الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية السياسية واحتمالات التخريب

محمد مهاجر

2019 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


التعددية السياسية واحتمالات التخريب
-
يستعد السودان للانتقال لنظام الحكم المدنى ما يعنى ان نظام التعددية السياسية سيتم العمل به عملا حقيقيا لا زائفا. فما هي التعددية وهل هي الانسب؟ وهل سيتم انتقال ديمقراطى سلس من غير تخريب؟ وهى جهزت كوادر الدولة العميقة وكتائب الظل خططها؟ ويجدر بالذكر ان الاب الروحى لكتائب الظل, وهى جزء من التنظيم السرى لحزب المؤتمر الوطنى الاسلامى, هو على عثمان طه النائب السابق للرئيس المخلوع البشير. وفى لقاء تلفزيونى افصح على عثمان عن بعض مهام هذه الكتائب بما في ذلك استعدادها لاستخدام العنف

هنالك أصوات, بعضها خبيث وبعضها صادق وحادب على المصلحة العامة, بدأت تتحدث عن شعورها بالاقصاء. هذه إشارات لا تدعو الى الاطمئنان لان التعددية تعنى التضمين. وبعد سنوات قليلة ستكون هنالك انتخابات عامة وبغض النظر عن نتائجها فان الاقصاء ليس في صالح التعددية السياسية. والسبب الأول هو ان المبدأ الرئيسى في الديمقراطية هو التعددية او هو الحيلولة دون تركيز السلطات في يد حزب واحد او مجموعة واحدة. بمعنى ان الحكومة والجهازين التشريعى والقضائى ومنظمات المجتمع المدنى والفاعلين الرئيسيين, كل منهم سيساهم في عملية رسم السياسات وتنفيذها. السبب الثانى هو فهم الناس للتعدد والتنوع. فالتعدد والتنوع ليس سياسيا فقط انما هو تعدد ثقافى واثنى وغير ذلك. لهذا فانه يصبح محتما على الحكومة ان تدير التعدد والتنوع ادارة جيدة. وكمثال جيد لادارة التنوع نذكر ماليزيا واندونيسيا. ففي اندونيسيا نجد ان نسبة المسلمين تتعدى التسعين بالمئة, ومع ذلك وضعت الدولة دستورا يعترف بكل الأديان والثقافات. ويتحدث عدد من المفكرين من اندونيسيا عن ان دستور الدولة لا يشتمل على اى مادة تشير الى ان اندونيسيا دولة إسلامية ولا يتضمن الدستور كذلك اى مادة تشير الى ان الإسلام هو مصدر للتشريع. وهنالك عدة دول ذات اغلبية مسلمة انتهجت النظام المدنى مثل تركيا وتونس

ان الدعوة التي تقول ان الاختلاف فتنة هي دعوة باطلة. الغربيون يفتخرون بالتسامح حيال الآراء والمواقف المتعددة في بلدانهم لانها السبب في الإنجازات الكثيرة في مجالات الفكر والفنون والاداب والعلوم وغيرها. تلك الإنجازات ساهمت في تطور البشرية ورفع مستوى الانسان المعاصر فكريا وماديا. ان الاختلاف فيه قوة واثراء وهو يهيئ المجال للابداع والتطوير والتجويد. الدول الغربية متقدمة وبها عقول مخترعة ومبدعة لانها تحترم الافراد ومساهماتهم ولا تقصى احد ولا تمنعه من حرية التفكير والابداع والنشر. والعكس يمكن ان يحدث حين يكون هنالك تحييز مطلق من السلطة الحاكمة لبعض رجال الاعمال مثلا, فان البلد في هذه الحال تصاب بركود اقتصادى. والسبب ان هؤلاء التجار ينصرفون من الاقتصاد المنتج الى الاقتصاد الطفيلى وممارسة الفساد لانهم يدركون انهم في كل الأحوال لن تطالهم يد القانون.

كان هتلر مفتونا بفكرة التنوع, ليس لايمانه بمبدا التنوع والتعدد باعتباره مصدر اثراء للقيم الثقافية والفكرية ولكن لان مبدأ التنوع كان يدعم فكرته العنصرية. كان يضرب امثلة بانواع القطط والطيور واختلاف قدراتها وامكانياتها لكى يسوغ لفكرة التفرقة العنصرية, اى ان الطبيعة أعطت كل نوع او جنس ميزات معينة يتفوق بها على الاجناس الأخرى. اذن الوعى بالتنوع يمكن ان يكون إيجابيا او سلبيا. والتعدد يمكن ان يعتبره البعض جيدا لانه يشكل حاجزا يمنع تركيز السلطات في يد حزب واحد او نخبة معينة, بينما يعتبره العنصريون فتنة ومهددا للوحدة الوطنية ومبررا لاقصاء من يعتبر في نظرهم في مرتبة ادنى او أعداء للامة. المقياس الصحيح هنا يحدد مدى رفعة الوعى العام والوعى بمبادئ الديمقراطية

ان التفكير في حصر دور منظمات المجتمع المدنى في مجال واحد وهو معارضة سياسات الحكومة وبرامجها هو تفكير ساذج. وعلى العكس من ذلك فان منظمات المجتمع المدنى تلعب أدوارا كبيرة في التوعية والثقيف والتوسط بين الحكومة والجمهور وتقديم بعض الخدمات التي توكل اليها من السلطات الحكومية والمنظمات الاخرى. كذلك فان دعم الحكومة لمنظمات المجتمع المدنى يساهم في مساندة ودعم وتحسين ظروف العمل والمعيشة وغيرها للشرائح الأقل حظوة في المجتمع مثل صغار الشباب والنساء والأطفال وذوى الاحتياجات الخاصة وكبار السن والأقليات المضطهدة

لقد كان اسلام السودانيين اسلاما معتدلا متسامحا لا يقصى احد ولا يتعدى على حقوق الاخرين ولا يحارب المخالفين في الراى. ولما قويت شوكة الحركة الإسلامية وادخلت مطلب الدستور الاسلامى ضمن اجندة العمل السياسى, بدا تدشين مسيرة التخريب السياسى والاجتماعى. وكان يمكن للأحزاب الطائفية ان تتصدى للحركة الإسلامية لكنها, على العكس, ساندتها بالصمت او بالتواطؤ. وفى اواخر عهد الرئيس الأسبق جعفر النميرى تعاونت الحركة مع السلفيين فتم دفع الرئيس لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان. لقد كان تطبيق الشريعة مدخلا لتخريب الحياة السياسية في السودان, اولا لانها استخدمت لاغتيال المعارضين السياسيين, وثانيا لانها ضخت دوافع دينية في شرايين الحرب في جنوب السودان, وثالثا لانها استخدمت لتخريب الديمقراطية والتمهيد لانقلاب البشير. ان خطر الحركة الإسلامية ما زال محدقا في الافاق لكن الواضح انها ستتبع النهج الشعبوى هذه المرة. لقد جربت هذا النهج ونجحت في ابراز بعض كوادرها الشابة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى لكنهم فشلوا في اول اختبار حقيقى على ارض الواقع. وعلى الرغم من الفشل فان الحركة ستستفيد من اخطاءها ومن أجواء الحرية وستسعى الى دس قادة شعبويين اخرين في مجال العمل السياسى والعمل العام. وسيكونون اكثر حنكة واكثر دهاء من من سابقيهم. ان المحافظة على مبادى القبول والتسامح والاعتراف بالاخر هي مبادئ راسخة للديمقراطية لكن الحذر واجب ولا غرو فقد لدغت الحركة الإسلامية الأحزاب اكثر من مرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل