الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس يتحدث إلى مرآته!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2019 / 7 / 30
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الرئيس السيسي يقف أمام مرآته، أي أمام نفسه ويقول:
أكاد أجن فقد فعلت بالمصريين ما لو كان إبليس مكاني لخشيَ غضبَهم؛ لكنهم التزموا الصمت.
غيرتُ لهم دستورَ الوطنِ الذي توافقوا عليه، فلم تهتز شعرةٌ واحدةٌ فيهم.
منعت جماهيرَهم أن تحتج ولو في هدوء وسلام وحفنة قليلة تثبت للدنيا أنَّ في مصر أحياء؛ فخضعوا صمتــًا وطاعة.
عسكرتُ كل مؤسسات الدولة فبلع الجميعُ ألسنتــَهم.
أجبرتُهم على الخضوع لرأيي في بيع الأرض، والتنازل عن الجزيرتين اللتين أهديتهما للأشقاء، فدخل المصريون إلى مخادعِهم يبكون ويذرفون الدموعَ الساخنةَ على وطنهم.
جعلتُ إعلامييهم ومثقفيهم ونخبتهم وصفوتهم قِرَدةً ترقص، وتصفق علىَ أنغام( سلام للبيه) فبانت مؤخراتهم الحمراء من خلف أقلامهم!
أعدتُ عالــَمَ الرعب لئلا يتكرر 25 يناير 2011 فسمعت من شرفة قصري نبضات قلوبهم وهي تهزّ الأرض هزّا!
قمت بتعويم عُملتهم الوطنية فأصبح الغلاءُ طعامَهم اليومي والبكاء على جيوبهم المثقوبة كأنه صلاة الفجر.
وضعت سلفييهم الجهلاء والغوغاء تحت جناحي فبدت الدولة داعشية بدون خليفة، إنما تحت إمرة عسكري إذا أمر يُطاع.
جعلت قوتهم، أي مواقع التواصل الاجتماعي، مختبئة في أحشاء أرنب وأقدام فأر، فتحولت المطالعة إلى تلصُص، وخرج المصري قبل أن يدخل خشية أن تلمحه كتائب الأمن !
جعلت مصرَ العزيزة تحمل لقب المتسولة، وأنفقت أموالَ التسوّل على مشروعات شخصانية ففرحوا بمساجدهم وكنائسهم وخافوا أنْ يسألوا عن مستشفياتهم وعلاجهم ومدارسهم.
كنت أشعر بالازدراء نحوهم، وأجتمع بكبارهم فأتحدث إليهم وهم خلف ظهري احتقارًا لهم، فلم يتظاهر أي منهم بامتعاض أو عدم رضا.
حرّمت عليهم معرفة قاتلي أبنائهم وأعداد الشهداء وأسماءهم ولم أكلف نفسي عناء شرح النزيف الوطني في قطعة أرض لا تحتاج لكتيبة مصرية واحدة من أبطال أكتوبر، فلم يستفسروا عن نهاية تبدو كأنها متناغمة مع ثلاثين عاما هي فترة حُكمي القادمة.
جعلت المصري يخشى خيالـَه فيخاف من أخيه ويحترس من أبيه ويرتاب في صديق الطفولة ويرتعش في المطار، سفرًا وعودة، فلم أسمع همهمة أو همســًا.
مددتُ يدي للمحسنين من أهل الشر في حروبهم ومعاركهم فامتلأت خزائن البلد بأموال تساعدني في تسديد فوائد قروض لم أكن في حاجة إليها.
كلما جاء إلى الساحة فارس يعرض خدماته وأفكارَه من اجل رفعة مصر حشرته في زنزانة قذرة بفضل شياطين الإنس، أي قضاة مصر الظالمين والجهلة.
جعلت ربة البيت المصرية تصرخ قبل الفجر تحسبًا لساعات غبراء تعجز خلالها عن توفير لقمة العيش الكريمة، وخرس بعلــُها؛ فكل مصري يظن أن سجون الوطن تتسع لمئة مليون، وتبكي أم الأبناء وهي تضع خدَّها على وسادة مبللة بدموع القهر والحُزن في نهاية يوم مُرّ صُبْحُه علقم و.. ليلــُـه صَبّار!
نشرت أقذر وأعفن وأوسخ وأنتن سبــّابين وشتـــَّــامين على كل مواقع التواصل الاجتماعي فمن يقترب مني يسلخونه ويشككون في وطنيته ويتهمونه في شرفه.
نزعت عن المصري مشاعر الفروسية و الـنُـبْل فنفر المصريون من المصريين، وتمزقتْ العائلات، وتعفرتت المساكن كأن هراوة الأمن تسبقهم إلى الفراش.
عدما قال لي أعضاء المجلس العسكري بأن الشعب سيطيعك ويبرر جرائمَك ويقف سدًا منيعا لحمايتك حتى لو جلدتهم فردًا .. فردًا؛ لم أكن أصدق، فإذا النبوة والألوهية تتجولان في قصر الاتحادية، فأنا الجاهل الذي يخربط أحاديث بلهاء أصبحت المعبود والبائع والمفتري والسجّان.
صنعت للمصريين وحشا مفترسا من جماعة إرهابية عمودها الفقري مهشّم، فأصبح الاخوان المسلمون خط الدفاع عني بغبائهم وقنواتهم التلفزيونية فكانوا يهاجمونني فيسقط الأقباط من الخوف ويرتعد أفراد الشعب لئلا يعود محمد مرسي من القبر وبصحبته المرشد.
جعلت المصري يكره القراءة كما أكرهها أنا فلا يطــّلع على هموم بلده ولا يتحمل سطرين أو ثلاثة من مقال جيد تتفتح به مداركه، وظن أن مواقع التواصل الاجتماعي هي مصدر المعرفة الوثيق؛ فإذا هي الوثاق.
أضعفت ذاكرتهم فهم يحتفظون بجرائمي عدة دقائق ثم تسقط مع هموم البؤس ولقمة العيش والخوف.
لم أسمع عن مصري يدافع عن ابنه أو شقيقه المحبوس ظلما!
ثورة الأنبياء الصغار وهي أول وأشرف غضبة وأطهر لحظات التاريخ في مئة عام، أي منذ 1919، أقنعتُ الشعب بدعم إعلامي كاذب أنها وكسة ونكسة وهزيمة لأنها أطاحت بمبارك!
أمرت القضاء الفاسد بأن يغض الطرف عن آلاف من جرائم مبارك وولديه، وفعلت مثلما فعل طنطاوي ومحمد مرسي وعدلي منصور فيما يتعلق بالأموال المنهوبة ،مباركيـــًـا، من الشعب، فلم يتحصل المصريون على قرش واحد بعد ثلاثين عاما من النهب، فالقضاء المصري جزء من الفساد العفن!
قمت بتحويل مصر إلى جمهورية الرعب، وطالت قائمة المترقــَب وصولهم في كل منافذ الجمهورية حتى الذين يؤشرون بـ(لايك) في كل مواقع التواصل الاجتماعي معترضين على جهالاتي وجرائمي وتجاوزاتي واحتقاري لهم!
سؤالي، يا مرآتي القبيحة والمقعرة، ماذا أفعل مع المصريين حتى أستثير فيهم النخوة والشهامة والوطنية والحب المصري الخالد؟
لم يفهموا بعد خمس سنوات من حُكمي أنني أكرههم، وأنحاز لاسرائيل التي تساعدني في الحرب في سيناء، وأنني قزم أمام ترامب سيدي الذي يدعمني بالمال والسلاح والحماية.
لم تردّ المرآة وانكمشت، وتهشمت، ولم يعد السيسي يرىَ إلا نفسه وأقفية شعبه ومؤخرات مؤيديه ويسمع صرخات الموجوعين، ويحتفل بطاعة العبيد حتى يظهر سبارتاكوس جديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر