الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشرات متعددة على نهاية حزب العدالة والتنمية المغربي

الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي

2019 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الغضب الشعبي والتذمر الجماعي من انخراط حزب العدالة والتنمية في اصلاحات عشوائية لاشعبية تضرب القدرة الشرائية للمواطن العادي استجابة لتوجهات النظام وخدمة لاجندات المؤسسات الدولية انعكس سلبا على الحزب ذي المرجعية الاسلامية الذي اسندت له مهام تسيير البلاد لولايتين كانت كافية لاغراق الوطن في الديون وانتشار الفساد في مؤسسات الشعب وانعدام عدالة اجتماعية لغياب استراتيجية سياسية تبلور على ضوئها التوجهات العامة للمطالب الجماعية والسعي الى تحقيق تنمية متوازنة تمكن من الاستقرار لباقي افراد الشعب.
قبل الامعان في قراءة انحراف حزب العدالة والتنمية واختزاله للعمل السياسي في تمرير توجهات الدولة العميقة لابد من استحضار تدخلات الحزب في الملفات الكبرى والنتائج السلبية على شرائح المجتمع والاصلاحات المحتشمة والمتذبذبة التي باشرها في القطاعات الحساسة نظير الصحة والتعليم والعدل والامن باعتبارها قطاعات حيوية مرتبطة بالمعيش اليومي دون اشراك الفاعلين والمعنيين الحقيقيين بالقطاعات الحيوية في ايجاد حلول ناجعة لمجمل الملفات الشائكة والمستعصية.
هناك شبه اجماع حول فشل حزب الباجدة في اخراج قطاع التعليم العمومي من الازمة وبالمقابل انتعاش اكيد وملموس للقطاع الخاص الذي تراهن عليه الحكومة الخلاسية كما تراجع قطاع الصحة بشكل مهول واصبحت المستشفيات تنتج الاعاقة وجميع الامراض المستعصية ونفس الامر يقاس على قطاعي العدل والامن بالنظر الى ارتفاع منسوب الجرائم وتقاعس الاجهزة في وضع مقاربات كفيلة بضمان حقوق المواطن وحفظ امنه وسلامته ناهيك عن تفشي الزبونية والمحسوبية والرشوة في القطاعات الانفة لغياب تصور عقلاني يستمد الياته الاصلاحية من الحالة العامة ويسعى الى حماية الطبقات المسحوقة من تغول الادارة التي لم تتطور ولا تقدم خدمات في المستوى لغياب المسائلة والمحاسبة وتوقيع الجزاء.
مشاركة حزب العدالة بالمغرب في الحكومة ربما ستكون اخر حلقة في التجارب السياسية التي دشنها القصر بعد تجارب الاحزاب المخزنية التي هيمنت على المشهد السياسي طيلة 50 سنة من استقلال المغرب سياسيا والتي افرزت معارضة شرسة ووجهت بالقمع والاعتقال والتنكيل والنفي والقتل، لتليها تجربة التناول التوافقي الذي دشنته احزاب الصف الوطني والديمقراطي بتوافق مع النظام الحاكم الذي اضطر بناء على اكراهات متعددة داخلية وخارجية ورغبة في طي صفحة سنوات الرصاص وما تلاها من مصالحة وتعويض مادي في اطار تفعيل برنامج جبر الضرر الجماعي والفردي لكن التجربة القصيرة اجهضت حلم شعب بكامله في الحرية والعدالة والمساواة وردم الهوة بين طبقات الشعب في الاستفادة من الثروات الطبيعية للوطن التي ما تزال متمركزة في ايدي الدوائر المقربة من الاسرة الحاكمة والحلقات المرتبطة والمتشابكة والمساهمة في اللعبة.
فانخراط حزب العدالة بالمغرب في تدبير شؤون البلاد لعقد من الزمن لم يقدم النتائج المتوخاة والمطلوبة على جميع المستويا والاصعدة بل اعاد تكرير وتدوير نفس السيناريوهات السابقة الفاشلة في العمق بل زادت التجربة الملتبسة والهجينة في مفاقمة الفقر والبطالة واغراق الدولة في الديون الخارجية مما عجل بتآكل مصداقية الطبقة السياسية المتهرئة البعيدة في الغالب عن تطلعات الشعب ورغباته في الانعتاق من الاسر والتبعية الاقتصادية والاجتماعية للوبيات المهيمنة على الثروات والمتحكمة في القرارات والتي تؤكد بالجزم والقطع ان الاحزاب السياسية المشكلة للاغلبية الحكومية لا تعدو عن كونها ديكور تؤثت الفضاء العام وتنفد طواعية اجندات القوى الرسمالية وهذا المعطى الواضح والبين سيزيد لا محالة من عزلة الاحزاب او ما تبقى منها بالنظر الى الاسهال الذي اصاب الغالبية العظمى التي يبقى وجودها في الساحة بعطف ورضا المخزن الذي يدير بحنكة شروط اللعبة و الاطراف المساهمين فيها.
مؤكد ان فقدان القاعدة الجماهيرية المتقلصة والمنكمشة سيثير اشكالات مستقبلا في التعاطي مع السياسة وسيزيد من تعميق ازمة الاحزاب خصوصا ان غالبية الشباب تركب قوارب العزوف وترفض الانخراط في العمل السياسي والانتماء الى احزاب يرى فيها اوعية متواطئة على مستقبله وحريته وامنه واستقراره.. كما ان التجارب السياسية المغربية كشفت بما لايدع مجالا للشك والريبة ان جميع الاطارات السياسية مستنسخة ولا فرق في المرجعيات والاديولوجيات الا الشعارات الديماغوجية المبسترة التي تبيع الوهم وتمارس التنويم المغناطيسي على الطبقات الكادحة، فالقواسم المشتركة الظاهرة والخفية تتجلى صراحة في البحث عن المصالح الخاصة والرقي الاجتماعي بمعنى تقسيم المغانم وهذا المنحى الانتهازي سلكه ايضا الحزب الاسلامي الذي سيجد صعوبة كبيرة في الاستحقاقات القادمة في الحفاظ على موقعه المتقدم في رئاسة الحكومة بل لربما سيخرج الى المعارضة كما حصل مع حزب عبد الرحيم بوعبيد بعد استهلاكه واستنزافه من قبل السلطات وتحويله الى وعاء فارغ بدون توجه ولا مرجعية سياسيةيعاني من الانقسامات والصراعات الفارغة وبدل ان يظل محافظا على الارث التاريخي لخيرة المناضلين والمثقفين الشرفاء فضل الانخراط في اللعبة والقبول بحقيبة وزارية وبعض مناصب الشغل.
في البداية ظهر الحزب الاسلامي بمثابة الرهان السياسي الواحد الحامل لمشروع اصلاحي طموح وحلول راديكالية لاشكالات الرقي والتقدم والتمدن القادر على معالجة ما افسدته الحكومات المتعاقبة هذه الطروحات البراقة لقيت تعاطفا كبيرا من فئات المجتمع التي رات في الحزب الاسلامي الخلاص ورغبة قوية للانتقام من الاحزاب التقليدية المتهاكلة التي خدلت اجيالا بكاملها والمتصارعة على الزعامة والمسرؤوليات مما اسهم في انشقاقها وانشطارها الى احزاب قزمة( حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية- التقدم والاشتراكية- منظمة العمل الديمقراطي الشعبي...) لم تعد مؤثرة في الساحة وبدل ان تكون قوة دفع ومرجعية في الفكر والمعرفة اصبحت تابعة تبحث عن الخلاص النفعي في الحزب الاسلامي الذي انصهر بشكل كلي في الغرف من الامتيازات والسفريات والزواج والتطليق...ولم يعد قوة جدب وتاثير بدليل الحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب في الشمال وبعض الاقاليم على خلفية مطالب اجتماعية صرفة -الصحة التعليم والشغل والامن- ولم تستطع القوى السياسية على اختلاف الوانها ايجاد مدخل وارضية للانخراط في الحوارات مع القادة الميدانيين لوقف الاضرابات لفقدان الاحزاب المصداقية واعتبارها امتداد للمخزن وادواته الطيعة والمنقادة ثم حتى لو فتح باب الحوار فان اقصى ما ستقدمه الفعاليات السياسية رزمة من الوعود العصية على التطبيق في زمن قياسي كما ان مطالب الشعب ليست وليدة اللحظة بل هي تراكمات لغياب الارادة الشجاعة و الواعية في خلق التنمية المستدامة في الاقاليم لتوفير سبل العيش الكريم عبر استثمارات ضخمة في القطاعات الانتاجية.
كما ان الحراك الشعبي في الريف والاعتقالات التي رافقت القلاقل الاجتماعية ورفض قادة الحراك الدخول في حوار مع (الدكاكين الحزبية) لانها لا تمثل الجماهير الشعبية وانها تخدم علانية مصالح لوبيات الفساد المالي التي تعد سببا في التوتر وخروج ضحايا السياسات الترقيعية الى الشارع لدق ناقوس الخطر زاد من عزلة الاحزاب وكشف بطبيعة الحال ايضا عن زيف شعارات الحزب الاسلامي الذي لزم الصمت وفضل انتظار مرور العاصفة التي توجت باعتقالات واسعة ومحاكمات وتطويق عسكري لمدن الشمال..فالاعتقالات انهت الحراك لكنها لم تنه اسباب النزول وتحول قضية حصار الريف الى وسيلة للمزايدات والتدافع السياسي البخس بل وصل الامر الى بعض الاقزام السياسية الى التشكيك في وطنية ابناء الريف...وفي جميع هذه المحطات الصعبة والقاسية لم يبادر الحزب الاسلامي صاحب 125 برمانيا في المؤسسة التشريعية ويعلن عن موقف صريح وواضح من مطالب اجتماعية زادت من جرعة الاحتقان والنفور والتذمر و تراجع التعاطف الشعبي مع مكون سياسي تم الرهان عليه لتحقيق التغيير المنشود في مغرب يحتكم الى الديمقراطية وحقوق الانسان ويصون الحريات الفردية والجماعية.. ففي سنة 2011 حمل حزب الباجدة الى السلطة بفعل خيارات الحراك الشعبي الذي ادى الى تعديل الدستور وتحقيق بعض المطالب التي لا تعد عن كونها رتوشات باهتة لا تستقيم مع حجم المطالب الكبرى التي يمكن ان تحدث تغييرا عميقا وحقيقيا في المغرب الحديث ولا نعتقد ان التاريخ سيعيد نفسه في الاستحقاقات القادمة خصوصا ان ثمة خصم قوي ومنافس شرس عينه على رئاسة الحكومة، كما ان حزب الباجدة ضيع الفرص في الحفاظ على قوته الجماهيرية بقبول املاءات في تشكيل الحكومة زادت من عزله شعبيا.

ورغم المحاولات المحتشمة التي يقوم به الحزب الاسلامي لاسترجاع الثقة عبر استغلال الاعلام وضخ الملايين في حسابات الجمعيات الموالية لكن وقف عمليات التفكك والتحلل الداخلي اصبح امرا عسيرا بالنظر الى الاستقالات الجماعية وسقوط مناضلي الحزب في ملفات اخلاقية وموبقات لا تعد ولا تحصى ناهيك عن تورط رؤساء جماعات في ملفات فساد مالي والاغتناء اللامشروع بل ان فساد الحزب امتد الى جميع مناحي الحياة عبر تمكين المقربين والتابعين من مناصب شغل دون سواهم وهذا طبعا كشف الوجه الحقيقي للحزب ذي المرجعية الاسلامية فسقوط الباجدة في بحر الملذات زاد من جرعة ازدراء الراي العام لتوجهات غير مقبولة مما وسع الهوة والشرخ..وحتما سيجد المخزن وسيلة لاستمرار الحزب الاسلامي في السلطة لما ابداه من تعاون وانبطاح في تنفيد الاوامر مما يجعله مرشحا مستقبلا للاستمرار في الحكومة المقبلة شريطة تزييف الارادة الشعبية لهندسة المشهد السياسي للاستجابة الضمنية لرغبة النظام ودوائر القرار للاستمرار في قبض خيوط اللعبة.
الحزب الاسلامي فقد الاشعاع وثقة القوة الناخبة التي اصبحت مطالبها واضحة لا تحتاج الى انتظارات وارتكاسات وهذا المعطى لا يمكن باية من الاحوال اعادة تعبئة الطاقات البشرية وتقديم الوعود مجددا ولن يكفي الابتزاز السياسي ولا التضليل الديماغوجي في استمالة القوة الناخبة التي تجرعت الخيبات وتعايشت قهرا وقسرا مع الازمات الاجتماعية والاقتصاية والثقافية والرياضية التي تعد نتاج سياسات سادرة رفع من منسوب الاختناق والانسداد في منهجية التطور المستقبلي امام انحباس المعارضة الغائبة والمغيبة ادوارها اذا استثنينا بعض الخرجات الباهتة التي تناوش الحكومة والمخزن لكنها بدون تاثير يذكر لغياب القوة الاقتراحية والمشروع المجتمعي المتكامل الذي يستطيع خلق حركية ودينامية واستقطاب كبير لممارسة الضغط لقلب الموازين وفتح جبهة موحدة لمحاكمة التجربة طمعا في الخروج من الانتظارية والجمود الذي يكبس على متماسكة للشعب الذي لن يجد خيارات للدفاع عن حقوقه المشروعة الانية والمستقبلية سوى بالخروج والاحتكام الى الشارع.
ان الحزب الاسلامي من خلال الممارسة ابتعد كلية عن المبادئ التي تميزه عن باقي التشيكلات السياسية الوطنية وتنصل بشكل فاضح من البرنامج الانتخابي الذي حددها مرجعا لتدبير شؤون المواطنين زد على ذلك ان الحزب الاسلامي يعيش حالة تيهان وانفصال بين الفعل والممارسة والشعارات النظرية المعطلين اللذين يكشفان عن تبلور خيارات سياسية تسقط مباشرة في الانعزالية والانطوائية والرهان على الميتافيزقيا لاعادة البناء وفق تصورات مغايرة تقدم شروحات مغلفة لاسباب الفشل في خلق الفارق واسباب الاستمرار في الحكومة ومحاولة احداث اختراق للمساجد والجامعات عبر الاذرع الدعوية التي تنشط بكثافة وتغدي الوعي الروحي الجماعي بالخطابات الجاهزة والتحريض والدعاية ضد الخصوم الوهميين لاستمرار العطف.
وقد اثبت الحراك الشعبي في الريف وفي مناطق اخرى من المغرب هشاشة تصورات الحزب الاسلامي الذي عرته التجربة لانه لم يستطع تقديم البديل بل اصبح جزءا من الواقع المتفسخ والمتحلل وبدا في انتاج الازمة الداخلية لغياب الديمقراطية في تقسيم المكاسب والمغانم وشلت حركته وامتداده القلاقل الاجتماعية في الريف وغيره..
ثم هل يعتقد مناضلو حزب العدالة والتنمية بانهم يناضلون في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والبحث عن مستقبل افضل للوطن رغبة في اعادة صياغة طريقة التفكير افضل بكثير من باقي الاحزاب المستنبثة في المغرب كل المؤشرات تذهب الى التاكيد على تهلهل توجه الحزب الاسلامي وفشلة في ادارة مصالح الامة لولايتين وزاد من منسوب الاحباط وان تجربة التحالف مع تيارات تحمل افكار ومرجعيات مغايرة لتشكيل الحكومة بين ان الحزب بعيد كل البعد عن النضوج الهادف للتغيير والتقدم لكونه لم يستلهم العبر من التاريخ القريب لتجارب مماثلة وفضل الانخراط في لفيف هجين مقابل مناصب وزارية والتموقع في مراكز القرار وهذه العطايا والهبات والاكراميات تعد في واقع الامر عامل استنزاف سيقوض مرجعيته الدينية ويقلص قاعدته ويشتت خزانه الانتخابي الذي يعاني الضمور والانكماش التدريجي والمزيد من التجزئة والانقسام. وهذا المعطى عاشت على وقعه اغلب القوى السياسية بسبب اختلالات بنيوية وغياب التناوب الديمقراطي السلس على المسؤولية مما يدفع ويهيئ الشروط الملائمة لنشوء تيارات صغيرة تمارس النقد والمعارضة والضغط لتحقيق مكاسب معينة وتنزلق تدريجيا الى اعلان الانشقاق وتاسيس احزاب صغيرة بدون قيمة تذكر اللهم تشردم المشهد السياسي وتضبيب الوضع.
ان الرفض المنهجي للمنظومة السياسية المعلبة والمتقلبة القائمة لحزب الباجدة وبعض الاحزاب التابعة اخد في التوسع والتمدد والاكتساح وهذا طبعا سيؤدي الى خلق قطيعة ابستمولوجية مع الكائن والجاهز ولربما ظهور منظومة سياسية هلامية مطاطية بالنظر الى الثقل الذي اصبحت تحظى به جمعيات المجتمع المدني في تشكيل الوعي الجماعي وتوجيه الراي العام..فهل سيكون مصير حزب الباجدة الغارق في المشاكل الداخلية العاجز عن معالجة قضايا تشغل الراي العام اشبه بمصير حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تم تفتيته وانهاكه ولم يعد قادرا على مجاراة التحولات العميقة في الوعي الجماعي ويصبح لاعبا مكملا بدل ان يكون لاعبا اسياسيا يملي شروطه بدل ان تملى عليه ام انه موعود لدكة الاحتياط في الحكومة المقبلة التي ستكون من نصيب حزب التجمع الوطني للاحرار بدون صعوبة...؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير