الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا السلام الشامل

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2019 / 7 / 6
الارهاب, الحرب والسلام



دعونا نتحدث بكل شفافية حول الإتفاق الذي تم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بعد مفاوضات الليالي، وهنا نخصص الحديث عن قضايا الحرب والسلام بشكل أساسي فهي تشغل كل شعب السودان، والسلام والديمقراطية والعدالة تعتبر قضايا مهمة جدا لا تنفصل عن بعضها البعض، فلا يمكن إستمرار الديمقراطية بدون سلام حقيقي يعالج تشوهات السودان الذي حكمه الطغاة الإقصائيين لعشرات السنين، فلو ألقينا نظرة حول إتفاقيات السلام التي تم توقيعها طوال السنوات الماضية في السودان نجدها بكل صراحة تمثل عمليا عملية ترقيع لجلباب قديم ولدينا تحفظ واضح في إتفاقيات كهذه خاصة والمجلس العسكري أعضائه عاصروا النظام المباد بل هم كانوا جزء منه فكوا إرتباطهم به لأسباب معلومة، وتاريخيا السلام لم يتحقق مع ثورة اكتوبر ولا مع ثورة ابريل لأنه لم يربط بالديمقراطية في الأساس بل تم التعامل مع هذه القضية باعتبارها مسألة فرعية منفصلة او ملحق يتم بموجبه تجميل المنابر السياسية بخطب الحماسة وتذهب الأوراق في مهب الرياح دون أن تحقق سلام يذكر لذلك فشل التحول الديمقراطي.

نعم تم الإتفاق، هذا حدث وهو جيد، وإحتفل السودانيين الذين عاشوا شهورا مريرة جدا تحت الرصاص ولا نعارض ذلك، لكن نذكر بملايين الناس في مناطق الحرب عاشوا عشرات السنين تحت قصف الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدافع وبراميل متفجرة وكانت إبادات جماعية لا تحصى ولا تعد، هؤلاء الناس شاركوا كلهم باخلاص في الثورة مدافعين بقوة عن وطنهم وحالمين بالسلام والطعام والكرامة الإنسانية وهذه حقوق لا يمكن التنازل عنها مهما حدث، وقضية السلام لا تنفصل البتة عن قضية الديمقراطية، ويمكننا القول أن السلام والديمقراطية هما أقوى وأمتن أعمدة لتثبيت بنيان دولة المواطنة بلا تمييز.

من الواضح أن تباين الأراء أخذ مجراه في الساحة السودانية وطفح اليوم بشكل أوضح من الماضي علي سطح المشهد السياسي وكنا نتابع ونلاحظ ذلك منذ عودة المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلي التفاوض، فكل قوى الكفاح الثوري المسلح أبدت للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي ملاحظاتها حول عملية التفاوض وربط السلام بالديمقراطية والخروج بالوطن نهائيا من دوائر الحرب والدكتاتورية، وبعد الإتفاق تجدد الحديث مرة آخرى بلغات عالية جدا حول السلام والديمقراطية ومخاطر الحل السياسي الجزئي الذي لا يضع الحل الإنساني والسلام كأولوية، وهنا لا بد أن ندرك حجم الكارثة التي ستقع إذا تم الفصل بين قضية السلام الشامل والعادل وقضية التحول المدني الديمقراطي، فالثورات السابقة تمكنت من إسقاط الأنظمة الدكتاتورية بيد أن القهر والفقر والتهميش ظل قائم حتى تحرك إعصار الثورات المضادة وإنقضت علي الحكومات شبه الديمقراطية ضعيفة الروئ والتكوين، ودخلت البلاد بعدها في سلسلة من النكسات والنكبات حتى ختمت بسطوة وسيطرة النظام الإنقاذي الإسلاموعسكري علي البلاد كأخر حكم دكتاتوري، فاذا لم تكن تلك التجارب المأساوية حاضرة في تقيم وتحليل الوضع السوداني فالتاريخ سيكرر ذات النسخ المشوهة، وحاليا لا يمكن رهن السودان للمجهول الذي لا نعرف مداه ولا سقف له، ولا يمكن القبول بارتداد الثورة وضياع فرصة لبناء دولة السودان الجديد الموحد بمخاطبة جزور المشكلات ووضع حلول شاملة تضمن حقوق وحريات كافة السودانيين، فنظام الفساد والإستبداد ترك تركته الثقيلة التي تستوجب التحلي بروح المسؤلية من الجميع لحمل وزر التصدي لها بحل شامل يراعي كافة الحقوق الوطنية والإنسانية.

إننا ندخل اليوم في تاريخ جديد كتبه جيل من الشباب والشابات بنضال كبير وعظيم دام لسنوات في ميادين الكفاح السلمي والمسلح، هذا التاريخ يجب أن ينقل السودان إلي مرحلة جديدة من السلام والعدل والديمقراطية، والشهداء والجرحى والمشردين في شتى بقاع العالم ما زال حلمهم تحقيق السلام وبناء دولة ديمقراطية لكل الأجيال القادمة بحيث لا يكون القتل والتشريد فيها بطاقات توزع علي الناس من قبل الحكام، وهذه الدولة لا يمكن الوصول إليها إلا باتباع الطريق الصحيح الواضح وهو ترجمة شعار الثورة "حرية سلام وعدالة" علي أرض الواقع، فالحرية لا تكتمل دون تحقيق العدالة والسلام لا يأتي إلا بالقضاء علي مسببات الحرب، وتغييب واحدة من هذه العناصر يجعل التغيير ناقص، ونحن نستشرف عهد جديد يجب أن نضع فيه كل مشكلات السودان علي طاولة حوار شامل لحل كامل، فقد أثبتت التجارب وشواهد التاريخ انه لا ينفع أبدا تجنيب القضايا او حلها بالترقيع ولا يبقى مكياج السياسة طويلا وسط زخات مطر الحقيقة الملموسة، فما ينتظر القوى الوطنية الديمقراطية يتمثل في جعل قضايا السلام والعدالة والترتيبات الأمنية والديمقراطية والحقوق والحريات والمواطنة في موضع أولويات المرحلة الإنتقالية القادمة، وهنالك ضرورة ملحة لفتح حوار شفيف وصريح وبناء بين القوى السياسية السلمية والقوى السياسية المسلحة وتنسيق كيفية إصلاح وتصحيح مسارات الثورة وهيكلة قوى الحرية والتغيير ومناقشة كل القضايا المصيرية المرتبطة عضويا بمستقبل الدولة السودانية، وكل هذا يتطلب خطاب جديد بحس وطني عالي، فالجميع شركاء في الثورة وكفاح التغيير، والوطن يسع الجميع.

سعد محمد عبدالله
6 يوليو - 2019م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل