الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزان العدالة الفرعوني

رماز هاني كوسه

2019 / 7 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


آمن سكان وادي النيل بوجود حياة أخرى بعد الموت و لذلك اهتموا بتجهيز قبور موتاهم بأدوات متنوعة تفيدهم و تساعدهم في الحياة الأخرى و هي عادة كانت حكرا على العائلة الملكة الحاكمة بداية ثم انتشرت بالتدريج لتشمل النبلاء و باقي الشعب . من هنا تم العثور في قبور الحكام و النبلاء على أدوات و كنوز كثيرة من مثل أدوات الطعام و المفروشات و الملابس و حتى الأطعمة المجففة لكي يستخدمها الميت في الحياة الأخرى . طبعا الوصول للحياة الأخرى الهانئة ليس بالأمر اليسير و السهل بل يجب على الميت أن يمر بامتحان صعب و يعبره بنجاح ليتاح له الحياة الهانئة بعد الموت و إلا فسيكون مصيره الإلتهام من الوحوش . الامتحان هو محاكمة يخضع لها الميت من قبل الآلهة و يرأسهم الإله أوزوريس و يتواجد بقاعة المحكمة أيضا الإله أنوبيس و مهمته قيادة المتوفي ليتم وزن قلبه . أوزوريس هو ابن الإلهين جيب و نوت الذين يمثلان السماء و الأرض . و كان إلها للطبيعة و الخضرة ثم انتقل لاحقا ليصبح إلها لعالم الموتى . أما أنوبيس فيمثل بهيئة رجل له راس ابن اوى و هو من يقود الميت لتوزن اعماله بقاعة المحاكمة .
في قاعة المحاكمة نرى اوزوريس جالسا في صدر القاعة و حوله الآلهة ال42 الذين يمثلون أقاليم مصر . و يتقدم أنوبيس و هو يقود الميت لتوزن اعماله في الميزان . و يتم الوزن بوضع قلب الميت في احدى كفتي الميزان ويوضع في كفة الميزان الأخرى ريشة الحق و تمثل الربة ماعت . في حال رجحت كفة القلب فتكون النتيجة إيجابية و يعبر الميت للحياة الأخرى .... اما في حال رجحان الريشة فيعنى أنه مذنب و تلتهمه الوحوش هنا .
ميزان العدالة الفرعوني لم يختفي مع اختفاء دولة الفراعنة و ديانتهم بل نراه تسرب الى الديانات الأخرى كالإبراهيميات و حتى الرزرادشتية . في المسيحية بالإمكان ملاحظة أثر لميزان العدالة في شخص الملاك ميكائيل رئيس الملائكة الذي يجري تصويره كملاك مجنح يحمل سيفا بيده اليمنى و ميزانا كرمز للعدالة . فالملاك ميكائيل يصور عادة و هو يقتل الشيطان بسيفه و من الممكن ان هذه الصورة للملاك ميكائيل في الكنيسة القبطية جذورها من صورة اوزوريس الاله الفرعوني رئيس المحكمة في الديانة الفرعونية و منها انتقلت كصورة نمطية للملاك ميخائيل لدى باقي الكنائس . (الاديب جبران خليل جبران استعار صورة الملاك ميكائيل حامل السيف في قصته الشيطان)
نفس الفكرة عن ميزان العدالة نراها في الزرادشتية متمثلة في شخص الملاك رشنو ملاك الصدق و العدالة الذي يقوم بوزن لأعمال الأرواح بكل دقة قبل عبورها للجسر الوصل إلى الجنة . فإما ان ترجح كفتهم و يتوجهوا الى الجنة حيث تقابلهم أعمالهم الحسنة على هيئة فتاة رائعة الجمال . اما من يدان بسبب خطاياه فيتناوله الشيطان و يقوده الى الجحيم رغما عنه و تقابله فتاة بالغة القبح تمثل أعماله السيئة .( صورة قريبة عن عبور الصراط يوم القيامة لدى المسلمين ).
مفهوم وزن الأعمال الصالحة و السيئة للميت نراها موجودة في الموروث الإسلامي بأحاديث كثيرة منها على سبيل المثال ما أورده ابي الدرداء (قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ) رواه الترمذي(2003)..... و نراها موجودة بالنص القرآني ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ...... فمفهوم المثقال مرتبط بالوزن و ان كانت الدلالة الإسلامية معنوية و تقصد غلبة الحسنات على السيئات و لا تحمل دلالة حرفية عن وجود ميزان . اما ميكائيل بالفكر الإسلامي . فرغم انه لا يعتبر رئيسا للملائكة الا ان وصفه في كتب التراث بأنه الملاك المسؤول عن الامطار و نمو النبات ( ابن كثير ج1 ص49).... أي له ارتباط بخصب الأرض و هو ما يذكر بدور أوزوريس الفرعوني كأله للطبيعة و الخضرة قبل أن يصبح إلها لعالم الموتى
ميزان العدالة الفرعوني ما زال حيا لليوم وبالإمكان رؤيته كرمز للعدالة في مجتمعاتنا فهو شعار القضاء و المحامين و نراه مرفوعا في جميع دور القضاء . ممثلا بامرة معصوبة العينين للدلالة على أن العدالة عمياء و تحمل بإحدى يديها سيفا و الأخرى ميزان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي