على قوة التجريد ان تحل محل هذا وتلك، ولكن الشكل البضاعي لناتج العمل او شكل قيمة البضاعة هو شكل الخلية الاقتصادية للمجتمع البرجوازي ويبدو تحليل هذا الشكل بالنسبة لغير المطلع مجرد تفلسف بصدد دقائق الامور، وانها لدقائق بالفعل لكنها دقائق من شاكلة تلك التي يتعامل بها التشريح المجهري مثلا وباستثناء البند المتعلق بشكل القيمة لن يكون هذا الكتاب صعبا على الفهم. وبالطبع فأنا اقصد اولئك القراء الذين يرغبون بتعلم شيء جديد ما، وبالتالي يرغبون بالتفكير بصورة مستقلة.

من هذا المنطلق يقول كاتب هذه السطور بانه واجب على كل من يرغب بالتفكير المستقل وخاصة الجيل الناشئ والمنتمي للطبقة العاملة ولاحزاب اليسار وخاصة الاحزاب الشيوعية ان يقرأ كتاب "رأس المال" ويتسلح بفهمه ويسعى الى ممارسات الافكار المطروحة في هذا الكتاب بشكل جدلي في عصرنا الحالي العصر الامبريالي، اعلى مرحلة لتطور الرأسمالية. فكتاب رأس المال كتاب عبقري، عمل ماركس على وضعه في غضون اربعة عقود منذ مطلع الاربعينيات من القرن الثامن عشر وحتى آخر ايام حياته. وكما كتب لينين" "اذ ايقن ماركس ان النظام الاقتصادي هو الاساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي فقد اعار جل اهتمامه لدراسة هذا النظام الاقتصادي". ومن الجدير ذكره ان ماركس شرع بدراسة الاقتصاد السياسي بانتظام منذ عام 1843 في باريس. وبدراسته للكتب والمراجع الاقتصادية وضع نصب عينيه هدفا هو كتابة مؤلف كبير يتضمن نقد النظام القائم والاقتصاد السياسي البرجوازي وانعكست ابحاثه الاولى في هذا المجال في المؤلفات التالية: "المخطوطات الاقتصادية الفلسفية لعام 1844 و"الايديولوجيا الالمانية" و"بؤس الفلسفة" و"العمل المأجور ورأس المال" و"بيان الحزب الشيوعي" وغيرها.

لا شك بان كتاب رأس المال يعتبر من اهم الاعمال الفكرية التي صدرت في القرن التاسع عشر ولكنه ايضا يعتبر واحدا من الكتب التي لم تقرأ بشكل جيد، وهناك من يتعامل مع هذا المؤلف الذي يعتبر عماد الاقتصاد السياسي الماركسي بصفة لاهوتية، فحولته الى نص مقدس في حين يجب التعامل مع هذا المؤلف كفكر جدلي ثوري يجب دراسته وفهمه وممارسته على ارض الواقع في عصرنا الحالي.



وقد كشف النقاب في هذه المؤلفات عن اسس الاستغلال الرأسمالي والتضاد الذي لا يعرف المهادنة بين مصالح الرأسماليين والعمال المأجورين والطابع التناحري لكافة العلاقات الاقتصادية للرأسمالية، بعد انقطاع لفترة معينة بسبب الحوادث العاصفة لثورة عامي 1848 و1849 لم يتمكن ماركس من مواصلة ابحاثه الاقتصادية سوى في لندن التي اضطر للهجرة اليها في آب عام 1849 ودرس في لندن بكل عمق وشمول تاريخ الاقتصاد الوطني واقتصاد مختلف البلدان المعاصر له، ولا سيما انجلترا التي كانت آنذاك البلد الكلاسيكي للرأسمالية. واهتم في تلك الفترة بتاريخ الملكية العقارية ونظرية الريع العقاري وتاريخ ونظرية التداول النقدي والاسعار والازمات الاقتصادية وتاريخ التكنيك والتكنولوجيا ومسائل الهندسة الزراعية والكيمياء الزراعية. وهنا لا بد ان نؤكد بان عمل ماركس جرى في ظروف فائقة الصعوبة فكان عليه ان يخوض صراعا دائما ضد الفاقة وان ينقطع عن ابحاثه في كثير من الاحيان بغية كسب الرزق. ولم يذهب بلا اثر توتر القوى على مدى حقبة طويلة من الزمن في ظروف الحرمانات المادية حيث ألم بماركس مرض عضال الا انه على الرغم من ذلك تمكن نحو عام 1857 من انجاز عمل تمهيدي ضخم اتاح له ان يباشر المرحلة الختامية من البحث وهي ترتيب وتعميم المواد التي جمعها.

صدر المجلد الاول من "رأس المال" في ايلول عام 1867 وواصل ماركس بعد صدور المجلد الاول من "رأس المال" العمل على المجلدات التالية معتزما انجاز المؤلف بكامله خلال فترة قريبة الا انه لم يتمكن من ذلك حيث استغرق نشاطه المتعدد الجوانب وقتا كثيرا في المجلس العام للاممية الاولى، وغالبا ما كان يضطر للانقطاع عن العمل بسبب تردي الصحة. اما المجلدان التاليان من "رأس المال" فقد اعدهما للنشر واصدرهما انجلز عقب وفاة ماركس: المجلد الثاني في عام 1885 والمجلد الثالث في عام 1894 وبذلك اسهم انجلز بقسط لا يثمن في كنز الشيوعية العلمية. كتب ماركس في مقدمة الطبعة الاولى لكتاب رأس المال يقول: "ان موضوع دراستي في هذا الكتاب هو الاسلوب الرأسمالي للانتاج وما يناسبه من علاقات الانتاج والتبادل، ولا تزال انجلترا حتى الآن البلد الكلاسيكي لاسلوب الانتاج هذا، وذلك هو السبب في انها تشكل المصدر الرئيسي لشرح استنتاجاتي النظرية، ولكن اذا راح القارئ الالماني يهز كتفيه على طريقة الفريسيين بصدد الظروف المحيطة بالعمال الصناعيين والزراعيين الانجليز، او انه تخطر على باله تهدئة نفسه بصورة متفائلة بان الامور في المانيا ليست سيئة الى هذا الحد فسأضطر لأن اقول له DE TA FABULA NARRATUR! (أليست هذه قصتك أنت) (كلمات من هجائيات هوراسيوس الكتاب الاول الهجائية). ويضيف ماركس ويقول: "فبلد اكثر تطورا من الناحية الصناعية لا يُظهر لبلد اقل تطورا منه سوى لوحة مستقبله هو" والقصد في هذا الطرح بان وضع العامل الانجليزي الذي كان يعاني من استغلال رأس المال من الاسلوب الرأسمالي للانتاج وما يناسبه من علاقات الانتاج والتبادل هو اللوحة المستقبلية للطبقة العاملة وللعامل في المانيا، ونضيف هو اللوحة المستقبلية للطبقة العاملة في كل دول رأس المال.

لا شك بان كتاب رأس المال يعتبر من اهم الاعمال الفكرية التي صدرت في القرن التاسع عشر ولكنه ايضا يعتبر واحدا من الكتب التي لم تقرأ بشكل جيد، وهناك من يتعامل مع هذا المؤلف الذي يعتبر عماد الاقتصاد السياسي الماركسي بصفة لاهوتية، فحولته الى نص مقدس في حين يجب التعامل مع هذا المؤلف كفكر جدلي ثوري يجب دراسته وفهمه وممارسته على ارض الواقع في عصرنا الحالي. في المجلد الاول يعرض فيه ماركس نظريته حول فائض قيمة العمل ويأتي كتاب رأس المال من خلال دراسة الاقتصاد السياسي بمنطق جدلي حيث ان دراسة الاقتصاد من خلال قوانين الجدل (الديالكتيك) تعطيه ارتباطا وثيقا بالفلسفة الماركسية، ومن خلال فلسفته عبر قوانين الجدل يقوم ماركس باعادة تعريف الاقتصاد بتفاصيله من السلع وقوانين العرض والطلب من ناحية ليكون ركنا في الاقتصاد وعرضا للتطور التاريخي للاقتصاد وتطور العلاقات الاقتصادية عبر التاريخ ليكون اساسا في الاقتصاد السياسي من ناحية اخرى، ويكتب ماركس في مقدمة الطبعة الاولى لرأس المال ويقول:

"وأنا انظر الى تطور التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية كما الى عملية تاريخية طبيعية ولذلك فمن وجهة نظري يمكن الى درجة اقل من اية وجهة نظر اخرى اعتبار الفرد مسؤولا عن تلك الظروف التي يبقى هو نفسه ناتجا لها من حيث المغزى الاجتماعي مهما ارتفع فوقها ذاتيا". ويضيف ماركس في مقدمة الطبعة الاولى لكتاب رأس المال ويقول: "ان البحث العلمي الحر في مجال الاقتصاد السياسي لا يواجه فقط اولئك الاعداء الذين يواجههم في المجالات الاخرى، فالطابع المتميز للمادة التي يدرسها الاقتصاد السياسي يستدعي الى حلبة الصراع ضد البحث العلمي الحر اهواء النفس البشرية الاشد ضراوة وخسة وشناعة – أي ضواري المصلحة الخاصة، وهذا ما تفعله طبقة رأس المال في عصرنا الحالي من خلال منظريها ومؤيديها وخدمتها هؤلاء ضواري المصلحة الخاصة بشتى الطرق الخسيسة والشنيعة محاولين تهميش الفكر الجدلي الثوري الماركسي تهميش الاقتصاد السياسي الماركسي. ولكن التطورات الجارية في المجتمع الرأسمالي في عصرنا الحالي تُظهر بان الطبقات السائدة طبقة رأس المال نفسها بدأت تشهد وتعاني من تطورات وأزمات متكررة جعلتهم يشعرون "بان المجتمع الراهن ليس بلورا صلبا بل عضوية قابلة للتحولات وهو في عملية تحول مستمرة" (مقدمة الطبعة الاولى لكتاب رأس المال). في المجلد الاول لكتاب رأس المال يقدم ماركس مدخله الى الاقتصاد السياسي الذي عرف لاحقا بالاقتصاد السياسي الماركسي ويعرض فيه نظريته الشهيرة حول فائض قيمة العمل، ويعتبر المجلد الثالث من كتاب رأس المال الاكثر شهرة حيث يعرض تفاصيل تناقض الرأسمالية.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين


.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب




.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا