الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : تصدعات حركة النهضة .

فريد العليبي

2019 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



أخيرا تصدعت حركة النهضة ، االتي كثيرا ما افتخرت بأنها ليست كغيرها من الأحزاب ، فهي كتلة متراصة الصفوف ، ترعاها العناية الربانية والأخوة الدينية ، فلا تشققات فيها ولا انقسام . والواقع أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك ولكنها الأكبر حتى الآن فهناك حالة تذمر وصفها البعض بانتفاضة داخلية ضد شيخها ، عبر خلالها قياديون عن امتعاضهم لإقصائهم من تراؤس قائمات انتخابية هنا وهناك .
وتفسيرا لذلك راج الرأي القائل أن تلك صراعات مفتعلة ، وأن الحركة موحدة ولكنها تخاتل خصومها لا أكثر ولا أقل بتقسيم الأدوار بين قادتها ، وأن الخارجين عليها ليسوا الا منفذين لاستراتيجيتها السرية ، وأن هدفها الالهاء وتشتيت الانتباه .
ومن المرجح أن الأمر يتعلق بصراعات حقيقية ولكنها ثانوية فالحركة وقد أضحت في الحكم دبت فيها الانقسامات حول الغنائم ، وهو ما يبرز أكثر خلال المواعيد الانتخابية ، ومن هنا ظهور أجنحة على أسس جهوية وقبلية ومصلحية . وهي لا تمثل استثناء على هذا الصعيد فتاريخ الحركة الأم ، ونعني الاخوان المسلمين فيه الكثير من الصراعات وحتى التصفيات المتبادلة ، مثلما حدث في مصر عندما انشق جزء من شبان الحركة عنها مكونين منظمة " شباب محمد " ، أو عندما انفصل أحد القياديين عنها وكتب عن مؤسسها حسن البنا أثناء حياته مجموعة من المقالات عنوانها " الشيخ الكذاب " .

وتأتي هذه التطورات في تونس لتعرف معها الحركة المزيد من تآكل قناعها الإسلامي على محك الممارسة ، وتمزق الصورة التي رسمتها لنفسها ونشرتها بين الناس ، وسيكون لذلك أثره على قاعدتها الانتخابية الآخذة في التقلص ، فمن صوتوا لها سابقا على أساس الدين والمظلومية انفضوا عنها ، والدليل الانحدار المسجل في نسبة المقترعين لصالحها من انتخابات الى أخرى ، وصولا الى بلدية باردو فقد تحدث شيخها عن انتصارها فيها والحال انها كانت هزيمة مدوية أمام حزب المقاطعة ، اذ أدركت نسبة المقترعين بصعوبة عتبة الـ 11 ٪ ، مما ينزع عنها أية شرعية شعبية ، واذا تكرر ذلك أثناء الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة فإن الحركة ستكون في موقع لا تحسد عليه .
وتقدم الانتخابات لقادتها فرصة مناسبة للبروز والتموقع ، وبالتالي جني الأرباح المادية والمعنوية ، وخلال ذلك ترتفع أسهم أجنحة بينما تنحدر أسهم أخرى ، وهو ما يجعل تلك الصراعات الداخلية مفهومة ، فهي ليست حول طاعة الله ورسوله وانما حول المصالح الذاتية . وفي ذلك الصراع يشغل الغنوشي موقعا مؤثرا ، فهو شيخ الحركة ومؤسسها ، بعد نجاحه في بسط سيطرته المطلقة عليها واقصائه آخرين كانوا من المؤسسين أيضا ، وهي ليست حزبا بالمعني المتعارف عليه في العلوم السياسية ، وإنما جماعة أقرب الى الطائفة المغلقة ، التي لا يعكس ظاهرها باطنها ، فالتقية مبدأ أساسي من مبادئ عملها . ومن هنا تحكم الشيخ بها من جهة ، ومن جهة ثانية عدم ادراك أسرارها بسهولة ، فذاك يتطلب قدرة على تفكيك العلاقة بينها وبين الموروث الإيديولوجي الذي تتغذى منه ، وهو موروث قائم على الخداع لذلك لا ينبغي النظر الى ما تقوله وانما الى ما تفعله .
وتكمن معضلة الغنوشي في أنه يريد أن يكون شيخا مستبدا بالحركة داخليا ،بينما يروج خارجيا أنه إسلامي ديمقراطي في حكم تونس ، غير أن سؤالا يطرح نفسه : كيف لمن لم يجد فيه إخوته داخليا تلك الديمقراطية أن يوفرها لغيرهم وهم من خصومه ؟ لأجل ذلك ينظر الى تلك الديمقراطية الداخلية على أنها زائفة كما الديمقراطية الخارجية التي كانت الثرثرة البرلمانية النهضوية في قصر باردو عنوانها الأبرز، وقد قال أحد القياديين المتذمرين من الاقصاء عن تلك الديمقراطية الداخلية : " كيف لي أن أتباهى بانتخابات داخلية ديمقراطية غير مسبوقة يقوم بها حزب سياسي، ثم أرمي بنتائجها عرض الحائط”. متحدثا عن اقصاء الأصوات الحرة الناقدة بما يعني أن في المقابل هناك استبداد الشيخ وعبودية المريدين.
ويبدو أن الغنوشي قد شكل على مدار السنوات الأخيرة التي أصبح فيها حزبه في السلطة مركز نفوذ قوي داخل الحركة ، يتكون من عائلته ومريديه الأقربين ، وهو يريد وضعا آمنا للحركة داخليا وخارجيا ، واذا كان قد تلافى السيناريو المصري في تونس حتى الآن بكسب رضا أمريكا والاتحاد الأوربي مؤقتا ، فإنه داخليا يريد ضمان سيطرته على الحركة بالتخلص من الإخوة الغاضبين الطامعين ، الذين لا يتردد بعضهم في استثمار الدين ضده فهو يضع سافرات على رأس القائمات ويتجاهل المحجبات .
وتنظر أوساط سياسية ونقابية وثقافية في تونس الى أن حركة النهضة تمثل مشكلة للحل فلا شيء يجمعها بانتفاضة الشعب ضد الرئيس السابق بن على ، ولا بتحقيق مطالبها رغم سيطرتها على السلطة طيلة ما يقرب من عشر سنوات ، ووجه تلك المشكلة أنها لم تجد قوة تلف الشعب حولها للتخلص منها فاليسار واليمين الليبراليان يسبحان معها في نفس المركب ، أما اتحاد الشغل فقد انسحب من السياسة أو يكاد ، مما يجعل ردود الفعل الشعبية خلال الانتخابات القادمة وبعدها مفتوحة على كل الاحتمالات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن