الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتراف ثوري على طريقة ما العمل في مدينة حماه عام 1977

كامل عباس

2006 / 5 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


احتراف ثوري على طريقة ( ما العمل ) في مدينة حماه عام 1977
مقدمة
ولدت وترعرعت ضمن بيئة دينية ريفية شعبية , تحض الانسان على العمل الصالح , وتعلمه نكران الذات والتفاني في خدمة القضية العامة , ولعل تلك التربية هي التي قادتني للمساهمة في تشكيل- منظمة ثورية ( رابطة العمل الشيوعي ) تحمل نفس القيم وتعمل من اجلها على أسس علمية موضوعية , وقد كنت وما زلت مقتنعا ان الرابطة كانت ضمير الشعب السوري في حينها ولم تمثل عقله .
بعد انهيار النظام العالمي السابق , بدأت بالتعرف على الجذر الاستبدادي الشرقي لتلك التربية عند الجهتين , الجهة العفوية والجهة الواعية , تتضح آثارها بشكل خاص على المثقفين السوريين فتتجلى بالتناقض بين رغبة المثقف لإبراز ذاته , وبين ثقافته التي تحضه على ذوبان الأنا الخاصة بالأنا العامة
أنا شخصيا حسمت المسالة عندي بعد تعرفي على الفلسفة اللبرالية التي تنطلق من الفرد الى الجماعة , ولم تعد تخيفني اتهامات رفاق الأمس عن النرجسية والذاتية والعصبية , على العكس من ذلك يدفعني ضميري للكتابة عن تجربتي الشخصية لأنها تراكم لوعي هو قابلة التاريخ ضمن منظومتي الفكرية الجديدة , كما دفعني في السابق للعمل من ضمن منظمة ثورية , لأن تلك الكتابة ضرورية من اجل تنوير الشباب السوري خاصة والعربي عامة , وقد قال التاريخ كلمته بالتغيير في عصرنا عبر العنف الثوري على ما اعتقد .
سأبدأ بسلسلة من المقالات أقدم فيها الحدث كما عشته بأكبر قدر ممكن , وسأحاول ان تكون الكتابة صادقة وموضوعية ما أمكن , لكنني اعتذر مسبقا اذا لم تسعفني الذاكرة وكانت انتقائية ومتحيزة في بعض الأحيان , وعلى من يراها ذلك أن ينبري ليقوم الاعوجاج شرط ان يكون الصدق والشفافية والعلنية دافعه إلى ذلك .
.................................................................................................

انتهى دوامي المدرسي في دار المعلمين باللاذقية صباح يوم الثلاثاء الموافق /24 /3/ 1977 عند الساعة الثانية عشرة , توجهت سيرا على الأقدام من دار المعلمين الى بيتي الكائن في حارة العوينة , وقبل ان ادخل الحارة وجدت الجيران بانتظاري , حيث اخبروني بوجود مسلحين يحرثون البناية التي اسكن فيها , ويحتجزون الخارج منها والداخل اليها . منظر السلاح أخافني فتوجهت الى مدينة جبلة , صعدت في سيارة – حمام القراحلة ومن هناك مشيت باتجاه قريتي بشراغي التي تبعد عن الحمام ثلاثة كيلو مترات , وقبل ان أصل الى مشارف القرية رأيت البنادق مشرعة في الهواء , فعلمت أنهم سبقوني , وانعطفت باتجاه وادي عين فتوح , بت ليلتي في العراء , وعند الصباح غيرت الطريق باتجاه بيت ياشوط . كان المسلحون بانتظاري , ولكنني كنت أذكي منهم ,حيث قطعت المسافة مشيا من طريق آخر , ولما صاروا خلفي انتظرت أول سيارة وركبتها باتجاه جبلة , كان حديث الركاب عن المسلحين وتدقيقهم في هويات الركاب على غير العادة, ولما استوضحوا عن الأمر أجابوهم ,هناك حادثا على جسر السخابة , وفيه جريح يحتاج الى إسعاف , وهم يفتشون عن زمرة دموية لأحد الركاب مطابقة لزمرة الجريح , كي يقنعوه بالتبرع من اجل إنقاذ حياته .
ثلاثة أسابيع تلت ذلك اليوم المشئوم, تعلمت منها في السياسة أكثر مما علمتني صفحات الكتب التي قرأتها في حياتي. خطيبتي , ترنحت , اهتزت و كانت تحلم بأستاذ وبيت في المدينة , فاذا بفارس الأحلام , ريشة في مهب الريح , لا بل مجرم خطير يعيش خارج القانون , أهلي , أقربائي , أصدقائي , كلهم تنكروا لي , لسان حالهم يقول – باب الذي يأتيك منه الريح سده وأستريح – أين انا وأين من اعمل لأجلهم , كان الجواسيس الذين كانوا يرصدون حركاتي ويقدمون تقارير من اجل مساعدة رجال الأمن على اعتقالي , جلهم من الطبقة العاملة , وهذا ما دعا احد الذين يستضيفوني في بيتهم للتهكم قائلا - الطبقة العاملة تطارد طليعتها الثورية –
هدأت جلبة الأمن بعدما عرفوا حجم المنظمة الحقيقي وخطها الدعاوي الرافض لأي شكل من إشكال حمل السلاح , وعدم ارتهانها الى أي دولة خارجية , وجدت الفرصة مناسبة لتسليم نفسي , تمكنت من الاتصال بقيادة المنظمة . من اجل التزود بنصائحهم قبل الإقدام على تلك الخطوة, جن جنونهم. شرحت لهم وجهة نظري برسالة مطولة حول دور الموضوع والذات في صنع الثورة , ومحاولة نقلهم لتجربة الثورة الروسية بشكل ميكانيكي الى الساحة السورية , بدون ان يلحظوا الفروق والاختلاف بين الساحتين , ففي روسيا كانت الحركة السياسية والحركة العفوية باتجاه واحد صاعد الى الأمام , وفي سوريا هناك تفارق بين مسار الحركتين , ومن حيث النظام لا يلحظون سوى درجة القمع المتشابهة بين النظامين , ويتناسون ان النظام الروسي قيصري رجعي , في حين يعد النظام السوري تقدميا بنظر غالبية حلفاؤنا . الأهم من هذا وذاك ان الاحتراف الثوري على طريقة ما العمل كما يطلب مني , يحتاج الى رفيق مقتنع بخوض غمار ذلك الطريق, أما أنا فلا أجد نفسي مهيأ لذلك على كافة المستويات , والمحترف الثوري يجب ان يكون قد اختار طريقه بقناعته حتى يقدم ماهو مفيد في ذلك , وجاءني الرد من قيادة المنظمة صاعقا , لم يكتفوا بالدفاع عن وجهة نظرهم سياسيا , والتي تتمحور حول أهمية دور الذات في صنع الثورة ضمن البلدان المتخلفة ’ وضرورة إنضاج الذات الثورية عبر الممارسة والاحتراف , بل أصروا على التشهير بي إذا قمت بتسليم نفسي , وحجتهم في ذلك أنهم لايضمنون نتائج التحقيق , فقد انهار واسبب خراب المنظمة ,
موقف أخلاقي بحت كان وراء التزامي الذي جعلني محترفا ثوريا رغما عني.
أرسلت الى مدينة حماه لألم أشلاء المنطقية هناك , ومدينة حماه لايعرفني فيها أحد ولا اعرف احد ايضا , وبالتالي هي مناسبة للتخفي داخلها .
أول عمل قمت فيه داخل مدينة حماه هو التعرف على المعهد المتوسط للمواصلات واللاسلكي فيها , فقد أصبحت طالبا وهميا في المعهد , ولدي هوية طلابية مزورة قمت بموجبها باستئجار بيت مع اثنين من رفاقي الطلاب , بعد ذلك بدأت بالتعرف على بقايا المنطقية والاتصال بالرفاق والأصدقاء والمتعاطفين , وكالعادة كانت قناعاتي السياسية مختلفة مع الخط السائد في المنظمة وبشكل خاص تحريضها الواسع غير المنسجم مع بنيتها التنظيمية , كتبت مرة لهم ومن حماه رسالة نشرت في مجلة البروليتاري الداخلية قلت فيها ( ان طريقة مواجهتنا للسلطة طريقة فروسية , والفروسية قد تقود صاحبها الى النصر وقد تقوده الى دق عنقه , ولكنها تبقى فروسية , والشيوعيين بجب ان يعملوا وفق قوانين موضوعية , ليس عبثا ان يشاع في حي المدينة المعروف بتعاطفه مع الرابطة داخل حماه القول التالي – لا تزوج ابنتك لاثنين , الطيار وعضو رابطة العمل الشيوعي –
الاختلاف بان على أشده بين طريقتي في بناء منطقية جديدة وبين التعليمات الواردة إلي من القيادة . كانت القيادة تريد تاطير كل المتعاطفين والأصدقاء وحتى الرفاق المنظمين في قوى سياسية اخرى والراغبين في الانتقال الى صفوف الرابطة . وبعد تنظيمهم يتم تثقيفهم بخط الرابطة النظري السياسي , وكانت طريقتي تقوم على تثقيف هؤلاء وتسليحهم بمنهج فكري يقوم على اسس مادية عقلية يستطيعون بواسطته محاكمة برامج القوى السياسية في الساحة ومن ثم اختيار الأقرب الى قناعاتهم .
لم أضيع وقتي فقد عملت بجد من اجل ذلك وأنتجت بعض الدراسات التي وزعت على الرفاق لينشطوا من خلالها.
1- حول المسألة الأساسية في الفلسفة , عنوتها – المادة والوعي –
2- قوانين الديالكتيك وتجليها في المادة والطبيعة
3- الفهم المادي لتطور التاريخ ( رفضت تسميتها الشائعة , المادية التاريخية
4- الاقتصاد السياسي الرأسمالي كما فهمه ماركس
كانت الدراسة الأخيرة عصية على الفهم من قبل بعض الرفاق فقمت بتبسيطها من خلال دراسة ميدانية جمعت معطياتها من رفيق كان يعمل في مكلسة صغيرة خارج المدينة لرجل أعمال حموي تجمعه به صلة رحم
وقفت على التفاصيل التي مكنت رجل الأعمال من شراء قطعة الأرض ومن ثم بناء الفرن في داخلها وما يمكن ان يعرف برأس المال الثابت اللازم لعملية الاتناج
اما الراسمال المتحرك فقد قسمته الى قسمين
- قسم يلزم لنقل الحجارة اليومية ولمادة الفيول الضرورية للاشتعال
- وقسم لأجور العمال اليومية
تتبعت الناتج اليومي – أكياس كلسية تباع يوميا بالسوق
كان في المكلسة خمسة عشر عاملا على ما اعتقد , اجر الواحد منهم يوميا ثمان ليرات سورية , وهي بالكاد تكفي لتجديد قوة عمل العامل - وما يلزمه لذلك من سكن وطعام وشراب - الخالقة لكل قيمة , اما رجل الأعمال فيتكدس رأس المال في جيوبه , وقد يفكر بمشروع آخر جديد يديره عبر التلفون يبيض له فيه رأسماله الثابت ذهبا .
تجلت عبقرية ماركس في دراسته لقوة العمل , وأجمل مافيها كلامه عن تلك البضاعة المختلفة عن بقية البضائع بكون سعرها تدخل فيه عوامل تاريخية وأخلاقية .
لازلت مقتنعا بتحليل ماركس عن آلية عمل الرأسمال . المشكلة كمنت بالنتائج التي بنى عليها نظريته آنذاك ودعا فيها الى قلب النظام الراسمالي
لو ان ماركس كرث جهوده لرفع قيمة تلك البضاعة وتحسين عواملها التاريخية والأخلاقية بدلا من التفكير بقلب نظام الانتاج الراسمالي الذي كان حديث العهد آنذاك , لو فعل ذلك لجاءت خدمته للطبقة العاملة أضعافا مضاعفة .
كنت آمل أن توزع المنظمة تلك الدراسات وتعممها على المنطقيات ولكنها لم تفعل ذلك , والمهم أنني أنجزتها قبل صدور خط المنظمة الاستراتيجي الذي نقلناه من لبنان على ظهور الجمال , وكان أربعة عشر كراسا مطبوعة بشكل أنيق ومطورة عن الدراسات السابقة التي تم اصدارها افراديا الواحدة تلو الأخرى
وبما انني كنت محترفا ولا احد يعرفني في حماه , فقد كلفني الرفاق بتوزيع الخط الاستراتيجي . حيث أعطوني قائمة بأسماء الشخصيات المطلوب إيصالها إليهم , وفعلا قمت بذلك , وكنت في كل مرة اكرر اللازمة التالية التي اخترعتها مخيلتي
رابطة العمل الشيوعي تقدم لك خطها النظري السياسي وترجو منك ان تقدم ملاحظاتك كي تستفيد منها عند اول صياغة جديدة لها
ان الرابطة تأخذ بقول انجلز – النضال على ثلاثة مستويات نظري وسياسي واقتصادي وقول لينين بعده – لا حركة ثورية من دون نظرية ثورية –
طرائف متنوعة حدثت معي وأنا أقوم بتوزيع الكراسات
- أحدهم فتح لي باب داره وقبل ان أتم فاتحتي أغمي عليه أمامي فتركته بحاله ووليت الأدبار
- آخر هددني بالاتصال بالأمن
- آخر نصحني بالاهتمام بدراستي بدلا من تضييع وقتي بالعمل السياسي
- آخر قال علينا ان نحمي شباب الرابطة بحدقات عيوننا
صدفة بائسة أنهت احترافي في مدينة حماه كان لها وقع مؤلم في نفسي . فقد سببت لي الدخول الى المستشفى الوطني والمكوث فيه عشرون يوما داخل غرفة فيها أكثر من سبعة أسرة تحمل أشخاصا معمدين بالجبس , يتغوطون تحتهم
كان البيت الذي استأجرته ,بيتا عربيا قديما في قلب حارة (البرازية الاقطاعية ) له ساحة وباب عريض يوصد من الداخل بقضيب حديدي غليظ , كنت اسكنه انا ورفيق آخر كان صلة الوصل بين حماه ودمشق . دق الباب أحد ليالي تشرين المقمرة الساعة الرابعة صباحا , كان رفيقي مسافرا الى دمشق , اعتقدت بداهة انه هو الطارق . ولكنني عندما فتحت الباب وجدت جيشا من المسلحين يشرعون البنادق بوجهي وهم يصيحون : سلم نفسك لاداعي للمقاومة , ( في تلك الفترة بالذات كانت المنظمة تتوقع شن حملة قمع أشرس من الأولى لإنهاء وجودها التنظيمي ) أوصدت الباب من الداخل وأسرعت الى الطريق السري الثاني الذي اعتمدته لتلك الحالة . قفزت من أعلى السطح وباتجاه معاكس , فكسرت رجلي وكتفي , تمكنت من الوصول الى باب احد الأصدقاء في الحارة , وما هي الا بضعة ساعات حتى شاع الأمر في الحارة كلها ,
كان البيت الذي سكنته لامرأة ضبطها زوجها قبل سنين مع عشيق لها ,فطعن الاثنان بسكين حادة ثم قام بتسليم نفسه , ولما كان القاتل له سوابق عديدة فقد نقل الى سجن حلب , ومرت السنون وشفيت امرأته وتركت حماه وسكنت في دمشق , ثم فكرت باستثمار البيت عن طريق الإيجار فأودعته عند السماسرة , وكان أول مستأجر هو حضرتي . تمكن المجرم من الهرب , فظنت الشرطة انه سيأتي الى البيت ليقضي على زوجته التي لم تمت في المرة الأولى , وبالتالي شكلت دورية مشتركة من شرطة حلب وحماه فدقوا الباب لأفتح لهم انا , وعندما تجمهر الجيران , اخبروا الشرطة بان طلابا يستأجرون البيت , فاعتذروا عن إزعاجنا ,
قام صديقي بعد ذلك بنقلي الى المستشفى بعد ان تورم كل جسدي , سلمني الى قسم الاسعاف قائلا انه لايعرفني شخصيا بل رآني أمامه في الطريق بعدما سقطت بسبب ممارستي بعض الألعاب الرياضية القاسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة