الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضواء حول الأعراس بالريف الأوسط

محمد بلمزيان

2019 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ظاهرة الأعراس كطقس سوسيولوجي ، تكتسي أهميتها الثقافية والتاريخية بالريف من حيث هي تراث تقليدي وإبداع ثقافي، لا يمكن فهم المجتمع الريفي إلا ضمن هذا النمط الإحتفالي الفرجوي الضارب في أعماق التاريخ، والمرتبط بثقافة المناطق الأمازيغية، والتي تعتبر الريف من أبرز المناطق بشمال المغرب والتي تعرفت على هذه الطقوس وتوارثته أبا عن جد،وهي مناسبة احتفالية تعبيرا عن الفرح وعقد القران بين الرجل والمرأة، بعد انصرام الموسم الفلاحي وجمع المحصول والغلات التي كان الفلاح مداوما طيلة العام على العمل في الحرث والغرس والسقي والدرس الى غاية جمع الثبن على شكل كومة دائرية في الأراضي المنخفضة أو المستطيلة في الأراضي المرتفعة،وهي العادات التي تبقى محفورة في ذاكرة ابناءالقبائل ، وما تتضمنها من علاقات التضامن والتأزر في القيام بأشغال بعينها كتبادل البهائم للحرث أو عادة ( ثويزا )( أي قيام ابناء الدوار أو المنطقة المجاورة على التناوب في الحصاد أو الدرس أو جمع كومات التبن) مما كان يفسح المجال الى تبادل نوع من الإحترام وإبداء إحساس مشترك بين مكونات كثيرة من المجتمع المحلي، تترجم عادة في التعاون على التغلب على الكثير من المتاعب الإقتصادية التي لا يمكن أن ينهض بها فرد واحد بمفرده.
وإذا كانت ظاهرةالأعراس بالريف تنتظم داخل ثقافة أمازيغية عميقة، وتعكس الوجه المشرق للثقافة المحلية،وعمقها التاريخي في الذاكرة الجماعية للشعوب القديمة، وهي الميزة التي جعلها تحافظ على سيرورتها التاريخية الى العقود الأخيرة، بالرغم من المنافسة القوية مع الطقوس الأخرى المستحدثة في المجتمع المحلي، وهي طقوس ما تزال موجودة في مناطق كثيرة، رغم انحسارها في السنين الأخيرة نتيجة الصراع الشرس مع وسائط أخرى دخيلة ودخول الآلة في تعويض الكثير من الأشغال الفلاحية، التي كانت تقتصر بالأمس على الأيدي العاملة وقوى إنتاج بشرية وجيوانية مائة في المائة للقيام بجميع الحلقات الأساسية في النشاط الفلاحي والزراعي، بداء بالتنقل والحرث والحصاد والدرس وبناء كومات التبن وانتهاءا بخزن المحصول في محلات خاصة أو سراديق أو براميل وأكياس.
عود على بدء ، فإن هذه الأعراس بقدرما تشكل مناسبة للتعبير عن الفرح والأحتفال بعقد القران، فإنها مناسبة للإحتقال بانتهاء موسم فلاحي، وبالإضافة الى هذا وذاك فهي لحظة للتعبير عن الثقة بالنفس والإعتداد بها، بعد تجاوز لحظة الموسم الفلاحي بنجاح والقدرة على الإنتاج والإستعداد على تخصيب الأرض للموسم القادم، كما أن هذه الأعراس وما يحيط بها من تحضيرات بسيطة لكن يتجند لها كل أفراد العائلة وأقارب هذه الأخيرة بما يشبه خلايا النحل المشتغلة بنظام وبرمجة لتصريف حلقات الحفل الممتد على الأقل على مدار سنتين في أغلب الأحوال بكيفية لا تخلو من صرامة ملحوظة في كل شيء، وحتى تكون لحظات الحفل مبتهجة لجميع المدعوين من أبناء المدشر والدواوير والقبيلة أوحتى القبائل المجاورة الأخرى، وأنا أتحدث هنا عن قبيلة آيت ورياغل كأبرز قبيلة بالريف الأوسط،وبالتالي فإن علاقات المصاهرة الموجودة بينها وبين القبائل الأخرى كقبيلة آيت تمسمان وآيت توزين وبقيوة خاصة كانت لها اي الأعراس دورا قويا في بناء علاقات الثقة وتقويض أواصر الريبة فيما بينها،ومحو ندوب مرحلة الصراع والمشاحنات التي كانت تحدث في الأسواق الأسبوعية في المناطق للقبائل المذكورة والتي تمتد بعضها الى المرحلة المقاومة الخطابية وسياق انبلاجها والبرودة التي تلقتها بعض أعيان في القبائل الأخرى، وهذا كلام آخر ،لكن أوردته لكون تلك
الصراعات قد استطاعت أن تنتعش في العقول في الأجيال القادمة، فكانت تحدث والى عهد قريب خلال سبعينيات القرن الماضي نوع من العراك بين ابناء القبائل ، حينما يحضر بعض الشباب ويجتازون الحدود الطبيعية لقبيلهم لحضور مراسيم الفرجة والإستماع للمواويل التي كانت ترددها النساء في باحة المنزل صاحب العرس، سواء كانت عروسا او عريسا، فغالبا ما يتعرضون للرشق بالحجارة في نهاية الفرجة أوطردهم خلال بدايتها لمجرد انتباه أحدهم الى تواجد اشخاص ينتمون الى قبيلة غير قبيلتهم،وهو ما كان يفسح المجال الى الإنتقام ورد الصاع صاعين حينما ينتبه ابناء قبيلة أخرى لتواجد ذات الأشخاص الصادرة منهم أعمال الإعتداء وقد تصل العنجهية بالبعض الى الإعتداء الجسدي بالسلاح الأبيض، وهي الظواهر التي كانت منتشرة في زمن سبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، الى أن أصبحت في طي النسيان في الوقت الحاضر، وما كان يقف حاجزا في اندلاع تلك المشاحنات هو وجود علاقة مصاهرة أو قرابة عائلية بين احد أفراد القبيلة المجاورة والذي يكون حاضرا في ذات الحفل الذي تقيمه قبيلة أخرى، مما يجعل أمر تطويق المشكل وتحجيمه في متناول الوسطاء الذين يكونون جاهزين لإخماد الخلافات والتي عادة ما كانت شكلية وصبيانية نابعة عن إشارات او تلويح أو مجرد كلام طائش لمراهق.
ورغم ذلك فإن الأعراس بالريف شكلت استعراضا ثقافيا بهيا، وحلقة طقوسية لا يمكن تجاوزها، تندغم فيها الكثير من الدلالات الإجتماعية والرمزية، بحيث أحيانا لا يمكن فهم طبيعة المجتمع الريفي بدون استحضارها خاصة ( الفرجة) وما تحمله من مضامين ثقافية وامتدادا لعادات اجتماعية ذات قيمة ثقافية ولغوية لا يمكن تجاهلها، تشكل أحد الصور العاكسة لطبيعة المجتمع بالريف الأوسط، خاصة تفتق ذهنية النساء في إبداع الشعر والمواويل ( إزران ) والتي تعتصر ذاكرتها من أجل التباري في قول كله تشبيه ورموز وإحالات على ذوات اجتماعية وشخوص بعينها، كمحاولة لكيل المديح والإطراء تارة و النقد والهجاء تارة أخرى، وللتعبير أيضا على حجم المعاناة التي كانت تكابدها المرأة الريفية والمسؤوليات الجسام التي كانت تنهض بها في المجتمع آنذاك.




















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س