الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة ..!

فيصل عوض حسن

2019 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة ..!

فيصل عوض حسن

بعدما يَئِسَ السُّودانِيُّون من كياناتنا المُتآمرة والعاجزة، خرجوا إلى الشوارع بمُختلف فئاتهم العُمريَّة، وبعَفَوِيَّةٍ واجتهادٍ شعْبيِ (خالص) لإسقاط العصابة الإسْلَامَوِيَّة، يقودون أنفسهم ويحمون بعضهم بعضاً، انطلاقاً من الأقاليم في 12 ديسمبر 2018، وبحلول يوم 25 (بعد 13 يوم) غَطَّت الاحتجاجات كلاً من: الدمازين، الفاشر، بورتسودان، عطبرة، بَرْبَرْ، دُنْقُلَا، كريمة، كَسَلَا، الأُبَيِّضْ، القَضَارِفْ، الجزيرة أَبَا، كُوْسْتِي، رَبَكْ، سِنَّاْرْ، مَدَني/الهِلَاليَّة، النُّهُود، أُمْدُرْمَان، بحري والخرطوم.
تَسَارُع إيقاع الاحتجاجات الشعبِيَّة واتساع رُقعتها الجُغرافية، رغم البطش/القمع، أرْبَكَ المُتأسلمين كثيراً، وكان بالإمكان إلقاء القبض على عددٍ من قادتهم، إذا استمرَّ ذلك الإيقاع القويُّ والمُتسارع، لولا الظهور المُفاجئ لتَجَمُّع المِهَنيين، الذي (فَرَضَ نفسه) كقائدٍ للحِرَاك دون استيفائه لمُتطلَّبات (القيادة)، والتي من أبرزها الفكر الاستراتيجي والمُؤسَّسيَّة و(التَجَرُّد/الصدق). والواقع، وفق الأحداث التي عشناها جميعاً، لم يكن لدى تَجَمُّع المِهَنيين (استراتيجيَّة) رصينة لإحداث/صناعة التغيير، سوى (جداول) التَظاهُر التي طَغَت عليها الارتجاليَّة و(التَهَوُّر)، كدعواتهم للتَوَجُّه إلى القصر من جبرة أو الثورة الساعة الواحدة ظهراً و(بالأقدام)، أو التَوجُّه من لَفَّة القُبَّة جنوباً (نحو معسكر الاحتياطي المركزي) أو للمُدرَّعات وغيرها، وجميعها أفكار/دعوات أضَرَّت بالحَرَاك وحَجَّمته، وخَلَّفت خسائر بشريَّة كبيرة (دون مُقابل)! ولقد أوضحتُ ذلك لعددٍ من أعضاء التَجَمُّعِ، وقَدَّمتُ لهم وللشعب السُّوداني مُقترحات (صَوْتِيَّة وكِتابِيَّة)، لتحقيق التَوازُن بين استمرار الحِرَاك السِلمي وتعظيم نتائجه من جهة، وتعزيز أساليب حِمَاية الثُوَّار وتقليل التكاليف البشريَّة والمالِيَّة من جهةٍ ثانية، دون تشكيكٍ أو تخوين. كما قَدَّمت مُقترحات بشأن الإدارة العِلمِيَّة لإنجاح التغيير وما بعده، كمقالتي (اَلْحِرَاْكُ اَلْشَّعْبِيُّ وَاَلْدَوْرُ اَلْمَفْقُوْدُ لِلْنُّخَبِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة) بتاريخ 3 يناير 2019 ومقالتي (مَلَاْمِحُ اَلْاِسْتِرَاْتِيْجِيَّةِ اَلْعَاْمَّةِ لِلْسُّوْدَاْنِ عَقِبِ اَلْتَغْيْيْر) بتاريخ 24 فبراير 2019.
الحقيقة الواجب (توثيقها/تثبيتها) للتاريخ، أنَّ السُّودانيين (وثقوا) في تَجَمُّع المِهَنيين، رغم الغموض الذي كان ولا يزال يعتريه، وتَقَبَّلوا قيادته لحِرَاكهم الذي وُلِدَ قَوِياً وازداد قَوَّة بمرور الأيَّام، لكن التَجمُّع لم يَرتَقِ لمُستوى تلك (الثِقة)، وتَحَالَفَ (دون تفويضٍ شعبي) مع الكيانات الانتهازِيَّة التي رفضها الشعب، وتَجاَوَزها وصَنَعَ ثورته بعيداً عنها، بعد (ثبوت) تَخَاذُلها/تآمُرها، وعدم رغبتها في مُعالجة (جذور) أزمات/مِحَن السُّودان. وشَواهِدُ تَمَاهِي تلك الكيانات مع العصابة الإسْلَامَوِيَّة مُوثَّقة صوت وصورة، وكذلك انتقاد بعضها للانتفاضة الشعبيَّة والاستخفاف بها، وما تَدَثُّرهم (اللاحق) بثوب النضال، والدخول عبر بوابة (تَجمُّع المهنيين)، إلا لتعطيل/إفشال الثورة التي بدأت مُؤشِّرات نجاحها تلوح في الأفُق! فما أن تَحَالَفَ المِهَنِيُّون مع هذه الكيانات السَّاقِطة، وشَكَّلوا ما يُسمَّى حَرِّيَّة وتغيير إلا وبدأت الربكة/الخلافات، وتَرَاجَعت التظاهُرات الشعبِيَّة التي غَطَّت 13 مدينة/منطقة في أقل من أسبوعين، لتُصبح الاحتجاجات فقط في (حَيَّيْنِ) اثنين أو ثلاثة من أحياء الخرطوم عقب قيادة المِهنيين وحُلفائهم، و(تَرَاجَعت) السقوف المَطلبِيَّة من (الإسقاط الكامل) للمُتأسلمين إلى (التَفاوُضِ) وقبول فِتَاتِ موائدهم المسمومة، وهذه وقائع عشناها جميعاً لا يُمكن إنكارها، ويُمكن مُراجعة مقالتي (اَلْصَحْوَةُ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة: مَحَاْذِيْرْ وَمُتَطَلَّبَاْت) بتاريخ 22 ديسمبر 2018.
قد يقول قائل بأنَّ تَجمُّع المهنيين وحُلفائه (حُرِّيَّة وتغيير)، صنعوا/رَعوا اعتصام القيادة، كأكبر إنجاز حسب زعمهم، وأنَّهم قادوا التفاوُض وتحمَّلوا الكثير وغيرها من الحِجَج. وفي هذا أقول، بأنَّ (التَفاوُض) لم يكن مَطلب الثُوَّار، الذين تَجاوزوا الكيانات الانتهازيَّة السَّاعية له. وأمَّا الاعتصام، فلا يُمكن بأية حال اعتباره إنجازاً، وإنَّما (وَبال) على السُّودان وأهله (الضحايا الحصريُّون)، تبعاً لما جرى فيه/خلاله! ففي خضم (إلهاء) النَّاس بالاعتصام (دون رُؤية وبدائل استراتيجيَّة واضحة)، تَمكَّن (قادة) المُتأسلمين من الهروب مع أُسرهم وأفلتوا من المُحاسبة والعقاب، وتَراجعت نِسَب/احتمالات استرداد أموالنا المنهوبة، وَوَجدَ الطَّامعون الخارجيُّون فرصة التَدَخُّل وتحوير خياراتنا، وزادت مُعاناتنا الاقتصادِيَّة والإنسانِيَّة والأمنِيَّة. ورفض تَجمُّع المهنيين وحُلفائه الانتهازيين، تشكيل مجلس السيادة من أطياف/فئات السُودانيين، خاصَّةً الشباب (وقود الثورة الحقيقي)، الذين كانوا في الاعتصام، رغم التنبيهات (الصوتِيَّة والكِتابِيَّة) التي قَدَّمناها للتَجمُّعِ والشعب في هذا الخصوص، كمقالتي (شَبَاْبُ اَلْسُّوْدَاْنِ بَيْنَ اَلْتَضْحِيَاْتِ وَاَلْاِسْتِحْقَاْقَاْت) بتاريخ 24 أبريل 2019. وإنَّما شَاهَدنا أسوأ صور الانتهازِيَّة والغَدرِ والانبطاح، حينما تَسَابَقت بعض مُكوَّنات الحُرِّيَّة والتغيير، للتَفَاوُض (الانفرادي) مع المجلس العسكري الإجرامي، والسفر (خِلْسَةً) للإمارات وغيرها من مظاهر الخزي، وهي أمورٌ مُوثَّقة أيضاً (صوت وصورة)!
الأخطر من ذلك، أنَّ الاعتصام كان سبباً/عاملاً رئيسياً، لاقتناص/استهداف خيرة شبابنا الثوريين بالاغتيال والخطف/الاعتقال، سواء قبل أو أثناء أو بعد (مَجْزَرَة) القيادة، والتي كانت كفيلة بإيقاف التفاوُض تماماً، ليس فقط من باب (الغضب/الاستهجان)، وإنَّما لأنَّ المجلس سيتمسَّك بالسُلطة و(سيتحايل) على أي مُبادرة للتنازُل عنها أو تَقَاسُمِها، كونها ضمانتهم الوحيدة للنجاة من المُحاسبة والعقاب. وكالعادة، تجاهلت الحُرِّيَّة والتغيير هذا الإجرام، واستخفوا بتضحيات السُّودانيين ونضالاتهم، وواصلوا مُفاوضاتهم باسمنا لأجل مصالحهم الحِزبِيَّة/الشخصيَّة، مع (تغييبنا) عَّما يجري في الخفاء، بإقرار بعضهم (مدني عباس)، في ندوة مساء الأحد 14 يوليو 2019، والذي قال بالنص: أنَّهم تعاملوا مع الشعب دون شفافِيَّة! كانوا (يتذكرون) الشعب فقط عند تَظاهُراتهم الكارثِيَّة لـ(تحسين) أوضاع التفاوُض، دون أن يُصابوا بأيٍ من صور/أشكال الأذى التي طَالَت الثوريين الحقيقيين، ثُمَّ يُكرِّرون (مَخازيهم) دون حياءٍ أو تَرَدُّد! ولرُبَّما فَسَّروا (صَدمة/جُمُود) السُّودانيين عقب مَجْزَرَة القيادة كاستسلام و(تَخَلٍّ) عن أهداف الثورة والتغيير، فواصلوا مُفاوضاتهم العَبثِيَّة/الذليلة، مُقابل صَلف/استبداد ووقاحة المجلس العسكري، التي أشرنا لبعضها في مقالتنا (اَلْسُّوْدَاْنُ وَمَتَاْهَاْتُ اَلْتَفَاْوُضْ) بتاريخ 26 يونيو 2019.
توقَّعتُ أنَّ خروج ملايين السُّودانيين يوم 30 يونيو 2019، سيُجبر أولئك الانتهازيين على تغيير نهجهم لمصلحة السُّودان (أرضاً وشعب)، لكننا فُوجئنا بـ(خيانة) الحُرِّيَّة والتغيير للثورة والثُوَّار، ولعلَّ أبرز مظاهر هذه الخيانة تَجَّسَدَ في (إتاحة) الشرعيَّة للمُجرمين والقَتَلَة، و(تحصينهم) من المُلاحَقة والمُحاسبة والعقاب، وعلى رأسهم البرهان وحِميْدْتِي ومجلسهما الإجرامي، وإغفال المليشيات بمُختلف مُسمَّياتها ونزع أسلحتها وتسليم قادتها/أفرادها المُتورِّطين للعدالة، وعدم الارتزاق والحرب بالوكالة وتجارة البشر. ومن مظاهر الخِزي/الغدر، إغفال شبابنا (المفقودين) الذين صنعوا هذه الثورة المجيدة بدمائهم وأرواحهم وأعراضهم، نعدم الإشارة إليهم لا من بعيدٍ أو قريب، وإهمال الأموال المنهوبة وتسديد قروض السُّودان وتحرير مُقدَّراته المرهونة/المُباعَة، والتقسيم العادل للسُلطة بالتركيز على الشعب (أصحاب الوَجْعَة)، بعيداً عن الانتهازِيّين والمُتسلِّقين، ومُعالجة قضية الوحدة الوطنِيَّة من الجذور والتأسيس لدولة المُؤسَّسات وفق مبادئ (الإدارة العلميَّة)، وتعديل القوانين/التشريعات والتركيبة السُكَّانِيَّة والتجنيس العشوائي، وإعادة النَّازحين لأراضيهم الأصيلة وتعويضهم، واسترجاع الأراضي المُحتلَّة، وهيكلة القُوَّات النِّظامِيَّة وغيرها من الجوانب التفصيليَّة، التي سبقني الكثيرون بالإشارة إليها.
رُبَّما يغضب البعض من حديثي هذا، لكنه يبقى حقائق عشناها جميعاً ورأيناها رأي العين، وقَادَت إجمالاً، لـ(اتفاق الخِيانة) بثقوبه واعتلالاته العديدة. ورغم قناعتي أنَّ الوقت ليس للمُسَاءَلَة والحساب، كتبتُ هذه المقالة بصيغتها الماثلة، (توثيقاً) للتاريخ دون مُواربة أو تجميل/مُجاملة! فتَجاوُزات الحُرِّيَّة والتغيير الأخلاقِيَّة والتكتيكيَّة تخصم من السُّودان، وتُهدِّد سيادته واستقلاله الوطني وسلامة أهله، ويتحتَّم التحذير منها بشفافِيَّةٍ وصدق، والتَنادي لوضع الخِطَط والبدائل الاستراتيجيَّة الكفيلة بتحقيق التَوازُن، وتعزيز نُصرَة ونهضة السُّودان واستقلاله وسلامته. وأقول للكيانات الرَّافضة عموماً، ولتَجمُّع المِهَنيين والحزب الشيوعي خصوصاً، بأنَّ بيانات الرفض وحدها لا تكفي، ولابد من إجراءات أكثر جِدِّيَّة/قُوَّة، بعيداً عن (الرَّمادِيَّة) وأنصاف الحلول. وتبعاً لهذا، أدعوهم للابتعاد فوراً عمَّا يُسمَّى حُرِّيَّة وتغيير والتَبَرُّؤ منهم، والتَحالُف (السريعٍ/الكامل) مع القُوى الثوريَّة السَّاعية بصدق لاقتلاع المُتأسلمين ومليشياتهم ومُحاكمتهم، كحركة جيش تحرير السُّودان برئاسة عبدالواحد مُحمَّد النُّور، والحركة الشعبيَّة بقيادة عبدالعزيز الحلو، وغيرهما من القُوّى النِضالِيَّة ذات المواقف (الثابتة)، والتَوَجُّهات الصادقة لبناء دولة الوحدة والعدالة والقانون والمُؤسَّسات، وسيقف معكم ملايين السُّودانيين الذين خرجوا بمُختلف فئاتهم بحثاً عن الحُرِّيَّة والانعتاق، ودونكم مسيرات الـ30 من يونيو الماضي التي تُؤكِّد الاستعداد الشعبي العالي، للوقوف مع الصادقين والثوريين الحقيقيين.
وأقول لأهلي السُّودانيين، بأنَّ ما جرى لن يحقن دماءنا أو يحفظ روعاتنا وعوراتنا، وسيتواصل الإجرام الإسْلَامِوي عبر مليشياتهم المُختلفة، وستُنفِّذ ما يُطلَب منها، لأنَّهم يُدركون تماماً أنَّ تغيير الأوضاع في السُّودان تعني نهاية جميع الامتيازات التي يتمتَّعون بها الآن، لذلك سيُقاتلون بكل قُوَّتهم دون أي سقوف أخلاقِيَّة أو قانونِيَّة، وسيتواطأ العالم الخارجي معهم الطَّامع في مُقدَّراتنا، وعلى رأسهم الذين (يتَوسَّطون) الآن في ما يُسمَّى مُفاوضات كإثيوبيا ومصر اللَّتان تحتلَّان أجزاءً عزيزة من بلادنا، وبالطبع يهمَّهم ألا تتغيَّر أوضاعنا. وعلينا كسُّودانيين إدراك/استيعاب جميع هذه المُعطيات، والتعامل معها بالعقول بعيداً عن العواطف، مع التركيز على مُجابهة الاستقطاب والتَحشيد الجَهَوِيّ/القَبَلي المُتصاعد، وإغلاق أبوابه أمام المُتاجرين والطَّامعين بالدَّاخل والخارج، وتعزيز تَرابُطنا ووحدتنا الوطنِيَّة لأنَّها السبيل الأوحد لنجاتنا جميعاً، ولنعلم بأنَّ كل من يدفعنا لـ(فِخَاخِ) الجَهَوِيَّة/المناطِقيَّة، إنَّما يسعى لمطامعه السُلطَوِيَّة والمالِيَّة على جماجمنا، فلنتَّعِظ بما جرى لنا من هؤلاء المُتاجرين والانتهازيين، ونتلافى (الغَفْلَة) التي سيكون ثمنها هذه المرة زوال ما تَبقَّى مِنَّا ومن بلادنا.. وللحديث بقيَّة.




ملاحظة: عقب انتهائي من هذه المقالة، قرأتُ خبراً عن (اتِّفاقٍ) بين الحُرِّيَّة والتغيير ومُكوَّنات الجبهة الثوريَّة بأديس أبابا.. فتأمَّل..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح