الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الخليج ( الملف السري).... الحلقة السابعة عشر

سعدون الركابي

2019 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


حرب الخليج ( الملف السري)
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005
الحلقة السابعة عشر
الفصل السادس


طائرة الملك حُسين, و التي يقودها بنفسهِ, تهبط في مدينة الإسكندر المقدوني المُطِلَّة على شواطىء البحر المُتوسِّط. كانت الساعةُ تقتربُ من السادسةِ مساءآ. مُنذُ البداية, كان يُؤكِّدُ للرئيس المصري, بأنَّهُ مُقتنِع بأنَّ هذهِ الأزمة من المُمكن حلّها. و هو يتوَّقع إقناع صدّام حُسين أن يُغادر الكويت. إذ إنّ صدّام حسين يميلُ الى مثلِ هذا الحل, بشرط أن لا تتِّم إدانتهُ من قبلِ الجامعة العربية. و يُكرِّر الملك تأكيدهُ, أن لا تُوجَّه أيةُ إدانة للعراق, حتى عقد إجتماعِ القِمَّة المُصغَّرة. المُؤمَّل عقدها في الرابع من آب. فوافق مُبارك. و هنا, و بحدود الساعة السادسة و النصف, يرِنُّ جرسُ الهاتف, في الوقت الذي كان فيهِ الزعيمان يُناقشان صُلبَ الموضوع. كان يُسمعُ من بعيد واضحآ, صوت جورج بوش, الذي كان يطيرُ على إرتفاع عشرة آلاف متر فوق الأرض الأمريكية. يتحدَّث أولآ, و لخمسِ دقائق, مع مُبارك. ثُمَّ يتنازل الرئيس المصري عن الهاتف للملك حُسين. يتحادث الأثنان خمس و عشرين دقيقة. فيقول لهُ العاهل الأُردني: " نحنُ نستطيع حلَّ هذهِ الأزمة. نستطيع السيطرة عليها. نستطيع تدبير أمورنا لوحدنا جورج. نحن بحاجةٍ الى القليل من الوقت ". فيجيبهُ بوش: " أنا موافق, سأمنحكَ كُلَّ الثقةِ ". كانت القاعة التي يجلس فيها الرجلان, تطلُّ على البحر. الإسكندرية المدينة الحارَّة الهادِئة. و ذلك السراب الذي يتلاطّم مع أمواج البحر, يجلبُ شعورآ من التفاؤل و السلام. كان الملك حُسين يبدو طيلة هذهِ المحطّة القصيرة, محكومآ بقناعةٍ مفادها, إنَّ هذا النزاع العراقي في الكويت, قد يصبح قريبآ مُجرَّدَ ذكرى بسيطة. مُبارك كان أكثر شكَّآ. و إن حاول جاهِدآ التظاهر بقبول الفُكرَة. كانت الساعة تشير الى الخامسة مساءآ, عندما بدأ الكنيست الإسرائيلي دورةً مُستعجلة مُخصَّصةً للعراق. السفير الأمريكي, كان قد أُستقبِلَ قبل ذلك بقليل من قبل وزير الدفاع موشي آرنس. إذ إقترحَ الوزير, بأنَّهُ سيضع في خدمة الولايات المُتَّحدة, كُل ما تحتاج إليهِ من معلوماتٍ سرِّية. في الواقع, كشف الهجوم العراقي مجموعةً كبيرةً من النواقص في شبكة المُخابرات الإسرائيلية. فالعراق بلدٌ ليس مفتوحآ جيدآ أمام المُخابرات الإسرائيلية, التي تصطدِمُ بمشكلةِ تجنيد العُملاء في العراق. كما تفتقدُ لقمرتجسُّسٍ صناعي في المنطقة. في حقيقة الأمر, و منذُ سنة 1981, إستمرَّ الأمريكيون برفضِ إرسال كُلِّ الصور و المعلومات التي يتم الحصول عليها من الأقمار الصناعية التجسُسِية, للمناطق التي تتجاوز محيط الخمسين كيلومتر حول إسرائيل. هذهِ المسافة - كما تعتبرها واشنطن - كافية لحماية أمن إسرائيل. و لتجاوز أيِّ خطرٍ داهم. هذا الأجراء أُتخُذ بعد قصف إسرائيل لمفاعل تموز النووي العراقي من قِبلِ إسرائيل. عقدَ مجلسُ الوزراء الإسرائيلي إجتماعآ عاصفآ في جوٍ من العصبية, في الساعة الثامنة و النصف صباحآ. بعض الوزراء, و من بينهم أريل شارون, إنتقدوا بشدّة الفراغ الإستخباراتي. بينما عرض الجنرال الركن داني روتشيلد, المُدير المُساعد للأجهزة العسكرية السرِّية - رئيسهُ لا زالَ غائبآ في رحلةِ شهر العسل - عرضآ أثارَ مُناقشاتٍ عصبية. شعور معظم المسؤولين الإسرائيليين, كان الآتي: أجهزة المُخابرات الإسرائيلية, كانت قد فوجئت بلحظة الهجوم. في الوقت الذي كانت فيهِ حاملة الطائرات " إندبندنس ", و ست سفن حربية و خمس فرقاطات و طرّاد, تتجهُ نحو الخليج, أعلنت شركة الضمان الشهيرة " ليودز " من لندن, فرض ضريبة الحرب فورآ. و التي يجب أن تدفعها جميع السُفن المُبحرة في هذهِ المنطقة. و في لندن أيضآ, وصلَ سعرُ نفط الشمال الى 24 دولار للبرميل الواحد. قبل مُغادرتهِ لعَمّان, حاول الملك حُسين عبثآ, الإتصال بالملك فهد و لم يفلح. و هنا أمر وزير خارجيته مروان القاسم, أن يُحدِّد لِقاءآ مع الملك فهد. و أن يذهب في الطائرة الى جدّه. بعدَ مُحاولاتٍ عديدة و بعد إنتظارٍ طويل, جاءهُ الجواب السعودي أخيرآ: لا تأتي! حُسني مُبارك, كان على ما يبدو أكثرَ حظآ. كانت الساعة السابعة مساءآ, عندما إفترقَ الملك حُسين عن الرئيس مُبارك, مُتجِهآ الى بغداد. بعدَ أن طلبَ منهُ ( من الرئيس مُبارك ), أن يتصل بالكثير من المسؤولين العرب, و من بينهم الملك فهد. و يجب أن يطلب منهم البقاء هادئين و غير مُنحازين, خصوصآ في الساعات الثماني و الأربعين المُقبلة. أبلغ مُبارك العاهل السعودي, إقتراح الحُسين, فأبدى موافقتهُ. في هذهِ اللحظة, عاود وزراء الخارجية العرب لقائهم في فندق سمير أميس. الجميع كانوا ينتظرون - عبثآ - وصول الوفد العراقي الموعود. و طالَ الإنتظار.... مُمثِّلوا دول الخليج, كانوا ساخطين على رفض الجامعة إدانة العدوان العراقي. و إنضمَّ لهم السوريون الأخوة الأعداء. بعد ثلاث ساعات و نصف, و في جوٍ مشحونٍ أكثر فأكثر, جلست الوفود و قد فقدت الصبر, و هي تنتظر " الرُسل " العراقيين. كانت الساعة تعبر التاسعة و النصف مساءآ, عندما ظهرَ سعدون حمّادي في الممّر الرئيسي. و إتجهَ نحو منصَّة القيادة في الإجتماع. ثم أخرج نائب رئيس الوزراء العراقي خطابآ مكتوبآ. إعتقد البعض بأنَّهُ خطةٌ ما للسلام. و لكن خيبة الأمل حلَّت في النفوس, ما أن نطق ذلكَ المسؤول أولَ جُملةٍ لهُ. إذ إبتدأَ كلامهُ بالقول : " إنَّ الوضعَ في الكويت غير قابل للمساومة ". و إستمرَّ في كلامهِ لنصف ساعة, وسط ذهول و غضب و ملل الحضور. و هو يُكرِّر شريط الحجج العراقية الطويل: " إنَّ الولايات المُتَّحدة و بعض دول الخليج, قاموا بالتآمر على العِراق إقتصاديآ. و ذلك بالعمل على خفض سعر البترول. و منع بغداد من إصلاح إقتصادِها الذي تأثَّر بشدَّةٍ من الحرب مع إيران ". مُداخلة حمّادي كانت تخلو من أيَّةِ إشارةٍ و لو ضعيفة للتنازل. " العراق هوَ الذي منعَ إيران من السيطرة على المنطقة. و كان دِرعآ لدول الخليج. و رغم هذه الحِماية, رفضت تلك الدول بعد ذلك, تقديم أية مُساعدةٍ ماليةٍ لنا, نحنُ بأمسِّ الحاجةِ إليها ". عندما ذهب حمّادي الى مكانهِ في القاعة, خيَّم على الجميع, صمتٌ و ذهولٌ تام. بغداد ترفض أيَّ تنازل. فجأةً, أزمة الكويت تنطبع بلونٍ قاتمٍ جدآ. بعد تفاؤلٍ - رُبَّما مُفرِط - يتبعهُ الآن تشاؤمٌ و حزنٌ تام. في اللحظة التي تمَّ فيها تأجيل الجلسة الى الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي, لم يكُن لدى الوفود أيَّ تصورٍ حول نتيجة المُناقشات. الأمل الوحيد المُتبقِّي لحلٍّ عربي, هو ما سيسفرُ عنهُ اللقاء الذي كان يجري في تلك اللحظات, بين العاهل الأُردُني و صدّام حسين في بغداد. كانا جالسين الواحد بجانب الآخر. كان صدّام حسين يعطي إنطباعآ بأنَّهُ أكثرُ إرتياحٍ من الملك حُسين. يشكرُ - أولآ - الملك حُسين على كُلِّ جهودهِ المُخلصة. ثُمَّ يبدأ بتوضيح الأسباب التي من أجلها فجَّرَ العملية في الكويت: " لقد أعلنا مِرارآ, بأنّهُ إذا ما فشلت المُباحثات - و هذا ما حصل بالفعل في جدّة - فسوفَ نتبنّى وسائِلآ أُخرى لحلِّ المُشكلة ". طرح الملك خُطَّتهُ التي تصوَّرها للحل. مُلِحَّآ على ضرورة , إنَّ هذهِ الأزمة يجب " أن تُحل في إطارٍ عربيٍ بحت ". " أخشى - يُضيف الملك - من التدَخُل الأمريكي - الذي لا يهتمُّ كثيرآ برأي العالم العربي - في الأزمة. إذا ما تورَّطت القوى الأجنبية, و التي لا تهتم لمشاعرنا و ضروف المنطقة, فإنَّ النتائج ستكون وخيمة جدآ, و ستتعقَّد الأمور بسرعة و بقوة ". كانت الساعة قد تخطَّت الحادية عشر مساءآ, بينما لم يصل هذان القائدان الى أيِّ حلٍّ. كان الملك مُرهقآ جدآ, فطلبَ الذهاب للراحة و النوم. مُقترحآ العودة الى المُباحثات صباح اليوم التالي. صدّام طيِّبآ معهُ و ودودآ. يوافق على طلب الملك, و يتمنى لهُ نومآ هانِئآ. قبل أن تهبط طائرتهُ في إسبين, يتَّصلُ بوش بجيمس بيكر, و الذي كان يستعِدُّ لمُغادرةِ منغوليا للتوجُه الى موسكو: " جيم, نحنُ بحاجة لبيانٍ مُشترك, يُعبِّرُ عن درجةٍ عالية من التعاون بيننا و بين الإتحاد السوفيتي. و إلاّ فلا فائدة من ذِهابكَ الى موسكو ". حالما وصل الى إسبين, إلتقى جورج بوش معَ مارغريت تاتشر. بحقيبتها الأبدية, المُمتلِئة بالعطور و أشياءها الشخصية الأخُرى, تحت ذراعها. تشِدُّ يدَ بوش بقوة. و تُوجِّه لهُ تلك الجُملة التي سيُردِّدُها بوش كثيرآ فيما بعد: " يجب أن تعرف أنت أيضآ جورج, بأنَّهُ سوف لن يقف هنا فقط ". إنّهُ نفس الشعور الذي ينتابُ بوش أكثر فأكثر. و في الوقت الذي يُعقدُ فيهِ على بُضعةِ أمتارٍ من هُناك, مؤتمرٌ حول مشاكل الدفاع, يذهبُ بوش للإتصال هاتفيآ بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح. أحدُ الحُلفاء القلائل لصدّام. كانت جبال كولورادو القريبة, تبدو في الأُفق. و تُضفي على المكان و على هذا المُؤتمر طابع محاضرةٍ جامعية صيفية. بعد أن يُلقي خُطابهُ في المؤتمر, يتصلُ الرئيس بوش بمقرِ الملك فهد. و يُؤكِّد لهُ قرار الولايات المُتحدة بالدفاع عن المملكة. يشكرهُ الملك فهد كثيرآ. و لكن حِسن النيةِ هذهِ, لها أثر مُعاكس. فهي تُثيرهُ أكثر ممّا تُفرحهُ. فهد رجل خجول و هو بصحة هشّة يُعطي شُعورآ بأنَّهُ رجلٌ مُرتبك. و هكذا - و كما أصبح يخشى هو - فإنَّ مملكتهُ ستكون من الآن فصاعدآ في خطِّ الجبهةِ الأمامي. مُنذُ إنشائها قبل 63 سنة, كانت المملكة واحةً من الهدوء. و لكن إحتلال صدام للكويت, هو الحدث الذي يصفهُ الملك بحق " بالمأساوي ". و من الآن فصاعدآ, فإنَّ الأمير و حاشيتهُ سيكونون ضيوفآ لديهِ. و كأنَّ عجلة التأريخ قد إختتمت دورتها بشكلٍ عجيب. فقبل 88 سنة خلت, و في سنة 1902 بالتحديد, وجد مُؤسِّس مملكة آل سعود ملجأً لهُ, في ذلك الوقت في الكويت, عند عائلة آل صباح. بعدما كان قد طُرِد من بلادهِ!! قبل أن يُغادر الى واشنطن, يلتجأُ الرئيس جورج بوش و مارغريت تاتشر الى مسكن كاتو. و هو فيلةٌ فاخرة, يمتلكها سفير الولايات المُتحدة في المملكة المُتَّحدة. تقترحُ تاتشر على بوش, إتخاذ أشد الإجراءات حزمآ ضد صدام. مع تحرُّكاتٍ عالميةٍ مُكثَّفةٍ في الأُمم المُتحِدة. الخيار العسكري, لم يتم التطرُّق إليهِ بعد. و لكن , و كما إعترف " أحدهم ": كانت تتكلَّمُ عن صدّام حسين, بنفسِ لهجةِ زميلها الأسبق " أنتوني إدِن ". و ذلك في فترةِ أزمة قناة السويس. إذ وصف فيها المذكور, جمال عبدالناصر؛ " بأنّهُ شبيهٌ بهتلر.. ". في الوقت الذي ترتفعُ فيهِ الطائرةُ الرئاسية, في سماء إسبين مُتَّجِهة الى واشنطن, كانت الساعةُ تُشيرُ الى الرابِعةِ عصرآ بتوقيت المنطقة. وقتها, إتخذت وزارة الدفاع الأمريكية إجراءات عِدَّة. إذ تَمَّ إستدعاء طواقم طائرات النقل الضخمة, من طراز ت 141 فورآ. كما تمَّ إلغاء جميع الإجازات الممنوحة للعسكريين. و تمت دعوة جميع مُنتسبي القوات المُسلحة من العسكريين, للإلتحاق بوحداتهم خلال ثلاث ساعات فقط. يحدثُ ذلك وسط ذهول هؤلاء العسكريين. وبالرغم من علامات التساؤل الكبار, التي لن تجد جوابآ. إذ يتركُ هؤلاء الرجال, عوائلهم و أصدقائهم, دون معرفة أسباب ذلك الإستدعاء الفوري! في بداية المساء, كانوا - العسكريون - .يشغلون أماكنهم في طائرات النقل الضخمة, و هي تخترقُ الأطلسي. إذ ستهبطُ ثمانٌ و عشرون منها, في القاعدة الأمريكية, في راين ماين, في المانيا الإتحادية. بينما ستتَّجهُ ستٌ و عشرون أُخرى نحو تورجون في إسبانيا. هؤلاء يُمثِّلون - في حقيقة الأمر – أول حلقةٍ من حلقات الجسر الجوي الأمريكي العملاق. الذي سيتمُّ إطلاقهُ بعد بضعة أيامٍ من الآن, بإتجاه المملكة العربية السعودية. كانت أمواج المحيط المالحة المُتلاطمة, تتراقصُ أمام الجنود, عندما ظهرَ لهم ضابطٌ كبير. و راح يُخبر الرِجال, بأنَّهُ سوف لن يلتقي بِهم بعد اليوم. و ما عليهم إلاّ أن يكونوا في أتمِّ الإستعداد لتنفيذ الأوامر المُلقاة. و غادرهم دون توضيحاتٍ أُخرى. إذ أُبلغوا فيما بعد, بأنهم سيتبعون من الآن, وحدات العمليات الخاصّة. تلك الوحدات المُكلَّفة بالمُهمات المُعقّدة الخاصة. مثل عمليات الكوماندوز و إطلاق الرهائن. و إنهُ سيتمُّ إرسالهم في هذهِ الليلة الى الشرق الأوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست