الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطلال ذاكرة -7-

العياشي الدغمي

2019 / 7 / 20
الادب والفن


أطلال ذاكرة -7-
"أخلاق الخراف" يوم أدركت معنى عدم الثقة...
لقد ذقت من لكمات وركلات "العسولي" ما يكفيني، في ذاك اليوم المشئوم، وبل وتفنن في جري على الأرض جرا، كما أنه لم يشف له غليل، إلا بالتشطيب بجسدي النحيف والصدئ بقايا شجرة البلوط "لفرنانة" ومخلفاتها الخريفية...
لم أعد أتمنى خلال تلك اللحظة التي تمددت لأيام، وأشهر، بل ولسنين عمري التي قد أعيشها، لم أكن أتمنى غير الفرج، الذي لن يلوح إلا بعد ما سمعت ذاك الصوت المشحرج يصيح من بعيد، وكأنه المنقذ انفتحت به بوابة سمسم التي ستكون مآلي للإفلات من قبضة هذا السادي المسمى "العسولي" قائلا : وهدا أولدي دابا تقتليه"... وأخيرا شعرت بجسدي النحيف الصغير ارتطم بالأرض معلنا نهاية المأساة... تريث تحت وطأة وصدى تلك الركلات والصدمات قليلا، وإذ بقوة خفية تحركت بداخلي تقول :"انهض، انهض، اجري، اجري لتنجو، إنه ليس يوم أجلك المحتوم، انهض لقد كتب لك العيش ليوم آخر" فلم أجد من مقاومة أو تردد حينها، بل انقدت لتلك القوة، لتلك الغريزة الدفينة في عروقي وجيناتي، وقفزت من مكاني طالقا ساقي المزركشين للريح، دون أدنى تفكير في الالتفات للوراء... أجري وأجري متجها نحو الشمال الغربي من سكن "الرداد وابنه القاسي القلب والمتعجرف العسولي" حيث يتواجد منزلنا الواقع بعد تلة عالية علو الجبل من منظور طفل يجري طلبا للنجاة.. جريت إلى درجة أنهكت فيها آخر عضلة قاسية تحمل جسدي.. وفجأة لمحت باقي أفراد العصابة اللذين تسللوا فارين دون الاكتراث بما يجري معي أو حتى التفات أحدهم لي قصد أخذ نظرة عما كان من الممكن أن يكون هو ذاته مكاني وفي وضعي، الذي لا أحسد عليه... تحولت سرعتي من الجري إلى المشي بخطوات مثتاقلة بعدما بدأت أخيرا أشعر بنوع من الأمان، وبدأت بعدها أصيح بما تبقى لدي من جهد، كي ينتظروني وألحق بهم ... تمكنت بعد مسافة لا يستهان بها من المشي جارا خلفي أذيال الأسى والشعور بال"حكرة" والفشل، من اللحاق بهم... وهنا ستبدأ مأساة أخرى من جديد، فبعد التعذيب الجسدي الفيزيائي، وجدتني دون سابق إشعار أمام أشد أنواع التعذيب النفسي والبسيكوسوسيولوجي، خاصة وأن من هم أمامي -اللذين كنت أعتبرهم أصدقائي وشركائي في المسرات والمضرات- يجيدون فن التهكم والقهقرة وتعميق الجراح :"ضحكات صاخبة وعالية التردد تصفع طبلتي أذني الرهيفتي السمع هاهاهاهاععععهاعهاعهههعا.. " متبوعة ب " واللهم حتى كلا ما كلا الطبل نهار العرس" متهكما الصفريط (ذو بشرة ذات لون أصفر فاقع مائل للبياض تحت انعكاس أشعة الشمس" الذي لم يكن غير يونس ولد حجاج ولد لعبابسة" أتبعها ذو الشعر الأشعت "لمكردد" الذي لم يصفف لعقد من الدهر وما يزيد (القرقوري) أتبعها بالقول :"كاع لبلوط لي كليتيه خرجو منك العسولي اليوم" ... أحسست حينها بأي نوع من الشعور لا يمكن أن يخطر على بال إلا من هو في وضعيتي المزرية، أحسست بالفراغ، والدوار، والعبثية التي تنتشي علي بها حقيقتهم القذرة والمرة، مرارة البلوط الذي كان سببا لي في هذه المهازل وهذه الدونية... حينها يمكن القول أني أدركت مبكرا معنى أن لا تثق ولا تربط وجودك بأي كان وكيفما كانت طينته، ومهما أظهر لك من أخلاق الخراف ...
ملحوظة : ليس الغرض من توظيف بعض الألفاظ التي ستبدو للبعض قدحية أو واصمة، من قبيل (الصفريط أو الأشعت أو لمكردد)، ليس الغرض هو الوصم أو العنصرية؛ وإنما هذا ما كان عليه لسان الحال في تبادل الألفاظ والأوصاف بين أطفال لم يدركوا بعد معنى هذه الكلمة "عنصرية". (يتبع)
العياشي الدغمي ... 19-07-2019
بنسليمان - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با