الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين معطفين......

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2019 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بين معطفين.....
قبل عام او عامين كتبت عن رواية الكاتب الروسي الكبير نيقولاي غوغول " المعطف " التي وصفها الأديب العملاق دوستويفسكي بأنها " الرواية اللي خرجت من عباءتها كل الروايات الواقعية التي ظهرت في روسيا "، واقتبست حينها من الرواية التي تتحدث عن شخصية موظف نمطية اسمه (أكاكي أكاكوفيج) كان محط سخرية وتندر زملائه في العمل بسبب معطفه الرث، مما دعاه في نهاية المطاف الى خياطة معطف جديد، ارتداه بعد انجازه، متفاخرا امام زملائه.
يقرر زملائه في العمل ان ينظموا احتفالاً بمناسبة ارتدائه لمعطف جديد بدل معطفه القديم. وتجدر الاشارة هنا الى ان تنظيم مثل تلك الاحتفالات لا يدل اطلاقا على ان زملاء اكاكي اكاكوفج كانوا فرحون بمعطفه الجديد وانهم كانوا عن حق يتمنون اقتنائه لمعطف جديد بدل معطفه المتهريئ الذي كان موضوعهم اليومي للسخرية والتندر. بل هو تقليد عند الروس اختراع سبب للقاء واحتساء الخمر والفودكا.
وفي ساعة الاحتفال حضر أكاكي أكاكفج فخوراً ومزهواً بمعطفه ألجديد، وبكل عناية خلعه وعلقه على شمعاعة في ألممر قبل ألتوجه لغرفة ألاحتفال. جلس اكاكي اكاكوفج بين زملائه، مبتسما على غير عادته، على امل ان يسمع حديث الثناء والمديح للمعطف الجديد وذوقه في اختياره وطريقة خياطته. الا انه لم يسمع شيئ من ذلك ولم يتذكر زملائه المعطف الا حين رفع الكؤوس الاولى بالمناسبة.
ولكن ما ان دارت الخمرة في الرؤوس حتى انشغل الجميع بالحديث عن هموم اخرى لا علاقة لها بالمعطف، ليكتشف أكاكي أكاكفج أن أصحابه غير مهتمين لا به ولا بمعطفه ألجديد. ولم ينتبه له أحد منهم لا عندما كان جالسا بينهم ولا عندما غادر ألاحتفال والاسى يسيطر عليه. وفي الممر، قرب باب الخروج، يتفاجأ بأن معطفه، الذي كان سبب الاحتفال، قد سقط من الشمعدان الذي علق عليه وتكوم على أحذية ألضيوف ألوسخة.
مشكلة البعض من حديثي العهد بالسياسة ومن كان مستلبا سياسيا ايام حكم البعث المقبور انهم اليوم يقفزون على الوقائع التاريخية للعراق لمجرد ان يساهموا في ابداء الرأي بالحدث التاريخي دون ان يكون لديهم اي عمق سياسي او اهتمام حقيقي او ارتباط مصيري بالحدث نفسه. اليوم تصادف الذكرى السنوية لثورة 14 تموز 1958 التي غيرت طبيعة النظام الحاكم واليات الحكم ومنظومته القانونية، وهي فرصة للكثيرين من الكتاب الحريصين على مستقبل بلدهم في ان يبدون رأيهم في هذا الحدث التاريخي، ويتناولونه في قراءة جديدة تدلل على ان اقلامنا تطل من منصة زمنية اخرى ابتعدت عن تلك التي زامنت الثورة.
ولكن ما العمل مع الذين لا يكتبون الا لهوا وعبثا كأصحاب اكاكي اكاكفج، خاصة اولئك الذين صنعت افكارهم الماكنة الاعلامية لصدام حسين وعداهم من منتسبي الاحزاب السياسية التي هيمنت على العراق بعد 2003 . مرددين دون ملل وعام بعد عام نفس الحجج التي تدعوهم لمعادات ثورة 14 تموز عام 1958 ليس عن افلاس فكري وسياسي فقط بل ولترسيخ قواعد متخلفة لادارة الدولة اقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا ولتحصين هذه القواعد الاخيرة من اي تغيير يعصف بها.
انا ايضا ضد ان تدار الدولة من العسكر ولكن هذا لا ينفي انه في ظروف تاريخية محددة يكون للعسكر دور محوري في الاطاحة بانظمة عميلة ودكتاتورية وترسيخ بناء نظام جديد يتجاوب مع تطلعات الشعب كما حصل في فرنسا التي تم تحريرها وبناء دولتها الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الجنرال ديغول او الاطاحة بالنظام الملكي المتفسخ في مصر من قبل العسكر في بداية النصف الثاني من القرن الماضي وبناء نظام تقدمي وتحرري بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رغم كل الملاحظات على طبيعة الحكم في ذلك الوقت.
وانا ايضا ضد العنف، حتى وان كان عنفا ثوريا، الا اذا قوبلت الثورة بعنف مضاد، لذا لا اتفهم تماما اسباب الاحداث الدموية غير المبررة التي رافقت ثورة 14 تموز، مع انه وليس من قبيل التبرير فان الثورة المضادة كانت قد شرعت انيابها وتحركت دول عظمى لوأد الثورة في ايامها الاولى. ولكن في اي من الثورات الكبرى على مر التاريخ لم تحصل احداث دموية ابتداء من كومونة باريس مرورا بثورة اكتوبر في روسيا ووصولا الى الثورة الاسلامية في ايران وغيرها. على انه، مهما بلغ العنف مستويات غير مقبولة في الثورات على الانظمة العميلة والمعادية لمصالح الاغلبية الساحقة من الشعب، فان اعمال العنف التي رافقت ثورات الردة او الثورات المضادة كانت قد تجاوزت كل المقاييس في دمويتها وعنفها.
ينسون عن عمد ان ثورة 14 تموز في فترة وجيزة قدمت انجازات هائلة، أترك للمؤرخين المحايدين سردها لعدم اتساع المقالة لها، ولكن هذا لا يعني انها بدون نواقص، ولولا نواقصها بالذات في مجال ادارتها السياسية لما كنا على ما نحن عليه الان، وحسب المرء ان يعي النواقص، كما يقول لينين، وهو يعادل في العمل الثوري اكثر من نصف اصلاح الخطأ.
يبقى فقط ان اسألكم، مع علمي بأن التعويل على انصافكم ضربا من الخيال، ما الذي انجزه صدام حسين طيلة فترة حكمه التي تجاوزت الثلاثين عاما، وكم من الدماء سالت على ارض الرافدين في فترة حكمه، هذا دون حاجتي لتذكيركم بالمجازر التي ارتكبتها "عروسة الثورات" عام 1963 ، وبالمناسبة فان صدام حسين لم يكن عسكريا والذين جاءوا بعده تحت رايات الاسلام السياسي لم يكونوا كذلك عسكريين. وهذا ليس بيت القصيد، فأنا كما ذكرت لا ادافع عن الحكم العسكري حتى وان ذكرت امثلة لصالحه الا انها ليست القاعدة.
وهل من حاجة اليوم لأن نتساءل عن الانجازات التي تحققت للشعب العراقي منذ بداية هيمنة الاسلام السياسي على الحكم وحتى يومنا هذا مع ميزانية انفجارية وانفتاح اقتصادي على كل دول الغرب والشرق، وهنا ايضا لا تتسع مقالتي لتعداد الاخفاقات والهدر المفرط للمال العام والسرقات والفساد مع غياب ابسط الخدمات التي من اولويات اي دولة توفيرها لمواطنيها، أما عن العنف والقتل على الهوية والكواتم وعصابات الجريمة المنظمة والتدمير الممنهج لاسس بناء الدولة المدنية فحدث ولا حرج.
شتان بين زملاء اكاكي اكاكوفيج الذين ثرثروا وسخروا لهوا وعبثا لقضاء الوقت والتخلص من الملل دون حقد على التغيير وبين من يعبث بحقائق التاريخ كي يقنع العراق بان معطفه الرث كان هو الافضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة