الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه

وسام سعادة

2003 / 4 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

  

تصادف اليوم، الحادي والثلاثين من شهر آذار، الذكرى التاسعة والستون لنشوء <<الحزب الشيوعي العراقي>> عام 1934 تحت إسم <<لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار>> وفي ظل قائد صلب واسطوري مثل يوسف سلمان يوسف او <<الرفيق فهد>> الذي يختلف نوعاً، وعلى الرغم من دوغماتيته الشديدة، عن طينة السائد من قيادات الحركة الشيوعية العربية في غابر الايام وحاضرها.
لقد تمكّن حزب فهد وسلام عادل من تسجيل دور بارز في تاريخ العراق الحديث وحركته الوطنية التحررية، كما استطاع هذا الحزب تحقيق جماهيرية واسعة في مراحل معينة ومصيرية تنقل فيها بين العمل السري والعلنية، ومن النضال ضد الاستبداد الملكي والاستعمار البريطاني الى ثنائية الحرب الاهلية والعمل الجبهوي مع <<الآخر>> القومي او البعثي الى ان تعرّض لأبشع حملة ابادة في نهاية السبعينيات وعلى يد النظام الصدامي الجامع للمجد من طرفيه: الاستبداد الآسيوي، والفاشية على النمط الغربي.
تشرّد <<الحزب الشيوعي العراقي>> بين بطش الداخل ولوعة المنافي. يتعذر تقدير ماذا بقي من تراث الحزب في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بعد كل هذه السنوات وفي ظل خبو الحركة الشيوعية العالمية بشكل عام. وتقتضي في المقابل الاشارة الى ممارسة الحزب نشاطه بعلانية في مناطق الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق.
بيد ان هذا الحزب الذي خفت بريقه على مرّ الاعوام ما زال يحتفظ بإيقاع خاص يميزه ضمن المعارضة العراقية كونه يفلت من أسر الثنائية الاعتباطية التي تقسم العراقيين بين موالين لاستبداد داخلي وانصار ارتهان للخارج.
وهذا الايقاع الخاص يجد نفسه اليوم امام مهمة شاقة إن لم تكن متعثرة سلفاً وهي تتمثل في إمكان وكيفية محاربة الحرب الاميركية ومحاربة النظام الذي يقاوم هذه الحرب في الوقت نفسه.
ثمة دوامة يصعب على الوطنيين الديموقراطيين من اهل العراق الافلات منها، وهي دوامة يتحول فيها الانسجام النظري بين رفض كل من الباطل الاستبدادي والباطل الاستعماري الى تناقض عملي يستعيد سؤال الاولوية والمرحلية والسياق.
بخلاف المتوقع لم تتمكن الحرب الاميركية من كسر الحلقة المفرغة اياً كان مآل هذه الحرب فيما بعد، فقد برز الباطل الاستبدادي في حلة المقاوم بذكاء وحيلة وطول اناة في حين ازدادت هامشية الاطراف المعارضة التي كانت تؤسس خياراتها على امل حسم اميركي سريع وشبه تلقائي.
وسط هذه الدوامة يراوح <<الحزب الشيوعي العراقي>> مكانه حاملاً معه أعوامه التسعة والستين معبراً عن ارتباك ما يمكن الاصطلاح على تسميته بالمعارضة الوطنية للنظام. لا داعي لطمس حقيقة هذا الارتباك. ولا داعي كذلك الى رجمه لانه يبقى، بكل ما يحمله من توتر، أكثر صدقاً وحياة من كل المنادين بصدام حسين بطلاً قومياً، أو بطومي فرانكس محررا أمميا.
كيف يحتفل الشيوعيون العراقيون بعيد حزبهم ويحافظون على استمراريته التنظيمية والسياسية في ظل هذه الاوضاع العصيبة؟ كيف يتجلى حجم الارتباك في موقفهم الجامع بين <<لا>> حاسمة للديكتاتورية، و<<لا>> يساءل عن مدلولها العملي بالنسبة للعدوان الاميركي؟ شدد الحزب في بيان له بمناسبة ذكرى تأسيسه على رفضه للحرب بل اعتبرها غزوا، إلا انه واصل في نفس الوقت على تنديده بالنظام الذي ألحق بالبلاد افدح الأضرار وفرط مراراً وتكراراً بالسيادة الوطنية وخصوصا مع توقيعه صك الاستسلام في خيمة صفوان في ربيع 1991.
لا بل يعتبر البيان الاخير لقيادة الحزب ان النظام الديكتاتوري قد وفّر <<بمماطلاته في تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالعراق، وبكذبه وعنجهيته الفارغة، الذرائع الضرورية لاشعال الحرب، التي تحتاج إليها الادارة الاميركية في مسعاها لتحقيق اهدافها الاستراتيجية على الصعيد الدولي كاملة>>. وللمزيد من إيضاح الموقف يمكن الرجوع إلى ما أدلى به رائد فهمي، عضو اللجنة المركزية للحزب، في مقابلة أجراها برنارد شميد في صحيفة فلامان اليسارية الفرنسية، حيث أشار فهمي الى ان حزبه اذ يؤيد موقف اليسار الاوروبي الهادف الى وقف الحرب إلا انه يدعو في نفس الوقت هذه القوى في اوروبا الى التنديد بالنظام الديكتاتوري وان يكون زوال هذا النظام على رأس الاولويات، وإذ نبّه فهمي الى ان التحركات الاحتجاجية في الغرب تستغلّ من قبل النظام العراقي وجهاز دعايته فقد حمل على <<حزب العمل البلجيكي>> (ماوي) الذي يعتبر نظام صدام <<تقدمياً ثورياً>> كما انتقد مواقف الحزب الشيوعي الروسي وغمز من قناة الحزب الشيوعي الكوبي كونه يُسقط مشكلة النظام من حسابه حين يعارض الحرب.
إلا ان مثل هذا الارتباك يظهر بصورة اوضح حين يتعلق الامر بتفسير مأزق الهجوم الاميركي والمقاومة التي أبداها العراقيون، اذ يصرّ فهمي على <<رفض توهّم البعض بأن الشعب يقف خلف صدام>> ويستنتج بدل ذلك ان <<الشعب في حقيقته لا يريد التضحية بدون مبرر، طالما ان النظام لم يبقَ من عمره إلا القليل>>.
قد نعيب على هذا الارتباك ما نعيب إلا انه لا يمكننا بأية حال ان ننكر الاشكالية الخاصة التي يطرحها، وهي اشكالية تصدر من خارج دائرتي الترف والتجريد، وتواجهنا اليوم لتطرح السؤال: ان كان ليون تروتسكي قد اعلن عشية الحرب العالمية الثانية ضرورة <<الدفاع غير المشروط>> عن الاتحاد السوفياتي إذا تعرّض لعدوان الماني، فهل يمكن تكرار الموقف نفسه ودعوة القوى الديموقراطية الى <<الدفاع غير المشروط>> عن نظام صدام حسين؟
ينبغي إعادة فتح النقاش من هذه الناحية بدلاً من كل الادبيات المضجرة التي تستفتح الخطاب بالجملة المكررة <<ليس دفاعاً عن صدام حسين وإنما...>> او بالجملة التي لا تقلّ ابتذالا <<نحن ضد الحرب على العراق وإنما...>>.

 

 
©2003 جريدة السفير

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة