الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان في الفلسفة الوجودية

احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)

2019 / 7 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



الانسان ذلك الكائن الذي شكلت الفلسفة أفكاره وجعلت منه تلك الذات المفكرة والحرة .القوة التي تغير الاشياء بوجود عوامل ذاتية وموضوعية. هذا الانسان الذي تكونت معالمه في سياق تاريخ الفلسفة الطويل. وزادت العلوم الموضوعية في تحديد مكنوناته والأنظمة المختلفة التي تتفاعل في تنميطه الى قوالب وأنماط تتطابق مع ما هو اجتماعي وبيولوجي ونفسي . أي الانسان في وسط الضرورة والحتمية. تتقاذفه أمواج التأويلات والسجالات العلمية . رافضة أن يكون الانسان ذات حرة ومريدة. بل نتيجة مباشرة لما هو علمي موضوعي. وكلما جاءت التأويلات بالجديد تبين أن الانسان غير ذلك. أو أنه بالفعل يستعصي على التعريف والتأويل. فالنموذج الحي من علم الاجتماع الكلاسيكي والمعاصر الذي انقسم فيه العلماء بين الاختيار المنهجي السائد في العلوم الطبيعية عبر دراسة وتفسير الظاهرة الانسانية كشيء .والفصل التام بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. وبين الاختيار الاخر القائل بالفهم والتأويل للمقاصد والأفعال الخاصة والمميزة للإنسان دون السقوط في التبعية العمياء للعلوم الوضعية. ولاحقا سيتجلى التعقيد في علم الاجتماع المعاصر خصوصا عند بارسونز في دراسة الفعل الاجتماعي. والفاعل والمواقف . وأشكال من القيم والظروف الشرطية التي يتفاعل فيها الفرد داخل المجتمع .
الإنسان في الفلسفة الوجودية غير قابل للتعريف والتنميط النهائي. الذات التي تحيا في الحاضر وتسعى لاستشراف المستقبل. وتتنفس الحرية بوصفها النقطة الجوهرية لدى أغلب الفلاسفة الوجوديين من سورين كييركغارد الى سارتر وكارل جاسبرز ثم الالماني مارتن هايدغر . وبالطبع مع الاختلاف في تناول الوجود الانساني . أما المفهوم الاساسي فهو الوجود الانساني الحامل للهم والقلق. والذي يسعى الى تحقيق الوجود الاصيل. وانتشال الفرد من الضياع والاغتراب .ومن عالم التأويلات النمطية. والسعي الى الحرية التي لا تنفك عن مجموعة من المفاهيم كالاختيار والإرادة والمسؤولية والوعي والتضامن. واعتبار هذه المفاهيم مترابطة في انبثاق انسان جديد بوعي أصيل لا مزيف . ويتحقق الانسان بوصفه مشروعا كما يريده سارتر . والارتقاء بالوجود يولد نوع من الخوف والقشعريرة. ونوع من الحيرة والقلق عن مصير الانسان .وفيها يحيا الانسان الوجود الذي لا يكف في الظهور والتحجب .
كانت بوادر الوجودية في العناية بالوجود الانساني. ووصف هذا الوجود في سياق العلاقة مع الموجودات في فلسفة كييركغارد .والفيلسوف الوجودي في قلق مستمر من السؤال عن الحقيقة والإنسان. وعن المعيش دون أن تكون الاجابة نهائية ومطلقة. "والفرد جوهره الحرية . الحرية التي تؤكد نفسها في مقابل ما عداها .والحرية اختيار مطلق. والاختيار ينطوي على النبذ . ما يسمح للعدم بولوج الوجود .ولهذا كان الوجود هوة . وثغرة لا يمكن ملؤها ابدا "(1) . والوجود هنا . هو العيني الخاص بالفرد والذي يعيشه لوحده . وينبثق منه عدة أسئلة عن الموت والحياة . وعن القلق الذي ينتاب الذات من خلال وجودها في العلاقة مع العالم. وفي العلاقة مع الغير. وجود يتضمن العدم . ومفهوم الوجود بوصفه حضور وغياب عند هايدغر .وذلك الوجود الذي يسبق الماهية عند سارتر. وتلك المدارج التي يحيا في قلبها الانسان . ذلك أن الناس عند الوجوديين ثلاثة ˸ رجل جمال . ورجل أخلاق . ورجل دين . ولذا فمدراج السالكين سبيل الحياة ثلاثة ˸ المدرج الجمالي . والمدرج الاخلاقي . والمدرج الديني . الاول يحيا في اللحظة الحاضرة المنعزلة . والثاني يحيا في الزمان . والثالث يحيا في السرمدية(2) . هذه التصنيفات الخاصة بالإنسان في علاقته بالحياة من زوايا ليست متشابهة. ولا منفصلة بل يمكن أن يعيشها الانسان وفق مراحل معينة . من الحساسية الى الاخلاق وينتهي الى القداسة. والإنسان الوجودي الذي يتولد لذاته الاحساس بالذات والجمال الى الاشياء. والالتزام بمجموعة من الافعال الاخلاقية من واجبات ومسؤولية وتضامن وتضحية. واحترام حق الغير والإنسانية . التي تنم عن الطابع الفاضل للإنسان. وينتهي الانسان بعد تأمل طويل وتجربة في الحياة الى فهم الوجود الاصيل . وانتشال ذاته من الوجود المزيف .
كان الفيلسوف الالماني هايدغر على قدر كبير من الفهم للعصر الحالي دو الطابع التقني. عصر الصورة والاستهلاك . وتراجع الفكر ونسيان الوجود .هذا الوجود الذي يحيط بالإنسان ولا يقتصر على ذاتي أنا الفرد . بل على الوجود ككل. " أنا ظاهرة من ظواهر الوجود. أنا وجود محدود . أنا وجود محدود في الزمان والمكان . أنا وجود هنا(الدازاين) . فمن يبحث في الوجود لا يستطيع أن ينسى أنه هو نفسه موضوع للبحث "(3) . وجودي مشروط بالعدم والقلق أي الفرار من السقوط عندما تكون أفعالي متطابقة مع أفعال الكل. من حيث الكلام والقول والعمل والثرثرة . هنا ينزلق الانسان نحو هاوية الابتذال . ويقضي على الوجود الاصيل . وبالتالي فالعودة الى الذات لا بد أن تمر بتجربة القلق . أي القلق الوجودي من عالم قدف اليه الانسان . محكوم سلفا بالمصير المحتوم. ومقيد بالزمن ويشعر فيه الانسان احيانا بالقرف والغثيان. وتعترضه عراقيل جمة من المجتمع .
كان سارتر صادقا في فكرته المشهورة أن الجحيم هو الاخر .أي ذلك الانا الاخر. الذي يضايقني ويرمقني بنظراته المتكررة والمتشددة .حينما انزوي الى مكان أو فضاء أتأمل واستمتع بالمجال. لكن نظرات الغير هي التي تفقدني العفوية والحرية . أشعر بالخجل وهو ضرب من الشعور الداخلي بيني وبين ذاتي .عندما يسدد الغير هذه النظرات والتي تدخلني في عالم من الارتباك والقلق. ويمكن أن يتحول وجوده الى استفزاز واحتكاك لا طائلة منه ..يفقدني الحرية ويدخلني في عالم من التصنع والسؤال .رغم أنني لا استمد وجودي من أفكاره ومواقفه في الحياة. صحيح أن وجوده كما يشير سارتر يعرفني على وجودي ويعطيني نوع من التفرد في ذاتي وفي افعالي أو في وجودي بصفة عامة . أنا لست الاخر وذاتي تعيش في عالم من الافكار والمواقف لا يمكن دائما أن استمدها منه. بيننا مسافة فاصلة وهوة أو نوع من العدم لا يستمد من الاخر ولا مني. بل احيانا يستمد من طابع المعرفة التي تؤسس كياني وكيان الغير .ويعتبر القلق مرحلة مهمة للعبور الى الوجود الاصيل. انه القلق من الشيء وعلى الشيء. والإنسان بوصفه الموجود من بين الموجودات محدود في الزمان والمكان .
الكائن الانساني محدود بالزمان ومتناه في الوجود .وكل انسان يحمل بوادر الحياة والموت .والأحسن أن يحيا حكيما ومتأملا .وأن يضيف الى وجوده صفات وأحوال أصيلة بعيدا عن السقوط . وعندما يقف هايدغر على الزمن الاني . يعيدنا للتفكير مليا مع الكبار من فلاسفة اليونان الاوائل خصوصا بارميندس وهيراقليدس. الاول فيلسوف الوجود القائل بالثبات والذي جعل طريق العقل أقوى في بلوغ الحقيقة .مع التفكير فقط في الوجود ونسيان اللاوجود .والثاني فيلسوف الوجود القائل بالصيرورة والتغير. هؤلاء الفلاسفة فكروا في الوجود من خلال أشعار تفيض بالإشراق والحكمة. وحاولوا تجسيد الوجود الاصيل . انهم فلاسفة كبار كذلك بالنسبة للفيلسوف نيتشه . ونحن عندما نستلهم فلسفتهم . نريد بالفعل أن نفكر في بعض القضايا بمنطق حكمتهم في الوجود المادي وفي الوجود الانساني .هي العودة الى النبع الاول للحكمة والتأمل . وفهم العالم ثم التدرج نحو الموجود وطرح جملة من الاسئلة . عن الزمان والزمانية. الكائن والكينونة .والفرق بين الوجود لذاته والوجود في ذاته. وعن الانسان بوصفه مشروعا مستقبليا . والحرية والاختيار. الانا والاخر. يعرف الانسان أنه موجود ويعي أنه سينتهي الى الموت. ويريد أن يحقق وجودا أصيلا عبر مواقف واختيارات. ويظل مفتوحا على المستقبل. ولذا عبرت كتب هايدغر عن نقد مفهومي الحقيقة والتطابق في سياق تاريخ الفلسفة. مادامت الماهية الحقيقية للإنسان تكمن في الحرية والاختيار. وتمكين الموجود من تحقيق امكاناته والحضور في العالم لأجل المساهمة في بناء عالم ممكن يقيم فيه الانسان. .

هوامش :
(1) د . عبد الرحمان بدوي " دراسات في الفلسفة الوجودية " المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت. الطبعة الاولى1980 ص 9
(2) د . عبد الرحمان بدوي – نفس المرجع . ص 47
(3) د . عبد الرحمان بدوي - نفس المرجع . ص 88









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوجود يسبق الماهية
متابع ( 2019 / 7 / 19 - 19:52 )
الوجودية فلسفة انسانية تبحث في ماساوية الوجود الانساني وانها الفلسفة الوجودية متمردة على العقلانية والمنطق
سؤالي
ما هو تفسير المقولة الوجود يسبق الماهية ؟
شكرا للكاتب المحترم
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان