الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الدور الأمريكي في إذكاء الفساد في العراق
فالح مكطوف
2019 / 7 / 13مواضيع وابحاث سياسية
يتفق فقهاء القانون وفلاسفته بل حتى الناس الذين لا يمتكون حظا وفيرا بالتنظير والخبرة القانونية، يتفقون أن تشريع أي قانون يأتي بناء على ظاهرة تسبقه وتستدعي تشريعه فلا يوجد قانون يحلق هكذا في الهواء دون أساس لتشريعه بمعنى وجود ظاهرة ملموسة في المجتمع اقتضت أن يعالجها المشرع، وبالتالي فأن البديهي ان الظاهرة الاجتماعية تسبق القانون فالقتل والسرقة والتزوير والاحتيال ...الخ ظواهر اقتضت ان يشرع لها قانون لتحريمها وتجريمها وهو لاحق لوجودها في المجتمع، ولكن أن تضع قانون لتجر المجتمع أن يسير نحوه ويطبقه تعتبر موضوعة جديدة في إطار العلاقات الاجتماعية وهي مجرد مثالية في الإطار الفلسفي حيث تسبق الفكرة الواقع كما كان يذهب هيغل في فلسفته المثالية، ولعل من تطبيقات خرافة المثالية هذه ما حصل في العراق لاسيما فيما يتعلق بموضوع الفساد الذي يعتبر الموضوع الاكثر تداولا لدى أحزاب السلطة في العراق، فهو الآفة التي لابد من محاربتها لأنها غريبة على اخلاقيات مجتمعنا (الإسلامي) وأحزابه التي ليس لها هم الا ترسيخ الأخلاق والقيم النبيلة التي دمرها البعثيون وكثيرا ما تتساءل هذه الأحزاب وهي مذهولة ومتفاجئة حقا من أين جاء الفساد ومن هم الفاسدون الذين دمروا البلد؟ وهذا سؤال مهم لأن المؤمنون بحاجة الى مساعدة حقيقية لمعرفة ولو سبب واحد للفساد.
من الضروري القول بأنه وبواسطة الاحتلال الأمريكي قد تم تصفير الدولة من كل شيء وكان المشروع المعلن مسبقا من قبل الأمريكان ــ وفقاً لقانون تحرير العراق لسنة 1998 وبموجب القسم السابع منه والذي انتظم نصه على ما يلي: ((القسم السابع: المساعدات للعراق لدى استبدال نظام صدام حسين: يرتأى الكونغرس أنه لدى إزالة صدام حسين من السلطة في العراق ينبغي على الولايات المتحدة مساندة تحول العراق الى الديمقراطية، وذلك من خلال تقديم المساعدات الفورية الكبيرة الى الشعب العراقي. ومن خلال تقديم المساعدات اللازمة للتحول الى الديمقراطية الى الأحزاب والحركات التي تتبنى الأهداف الديمقراطية، ومن خلال دعوة دائني العراق الأجانب الى تدبير موقف متعدد الأطراف لمعالجة ديون العراق الخارجية التي تورط بها نظام صدام حسين.)) ــ هو دعم الديمقراطية والاحزاب الديمقراطية فهي المحور الرئيسي في ذلك القانون وهذا القانون منسجم مع منطق التشريعات فله علاقة بأسبقة الظاهرة على التشريع فالدكتاتورية سابقة لتشريع قانون تحرير العراق لذا فان الاسباب الموجبة هي اقامة النظام الديمقراطي ومساعدة الاحزاب الديمقراطية وإطفاء الديون وهذا (منطقي) بما يتعلق (بضرورة) التشريع. الا أن من أصدر قانون تحرير العراق لضرورات تتعلق بمصالح أمريكا ووجود المتبرعين من عملاءها لتنفيذ الاحتلال، جاء مرة اخرى للعملية التشريعية بعد الاحتلال ولكن هذه المرة بمفاهيم مغلوطة تماماً تتناقض مع منطق الاشياء فقانون تحرير العراق أكد على دولة ديمقراطية وهذا طبعا ما انتظره (أحمد الچلبي) وشلة اللصوص المتفقون معه، تحت معطف الامريكان الذين وضعوا العربة أمام الحصان حيث كان لديهم أي الامريكان وفقا (لرسالتهم في ترسيخ الديمقراطية) فرصة تشكيل الدولة بأي اتجاه يرونهم مناسبا فما زال الموضوع بين يديهم والكل من مريديهم طوع بنانهم ولكنهم عكسوا الاتجاهات ففي الوقت الذي لم يتضح أي شيء على صعيد الدولة خططوا بأن يأتون بقوانين لم يسمع بها أحد، خلطة امريكية مدججة بالسلاح سوف تحقق حلم الشعب المذهول من هول المعارك والمترقب لما يأتي بها هذا (العملاق الموغل في الديمقراطية).
قلنا أن تصفير الدولة كان تهيئة لجديد أمريكا وقلنا أن الكل يترقب الديمقراطية على يد الحاكم المدني (بول بريمر) وتطبقا لقانون (تحرير) العراق لذلك فتوخي المنطق وظروف البلد المحتل كان أقل ما يمكن أن يبدأ به هذا القذر مشروعه المدني، ولكن خلافا للمنطق المشار اليه آنفا سارع الى إصدار قوانين لمكافحة الفساد قبل أن يتضح أي شيء بعد، لقد جاء بريمر بمكافحة الفساد والدولة لم تشكل بعد وليس هنالك شيء يطوله الفساد فهو افترض دولة فاسدة وسياسيين فاسدين، لذلك جاؤوا بُعيد الاحتلال بتسعة أشهر بإصدار أمر سلطة الائتلاف رقم 55 لسنة 2004 بتاريخ 28/1/2004 وعلى إثر هذا التشريع تم استحداث هيئة للنزاهة وبتوقيع بول بريمر ممثل الاحتلال. وقد جاء في مقدمة التشريع أنه "إقراراً بأن الفساد آفة تصيب الحكومة الصالحة بالهلاك وتبتلي حالة الرخاء والازدهار، واعترافاً بأن الشعب العراقي يستحق قاده يتسمون بالنزاهة ويكرسون أنفسهم لشفافية الحكم في العراق, وتأكيداً على أن الحكم الفعال يعتمد على ثقة الشعب العراقي بحكامه، وعلى أن الفساد يزعزع تلك الثقة، وتأكيداً على أن الحكم النزيه الشفاف يعزز الرخاء الدائم للشعب العراقي ويشكل لهم وللمجتمع الدولي برهاناً على نزاهة الحكام العراقيين ، وإشارة الى أن العراق كان منذ زمن طويل يمنع الفساد في الحكم، غير أن الفساد قد استشرى في البلاد أثناء حكم حزب البعث، لأن تنفيذ إجراءات منع الفساد كان اعتباطياً ومتقطعاً، واعترافا بأن المعركة ضد الفساد هي نضال طويل الامد، يتطلب تعهداً دائماً بتغيير السلوك على جميع أصعدة الحكومة". وهنا يعترف بريمر بأن المعركة ضد الفساد نضال طويل الأمد. وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام. وكذلك وبأقل من عشرة أشهر من الاحتلال قامت سلطة الائتلاف أيضا بتشريع قانون لاستحداث جهاز رقابي جديد على العراق. وهو مكاتب المفتشين العموميين وذلك (بأمر سلطة الائتلاف رقم 57 لسنة 2004) وقد صدر في 10 شباط 2004. ومؤكد أن صياغته هذه التشريعات سبقت تاريخ توقيعها ونشرها، وبهذا يتبين أن أمريكا وضعت القانون أولاً قبل أن تكون هنالك ظاهرة تستدعيه، وهنا يكمن السؤال الأكثر خطورة وهو، لماذا جاء الاحتلال بتشريعات لظاهرة غير موجودة بعد؟ وطبعا نجد أن الجواب الأكثر منطقية هو أن الاحتلال أراد الإفساد وليس مكافحة شيء غير موجود أصلا تحت مسمى الفساد.
المقدمة المتفائلة لتشريع قانون النزاهة تؤكد أن الشعب العراقي يستحق قادة يتسمون بالنزاهة ويكرسون أنفسهم لشفافية الحكم في العراق والى الآن وبعد مرور خمسة عشر عاما على صدور هذه التشريعات والمباشرة بتشكيل الاجهزة الادارية والقضائية واعطاء سلطات استثنائية لهيئة النزاهة وكذلك الدور الرئيسي للمفتشين العموميين أقول بعد مرور هذا الفترة الطويلة لم تساهم النزاهة إلا بإذكاء الفساد والإفساد وعمل الجميع لتنفيذ ما تريده القوات المحتلة التي تشرف بالاتفاق مع ايران على ما يجري في هذا البلد من تبديد للثروات وتبديد الإنسان قبل هذا، ولا يخفى على المتابع البسيط أن موضوع النزاهة في العراق هو اقرب الى الأحجية التي يتندر عليها الجميع في المقاهي والبيوت واصبحت مفردة النزاهة تعادل الفساد والإفساد لدى مخيلة الناس البسطاء، فالاحتلال أراد أن تكون هوية أحزاب السلطة هي هوية فساد وهو يمد الدعم لهذه الاحزاب جميعا وأن معظم هؤلاء يشبهون قصة الكلب الذي يقدم الدجاج لابن آوى المعروفة شعبيا، فهم يدافعون عن مصالح جميع الدول الا مصلحة دولتهم وهم جميعاً متورطون بالفساد الذي أصبح شرط بديهي للوصول الى البرلمان أو الوزارة فلا يوجد عضو برلمان أو وزير فما دون عرف عنه التقشف وغادر البرلمان أو الوزارة كما دخل وبنفس الامكانيات المادية قبل دخوله، فقد أصبح المنصب أداة للثراء الفاحش على حساب بسطاء الناس وأن آلية الفساد عمادها مصادرة ثروات البلد وتقاسمها بين شركات الاحتلال وفاسدي المنطقة الخضراء وبالتالي فلا يطلب الشرف من الفاسد
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشيف عمر يجهز أشهى برياني وكبسة ومندي شغل أبو راتب ????
.. الذيل أو الذنَب.. كيف فقده الإنسان والقردة قبل ملايين السنين
.. في تونس.. -الانجراف- الاستبدادي للسلطة يثير قلق المعارضين •
.. مسؤول أميركي: واشنطن تنسق مع الشركاء بشأن سيناريوهات حكم غزة
.. إسرائيل تعلن القضاء على نائب قائد وحدة الصواريخ في حزب الله