الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين يتجه الموت البشري؟

أحمد أغ أبو اليسر
(Ahmed Ag Aboulyousri)

2019 / 7 / 12
الادب والفن


الموت صار دافئا جدا.. لم تعد له تلك السخونة التي يشعر بها الجيران والمعارف على خدودهم كلما لحق رفيق بالسباق الأبدي..
حتى لو مات الإنسان حرقا سيظل موته دافئا جدا، لو مات سلخا سيظل موته دافئا جدا، لو مات طبخا سيظل دافئا.. دافئا جدا مثل قطرة ثلج انسالت على خد شقراء روسية رقيقة تتسلق بخِفةٍ جبال الإلبروز..
لم تعد للموت تلك الرعدية القديمة، أو حتى تلك الرعشة الشتوية المرعبة التي تصيب أبدان الناس حتى ينشلوا عن الحركة عند نزول أي موتة من الموتات الكثيرة على بعض الأنواع، رغم أن الموت صار أكثر رعبا وأكثر قربا من ذي قبل، فقد اختُرِعت ألف وسيلة بلا معنى معقول لكي يموت الناس، والحداثة هي التي لعبت هذا الدور الكبير في إفقاد الموت ثِقَله؛ باتجاهها نحو صناعة إنسانٍ آليٍّ بلا إحساس، ولا ضمير، ولا عاطفة، ولا حتى أخلاق؛ وبالخصوص أخلاق الرحمة، التي يكرهها السادة النتشويون والميكيافيليون..
الإنسان القديم الذي يبكي بوجدان شعري صادق عندما يموت عجوز متهالك ينتظر مسبقا أن يموت بلا سبب وجيه، ربما بألمٍ في سنه الوحيد الباقي في أعلا فمه الرطب، ويود فقط لو مات بشكل طريٍّ، ويتغدى به الموت كدجاجة تم شراؤها من محل محترم، بدل أن تنفيه الحياة كملف مهمَل في سلة القاذورات، الإنسان الذي يبكي حتى على هذا النوع قديما هو نفسه الإنسان الذي حوّلته الحداثة إلى ذلك الكلب الذي يطل على التلفاز يوميا كي يعدد بزهوٍ رفاقه الموتى كأرقام المحاسبات المالية دون أي نبرة ضمير صادق، أو حتى مجرد حرقة في صوته، ويستقبلها جمهور يستمتع - ربما- بالأرقام كلما كانت أكثر، فإلى أين يتجه الموت البشري؟ هل يتجه البشر نحو هزيمة محققة للموت باللامبالاة؟ أم يتجه الموت نحو هزيمة محققة للبشر بمزيد من الاعتياد عليه، الذي تساعدنا عليه الحداثة بإعلامها البغيض، وبكبار إعلامييها الخنازير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و