الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان، دماء السياسة والقداسة

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2019 / 7 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



الدم والموت من أقسى المعالم السياسية لمعارك ترتيب بعض الفئات لمصالح الحكم/المحتمع.. الدم والموت هوميسم القتال ضد الغزاة، وفي تقاتل الأخوة أو أبناء العم.


تثبيتاً للراسمالية أو لحكم سياسي، توالت المعارك الدموية في السودان للحديث منذ القرن التاسع عشر على النحو الآتي:

1- ارتبطت بداية السباسات الدمةية في السودان الحديث بالغزو التايع لدولة الخلافة الإسلامية العثمانية وخديويتها في مصر وحملات الدفتردار الإنتقامية ضد قيام السودانيين بحرق الجيش الإسلامي (1822)

2- أرتبطت الحرية من هذا الإستعمار الأول بمعارك الثورة المهدية منذ 1881 التي كان اكثر ضحاياها من عسكر الأعداء ومن سكان الخرطوم.

3- بعد تمكن الدولة المهدية شنت قواتها حملات تمكين عسكرية محدودة واخرى كبير قد يتجاوز تعداد قتلاها وضحاياها الألوف.

4- انتهت المهدية بتناقضاتها وبمعركتين أولهما معركة كرري (1898) التي أراق فيها جيش الليبراليين الإنجليز باسم "الحرية" و"الحضارة" دماء أو كرامة ثلاثة وعشرون ألف سوداني/23000 منهم اثنى عشر ألف قتيل/12000.

5- معركة أم دبيكرات (1899) وهي المعركة الخاتمة للدولة المهدية التي قام فيها الجيش المشترك لقوى الليبرالية والحداثة الإنجليزية ودولة الخلافة الإسلامية وخديويتها بقتل ثلاثة آلاف سوداني/3000.

6- استمر تدفق الدماء في السياسة السودانية بحكم الانتفاضات العشائرية في الحنوب وجنوب كردفان وحنوب دارفور والجزيرة ضد الحكم الاستعماري، وقد يصل تعداد قتلاها من الجانبيين الى ألوف.

7- في ثورة 1924 المدنية العسكرية المجيدة سالت الدماء من المطالبين بالحرية والعدالة ومن القوة العسكرية لحكم الليبراليين الإنجليز الاستعماري الذين ساندهم شيوخ الطوائف والقبائل وكبراء التجار.

8- لم يقطع توطد الإستعمار في المدن دمويات عشائر الريف إزاء الإستعمار أو ازاء بعضهم في نوع محلي من السياسات الدموية.

9- بدأ سودان الاستقلال ياخذ ملامح الإستعمار الداخلي بسفك دماء الجنوب (1955).

10- زاد الموت شمالاً خيث دخلت القتل الحمعي منطقة جودة على النيل الأبيض اذ أزهق الحكم الرجعي والليبرالي أرواح عشرات أو مئات المزارعين الذين كانوا يطالبون بحقوقهم (1956)

11- اضافة لقتل ألوف الحنوبيين في حرب المركز لاخضاع الحنوب، قُتل في الشمال قي معركة المولد (1961) سبعة عشر/ 17 من "الأنصار" وعدد من رجال الشرطة،

12- حضرت ثورة أكتوبر بأربعون شهيداً . كانوا بشكل عام يحاولون وقف الحرب التي تقتل في الجنوب وحده ألوف الضحايا كل سنة. وتبئس معيشة ملايين الناس في كل أنحاء السودان. (1964).

13- زاد العنف مئات أو ألوف الشهداء في جزيرة أبا (1970) واختلتف التعداد وارد لكنه لاينفي المأساة الدموية حتى لو كان تعداد المقتولين اثنين. اختلاف التعداد ورد حتى في الجانب المهدي لذلك الحادث الدموي ففي رسالة إلى كريمته السيدة أم سلمة أشار السبد الصادق المهدي أن الشهداء سبعمائة وخمسة وأربعون 745، لكنه في مقابلة مع قناة الجزيرة زاد العدد إلى ثلاثة آلاف. كان سبد الجزيرة واتباعه وبتحريض رئيس من الكيزان في حالة شبه عصيان مسلح ضد الدولة، وكان قائد الحملة العسكرية ضدها هو الرائد أبو القاسم محمد ابراهيم أحد أكبر أعداء الشيوعيين والطائفية. وفي قول خفيف نسب إليه تعبير ثأري ثقيل قاله مفتتحاً القذق المدفعي ضد الجزيرة والمسلحين الذين بداخلها هو "ثأرك يا المتمة" في ربط حقدي مبالغ بين مأساة قيام الدولة المهدية عام 1897 بتدمير مدينة المتمة وقتل خمسة آلاف من أهلها وقيام دولة نميري وأبوالقاسم عام 1970 بتدمير جزيرة أبا ! لكن بإقصاء الحساسيات التاريخية فان الوزن الموضوعي للأمور يربط الحملة ضد الحزيرة بالتصعيد العسكري الذي اتقد فيها وكان آنذاك أكبر مهدد لقوة الجيش الخاكمة في الخرطوم، ولقوة الجيش المحاربة في الجنوب إذا قام الأنصار المسلحين، المسيطرين على المنطقة بقطع طرق الإمدادات إلى قوات الجيش المقاتلة في الجنوب. كان قادة الطرفين من سادة المركز والمقاتلين من الهامش.

14- في 19 يوليو 1971 قام مجموعة من الضباط الشيوعيين والوطنيين بوقف تحكم نميري في الدولة لكنهم لم يعدموا لا نميري ولا أبو القاسم ولا أي مسؤول عسكري أو مدني. وقد فشل إنقلاب 19 ءليو قي بومه الثالث بتدخل الإمبريالية والسادات والقذافي ضده وبتناغم ضباط نميري وضباط الرجعية والكيزان لضربه. وقد أسفرت المعركنين الضاريتين ضد الإنقلاب في مباني القصر الجمهوري وفي مقر القيادة العامة للجيش، عن قتل عشرات العسكريين بينهم تسعة عشر 19 عسكرباً من قوة نميري. وفي التحقيق الذي أجراه القاضي علوب بأمر من نميري بعد الأحداث لم تتبين كيفية واحدة لمقتل هؤلاء التسعة عشر فرغم احتكار قوة نميري للدبابات أظهرت الصور بعضهم مصاباً وحده بشظية من قذيفة دبابة لينما ااجثامين الملاصقة نظيفة الهيئة ! كذلك جثث آخرى علبها بقايا هدم تلاصقها جثامين غير مغبرة نظيفة الهيئة والملبس! وضمن حرب نميري ضد الشيوعيين نشر الإعلام صور الجثث المختلفة الحالة زاعماً أن أصحابها التسعة عشر قتلوا جميعاً في وقت واحد في مكان واحد "قصر الضيافة"! وهو منزل الدولة الفخم المخصص لإقامة كبار زوارها. ولم يحرو انسان على التفكير في موضوع اسر ضباط الانقلاب لخصومهم في بيت الفخامة والتقدير، ان كانوا ينون قتلهم؟ فشل هذا الإنقلاب وإعدمت المحاكم العسكرية كبار المرتبطين به وأعدموا معهم زعماء الحزب الشيوعي السوداني ابطال العداوة ضد الإستعمار والرجعية والعنصرية الأفذاذ عبدااخالق والشفيع وجوزبف. الحزب الشيوعي السوداني لم ينظم الإنقلاب ولم يرفضه، بل وكد قضيته الأعلى واتجاهه العظيم في وقف حكم الفرد وتسليم السلطة للشعب. ذلك التسليم الذي يناضل الشعب السوداني لتحقيقه منذ ايام الإستعمار وإلى اليوم.

16- مع وقف الشيوعيون نشاطهم السياسي داخل الجيش قاد نميري في سبتمبر 1975 حملة قتل أخرى ضد إنقلاب جديد إشترك فيه بعض الضباط الرجعيين الذين ساندوا نميري ضد الشيوعيين هاتفين له.

17- في 2 يوليو 1976 قاد الكيزان وحزب الأمة غزواً على السودان أنطلق من ليبيا وتشاد وإثيوبيا، وانتهى لفشل تام بعد قتل أكثر من ثمانين 80 من عسكر الجيش/نميري، وجرح ضعف هذا العدد، لكن القتل والإعدام نال غالبية الألفي غازي ونال ومعهم عدد من المواطنين والمقيمين الأجانب الذين بسبب السحنة أو اللهجة (راحوا في الرجلين).

18--بعد عام من مجزرة يوليو 1976 تحققت "مصالحة" بين نميري والصادق المهدي والترابي بجهود أمريكية سعودية وبدأت عملية تمكينهم وتمكين البنوك الإسلامية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي واسفرت "المصالحة" التي بررت بـ"حقن الدماء" عن اتجاه دموي جديد إلى نهب ثروات الجنوب النفطية، كما أسفرت عن نوع من العنف التجاري اليومي في الشمال والجنوب ضد كفاءة المؤسسات والخدمات العامة وضد معيشة غالبية المواطنين، بصور لا تشمل إحصاءاتها ملايين الذين فقدوا اطمئنان معيشتهم أو حياتهم جراءها، قي قتل ناعم.

19- مرة اخرى بدأ تدفق الدم في الجنوب قي ما سمى "أحداث جوبا" (1978)

20- مع تغيب الشيوعيين وتغييبهم عن الجيش ومؤسسات الأمن منذ عام 1971 تكاثر نشاط الرجعيين والكيزان في تلك المؤسسات الضرورية لحماية السيادة الوطنية والحرية والسلام والعدالة وبه بدأ الجيش والميليشيات الداعمة له في قتح حرب جديدة ضد جنوب السودان بدأت قبل مارس 1983 ولم ينخفض انزافها الدماء إلا باتفاقات "نيفاشا" 2003. خرب تواشج تقديرات أعداد ضخاياها القتلى وغير القتلى المليون والمليونين

21- مع انتصار الجنوب وجه جيش الدولة المتمركزة في الوسط حربه ضد دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ولم يتوقف انزافه لمجتمعات هذه المناطق حتى يومنا هذا 20 يوليو 2019.

بين تجدد الحرب ضد الجنوب منذ 1983 الى 2003- وفتح الحروب الأخرى ضد مناطق دارفور وكردفان والنيل الأزرق لا ننسى:

22- "مجزرة رمضان" واعدام جيش الكيزان ثمانية وعشرون ضابطاً ينتمون للتيارات الوطنية والقومية العربية (1990).

23- "مجزرة معسكر "العيلفون" التي قتل فيها جيش الإسلاميين أكثر من مائة وسبعة عشر 117 طالباً فشلوا في تسخيرهم للقتال ضد السودانيين في الجنوب (1998).

24- مع اتحاه جهود السلام الى "السلام الشامل والتحول الديموقراطي " بدأ قمع جديد في الشمال بقتل خمسة وعشرون إنساناً محتجاً في بورتسودان (2005)،

25- قُتل في منطقة كجبار النوبية الآمنة أربعة من المواطنين المحتجين على بناء سد كجبار المدمر لمنطقتهم (2007)..

26- قتل في "جامعة الجزيرة" خمسة طلاب (2012).

27- في مختلف مدن السودان قتلت سلطة الاسلاميين مئات من متظاهري "إنتفاضة سبتمبر" (2013).

-مع وبعد إسقاط رئاسة البشير زاد الكيزان العسكريين ومواليهم مجازرهم بمجازر أخرى شملت مناطق : 28- "كسلا"، 29- "نيالا"، 30- "القضارف"،
زهي مجازر متفرقة الزمان قتل فيها عشرات الناس منذ ما قبل ديسمبر 2018 .


31- من كل هذا الدم لم يرعوي الكيزان، بل ولغ عسكرهم في سفك الدماء بمجزرة "الإعتصام" الكبرى حيث قتلوا مائة وسبعة وعشرون /127 شخصاً وجرحوا حوالى سبعمائة 700، (يونيو 2019).

في 20 يوليو 2019 أجمل بيان من لجنة أطباء السودان تعداد شهداء وجرحى الحركة الجماهيرية بألف وستمائة وإثنين انسان /1602، منهم مئتان وستة وأربعون/246 شهيداً بينما بلغت جملة الإصابات المسجلة 1353، بينها 253 اصابة قبل الاعتصام، و400 إصابة أثناء الاعتصام و700 إصابة بعد الاعتصام. وهي دماء كثيرة من محاولة سلمية لإزالة تحكم جماعة إسلامية سياسية سببت وتسبب بالإهمال وبالقتل المباشر بؤس ونزوح ووفاة ملايين الناس.

*نقاط إجمالية من سجِل الصراع الدموي:*

1- شمل هذا الرصد العام أشهر حوادث العنف السياسي الدموي في السودان، ولم يتضمن عموم أو تفاصيل الخسائر المليونية في الأرواح والممتلكات التي سببتها سياسات المركزة والتهميش وكل أنواع العنف الحكومي في جنوب وغرب السودان.

2- يوضح هذا السجل السياسي الدموي أن مجتمعنا يبدو سلمياً عند مقارنته بسجلات الصراعات الدموية في بعض المجتمعات الأخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا الإبادة وحروب السيطرة وحتى أوروبا القديمة وأوروبا حروب المدن اليونانية، وأوروبا حروب روما، وأوروبا الصليبية الإقطاع وأوروبا الحداثة والليبرالية ذات الإستعمار والحروب العالمية.

3- يوكد الرصد الإحصائي لأشهر الأحداث السياسية الدموية في السودان إن قوى الليبرالية، وقوى الرجعية الدينية والإسلام السياسي الوسطي امتازت خارج وداخل الحروب الكبرى في الجنوب ودارفور زجموب كردفان بالدرجة الأعلى في التعنت والعنف وسفك الدماء السودانية.

4- في الفترة الممتدة منذ حملة الدفتردار الانتقامية في القرن التاسع عشر وإلى 20 يوليو 2019 (وضمن تلك الفترة أعمال الجانب الرجعي من حوادث سنتي 1970 و1971) ينفرد مقربو الاسلام السياسي القديم والجديد بالمركز الأعلى في تعداد القتلى وخالات سفك دماء السودان.

5- في زعوم عارضة وأخرى فقهية برر زعماء الإسلام الوسطي هذا الولوغ والسفك بهدف "إعلاء كلمة الله" وهو شعار إسلامي كبير أرتبط نشره وتحقيقه في واقع السودان الحديث بزيادة التبعية لاتجاهات الإمبريالية والرجعية، ونموء حالة الإستعمار الداخلي بالاستغلال والتهميش والفساد، وبكل ما يلزم لتجديد هذا الكُفر والظلم والعدوان وأرباحه من زيادة في استبداد حكم الفئة الطاغية، واستدامة لجاه أفرادها، وذلك بتعزيز هذه المظالم الكبرى وموبقاتها، التي تبخس حقوق الناس وتعلي عليهم وجهاء الإسلام السياسي وبنوكه وميليشياتها.

6- تحليل تاريخ العنف السياسي في السودان يحتاج بعد إحصاء حوادثه إلى:

(أ) تبين الظروف السياسية للمعارك الدموية.

(ب) تحليل العناصر الطبقية والإثنوثقافية والجندرية لكل معركة.

(ج) رصد وتحليل تنوع/تناقض التكييف الإعلامي إزاء بعض أطراف أو أهداف كل معركة وتنوع/تناقض التقييم الإعلامي لبعض آثارها.

(د) إلي أن يأتي زمان تحقق فيه الدول تحسينات مستدامة في حقوق ومعيشة غالبية الناس، يجب من ناحية واقعية للمهتمين بـ"السلام كطريق إلى العدالة" وليس العكس تحليل الرأي السلمي المثالي القائل بـ "تساوي البشر في الخسارة عند الموت" ! أي ان الموت خسارة للجميع. وهذا الزعم السياسي يعادي حقيقة "التنوع الثقافي للتضحية"، فالتضحية نفسها "خشم بيوت" تلدها مصالح إجتماعية سياسية مؤدية إلى معارك، وتحددها ظروف إظهار وتبيين لنتائج المعارك القديمة وفق غلبة تقييم معين للأوضاع الإجتماعية السياسية، المتصلة بالعنف السياسي الدموي وهو تقييم تتساوي فيه التضحيات والأوضاع القديمة المولودة من تضحيات ومعارك أسبق والتضحيات والأوضاع الجديدة المعاصرة. لذا فعند دراسة أي معركة على الحقوق الأساسية مهم ان يتم تحليل العناصر والأسس والنتائج الإجتماعية السياسية لنشاط القاتل والمقتول.


المنصور جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟