الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تمرات العربي
محمد الحاج صالح
2019 / 7 / 21الادب والفن
تمرات العربي
قبل خمسة عشر عاماً كنت جديداً في مدرسة اللغة، حديث القدوم إلى النرويج. تعرفت مثلما تعرف زملائي على أستاذنا الودود. وكالعادة الرقاوية وبعد أيام قليلة فقط تعمدت أن ألتقيه في الاستراحة، وسألته بلغة انجليزية رديئة فيما إذا كانت لديه رغبة أن يتذوق طعاماً عربياً شرقأوسطياً.
أتى إلى موعد الغداء حاملاً علبة شوكولاتة كهدية. هذا أول الاستفهامات! عندنا ليس معتاداً أن تأتي بهدية عندما تكون مدعواً إلى الغداء. المعتاد هو أن تردّ بدعوة على الغداء في قادمات الأيام.
لم تكن دعوتي له محض بحثٍ عن صديق. كنت انتهازياً، يجب أن أعترف. كنت أرغب بصديق أتعلم على يده النرويجية.
تمتعنا بالغداء، وتحدثنا في العديد من الأمور ب"لغة مختلطة" من النرويجية والانجليزية. في هذه المرحلة كنت قد تعلمت ربما أكثر بقليل من الخمسين كلمة نرويجية بالإضافة إلى انجليزية مكسرة، ولكن مع الكثير من لغة الجسد والإشارات. مشت الأمور على هذا النحو، وأحسست أن كيمياء مشتركة سرتْ بيننا.
ولأنني أحب الشوكلاتة، فتحتُ العلبة فور أن أغلقت الباب خلفه. أكلتُ كل القطع بينما كنتُ أتابع مسلس نرويجي في إحدى القنوات النرويجية، ولم أفهم أبداً عن ماذا يتكلم الممثلون. أذكر جيداً أنني كنت سعيداً جداً بسبب أنني التقطت بعض المفردات والجمل العامة التي لا تدل على الموضوع، مثل مع السلامة، ويومكم سعيد، وقهوة من فضلك.. الخ وأيضاً بسبب الشكولاتة واحتمال صداقة جديدة.
في اليوم التالي عدتُ من المدرسة راضياً. الأستاذ شكرني مرة أخرى على الطعام وعلى الأحاديث "الشيّقة!". أكلتُ بعضاً مما تبقى من غداء البارحة. وجلست على الصوفة لأشاهد المسلسل. وما إن تذكرت شكولاتة البارحة حتى قفزت صورة لقطعة شكولاتة إلى ذهني واستوطنت هناك.
أوهوووه، كم أشتهي قطعة شوكولاتة الآن! فقط واحدة، همستْ رغبتي في داخلي. ولكن لا. ليس عندي حتى ولا قطعة واحدة، قلت متحسّراً بصوت مسموع. وبدأ اللومُ يخدشُ في داخل رأسي. اللعنة على هذه العادة. ألم يكن باستطاعتك توفير بعض القطع؟ ألم يكن بإمكانك أن توفر ولو قطعة واحدة؟ أم أن الشاوي لا ينام وتحت رأسه "حلاة". فجأة قفزت إلى رأسي فكرةٌ. ماذا لو أنني نسيت قطعة أو قطعتين مثلاً! وخلال أقل من ثانية كنت في المطبخ باحثاً عن علبة الشوكولاتة التي ألقيتها في صندوق الزبالة.
رفعت العلبة من الزبالة ورأيت محبطاً أن كل حفر قطع الشوكولاتة فارغة تتلامع قيعانها. ولكن انتظر قليلاً، لماذا أحس أن العلبة أثقل مما هو متوقّع؟ أوووويْ، مون ديُو، مين كودْ، ماي كادْ، الله. لقد كانت العلبة من طابقين، الشكولاتة كانت في طابقين، والآن عندي طابق كاملٌ.
قررت أن آكل قليلاً وأوفر الباقي، ولكن القرار لم يدم سوى دقائق. لأنني وبكل بساطة أكلت قطع الشوكولاتة واحدة بعد الأخرى. أكلتها كلها، وأنا أحاول أن اصطاد بعض الكلمات من المسلسل. ما يشبه هذا حدث مع عربي في حكاية قديمة.
تقول الحكايةُ أن عربياً شرع برحلة طويلة عبر الصحراء. وما يركب العربي في مثل هذه الرحلة غير الجمل! تزود العربي بالماء والتمر. وفي الطريق حاول قدر الإمكان تأخير أن يأكل من زوادته بهدف أن تكفيه التمراتُ كل الطريق. وبعد مرحلة من الطريق جلس في ظل الجمل وفتح الزوادة، فاكتشف أن حبات التمر جميعاً تحتوي على الدود. مصيبة! فهو لا يستطيع العودة، لأن شيئاً سيحدث له.
العربي في تلك الأيام كان يتطيّر إنْ بدأ رحلة وطار طير في قوس نحو اليسار، أو إن اضطر للعودة لسبب وآخر. تلك علامات سيئة للغاية.
كان العربي غاضبا غضباً شديداً، فبال على التمرات ليتجنب احتمال أنْ تجبره شهوته للطعام بأن يأكل منها.
ولكنه ندم بعد ذلك مع عضّ الجوع وبدأ بإقناع نفسه "من المحتمل جداً أن بعض التمرات لم تصبْ بالبول" ولذلك أكل قليلاً من الطرف. ومرة بعد مرة كان يقنع نفسه، فمن المرجح أن تمرات أخُر لم يصبها البولُ، وأن معدته بحاجتها. وعندما انتهت الرحلة ووصل إلى غايته كان العربي قد أكل التمرات جميعاً.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح