الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطور من تاريخ التكبير

ربيع نعيم مهدي

2019 / 7 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الله أكبر شعار رفعته حناجر المتأسلمين أو السلفيين الجدد في كل عملية او خطوة يسيرون بها على طريق نشاطهم المسلح، وقد يظن البعض ان الشعار هو من باب التأسي بصاحب الرسالة والمسلمين الاوائل، لكن الحقيقة شيء آخر، اذ بإمكان المتتبع لصفحات التاريخ أن يجد إن السيف الذي حكم العالم الاسلامي قد استند على خطاب العمامة، وبالرغم من زوال اغلب الامارات التي حكمت بالسيف باسم المقدس واستبدالها بأنظمة اشتراكية وقومية إلا ان خطاب العمامة لم ينته، فلا زال فقه الجهاد وأخبار الفتوحات يتصدران احاديث بعض المنابر، ولم يشهد هذا الخطاب تغييرات تذكر إلا في مطلع خمسينيات القرن الماضي على يد سيد قطب وحسن البنا ليبدأ الترويج لفكر متشدد يستند على مفردة التمسك بمبادئ الاسلام كأسلوب للحياة، هذا الفكر الذي حمل اسم جماعة الاخوان المسلمين امتزج ببعض الافكار السلفية التي قدمت من فكر ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم ، لكن أحلام الاخوان لا تصلح للتطبيق على ارض الواقع، حيث ان قادة الجماعة الاوائل كانوا مدركين للغاية من التسهيلات والدعم الذي قدم لهم لمحاربة المد الشيوعي في المنطقة، لذلك سرعان ما فتحت الجماعة خطوط المواجهة مع السلطة، وبالتدريج عمل الاخوان على استنساخ تجربتهم في مصر وتطبيقها على ارض بعض الدول، حيث كان لها مد وجزر في الصراع السياسي الذي طغى على المنطقة، والغريب ان التنظيمات المتفرعة عن الاخوان تبنت اساليب الحشاشين في تنفيذ الاعمال المسلحة (الحشاشين هم الجناح العسكري للشيعة الاسماعيلية في الماضي).
ان اغلب التنظيمات التي تبنت مفردة التكبير منذ تأسيسها نجحت في البقاء، من خلال التأقلم والتكيف مع القوى التي أثرت على مسارها سواء أكانت هذه القوى داعمة او محاربة لوجودها، فمن يراجع طبيعة الخطابات العقائدية يجد مساحة من المرونة في التعاطي مع الواقع، فدائما هناك من يصلح ان يكون عدوا يجب قتاله، وموروث فقهي جاهز لتبرير فتوى الجهاد عند اعلانها، ولا ننسى الانقسامات والانشقاقات التي رافقت مسار العمل السياسي والعسكري للإسلام المتشدد، لذلك نجد ان ساحات القتال تناثرت على ارجاء المعمورة، وعند النظر في تاريخ هذه التنظيمات نجد ان هناك العديد من الاحداث التي تسببت في حدوث متغيرات محورية في فكر المتشددين، قد يكون أولها الاجتياح السوفيتي لأفغانستان، والذي حول مسار العمل المسلح لهذه التنظيمات ووفر لها الكثير من الدعم اللوجستي، لتختتم سنوات الحرب بانسحاب السوفييت تاركين خلفهم مشكلة كبيرة الا وهي المجاهدين الذين يبحثون عن ساحة حرب.
منذ الايام الاولى للانسحاب ادرك قادة المجاهدين مشكلة ما بعد الانسحاب، فكانت النتيجة لملمة الاطراف والسعي لبسط النفوذ تحت راية اصحاب الارض، وتحديدا تحت راية "طالبان" التنظيم الذي استطاع السيطرة على اغلب اراضي افغانستان، وبالرغم من هذه السيطرة الا ان عيون الظواهري وابن لادن ظلت تبحث في المستقبل، فالأرض التي قاتلوا من اجلها لا يمكن ان تكون وطن، لذلك سعى قادة ما عرف فيما بعد بتنظيم القاعدة الى تنفيذ عمليات قد توصف بالنوعية في ارجاء العالم المختلفة، في الغالب كانت الغاية من هذه العمليات هي التذكير بالوجود والبحث عن ارض تصلح ان تكون ساحة حرب، لكن جميع الخيارات المتاحة لم تكن ذات فائدة، فلا اراضي الشيشان ولا البوسنة ولا اليمن بل ولا حتى مهد السلفية "السعودية" ، استطاعت اقناع قادة التنظيم وحلفائه بالقتال في طرقاتها، واكتفى اهل الحل والعقد بإعادة تجربة الاخوان المسلمين في استنساخ التنظيم لكن بصورة مختلفة كثيرا، اذ كانت نتيجة اعمالهم خلايا نائمة شكلت في حقيقتها مخزون بشري جاهز للقتال في أية لحظة.
في محصلة الامر لم تستطع قيادة القاعدة اجبار عدوها المفترض -امريكا- على الدخول في مواجهة معها الا بعد احداث ايلول، ولا ادري ما الفائدة من ضرب الحليف قبل العدو، لتأخذ الاحداث مسار دراماتيكي باتجاه ايجاد تحالف دولي للقضاء على التنظيم الذي كان قادته حلفاء في الحرب الباردة، وبالرغم من سرعة عمليات التحالف الا ان الحرب لم تنته لغاية اليوم فمقاتلي الامس لا زالوا على ذات النهج في ادارة الحرب والتي تعتمد على مبادئ حرب العصابات.
ان الحقيقة التي لا يمكن انكارها ان قادة تنظيم القاعدة وطالبان ادركوا قيمة الارض بعد خسارتهم للحرب في افغانستان، فالأرض تعني الوطن وبالتالي اقامة الدولة التي تستطيع احتضان ابناء العقيدة من المقاتلين، حتى وان كان على ارض تقدم احكام العرف والقبيلة على المعتقد، لكن الحلم لم يعرف النهاية بعد، إذ سارع التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الى الدخول في حرب خاطفة استطاعت اسقاط نظام شمولي في العراق، وهنا استثمر قادة تنظيم القاعدة للفرصة التي منحت لهم، وسارعوا بفتح جبهة جديدة على ارض العراق مستغلين عدة امور كانت تصب في نهر مصالحهم، كان اولها التركيبة الاثنية والعقائدية الغير متجانسة، والارض المتخمة بالنفط، والاهم من ذلك الفساد الذي رفع رايته واستشرى في كل مفاصل الدولة المعاد بنائها.
ان استنساخ تجربة تجربة الاخوان على واقع العراق لم يكن بالأمر الصعب بالنسبة لقادة تنظيم القاعدة، اذ بدأت خلاياه بالوفود الى ساحة الحرب العراقية، واستثمار تحالفات فرضها واقع ما بعد الاحتلال، وسريعا اعلن رجل ابن لادن "الزرقاوي" بيعته للقاعدة، والغاية هنا لكسب الدعم المعنوي والمادي، واستمر الحال في مد وجزر الى ان انطلق الربيع العربي، الذي اوصل فرع الاخوان في تونس الى رأس السلطة لتتبعهم مصر، وبالرغم من فشل الاخوان في مصر بعد عام من الثورة الا ان محاولات الاسلاميين في ليبيا فشلت في تحقيق اهدافهم لأسباب كثيرة يصعب حصرها، اما سوريا فلها وضع مختلف ومشابه للعراق قبل احتلاله، فالنظام ساعد المقاتلين على استغلال اراضيه للتدريب والمرور الى الجوار، والنقطة الاهم وجود تركيبة اثنية مشابهة للعراق ونفط متوفر بكمية محدودة، وهذا ما ساعد على استقطاب اليد المسلحة والتمويل للسيطرة على الارض، وبالتالي استطاع قادة الفصائل التابعة للقاعدة من توفير خطوط خلفية للمقاتلين في العراق.
استطاعت قيادات الدولة الاسلامية بعد تأسيسها ان تستغل مرونة الواقع الذي يحيط بها، فالفساد المنتشر في مفاصل الدولة سهل للتنظيم الحركة بين البلدين والتجهيز لمعركة وهمية تسقط ثلث العراق تحت سلطته خلال ايام، فالفساد الذي نتحدث عنه اصاب عدة فرق عسكرية بالعجز عند مواجهة ما يقرب الالف مقاتل.
وسريعا اعلن ابو بكر البغدادي اقامة الدولة الاسلامية، الثمرة التي سعى لها كل خطباء المنبر المتشدد، وبالرغم من اعلان ولادة الدولة الا ان قياداتها لم تستطع تجاوز بنية التنظيم المتعدد الجنسيات، فلم نجد محاولة حقيقية لبناء دولة، بل مسرحية معدة بشكل جيد للتمويه على عمليات نهب النفط واستقطاب العناصر المتشددة وبالتالي تحويلها الى اهداف سهلة الصيد في رقعة جغرافية محددة، وهي في ذات الوقت مفردة من مفردات الحروب التي تشغل اقطاب السياسة الدولية، لذلك نجد في المحصلة ان نهاية دولة البغدادي قد حدثت على ارض الواقع وعادت الدولة الى نقطة التنظيم التي بدأت منها، لكن مع تغيير بسيط هو احتفاظه بفروع اعلنت الولاء ولا زالت تعمل في الظل.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان اغلب التنظيمات المتشددة استثمرت نتائج تجاربها في تحسين مصادر قوتها على ارض الواقع عند الانتقال الى خطوة اخرى، ففي المحصلة يتوفر موروث فقهي وتاريخي جاهز لتبرير كل خطوة، ومخزون بشري جاهز للاستخدام في اية ساحة للحرب، حيث ستبقى اهم اهداف المتشددين المستقبلية محددة بالحصول على وطن، وعدم تكرار اخطاء الماضي في الحفاظ على وجوده.
وفي خاتمة المقال لا بد من الاشارة الى ان الفكر المتشدد بغض النظر ان كان اسلاميا او لا سيبقى مصدر تهديد، وشماعة جاهزة لافتعال الازمات على ارجاء المعمورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة