الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الواقع وتفسيره في الموقف التركي

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2019 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت صحيفة التايمز تقريرا لهانا لوسيندا سميث وبرهان يوكوسكاس من اسطنبول بعنوان “كيف أبعد بوتين إردوغان عن الغرب”. مقالة لا توحي حتى بان كاتبيها مقتنعون بأن لبوتن مخططاته الجهنمية التي نجحت في دفع اوردوغان بعيدا عن الغرب.
فالاحداث التي استندت اليها المقالة تبدأ مع اسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية، مما يفقدها الموضوعية في التحليل، ويجعلها تختار من التاريخ ما يعزز فكرتها في أن بوتن ادار مخطط معقد لتغيير ولاء اوردوغان للغرب لاعبا ورقة المصالح التركية الاقتصادية التي يعتمد ازدهارها على تطوير العلاقات مع روسيا فنجح بالتالي في الوصول الى غايته.
ويتعمد كاتبي المقالة القفز على وقائع تاريخية سابقة ساهمت في تبلور موقف اوردوغان من الغرب والذي لم يتجاوب في علاقته بتركيا مع طموحاته الشخصية ورغبته العارمة في ان يكون لتركيا في ظل حكمه سطوة تذٌكر بايام الامبراطورية العثمانية. هذا هو محور القضية في تحولات اوردوغان التي كان قد افصح عنها قبل اسقاط الطائرة الروسية بكثير.
اظهر اوردوغان امتعاضه من سياسة الغرب تجاه بلاده منذ توليه للسلطة في تركيا فانتقد الاتحاد الاوربي بسبب تباطئه في النظر بطلب تركيا للانظمام للاتحاد في الوقت الذي سارع الاتحاد الى ضم دول اخرى حديثة اليه، كانت سابقا جزء من حلف وارشو والاتحاد السوفيتي السابق، عدا ذلك فان محاولة الانقلاب الفاشلة على نظام اوردوغان ولجوء بعض المشاركين في الانقلاب الى اليونان والتهمة التي وجهها اوردوغان لغريمه فتح الله غولن المقيم في امريكا بادارة الانقلاب ومطالبته بتسليمه الى تركيا دون جدوى كانت قد وسعت الفجوة بينه وبين الغرب وامريكا.
داء العظمة وحب الظهور والبقاء في مركز الحدث الاقليمي والعالمي هو الذي دفع اوردوغان للعب بالاوراق بين روسيا والعالم الغربي، علما بأن روسيا تدرك جيدا نزعة اوردوغان تلك وهي لا تغذيها بقدر انها تحذر من تبعاتها على مستقبل العلاقة بروسيا. واذا كانت روسيا مستعدة دوما لخطوة الى الوراء وتمسك اوراق اللعبة في يديها فكيف الامر بالنسبة لاوردوغان الذي بدأت شعبيته بالتدهور في تركيا وتنهار مخططاته على مستوى الاقليم وتتعقد علاقته بحلفائه الغربيين.
اذكر في شهر اوغسطس 1990 عندما كنت اقضي اجازتي الصيفية في موسكو، حيث كنت اعمل وقتها في ليبيا، زرت احد اصدقائي من الطلبة العراقيين وهو الصديق زيدون صبري الذي كان يقيم وقتها في قسم داخلي للطلبة، الذي هاجر فيما بعد مع اسرته الى السويد، وكان في زيارته وقتها الصحفي العراقي المعروف سلام مسافر، وسلام هو من اصدقاء طفولتي وزميل دراستي في المرحلة الابتدائية.
تبادلنا الحديث عن احتلال الكويت، الذي حصل في نفس الشهر، والتهديدات التي تواجه العراق نتيجة لذلك. وكان سلام مذهولا من الحدث وباديا عليه الخوف من تبعاته، فراح ينقل لنا الاخبار المتعلقة بالحدث ويتناول اسبابه التاريخية والاقتصادية وما الى ذلك، أما انا فلم الهي نفسي بهذا الترف الفكري السياسي، فالاسباب يمكن ايجادها في كل ركن من اركان العلاقات العربية- العربية والعراقية- الايرانية اضافة الى المصالح العليا للدولة المهيمنة على العالم انذاك وهي امريكا.
ادرك تماما ان لكل حدث عمقه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ولكن كل هذا وغيره قد يتمحور حول الشخصية التي تصنع الحدث وملابساتها النفسية والاخلاقية. الحقيقة قد تكون بسيطة يدركها ابسط متابع للاحداث، وهي هنا داء العظمة الذي اصيب به الكثير ممن صنعوا تاريخ البشرية مثل نابليون بونابرت وادولف هتلر وصدام حسين واوردوغان.
بالمناسبة، صديقي زيدون صبري، الذي كنا في ضيافته، هو طبيب اسنان، وهذا يذكرني بأن احد فراعنة مصر كان مصاب بمرض في اسنانه وكان هذا المرض ودرجة استفحال اعراضه وراء الكثير من قرارات الفرعون المصيرية لمصر الفرعونية في عهده.
اعود اخيرا لصديقي سلام مسافر، فبعد ان اتعبه متابعة خيوط العنكبوت في قضية احتلال الكويت، استرخى قليلا وقال "يحلها ابو عداي" اي صدام حسين، وكان على ما بدى لي واثقا من ان صدام حسين يمتلك قدرا من الحكمة او المكر الكافي للخروج من ازمته. على ان صدام حسين لم يحلها كما ان اوردوغان سوف يفشل في حلها، اي انه سوف يفشل في الموازنة بين داء العظمة المهيمن على تصرفاته وبين مصالح تركيا والمواطنين الاتراك. فاما البقاء في حضيرة الناتو او اختيار المصلحة الوطنية كمعيار للسياسة التركية.
يقول مثل انكليزي، كان المفكر الاشتراكي الكبير انجلز يردده "ان الدليل على الحلوى هو ان نتذوقها" والحقيقة كذلك قد تكون بسيطة وفي متناول المتابع البسيط ولا تحتاج للكثير من التفكير والتفسير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان