الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن العرب قوم نجيد الانحطاط

منذر خدام

2019 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


نحن- العرب قوم نجيد الانحطاط
منذر خدام
بتاريخ 24/5/2009 نشرت مقالة بعنوان " نحن أمة نجيد الانحطاط" تناولت فيها عناصر النهوض التي أتيحت للعرب دون غيرهم، وبدلا من أن يستخدموها في نهوضهم وتقدمهم استخدموها بمهارة عالية في انحطاطهم. في هذه المقالة سوف أركز على عناصر الانحطاط ذاتها التي تم استثمارها جيدا لتعزيز الانحطاط وترسيخه لديهم، وكأن اتجاه التقدم لدى العرب معكوس نحو الوراء، أي نحو بقاء التخلف وتطويره نحو مزيد من التخلف.
بداية ينبغي أن يكون واضحا أن ثمة ثلاث مشاريع إقليمية تتنافس على المجال الحيوي العربي هي المشروع الاسرائيلي، والمشروع التركي، والمشروع الايراني، من بين هذه المشاريع المشروع الوحيد الذي يحقق نجاحا مطردا هو المشروع الاسرائيلي، في حين المشروعان التركي والإيراني يتعثران، وإن تعثرهما يخدم موضوعيا، بل بشكل مباشر أيضاً المشروع الاسرائيلي. يجري الحديث عن مشاريع نهضوية متمحورة حول الداخل، لكنها تبحث عن مجال حيوي اقليمي لها يعطيها أفقا اوسع للتقدم والهيمنة.
لقد استثمر المشروع التركي الأردوغاني في الاسلام السياسي في صيغته الاخوانية التي تصنف عادة كصيغة معتدلة، لكن في السياق و جد نفسه مضطرا للاستثمار في اكثر صيغه تطرفا أعني داعش والنصرة، التي دفعت دفعا إلي الساحات العربية على الأغلب من قبل اجهزة امنية غربية وفي مقدمتها الأجهزة الأمريكية والفرنسية والبريطانية بتعاون وثيق مع الأجهزة الأمنية الاسرائيلية.
اما المشروع الإيراني فقد استثمر أيضا في الاسلام السياسي إنما في صيغته المذهبية الشيعية بصورة رئيسة، والسنية بصورة جزئية، وتحديدا في بعض الساحات ذات الخصوصية كما هو حال الساحة الفلسطينية. في جميع هذه المشاريع كانت الدول العربية ادوات فيها، أوفي خدمة تنافسها وصراعها، بحيث تشكل منها ما يمكن تسميته بالمشروع العربي للانحطاط.
وعلى العكس من المشروعين التركي والإيراني اللذان استثمرا في الاسلام السياسي لتكوين عصبيات خلدونية اشتغلت كروافع نهضوية في الداخل، وكعوامل توسع في الخارج، فإن العرب استثمروا فيه كعامل انحطاط في الداخل، وتبعية في الخارج. يبدوا لي ان العرب أكثر استجابة للانحطاط منه للتقدم، ليس بالمعنى العضوي كبنية تكوينية عنصرية( طبع) بل بالمعنى السياسي الذي يحيلهم إلى هويات صغرى متقاتلة يسهل على الآخرين توظيفها في خدمة مشروعاتهم. في العراق مثلا فبعد اسقاط صدام حسين بتدخل حلف عسكري دولي بقيادة أمريكا ارتد العراقيون إلى هوياتهم الصغرى الطائفية والمذهبية لتصير الأساس الذي يقوم عليه النظام السياسي العراقي. في مثل هكذا نظام فإن ديناميكيات اشتغاله الداخلية المتمحورة اساسا حول الهويات الصغرى تعظم من فعالية قوى الانحطاط والتخلف وليس التقدم. ففي الداخل صار العراقيون يعرفون من خلال زعاماتهم الطائفية او المذهبية او الاقوامية، وفي الخارج من خلال الجهة التي يتبعونها، فهناك جماعة ايران وجماعة السعودية وجماعة امريكا، وغابت جماعة العراق.
لا يختلف الوضع في سورية كثيرا عن الوضع في العراق، هنا أيضا أدى الاستثمار السياسي في الدين إلى الارتداد إلى الهويات الصغرى الطائفية والمذهبية والاقوامية، وهي بطبيعتها هويات تقود إلى الصراع والتخلف، فكانت النتيجة ان تم تدمير البلد وتمزيق وحدة نسيجه الاجتماعي، وتوزيعه إلى مراكز نفوذ ليس من بينها مركز واحد للجماعة السورية.
لا يختلف الحال في الدول العربية التي حصل فيها ما يسمى " الربيع العربي "، باستثناء تونس (حتى الآن)، وكذلك مصر التي رجع فيها حكم العسكر. هنا أيضا تم الارتداد إلى الهويات الصغرى لتصير الحاكمة والموجهة للحياة السياسية. نخلص من كل ذلك إلى استنتاج رئيس يفيد بأن الهويات الصغرى في المجتمعات العربية هي من اكثر أسباب تخلف هذه المجتمعات، وهي دعامة رئيسة للأنظمة السياسية العربية الاستبدادية، وتزداد فعاليتها في التخلف عندما يتم تغذيتها بالإيديولوجيا الدينية.
على المقلب الآخر فإن العرب عموما أفرادا وجماعات وأنظمة يتميزون بقابلية الاستجابة للتبعية للخارج وتنفيذ اجنداتها بصورة لافتة وكأن هذه القابلية جزء من تكوينهم. ما الذي يجعل دولة مثل قطر أو الامارات العربية مثلا أن تنفق عشرات المليارات من الدولارات لتغذية صراعات الهويات الصغرى في غير ساحة عربية، مما ادى إلى تدمير بلدان عربية بصورة كاملة؟!! بالتأكيد لم يكن ذلك بحثا عن مجال حيوي لمشروعها الوطني غير الموجود أصلا، بل خدمة لمشروعات الآخرين وبصورة خاصة المشروع الإسرائيلي والمشروع شالتركي بصورة مباشرة، وللمشروع الايراني بصورة غير مباشرة، ومن ورائهما للمشروع الغربي الحاكم والموجه. إن ما انفقته دولة قطر في سورية باعتراف رئيس وزرائها السابق من عشرات المليارات من الدولارات على تغذية الهويات الصغرى المتقاتلة، لو انفق على التنمية لجعل الشعب السوري يدين بالولاء لها، لكنها ، كما قال رئيس وزرائها السابق حمد بن آل ثاني، أنفقت كل ذلك تنفيذا لأوامر أمريكا، فهي كبقية دول الخليج العربي لا تملك من زمام أمرها شيئا. وكان الرئيس الأمريكي ترامب واضحا وصريحا إلى حد الوقاحة والاهانة في خطابه الموجه إلى حكام دول الخليج العربي. لقد استغل استجابتهم القوية للخارج فوجههم للصراع مع إيران خدمة للمشروع الاسرائيلي أساسا ولسرقة اموالهم تاليا. لو أن ما انفقته دول الخليج على الحرب في اليمن، وعلى شراء السلاح، وهو بمئات المليارات من الدولارات، أنفقته على التنمية في اليمن وفي مصر والسودان لجعلت البلدان العربية جميعها مكتفية ذاتيا من الغذاء، وتبوأت هي ذاتها موقع الريادة السياسية عربيا، لكنه غير مسموح لها القيام بذلك. كم كان الرئيس الأمريكي السابق أوباما صادقا عندما قال " ليعذرنا أصدقاؤنا في دول الخليج فإن إيران دولة قوية، ولديها رؤية ومشروع، وقبلت التعامل معنا وفق منطق الربح والخسارة" وهي كذلك فعلا في حين العرب ليس لديهم لا رؤية ولا مشروع خاص بهم. واكثر من ذلك كانت الدول العربية في الخليج بصورة غير مباشرة في خدمة المشروع الإيراني عندما دفعت صدام حسين وأغوته لشن الحرب على إيران في بداية سنوات ثورتها على الشاه، فكانت النتيجة حرب استمرت ثماني سنوات استنزفت العراق اقتصاديا وماليا، ودفعت ايران نحو تطوير قدراتها العسكرية والعلمية بحيث صارت دولة إقليمية يحسب لها حساب. ومن جديد دعمت غزو امريكا للعراق فكانت النتيجة تسليم العراق لإيران سياسيا وهو اليوم منطقة نفوذ ايرانية. وحتى في سورية تدخلت وصرفت عشرات المليارات من الدولارات دعما للقوى الجهادية المتطرفة لإسقاط النظام فيها، مما خلقت أسبابا وجيهة لتدخل ايراني واسع طلبا من الحكومة السورية، مما عزز أيضا من النفوذ الإيراني.
بتكثيف شديد بودي القول إن الاستثمار السياسي في الدين، وفي الهويات الصغرى والاستجابة القوية لعوامل التدخل الخارجية الغربية والاسرائيلية على وجه الخصوص هو استثمار في تنمية التخلف والانحطاط. لا يحتاج المرء لعصف فكري لكي يدرك أن الواقع العربي اليوم شديد الانحطاط، حتى يخال ان هذه الاتجاه في التطور مستقر لا راد له، وهو كذلك فعلا طالما بقي النظام السياسي العربي قائما على الهويات الصغرى وعلى العسكرة، ويستثمر سياسيا في أكثر أشكال التدين تخلفا، وشديد الاستجابة للتبعية للخارج. ومن البديهي إن عكس هذا الاتجاه من غير الممكن بدون القطع السياسي التاريخي مع الثقافة الدينية لصورة عامة، الحارس الأمين لهذا الواقع واعادة إنتاجه، وبناء نظام سياسي جديد يقوم على العلمانية والديمقراطية واللامركزية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للخروج من الانحطاط العربي / الاسلامي
محمد البدري ( 2019 / 7 / 15 - 09:35 )
بقاء الارث الاسلامي بشقة الجاهلي في عقول بلاد العراق وسوريا ومصر هو سبب رئيسي لاستدامة الانحطاط، فكل النماذج التس ساقها المقال في سوريا والعراق وايران وتركيا جميعا لم تقم بقطيعة معرفية مع ماضيها المتخلف والذي يمكن وصفه بالمنحط. بل رهنوا انفسهم للاسلام باعتبارة ركيزة واخترعوا اقوالا مضللة مثل تجديد الفكر الديني او تجديد الخطاب الاسلامي أو الاصالة والمعاصرة وكلها تصب وتخلط التخلف والظلامية بالتنوير، وهو بعكس ما قام به العالم ختصة اوروبا كمركزية في الفكر والفلسفة وانتاج العلوم. اما اسرائيل فقد انطلقت بقطار الحداثة مشاركة العالم الرأسمالي والصناعي في كل مل يلزم هذين العالمين من استحقاقات. وداعبت عالم ما يسمي العرب باساطيرها التوراتية مما حدا بالاخير ان يلتحف مرة اخري بالاسلام وساعده الدولار النفطي من المخزون الجاهلي العربي لوقف اي مسيرةه عقلانية داخل العقل السياسي والاجتماعي



2 - لا
محسن المالكي ( 2019 / 7 / 15 - 10:33 )
لا .. بل نحن امة الانحطاط


3 - سؤال
متابع ( 2019 / 7 / 16 - 05:33 )
يوجد في العالم ما يقارب 200 دولة مستقلة , اكثر من 120 دولة منها تعاني من الفقر والتخلف والقهر السياسي والاجتماعي وهذه البلدان تحتوي على ديانات مختلفة واعراق مختلفة
فبماذا تفسرون ذلك؟
تحية للكاتب المحترم
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي