الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية العم سام -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2019 / 7 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


(1)
في البدء لا بدّ من الاعتراف بأن البحث عن أيّ موضوع يتعلق بالثورة الايرانية عام 1979م يقودني الى منطقة متخمة بالفوضى، فبالرغم من تعدد الروايات عن احداث الثورة إلا انها كثيراً ما تتعارض وتتبادل الاتهامات بالنفي والتكذيب.
بعض الروايات صدرت عن "الاخوة الأعداء" الذين صنعوا أحداث الثورة ضد الشاه، والبعض الآخر تسرب الى العلن بين فترة وأُخرى ليكشف ما كان يجري في أروقة البيت الابيض، لكن ما تكشفه تسريبات الادارة الأمريكية عن موقفها تجاه ما جرى في طهرن يثير الكثير من علامات الاستفهام، فحالة العداء المعلن والمزمن بين ايران ما بعد الثورة من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، تتضارب مع ما يثار بين فترة وأخرى عن وجود تعاون أقرب ما يكون الى تحالف استراتيجي بين الطرفين.
وهذا ما دفعني للبحث في تاريخ العلاقات بينهما، فلكل حدثٍ مقدمات يجب النظر اليها، وهذا ما سأحاول تسليط الضوء عليه لفهم الاحداث التي ساهمت في تخلي الشاه عن عرشه لصالح آيات الله.
(2)
تشير مصادر التاريخ الى ان ايران شهدت أول تواجد للقوات الأمريكية على أراضيها خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما تحولت بلاد فارس الى معبر اساسي لنقل الإمدادات الأميركية إلى الجبهة السوفيتية مع المانيا النازية.
وهذا ما عمل الشاه محمد على استغلاله للخلاص من وصاية بريطانيا والاتحاد السوفييتي، فالرجل لا يختلف عن غيره ممن أدرك حجم المتغيرات التي أفرزها واقع ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سعى الى الاستعانة بشكل مفرط بالولايات المتحدة، من خلال تعيين عددٍ كبير من الامريكيين في مناصب مهمة، للإدارة والاشراف شبه المطلق على شؤون البلاد، لكن الدوران في فُلك الولايات المتحدة لم يسعف الشاه في ابعاد نيران الفكر اليساري الذي انتشر في الوسط الثقافي الايراني، والذي استطاع ان يؤسس له قاعدة شعبية مؤثرة على الحركة السياسية في البلاد.
ففي نيسان 1951م تمكن زعيم الجبهة الوطنية محمد مصدَّق من تسلم مقاليد رئاسة الوزراء، ليسارع الى تأميم النفط الإيراني، لكن القوى الغربية ردّت على قرارات مصدَّق بفرض حصار محكم على إيران، أصاب صناعتها النفطية بالشلل، - وهذا السيناريو سيتكرر في وقت لاحق للضغط على حكم الملالي - ، إذ استطاعت سياسة فرض الحصار من تحييد وتشتيت مواقف الشعب الإيراني تجاه الانقلاب الذي سيحدث ضد حكومة محمد مصدَّق في آب 1953.
(3)
ان القضاء على حكومة محمد مصدَّق ألزم الأوصياء على حكم الشاه بدفعه الى اطلاق ما عُرِف بـ “الثورة البيضاء” في عام 1963، وهي عبارة عن مجموعة من البرامج الاصلاحية في مختلف جوانب الحياة، لكنها جوبهت بالمعارضة، فأحدى هذه البرامج كانت تستهدف اعادة توزيع الاراضي على الفلاحين، مما يعني خسارة المرجعية الدينية في ايران لجزء كبير من ممتلكاتها، وهذا ما دفع روح الله الخميني الى انتقاد الشاه وسياسته عبر خطابات شديدة اللهجة.
يتفق اغلب المؤرخين على ان ما حصل في عام 1963 كان أول ضهورٍ للخميني على مسرح السياسة الايرانية، بل ان بعض المؤرخين يرى ان هجوم الخميني ضد ملكه شكل أولَ خطوةٍ انقلابية في سلسلة أحداث الثورة القادمة.
وهنا لا بدّ من الاشارة الى احدى الوثائق التي اعلنت عنها وكالة المخابرات المركزية الامريكية – والتي أُشير اليها بتحفظ -، حيث تذكر الوثيقة ان الخميني أرسل في تشرين الثاني عام 1963رسالة لإدارة الرئيس كينيدي، وقد أوضح فيها انه لا يعارض المصالح الأمريكية في إيران، وهو يشدد على ضرورة الوجود الأمريكي لمواجهة النفوذ السوفييتي والبريطاني في البلاد.
ان صحت هذه الرسالة فهذا يعني ان الرجل كان يدرك طبيعة الصراعات الدائرة بين الاقطاب الدولية، وما هي الاسلحة التي يجب استخدامها في معارك الحرب الباردة، ففي احدى تصريحات الخميني بعد ثورة 1979 قال "ان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تفعل أي شيء"، ومن يفهم ان في قوله تهديداً بالمواجهة مع الولايات المتحدة قد يكون على خطأ، إذ ان في قوله رسالة واضحة جدا، مفادها ان إزاحته عن السلطة سيؤدي بالبلاد الى السقوط في أحضان الشيوعية، وهذا أشد ما كانت تخشاه أمريكا.
(4)
ان موقع إيران الاستراتيجي في الشرق الأوسط وجوارها للإتحاد السوفييتي جعل منها ساحة لمعركة طويلة الأمد في الحرب الباردة، فبالرغم من تنامي قوى اليسار في الشارع الايراني إلا ان الادارة الأمريكية سعت الى الحفاظ على هذا البلد كمنطقة نفوذ لا يمكن التنازل عنها.
إذ حاول مستشار الأمن القومي اقناع الرئيس كارتر بالتدخل العسكري الأمريكي لإعادة الاستقرار الى إيران، لكنه فشل في ذلك، وبالرغم من اخفاقه اتصل بريجينسكي بالشاه في 4 تشرين الثاني 1978ليبلغه بأن الولايات المتحدة "ستدعمه حتى النهاية"، - وانا اكتب هذا السطر تذكرت كلمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك "المتغطي بأمريكا عريان".
المهم، ان موقف المستشار لم يكن متفقاً مع ما كان يتداوله بعض المسؤولين في أروقة وزارة الخارجية، حول ضرورة رحيل الشاه عن ايران، فالتحذيرات التي كان يرسلها سفير الولايات المتحدة في طهران وليم سوليفان كانت تؤكد بان أيام الشاه باتت معدودة، وان على الادارة الامريكية اخراجه برفقة كبار القادة العسكريين للتمهيد الى عقد صفقة بين صغار القادة والخميني قبل عودته من المنفى.
(5)
في فرنسا كان روح الله الخميني يعمل على الاستفادة من البروبغندا الغربية التي نجحت في ابراز نجمه على حساب القوى اليسارية الفاعلة في الثورة ضد الشاه، الرجل الذي كان يحاول ترقيع نظامه لمواجهة الفوضى التي أصابت حلفائه في البيت الابيض، فالإدارة الامريكية لم تكن حريصة على سلامة عرش محمد رضا بقدر حرصها على إبعاد ايران من السقوط في يد الاتحاد السوفييتي.
وهذا ما دفع الادارة الامريكية الى مناقشة جميع الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الأمر، ففي الوقت الذي اتخذ فيه الرئيس كارتر قراره النهائي بضرورة رحيل الشاه عن إيران، كانت أبواب البيت الابيض مفتوحة للتواصل مع اقطاب السياسة في ايران، وذلك للسيطرة على الاوضاع المتوترة.
(6)
ان فوضى الأحداث المتزامنة والمتسارعة تجعل من الصعب رسم صورة واضحة لما كان يجري أو يتم التخطيط له، فمن جهة حددت الادارة الامريكية موقفها من مستقبل الشاه في مؤتمر غوادلوب الذي انعقد في 5 كانون الثاني 1979، ومن جهة أخرى ارسل الرئيس كارتر مبعوثه الخاص الجنرال روبرت هايزر إلى طهران لتنفيذ عدة مهام، أولها تحييد الجيش في عملية انتقال السلطة المخطط لها، وتوفير الدعم لـ "شابور بختيار" الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء.
بختيار الذي قبل استلام السلطة كان مدركاً ان مهمته مستحيلة، فالثقة معدومة بين جميع الأطراف، قوى المعارضة من جهة والجيش والولايات المتحدة من جهة أخرى، والجميع على قناعة بان عرش الشاه لا يمكن تقسيمه، أضف الى ما تقدم ان البلاد كانت تخرج عن السيطرة بسبب دعم الأطراف الخارجية لبعض القوى المتصارعة في الداخل، إذ شهد الشارع الايراني حصول عددٍ من الاشتباكات التي هددت بنشوب حرب أهلية سيكون لها آثار مدمرة على البلاد.
تجدر الاشارة هنا الى ان نيران الفوضى اصابت مواطني الولايات المتحدة، ففي منتصف كانون الثاني 1979م قتل عدد من الضباط الأمريكان في عدة مدن إيرانية كانت تشهد سيطرة واضحة للقوى اليسارية، والتي كان لها دور كبير في تنظيم الإضرابات العمّالية لإيقاف تدفق النفط وتهديد المصالح الغربية.
(7)
في ضل هذه الفوضى نجح الجنرال روبرت هايزر في ابعاد الجيش الايراني عن دائرة الصراع قدر الامكان، من خلال اقناع قادته بان الحفاظ على ايران من السقوط يستوجب اتباع سياسة لا تخلو من المخاطرة، تبدأ باستبعاد بعض الوجوه المرفوضة عن واجهة الحكم واستبدالها بشخصيات لها تاريخ سياسي مقبول، وفي حال الفشل سيكون القيام بانقلاب عسكري هو الحل الأخير.
ان فكرة القيام بانقلاب عسكري لم تكن الاخيرة في أذهان قادة الحرس الإمبراطوري، بل كانت الحل الوحيد، وهذا ما دفع الجنرال غلام علي أويسي لزيارة واشنطن مستفيداً من تأييد مستشار الأمن القومي الامريكي لعله يحصل على الضوء الأخضر، لكنه فشل كما فشل رفيقه الجنرال أمير حسين ربيع، والذي حاول بشتى السبل اقناع الجنرال هايزر بضرورة استيلاء الجيش على السلطة لتدارك انهيار المؤسسة العسكرية بعد رحيل الشاه عن البلاد.
وقي المحصلة تمكن الجنرال هايزر من تجميد إرادة الجيش الذي سيُساق اغلب قادته الى منصات الاعدام بعد الثورة.
(8)
ان جيشاً تعداد أفراده 400 ألف رجل مجهز بأسلحة أمريكية ولا زال تحت اشرافها يشكل قوة لا يستهان بها في دولة كإيران، وهذه كانت احدى المخاوف التي تشغل تفكير روح الله الخميني، فالعسكر قادرون على اعادة الشاه بقوة السلاح، لذلك شكل استسلام الجيش احدى المحاور المهمة في المفاوضات التي جمعت الخميني ومستشاريه بالإدارة الامريكية، والتي – بحسب روايات مسؤوليها – قدمت إشارات واضحة للخميني بتخليها عن الشاه، وان مساعيها محددة بعدم استيلاء الشيوعيين على السلطة.
و"بحسب الرواية الامريكية" فإن المفاوضات كانت مثمرة، وان الطرفان متفقان في وجهات النظر، فكلاهما حريص على مستقبل مصالح الولايات المتحدة في إيران. لتختتم المساعي بين الطرفين باستلام الشاه محمد رضا للرسالة التي تخبره بضرورة مغادرته إيران، والتي حان أوانها في 16 كانون الثاني1979.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز