الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الروائع التأملية لعباس كياروستامي - ل جيوف آندرو / ترجمة وأعداد مرتضى محمد

مرتضى محمد
(Murtadha Mohammed)

2019 / 7 / 16
الادب والفن


* من أين تبدأ مع عباس كياروستامي؟

الأفلام تلهم الشغف بصورة كبيرة لكن فهرست خلفية(الكتالوج) لتاريخ الأفلام يمكن ان يكون شاقاً. كل معجب مهووس بممثل أو مخرج أو أيّاًّ من مناحي الفلم الأخرى؛ يشكل له هذا الهوس كفاح آخر لمعرفة من أين يبدأ، ففي بعض الأحيان كل ما يتطلبه الأمر (حول تلك الأمور التي ذكرت آنفاً) التوصية الصحيحة لتدلك على طريقك من البداية حتى الالمام بكل شيء -تقريبا -. من اجل ان تتشكل لديك تلك التصورات التي تأخذك لهاجسك التالي: الروائع التأملية لعباس كياروستامي.

* لماذا قد لا يبدو هذا سهلاً؟

قبل وفاته المفاجأة سنة (2016) اعتبر عباس (كياروستامي) أحد أعظم صناع الأفلام على قيد الحياة. حيث أشاد به أولا ً (أكيرا كيروساوا/ Akira Kirosawa) و (جان لوك غودارJun-Luc Godar)، ثم عزز تلك المكانة أشاده كل من (مارتن سكورسيزي/Martin Scorsese) و (مايكل هاينكه/Michel Haneke) و (فيرنر هيرزوغ/Werner Herzog)؛ مع ذلك لم يكن مشهوراً بعد خارج دائرة (سيني فايل/Cinephile) (2). ان عمله السينمائي يتميز بكونه: ذو تحسس تمييزي فريد، متعَبٌ بقلقة للغاية، ومختلف جدا ابتداءً من الاتجاه السائد/التيار الرئيسي، ولغاية الوصول الى أوسع قاعدة من الجمهور.
لكن هذا لا يعني بالضرورة ان أفلامه غامضة أو يصعب متابعتها، بل في الواقع انها في معظمها تتعامل مع شخصيات اعتيادية (عادة ما يلعب أدوارها غير المحترفين) في حالات اعتيادية معروفه. فحبكة أفلامه تكون سهلة وبسيطة للمتابعة، ومع ذلك تبقى ان هناك احتمالية المشاهدة مرة ومرتين وثلاث حتى يمكن الحصول على فهم جيد لما يبتغيه (كياروستامي) في أفلامه.
المشكلة بالنسبة للبعض هي النبرة والسرعة في أفلامه فاذا كنت تستعمل تلك الاضطرابات، او الاصطدامات النفسية او الكلمات العنيفة (ما يصطلح عليها في هوليوود بــ Wham-bam) بتوصيفها العالي ومسلسلها القصصي (والمفضلة في هوليوود وفي بعض السينمات الشعبية الأخرى). فكياروستامي أكثر هدوءً بمزيد من منهج المقاربة التأملية في رواية القصص التي قد تستغرقنا بعضاً للتعود عليها. فالنسبة للشخص الذي لديه معرفه واسعة وعامة في المسرح السينمائي والذي يتخصص في الأفلام التجريبية او الفنية تبدو له الأفلام الإيرانية/كياروستامي، غريبة بعض الشيء؛ وذلك السبب يرجع الى ان كياروستامي هو شاعر مهم، ومصور، الى جانب كونه كاتبا ومخرجا فهو حقا -قطعا-يرى الأشياء بشكل مختلف عنا كونه ينظر الى الأشياء بمنظور مختلف وبصبر أكبر، طارحاً مختلف الأسئلة عن العالم وعن نفسه. علاوة على ذلك هو ليس من نوعية (سيني فايل/Cinephile /الجزء المتعلق بصناعة الأفلام)؛ فهو لم يكن مهتما على الاطلاق بصناعة الأفلام الترفيهية التجارية ولم يقم ابدا بتصوير فلم وفقا للأنواع التقليدية، لم تكن الأفلام الأخرى التي دفعته لصناعة الأفلام بل الحياة وافكارها التي لا حصر لها، والمنتشرة في فضول عقله وعميق خيالة؛ كل تلك هي التي دفعته لصناعة أفلامه.

* ما الذي يميز فلم كياروستامي؟

حسناً، شخصياته اكثرها تدور حول التجارب الفردية البسيطة لتحصيل فهم أفضل لكيفية عمل العالم ومحاولة إيجاد مكانا أفضل لها ضمنه وذلك بالتفاوض على طريقة معقولة من اجل التواصل مع الاخرين للقيام بالأمر الصحيح (ربما من غير المفاجئ ان العديد من أفلامه المبكرة كانت تتعلق بالأطفال). فهم غالبا /شخصياته -لكن ليس دائما-ما ينطوون على بحث او رحلة سواء كانت جغرافية او عاطفية او خلاقية او روحانية ويميلون الى ترك بعض التفاصيل مبهمة او غير واضحة ذلك ان كياروستامي يحب ان يجعل رواد السينما/الجمهور متصلين بشكل تفاعلي/ابداعي مع عمله، حيث ما تم حذفه أو ما تم عدم اظهاره يمكن ان يكون كاشفا لما هو مضمن أو مشاهد، هذا له مزاياه فعلى على الرغم من ان أفلامه مفهومة تماما في المشاهدة الأولى ففي إعادة المشاهد بصورة متكررة تصبح المشاهد أكثر ثراء وأكثر (رنينا)(3) وأكثر غموضا. ففي فلم (نسخة مصدقة/Certified copy) سنة 2010 والذي كانت أكثر ميزة تجارية له هو تفاخره بوجود النجمة الكبيرة (جولييت بينوتشي/Juliette Binotche) في محاولة الفلم لإظهار صوت الثنائي (او هل هما زوجين؟) خلال رحلة قصيرة في إيطالية بأثارته مزيدا من الأسئلة حول طبيعة علاقتهما الدقيقة كلما شوهد الفلم أكثر. أيضا في فلم (طعم الكرز/Taste of Cherry) سنة 1997 والفائز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، الذي ينتهي بتسلسل رائع يلغي كل ما رأيناه للتو في ضوء جديد.

* أفضل مكانا للبدء هو (ثلاثية كروكر Kroker trilogy! ) 4

نظرا لان أفلام كياروستامي تميل الى النمو كما لو كانت كائنا طبيعيا في عالم مثالي من اسلافها السابقة قد يكون من الأفضل مشاهدتها حسب ترتيبها، فكياروستامي يقدم لنا طرق ممتعه وسهلة للغاية في أعماله فمن خلال فلمه (الخبز والزقاق/Bread and Alley) الذي ظهر اول مرة سنة 1970 وتصويره حكاية رمزية لطفل صغير، ثم صورته الأخرى التي نقلها في فلم (المسافر/The traveller) سنة 1974 حول طفل يريد ان يفعل أي شيء من اجل تحقيق حلمة القاضي بذهابه الى طهران لمشاهدة مباراة في كرة القدم.
لكن للحصول على المشهد الكامل الذي يريد فيه كياروستامي تحقيقه من خلال مزيج من البساطة السردية والتعقيد الموضوعي الفني، والعمق العاطفي؛ فسيكون من الأفضل مشاهدة الأفلام الثلاثة والتي تعرف أيضا بــــ (ثلاثية كروكر/ (Kroker trilogy، وهي توالياً:
1. (أين منزل الأصدقاء/Where is the friend s house) سنة 1987.
2. (وتستمر الحياة/ (And life goes on سنة 1992.
3. خلال أشجار الزيتون/Through the Olive trees) سنة 1994.

ففي الفلم الأول صبي ذو روح فضية، تحبط محاولاته باستمرار في تقديم المساعدة لزميله في الصف الذي يقع في مشاكل مع حل الواجب المنزلي؛ لم تتم رؤيته على انه له لمسة عميقة، لكن مع ذلك يعطيك شعور بذكاء اللمسة وكأنه قطعة من الواقعية منمنمه ذات شكل معدل بصورة قليلة. لكن بعد ذلك في الفلم الثاني يعطيك نوع من التتمة بتحويله المشهد من خلال التركيز على صانع أفلام يسافر مع ابنه الى القرية التي تم تصوير اول فلم فيها؛ لمعرفة ما إذا كان الصبيان اللذان ظهرا في الفلم قد نجيا من زلزال مدمر. وجهة النظر الجديدة في هذا الفلم هي توسيع للصورة (الطبوغرافية والأخلاقية) الى حد كبير.

وأخيرا وليس آخراً، في الفلم الثالث يتغير الإطار مرة أخرى بحيث نجد مخرجا آخر يصور مشهداً من الفلم الثاني حيث تصبح المشاعر الحقيقية والعواطف التي يدعو اليها نص السيناريو في الفلم الثاني ذات شكل هزلي لكن بشكل محزن متشابك. مرة أخرى، يتم تكبير الصورة الشاملة للحياة في قرى (كوكر)، بشكل منمق وثري ومقوى في الجودة والقيمة، تاركا لنا إمكانية التفكير فيها من خلال وجهات النظر المتعددة. ان تجربة مشاهدة الأفلام الثلاثة (المذكورة آنفاً) بالترتيب تعطينا تجربة مبهجة نظرا للكيفية التي صنعت فيها.
لكن ان كان الوقت قصير يمكنك ان تختار رائعة (عن قرب/Close-up) سنة 1990 والذي تبنى فيه منهجًا متعدد الرؤى يشكل حالة مماثلة فيما يخص التحقيق في حالة شاب في محاكمة غريبة وذلك من اجل اخبار العائلة التي زعمت أنه كان ينوي الاحتيال على المال عن طريق الوعد بإنتاج فيلم عنهم. ان هذا الشاب هو المخرج (محسن مخملباف) (5). على الرغم من أن القضية غير معتادة ومعقدة، وعلى الرغم من ان كياروستامي قد جمع من خلال اللقطات المتعددة في قاعة المحكمة لإعادة بناء الاحداث والمقابلات المباشرة مع الكاميرا من أجل ربط القصة من مجموعة من وجهات النظر؛ لكن النتائج لا يمكن ان تكون أكثر شفافية أو أكثر أضاءه، هذا يأتي بنا الى إدراك ان المتهم بعيدا عن كونه محتال ومتلاعب، هو في الواقع انسان محترم جداً، ضحية، ربما ليس للمجتمع فقط بل ضحية أيضا لماكنة الأكاذيب الساحقة التي هي السينما نفسها.
بمجرد اعتيادك على كشف قوافي وتكرارات كياروستامي، وحذفه المفشي للسر، وفكاهته اللطيفة، والتعليقات الجانبية الماكرة تلك الأمور جعلها المخرج تحيط بالدور المتناقض الذي تلعبه الأفلام في الاحداث.
ثم من الأفضل المتابعة الى الامام خطوة بخطوة نحو المذاق المخرّب والقاتم والجليل للكرز، الرائع بصريا، والساخر بلطف والمنعكس ذاتيا في فلم (الرياح سوف تحملنا/The wind will carry us) سنة 1994، ثم (الراديكالي) التجربة، ذو الحد الأدنى من أجور الصناعة، المستحوذ تماماً على الانتباه، فلم (10(سنة 2002.
حيث يمثل الأخير نظرة شجاعة وعطوفة للغاية لمحنة النساء الإيرانيات التي تتكون بالكامل من (10(محادثات جرت بين سائقة شابة مطلقة وبين مختلف الركاب الذين يكونون معها. الفلم قد يبدو خانقًا ومملاً؛ لكنه ليس كذلك؛ حيث تمثل السيارة مساحة عامه وخاصة أيضا للناس للبوح عما في عقولهم وقلوبهم، (10) عروض متصلبة، شبه وثائقية، ثم في الاخير تتحرك الحسبة بصورة غير معقولة لتشمل سياسة الجنس والجنسية للأجيال في طهران المعاصرة.

* من أين لا تبدأ مع عباس كياروستامي؟

ربما لا يجب ان تبدأ رحلتك مع كياروستامي بفلم (خمسة /Five) سنة 2003 أو فلم (شيرين/Shirin) سنة 2008 (تجارب رقمية بسيطة لا تتجاوز 10) أو حتى مع الأفلام المتأخرة ذات الميزانية الأعلى كفلم (نسخة مصورة والذي صور في توسكاني/ايطاليا) وفلم ("شخصا غارقا في الحب" والذي صور في طوكيو)؛ هذه كلها أفلام رائعة للغاية، ولكن لكي نفهم تماما ما كان يقوم به كياروستامي، فمن الأفضل أن ترى ثلاثة أو أربعة من الأفلام السابقة أولاً. وعلى نحو مماثل في الأفلام الوثائقية المبكرة مثل فلم (المواطن الزميل/Fellow citizen) سنة 1983 أو فلم (واجب منزلي/Homework) سنة 1989 فان صرامة كياروستامي فيها جعلت عرضها في نهاية المطاف يستخدم التكرار الذي يفتح العين مشكلة عرضًا صعبًا إلى حد ما. لكن عندما تكون مدمنا، فان كل شيء يصبح يسير (كما يقول المثل).
هو بعد كل هذا أحد عظماء السينما الحديثة؛ وإذا كنت في شك جرّب قصيدتين من قصائده المبكرة جدا وهما (حلين لمشكلة واحدة/Two Solution For One Problem) سنة 1975 و (منظم أو غير منظم/Orderly´-or-Disorderly) سنة 1981، وهذا دليل على أنه قبل أن يعرف عمله في الغرب بوقت طويل، كان يصنع أفلامًا لا تشبه إلى حد كبير أي شيء آخر...

... كان هذا هو العابث، والمزعج، والمؤذي بجمالية: عباس كياروستامي.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ناقد سينمائي ومبرمج ومحاضر لمدة أربعة عقود. يعمل أيضًا كمساهم منتظم لمجلة "الرؤية والصوت/Sight and sound". كتب العديد من الكتب عن السينما وهي تشمل دراسات لأفلام (نيكولاس راي)، وأفلام العصابات في (هوليوود)، وصانعي الأفلام الأمريكيين "المستقلين" في الثمانينات والتسعينات. المصدر / http://www.bfi.org.uk/people/geoff-andrew)) و (https://geoffandrew.com/about/) لمزيد المعلومات عن الكاتب. علما ان المقالة أعلاه نقلا عن:
(www.bfi.org.uk/…/news…/features/where-begin-abbas-kiarostami).
(2): هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الاهتمام الشغوف بالأفلام، ونظرية الأفلام، والنقد السينمائي. هذا المصطلح عبارة عن مزيج لغوي من الكلمات (portmanteau) فـــــ (Cina) ترمز (للسينما) وphilia))، واحدة من الكلمات اليونانية القديمة الأربعة للحب. / المصدر (https://en.wikipedia.org/wiki/Cinephilia#cite_note-generis-2).
(3): استخدم تلك المفردة (resonate / رَنّ) كونها تجعل (العمق والوضوح) اللذان تحملها سينما عباس كياروستامي يرنان في ذاكرة المتلقي. (المترجم)
(4): مصطلح أطلق على ثلاث أفلام للمخرج عباس كياروستامي من قبل النقاد ومنظري الأفلام وليس من قبل كياروستامي نفسه والأفلام هي كما اشير اليها في أعلاه. المصدر / https://en.wikipedia.org/wiki/Koker_trilogy)).
(5): مخرج أفلام إيراني وكاتب ومحرر أفلام ومنتج. قام بأكثر من 20 فيلماً روائياً، وحاز على 50 جائزة، وكان عضوا في أكثر من 15 من المهرجات السينمائية كبرى. المصدر/ (https://en.wikipedia.org/wiki/Mohsen_Makhmalbaf).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق