الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكمت سليمان مديرا ً للمعارف

سعد سوسه

2019 / 7 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جاءت النقلة النوعية في حياته العملية عندما تقلد ( 3 ) ثلاثة مناصب مهمة في ان واحد ، ففي اواخر 1914 ، عين وكيلا ً لمدير معارف بغداد ، ثم اصبح ، أصيلا ً في السنة التي أعقبتها ولا شك في ان اختياره لهذا المنصب المهم ، في الاقل انذاك كان تقديرا ً لإمكاناته فهو، ثالث مدير عراقي يعين ، بمنصب مدير معارف كما أسندت اليه وفي الوقت نفسه مسؤولية رئاسة مجلس معارف بغداد فضلا عن إدارته لمدرسة الحقوق التي سبق الكلام عنها .
كانت مهمة مجلس المعارف في ولاية بغداد كبيرة يعد الوالي مدحت باشا الذي تولى ولاية بغداد ، في عام 1869 – 1872 ، والذي اشتهر باصلاحاته الكثيرة في العراق اول من قام بأنشاء هذا المجلس اذ كان عليه واجب الإشراف على مدارس الولاية وإدارة ومتابعة شؤونها ، وكذلك ، مناقشة امور التعليم والخطط التي تكفل حسن أداءه وتقدمه، وإيجاد الحلول لمشاكله ومعوقاته وعقد الاختبارات الخاصة لمن يتقدم لإشغال وظائف التدريس بين الوظائف الرسمية وكان المجلس يضم في عضويته ستة أفراد ثلاثة موظفين والثلاثة الآخرين من الشخصيات المحلية المرموقة تحت إشراف ( رئيس ) .
لقد ابدى حكمت سليمان نشاطا ً ملحوظا ً في مهمته تلك على أساس ما يتمتع به من نظرات في التعليم، وكذلك باستثمار خبرته المتراكمة، وعبّر عنها بقوله : تبتعد المعارف عن الأهواء والأغراض السياسية ولا تتأثر بتأثراتها المتقلبة او النزعات الضارة . وكان جلّ اهتمامه ينصبّ على إنشاء المدارس الا ان التعليم في ذلك الوقت كان يفتقر الى أسس العمل الناجح ، فالميزانية الخاصة بالتعليم كانت خاوية ومؤسساته كانت على درجة من ضعف التنظيم اذ اقتصرت على شخص مدير المعارف يعاونه باشكاتب ( رئيس الكتاب ) ، واثنان من الكتاب ، فضلا ًعن ( فراش ) لخدمتهم ، اما عدد المدارس فكان محدودا ًوهو ما دفعه الى توفير مبلغ لم يتجاوز المائة ليرة لغرض انشاء مدرسة ابتدائية في حي الفضل احدى مناطق بغداد برغم بعض العراقيل التي وضعت في طريق تنفيذ هذا المشروع .
وقد نجح حكمت ، بجهوده الشخصية في تأمين الموارد المالية لتمشية أمور المعارف ثمة قصة رواها حكمت سليمان بنفسه عن رشوة رفضها الوالي جاويد باشا وقدرها 4 الاف ليرة ذهبية الا ان حكمت اقنعه بقبولها وتحويلها الى المعارف لبناء المدارس وقد صرف هذا المبلغ في انشاء بنايات لبعض المدارس منها مدرسة الاتحاد والترقي ( المأمونية فيما بعد ) ومدرسة الفضل ومدرسة تطبيقات دار المعلمين اذ ان الحكومة، لم ترصد للمعارف خلال عام 1914 أية مبالغ مالية بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية فيها في 29 تشرين الأول 1914 فأخذ يوفر الأموال للموازنة بين الفصول لتجميع المبالغ اللازمة للبناء والشراء ، واستملاك الأراضي المخصصة للمدارس وقد أسفرت هذه الجهود عن بناء مدرسة الفضل وتشييد مدرسة ابتدائية أخرى بالقرب من جامع الخاتون وهو جامع عادله خاتون بنت احمد باشا والي بغداد عام 1724 – 1747 م . وبناء مدرسة دار المعلمين الابتدائية التي فتحت بحضور الوالي جاويد باشاعام 1914 وبناء مدرسة المأمونية في ساحة الميدان في بغداد ، بعد استحصال الموافقة على استملاك الاراضي اللازمة لها ، لتصبح مدرسة كبيرة فضلا ًعن ، انشاء مدرسة الاتحاد والترقي في بغداد ، التي فتحت في عام 1914 بحضور الوالي، جاويد باشا ايضا . وايمانا ً منه ، بأهمية الترجمة في رفد المعرفة بنى مقرا ً للجنة التأليف والترجمة في بغداد واجهت حكمت سليمان ، الكثير من المصاعب والمشاكل في إدارته للمعارف ، كما في مهمته في بناء المدارس الا ان كفاءته الإدارية وخبرته الشخصية جعلته ، يتخطى الكثير منها . فحين شرع ببناء مدرسة الفضل وجد ان نقل الطابوق من محلة الكاظمية الى مكان المدرسة عن طريق النهر ، امر غير ممكن اذ ان رجال الجيش العثماني ، كانوا يضعون ايديهم على الطابوق حتى ولو كان لأغراض حكومية ، الامر الذي استوجب اقناع والي بغداد نور الدين بك نور الدين بك : والي بغداد ( 1915 – 1916 ) وقائد الجيوش العثمانية في العراق آبان الحرب العالمية الاولى ، عرف بشجاعته وصلابته في المعارك ، شارك في معارك حصار الكوت عام 1916 ، وبسبب خلافه مع القائد الالماني فون درغولنج نقل الى القفقاس في عام 1916 بان الطابوق المقترح نقله ، هو لبناء معهد يحمل اسمه وبهذه الطريقة صدرت اوامر الوالي بعدم مصادرة الطابوق الا ان نقل الوالي نور الدين بك الى خارج العراق جعل الجنود العثمانيين يعاودون إجراءاتهم السابقة مرة اخرى في مصادرة الطابوق الامر الذي هدد بالخطر في اكمال بناء المدرسة الذي اوشك على الانتهاء . ولهذا فاتح ، حكمت سليمان القائد الألماني فون درغولنج الذي تولى القيادة العسكرية العثمانية في العراق بصدد الامر وعرض عليه اطلاق اسمه على ذلك المشروع الامر الذي ازعج نائب الوالي العثماني ، شفيق بك ، فوجه اللوم بشدة الى ، حكمت سليمان متسائلا ً : هل يصح إيراد مثل هذا الأسلوب في المعاملات الرسمية وبأسلوب لا يخلو من الشجاعةرد ّ عليه ، حكمت سليمان قائلا ً : وهل مصادرة " الطابوق " من قبل رجال الجيش تدخل ، ضمن الأعمال الرسمية ايضا ً ؟ ! .
اهتم حكمت بتعليم البنات وفتح المدارس لهذا الغرضايمانا ً منه بحق المرآة في التعليم على الرغم من ان مشروعه هذا واجهته بعض المصاعب في استملاك الأراضي المخصصة للبناء وعن تلك المصاعبروى هو نفسه انه في احد الأيام استغل فرصة زيارة نائب والي بغداد شفيق بك الى إحدى المدارس وعندما ابدى الأخير إعجابه بالأسلوب المتبع في التعليم وشكر ادارة المعارف على هذا العمل استغل هو هذا الموقف في لفت أنظار نائب الوالي الى حرمان المدرسة من ساحات تستفيد منها الطلبة في تمضية اوقات فراغهم الأمر الذي يتطلب استملاك بعض الأراضي المجاورة فحصلت موافقة نائب الوالي على الاستملاك وأضاف بأن هذا الامر لم يرق لأعضاء مجلس ولاية بغداد الذين اتهموه بوضع اليد على ارض ٍعائدة ٍ الى الدولة وطالبوا باحالته الى المحاكم لكن تفهّم نائب الوالي للامر وحصول موافقته المسبقة احبط الشكوى . وعلل حكمت موقف هؤلاء بانه ناجم عن خشيتهم من ان تلك الأعمال تثقل خزينة الولاية فلا يبقى فيها ما يسدّ رواتبهم .
وبأسلوب لا يخلو من النكتة ، ذكرت صبيحة الشيخ داود صبيحة الشيخ داود : اول امرأة عراقية تلتحق بكلية . ولدت في بغداد من اسرة دينية متحمسة لتعليم المرأة ، انتسبت لكلية الحقوق في العام 1936 . وتخرجت فيها عام 1940 ونجحت في تجربتها بدخول اول فتاة مسلمة الى التعليم العالي ، وتمزق الحجب بين الفتاة والدراسة العالية واثبتت ان سلطان العلم اقوى من القيود والتقاليد . نقلا ً عنه ، ما نصه : روى لي فخامة ، حكمت سليمان ، عندما تولى إدارة معارف بغداد ، انه كان ، في العراق ، نظام متبع في المدارس الدينية ، يقضي بان يكون لكل أستاذ عدد من المريدين والتلاميذ وأرادت إدارة المعارف في ولاية بغداد ان تخرج بأسلوب الحياة الخاصة للتلامذة من طور الجمود الى دور اخر أكثر تناسقا ًوانسجاما ً مع مظاهر التعليم والعيش الكريم ، فمنحت كل طالب سريرا ً وفراشا ً يغطيه قماش ابيض نظيف الى جانب ما هيأته لهم من وسائل الراحة والنظافة وحدث ان قام مفتي بغداد يومذاك بزيارة الى المدرسة الدينية فما كاد يرى ذلك حتى اهتاج وقطع زيارته فجأة ً وانذر ادارة المعارف بالويل والثبور بدعوى ان تحصيل العلم لا يتأتى في ( الشراشف ) البيض ولا في تمشيط الرؤوس وانما يجب ان يتم بالجلوس على الحجارة والإصغاء الى الدروس ) وإضافة في روايتها ، بان النكتة ، حبكت لدى ، حكمت سليمان لهذه الثورة ، فخاطب الوالي قائلا ً : والي بك ؟ ! افتى المفتي . فقم بإجراءاتك … !!.
ولم يقتصر اهتمام ، حكمت سليمان على المدارس الحكومية التي كانت تعود الى ادارة المعارف بل شمل نشاطه وزياراته ، المدارس الاهلية والخصوصية ففي احدى زياراته الى مدرسة الاليانس اليهودية الخاصة بتعليم الفتيات واعدادهن روحيا ً وعقليا أعجب بها واندفع الى انشاء مدرسة الخاتونية في بغداد وهي أولمدرسة إعدادية للبنات فتحت في ذلك الوقت ثمة هناك قصة اخرى رواها ميربصري ، عن حكمت سليمان ، اذ ذكر انه (( حدثت لحكمت سليمان عندما كان وزيرا ً لمعارف بغداد قصة ، حيث وسّطه بعض الوجهاء في امر ٍ وعرضوا عليه مبلغ ( 500 ) خمسمائة ليرة ذهب فقضى حاجتهم وقال لهم : انا لا اقبل المبلغ لنفسي ، فهل ترضون بالتبرع به للمدارس ، قالوا : اجل . فأخذ حكمت المبلغ الى الوالي وقال ان هؤلاء يتبرعون بمبلغ ( 500 ) ليرة ذهب للمعارف . فشكره الوالي واثنى على صنيعته )) . .
لم يضع حكمت سليمان منهجا ً معينا ً في إدارته للمعارف وفي القضايا التربوية والتعليمية ، التي برزت في عهد إدارته وتعزّز اهتمامه، بما توافر لديه من خبرة ادارية، لكن بصماته كانت واضحة في التوسع في التعليم اذا ما قورنت بما كان لديهمن موارد ، سيما وان الحكومة العثمانية كانت في حالة حرب الامر الذي عكس الرغبة لدى المثقفين العراقيين ومنهم حكمت سليمان بالاهتمام بالتعليم لكونه واحدا ً من ابرز سبل الإصلاح وتطوير أوضاع المجتمع نحو الأفضل . ظل حكمت سليمان حريصا ً على نشاطه هذا بشكل طبيعي حتى 11 آذار 1917 حين احتلّ البريطانيون بغداد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب