الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشكلة ليست بالكرسي بل بضياع الطريق

يعقوب بن افرات

2019 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


قرار نتانياهو إعادة الانتخابات بعد فشله في تشكيل الحكومة على خلفية الانتخابات الماضية، تبين كخطأ كبير ربما سيكلفه ثمنا سياسيا وشخصيا باهظا جدا. ويتضح ان هذا القرار الذي نجم عن رعب نتانياهو من المحكمة التي تنتظره وفي محاولة بائسة منه للتنصل من القضاء هو تعبيرا عن ازمة سياسية، اقتصادية واجتماعية عميقة جدا لا احد يتطرق اليها، لا اثناء الانتخابات الاخيرة ولا خلال الحملة الانتخابية الحالية. اذ ان ما يشغل الأحزاب يمينية كانت او يسارية، صهيونية وعربية في الساحة السياسية هو المحاولات لإعادة ترتيب بيتها. فقد قام حزب ميريتس بانتخاب رئيس جديد، واطاح حزب العمل برئيسه السابق لينتخب اخر جديد اما ايهود براك فقد شكل حزب جديد من اجل اسقاط نتانياهو. وشكلت نتيجة الانتخابات السابقة صدمة كبيرة للكثير من الأحزاب لدرجة جعلتها تستعيد الوجوه القديمة، نيتسان هوروفيتس في ميريتس، وعمير بيريتس في حزب العمل وحتى ايهود براك يعود للساحة السياسية آملا بتوحيد صفوفها وتحسين ادائها الانتخابي.
اما على الساحة العربية قد وعدنا ايمن عودة باستخلاص العبر وتعلم الدرس الذي لقنه الجمهور العربي الاحزاب العربية محاولا اعادة القائمة المشتركة الى ايام مجدها. ولكن وكما نرى للان فان المشاكل التي رافقت القائمة المشتركة ما قبل الانتخابات، وعلى رأسها الخلافات على الكراسي مستمرة والوعود بتصحيح الاخطاء تلاشت لصالح الحسابات الحزبية الضيقة والنقاش حول ترتيب اسماء القائمة مستمر. واذا كانت الأحزاب العربية قد فقدت ثلاثة مقاعد في الانتخابات الاخيرة فعلى ما يبدو انه حتى لو توحدت بقائمة مشتركة فان النتيجة لن تتغير بل من الممكن ان تخسر اكثر وهذا بعد ان فقد الجمهور العربي الثقة بأعضاء الكنيست العرب الذين يختفون عن الساحة السياسية يوما واحدا بعد وصولهم في الكنيست.
من جهة أخرى كان حصول حزب ميريتس على 40.000 صوت عربي الامر الذي مكّن ميرتس من عبور نسبة الحسم، اشارة لبقية الاحزاب الصهيونية من الليكود، الى ازرق ابيض وحتى حزب العمل بان الطريق ممهدة امامها لتعيد ترسيخ وجودها في الوسط العربي لتحصد أصوات من لا يروا في القائمة المشتركة عنوانا. وقد طلبا حزب العمل وميريتس من براك الاعتذار امام الجمهور العربي على ما حدث قبل 19 سنة في احداث اكتوبر 2000 وهذا بعد ان وصلا الى الاستنتاج بان حان الوقت لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة. ان انكفاء الجمهور العربي عن القائمة المشتركة قد يشير الى تغيير في الوعي، الابتعاد عن الشعارات القومية والدينية وتبني مواقف اكثر عملية في السعي الى الاندماج في الاقتصاد والجهاز الحكومي الاسرائيلي العام مثل المستشفيات او الجامعات. ولربما يشير تعيين البروفسور سامر حاج يحي رئيسا لإدارة بنك لؤمي او البروفسور والعالم الشهير حسام حايك كعضو في هيئة التدريسية في معهد التخنيون، الى الفجوة الاخذة بالاتساع بين واقع متغير وشعارات قومية ودينية تقادم عليها الزمن.
واذا كانت نسبة التصويت المتدينة في الوسط العربي تفسر بالفجوة بين ما تطرحه او ما لا تطرحه الاحزاب العربية من برنامج وحلول، فمن المتوقع انخفاض نسبة التصويت بين الجمهور اليهودي ايضا وهذا بعد سئم من سلوك الاحزاب وتحديدا من قرار اعادة الانتخابات من قبل نتانياهو. ان الانخفاض في نسبة التصويت في الوسط اليهودي سيضر في الأساس بحزب الليكود وهذا ما ادى بنتانياهو الى محاولة إقناع رئيس حزب ازرق ابيض بيني غانتس، الغاء قرار حل الكنيست واعادة الانتخابات، ولكنه جوبه بالرفض المطلق. ان الحملة الانتخابية الحالية تعج بالاتهامات المتبادلة بين الاحزاب دون التطرق الى المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد، ففي الجانب السياسي لا حل يلوح في الافق للنزاع مع الفلسطينيين بسبب رفض نتانياهو لفكرة الدولة الفلسطينية وسعيه الى الفصل بين غزة والضفة الغربية. اما على الصعيد الاقتصادي فالعجز الكبير في ميزانية الدولة، والازمة في مجال التعليم والحضانات لجيل الطفولة، ازمة المستشفيات، المواصلات، وغلاء السكن والمعيشة لا يتم تناولها في حملة الانتخابات مما يدل على انه ليس في يد الاحزاب حلول واقعية تستوجب تغيير المسار الذي تسير به البلاد منذ ثلاثة عقود متتالية.
ربما يدل تعيين سامر حاج يحي رئيسا لاحد اكبر البنوك في اسرائيل او انجازات حسام حايك في مجال العلوم على ان الحاجز القومي قد ينهار امام التقدم العلمي. اذ ان سامر حاج يحي لم يتم اختياره رئيسا لبنك بسبب انتمائه القومي بل بالرغم من انتماءه القومي مثلما تم اختيار رئيس غوغل الهندي رئيسا لأكبر شركة تكنولوجية في العالم ليس بسبب انتمائه القومي بل على الرغم منه ومثله كثيرين في عالم التكنولوجيا والعلوم التي لا يعترف بالقومية بل تنظر الى الامور من منطلق علمي عام. وليس بالأمر الغريب توجيه دونالد ترامب الانتقادات لهؤلاء الشركات التي تشغل الكفاءات الاجنبية مثله مثل القوميين العرب الذين ينذرون ليل صباح من خطر "الاسرلة". فالعالم تغير، شركة تنوفا للألبان وهي رمز لإسرائيل الصهيونية اصبحت صينية مثلها مثل ميناء حيفا الجديد وكثير من رموز الاقتصاد الاسرائيلي، فالاقتصاد القومي ليس سوى ظاهرة من الماضي مثله مثل الاحزاب القومية صهيونية كانت او عربية.
اما على صعيد الحل السياسي فتستمر الاحزاب الصهيونية والعربية بالتمسك بنفس الشعارات دون ان تلائم نفسها مع الواقع. فالليكود يقترح حكم ذاتي في الضفة الغربية وهدنة مع حماس في غزة مقابل تسهيلات اقتصادية مما يعني ابقاء الحال على ما هو عليه وهو بلا شك جحيم بكل معنى الكلمة لملايين الفلسطينيين. اليسار الصهيوني من حزب العمل وميريتس يستمر بترديد شعار دولتين للشعبين ومثلهما القائمة المشتركة رغم ان هذا الحل لم يتبق منه اثر ملموس لتطبيقه على الارض. الانقسام بين غزة والضفة الغربية ثابت، حماس وفتح انشئتا نظامين فسدين معتمدان تماما على المساعدات الخارجية والتي تخدم جهازا اداريا فاسدا. انهما تقليد سيء للأنظمة العربية التي جرفها التيار الشعبي ولا قدرة لهما على انشاء دولة عصرية، ديموقراطية واقتصاد ناجح. ان الواقع الحالي يشبه نظام الابرتهايد الذي سيبقى على ما هو عليه مع استمرار سلطتي ابو مازن وحماس.
من قراءة الواقع السياسي وعدم وجود بديل سياسي على الساحة فلا بد لنا كحزب دعم ان نعيد ترشيحنا للانتخابات. واذا كان عدد الاصوات الى حصلنا عليها ضئيلة جدا فالرسالة التي نحملها قد وصلت الى جزء من الجمهور، افراد ومنظمات في الوسط اليهودي والعربي مما يدفعنا الى تكرار التجربة من اجل الوصول الى مزيد من الناس ليلتفوا حول رسالتنا ويتبنوا شعارنا الذي لم يتغير وسيبقى دولة واحدة – اقتصاد اخضر. انه ومن منطلق مسؤوليتنا تجاه الشعب الفلسطيني وحقوق المواطن الفلسطيني القومية والمدنية فنحن نطرح ما نراه الحل الانصف الذي يتماشى مع الواقع السياسي والاقتصادي الحالي وهو ان يتمتع المواطن الفلسطيني بحقوق متساوية مع المواطن الاسرائيلي ضمن دولة ديمقراطية واحدة. اما الاقتصاد الاخضر المبني على الطاقة المتجددة، وعلى الاختراعات العلمية والثورة المعلوماتية فسيضمن الفرص لحل مشكلة الفقر والتخلف في المجتمع الفلسطيني ويضمن الرفاهية والسلام للشعب اليهودي. فما نقوم به اليوم من الدفاع عن حقوق العمال، تشغيل النساء العربيات، تشجيع التجارة العادلة، المشاريع المختلفة في مجال الزراعة المائية والانتقال الى الطاقة الشمسية تشكل نموذجا لما نسعى اليه ودليل على قدرتنا على تنفيذ وتطوير ما نطرحه كشعار على ارض الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال