الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف حسين، حياة بكاملها منحها للحزب الشيوعى.

جابر حسين

2019 / 8 / 4
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يوسف حسين*، حياة بكاملها منحها للحزب ‏الشيوعى.
‏----------------------------------------

‏(للحقيقة وجهان/والثلج أسود)
‏ -درويش-

‏1: الواقعى.
فجر الخميس 5/7/2019م، حوالى الرابعة صباحا، رحل عن عالمنا ‏القائد الشيوعى الفذ يوسف حسين محمد الأمين بمستشفى (تقى) ‏بأمدرمان. نعم، فى يوميات حياته كلها، فى تفرغه الكامل لمهام حزبه، ‏فى الإختفاء بوعورته وقسوته، وفى العلن الجهير،جعل الخيالى هو ‏الواقعى الأكيد. 56 عاما من سنوات حياته الخصبة جعلها فى خدمة ‏الحزب، فى خدمة شعبه ووطنه وقضاياهم الجليلة لأجل الحرية ‏والديمقراطية والسلام.
حياته،كلها، منذورة للمهام والواجبات الحزبية والنضالية، تلك الحياة، ‏هى، جميعها، مكرسة لأجل الحياة، وحياته الشخصية عنده، هى جوهرة ‏فى مكان القلب من ذلك الوعى الذى وجه حياته بكاملها، فكان يقولها:
نحن لا نعرف دربا غير هذا فى الحياة
ومضى،
مثلما يمضى شيوعى لتنفيذ مهمة
لربما كانت لتوزيع بيان أو جريدة
ربما كانت قصيدة
أنها دوما مهمة
ربما كانت صمودا فى الخنادق
ربما كانت صعودا للمشانق
أنها دوما مهمة.

كان قريبا، ومقربا من الشهيد عبد الخالق محجوب الذى رشحه للتفرغ ‏الحزبى، فكان أن تفرغ تفرغا كاملا منذ العام 1965م، فور تخرجه فى ‏جامعة الخرطوم حيث درس علم الجيلوجيا، متفوقا على دفعته، وحتى ‏رحيله المفاجئ.
يوسف، برغم ما كان يبدو عليه من صرامة صلبة، كان هينا، مثلما غمام ‏خفيف، عابرا تكاد لا تحس له جلبة بعيد عبوره. لطيفا حين تجالسه ‏وتسامره لحظات سمره القليلة، عندما يكون قد فرغ، بالكاد، من واجباته ‏ومهامه الحزبية (الكثيرة)، وهى، تلك الواجبات والمهام، عادة ما يضعها ‏أعلى سلم مشغولياته، فى أعلى جدول اهتماماته اليومية. وحين يشغل ‏حيزا سكنيا صغيرا يجعله مستقرا له أوقات اختفائه إبان عمله السرى، ‏يكون وجوده لا تكاد تشعر بوطأته تلك الأسر الباسلة التى كانت تستضيفه ‏لبعض الوقت بعيدا عن أعين الأمن التى لطالما طاردته وأحكمت على ‏تحركاته الحصار. فمطالبه، لكى يكون فى الحياة، من مأكل ومشرب، ‏عادة ما يمتنع عن عديدها، فيكتفى بالقليل الذى يقيم الأود، وأما ‏‏(المكيفات) فلم يكن يهتم أو يفكر فيها مطلقا! بالطبع، أن عدم اكتراثه ‏لتناول الغذاء من طعام وشراب فى مواقيتهما، سوف يؤثر، لاحقا، على ‏صحته العامة وطاقاته الحيوية التى، لاشك، أن لها مطلوباتها الموجبة فى ‏استمرار الحياة. هكذا، ولأجل هذا، صرنا نراه (نحيلا) يكاد يشف جلده ‏لترى عظامه! فى ظنى، بدرجة تقارب اليقين عندى، أن أساس علته التى ‏أودت به تعود، بالذات، إلى تلك (الحالة) التى جعلها، بإصرار عنيد، ‏منهاجا فى حياته الخاصة. لا شك، أنه كان يعلم جيدا تلك الحالة التى هو ‏عليها ومآلاتها، يعلمها كذلك رفاقه فى الحزب ومعارفه وأسرته أيضا. ‏وللأسف العميق، أننا جميعنا، لم نتعامل حيالها بمسئولية وحرص وجدية، ‏بالنظر إلى صحته وحياته نفسها، فأخذنا من عطائه وحياته الكثير ‏الخصب ذو القيمة والجدوى، ولم نأبه لتداعى صحته وإعتلال جسده. ‏ترى، هل
‏(قصرنا) فى حقه، أم، بالأحرى، فى حق أنفسنا فصرنا نتحمل وزر ‏رحيله المفاجئ عنا؟

‏2: فى أوقات المذابح والحصار.

بعد مذابح الشجرة فى يوليو1971م، حين أعملت المشانق والرصاص ‏ضد قادة الحزب الشيوعى ومناصروه من الديمقراطيين والمستقلين ‏وأنصار الحريات، شرعت أجهزة الأمن والجيش الموالى للسفاح نميرى ‏فى مطاردة كل تلك القوى الحية فى المجتمع، وإكتظت سجون البلاد ‏بالمعتقلين السياسيين، وظللت سماوات السودان ظلام الديكتاتورية ‏الأسود، فأصدرت السلطات منشورات مصحوبة بصور لقادة الحزب ‏مطلوبون أحياء أو أموات، ل : نقد وسليمان حامد والجزولى سعيد ‏ويوسف حسين وغيرهم. كانت المهمة المركزية، ذات الأولوية القصوى ‏فى عمل الحزب وقتها، تأمين قادة الحزب وإعادة تجميع عضوية ‏الحزب، من قاعدته إلى أعلى مستوياتها. فى ذلك الوقت العصيب، كنت ‏أشغل مسكنا صغيرا من (الجالوص) بمنطقة برى الدرايسة، فى مواجهة ‏الفضاء الساحلى الذى يشغله معرض الخرطوم الدولى الآن. يتكون ‏المنزل من صالون وحيد فى مواجهته غرفة صغيرة مكدسة بالأثاث القديم ‏نستعملها كحمام فنستعين عليه ب (طشت وجردل للماء)، أما المرحاض ‏فكان عبارة عن حيز ضيق جدا بحفرة وبلا سقف أو باب! والحال كذلك، ‏كنت قد كلفت بتأمين كل من: سليمان حامد ويوسف حسين والراحل ‏فاروق ذكريا، كل منهم على حده ريثما يتم تأمين مقر أفضل لهم. منذ ‏ثورة أكتوبر 1964م المجيدة، قادت العمل الجماهيرى بمناطق برى ‏‏(القوى الأشتراكية بالبرارى) وبذرت، بوعى وإقتدار، بذور النضال وقيم ‏الثورة الوطنية الديمقراطية فى وعى الجماهير، حتى غدت قوة جماهيرية ‏كبرى فى مسيرة نضال شعبنا، تلك البذور، العفية والحية، تلك الروح ‏الثورية الجسورة، هى التى أتت بالثوار(أسود البرارى) إلى ميدان ‏الإعتصام وإلى صدارة ثورة ديسمبر الراهنة.
لهذا، فى حمى مقاتل الشيوعيين تلك، ظلت دوريات الأمن المددجة ‏بالسلاح، وبالدبابات والكلاشنكوف والدوشكا تجوب شوارع وأزقة ‏البرارى، على إتساعها وتباعدها، تفتش وتترصد قادة الحزب يوسف ‏حسين ورفاقه، ليلا ونهارا بلا إستثناء. فى ذلك المنزل الفقير الهادئ، ‏المنزوى كوكر القنفذ، وفى فترات الإختفاء القاسية تلك، ظل يوسف، ‏مثلما رفيقاه، سليمان وفاروق، هادئا بصورة مذهلة، يبدو مطمئنا لمآلات ‏الأحداث التى ستلى تلك المجاذر الدموية. يغسل ملابسه ويكويها بنفسه، ‏يستحم ويحلق ذقنه ويمشط شعره القليل غير الكثيف، يعد لنا الشاى ‏والقهوة فيتناول منهما القليل أو غالبا لا يفعل، يقرأ بهدوء ثم يجاذبنا ‏الحديث فى شأن الأحداث وعن شئون ومشاغل الحياة، كم كان يحدثنا ‏عن المرأة فى حياتنا وعن الحب والشعر والأغانى، عن المسرح ‏التاريخى عندنا، وعن تاريخ السودان الحديث، عن الزراعة والتعليم ‏ومناهجه وعن الصحة، عن الثورة الوطنية الديمقراطية وضرورة بناء ‏الحزب والحفاظ على وحدته وتماسكه. لم يكن له من شاغل فى الحياة، ‏كما بدأ لى وقتذاك ومن بعد، إلا الحزب وقضايا الشعب والوطن، يحلم، ‏بقدر سعة الأحلام وتساميها وروعتها، بأن يرى السودان حرا، ديمقراطيا ‏يعمه السلام والحرية، تحت ظلال الدولة المدنية الكفيلة برعاية وصيانة ‏تنوع شعوب السودان. بسبب من تلك القناعة، وذلك اليقين عنده، كان ‏يخرج، تماما مثلما كان يفعل سليمان وفاروق، ليلا ، نظيفا وأنيقا، ‏فيذهب راجلا لأداء واجب حزبى فى أطار خطط الحزب فى تلك المرحلة ‏الخطرة من حياة الحزب، فيعود باسما وراضيا، كمن أتى أمرا جليلا ‏يحوز على وعيه وواجباته، مشرقا بالحياة وبأمل الغد، تلك من مآثر ‏أؤلئك السلالة المبجلة من قادة الحزب. تلك الفترة أيضا، أستطيع أن ‏أقول، بإطمئنان وثقة، أننى قد لامست قلبه النبيل الرقيق، مما شجعنى ‏لأن أخوض معه فى الأحاديث الشخصية جدا التى لا يستطيع العديدون ‏من رفاقه أن يحادثونه بشأنها. فإنكسرت أمامى، وفى تعاملى معه من ‏بعد، تلك الصرامة، ولربما تلك(الغلظة) التى تبدو عليه فى تصور ‏عديدون عنه. كان، على قول إدريس جماع( هينا، تستخفه بسمة ‏الطفل...)، وليوسف قصة لطيفة مع الأطفال الذين يصادفهم فى مساره ‏الثورى، لكأنه يرى فى ملامحهم صورة السودان الجديد، مستقبل الوطن، ‏سلامه وحريته وديمقراطيته، تلك الملامح التى رأها يوما توفيق زياد فى ‏عيون الجزولى سعيد وهما، معا، على ضفاف الفولجا:

‏(إنني أذكر "عثمان" صديقي‎
مرة عند رصيف النهر في موسكو،‎
تنزهنا سوية‎ ...
ووقفنا فجأة عند سياج،‎
صدمتنا طفلة كالمرمر المصقول‎
تصطاد فراشة‎ ...
فإذا "عثمان" يبكي أو يكاد‎
إنني أذكر ما قاله آخر جملة،‎
قال لي:" أسمع‎ ...
إنني أعطي حياتي كلها‎...
حتي أري السودان يبني من جديد‎ ‎‏!)‏‎...
‎... ... ...
صوته كان‎
عميقا‎
وجريحا‎
وسعيد‎ ‎‏)...

لربما، تتمكن يوما، الأستاذة نعمات أحمد أن تكتب عن الأطفال فى حياة يوسف، ‏ستزيل تلك الكتابة لا شك، قدرا كثيرا عن صورة (الصرامة) التى يقولها البعض ‏عنه دون أن يعايشونه عن قرب، لربما.

‏3: عن عائلياته وشئونه الشخصية:

صحيج، ظل يوسف طوال حياته، يبتعد، بتصميم لا ينفد، عن الحديث عن ‏عائلياته وشئونه الشخصية، فيسمح، فقط، بالحديث عن حياته الحزبية فى ‏عمومياتها، وفى مسيرة نضاله فيما يتعلق بها بالشأن العام. فى لحظات وبرهات ‏قليلة من عمره، كان يتناول، بتحفظ مقصود، شئونه الشخصية، وجعل ذلك لدى ‏من إعتبرهم خلصاء وأحباب، سواء فى الوسط الحزبى أو من معارفه لدى أهله. ‏وبرغم هذا(التحفظ المقصود) فقد ظلل محبوبا لكل من عرفه وعايشه ومحل ‏تقدير واعجاب بسبب من سيرة حياته الفقيرة. كثيرون من رفاقه عدوه(راهبا) ‏متبتلا فى محراب الحزب العلمانى، و(زاهدا) مثلما زهادة المتصوفة فى الحياة. ‏وكلاهما، لم يجانبا الصواب فيما يخصه، فلديه غير قليل من تلك الصفات. ومن ‏المعلوم، أن لدى صاحب تلك الصفات شيئا من اللطف والرقة وإستحسان البهجة ‏والفرح فى مواضعهما.
فى العهد الديمقراطى الثانى، حوالى العام1987م، بعد الإنتفاضة، كنت، وقتذاك، ‏بكسلا، حين هاتفنى ليخبرنى بأنه قد تزوج، هكذا دون أن أعلم أو أشاركه فرحه، ‏وأنه قادم لكسلا لتمضية (شهر العسل) معى! سعدت بقراره هذا، وكنت أعلم أنه ‏لن يقدم على الزواج إلا فى الديمقراطية، ولكنى، لدواعى أعلمها عنده أنه لن ‏يجعل من طقوس زواجه، أن تكون مهرجانا كبيرا تحفه مظاهر الترف غير ‏المحمود حسب رؤيته وقناعاته، فذلك شأنا خاصا لا يجوز أن يكون شاغلا ‏للناس! تزوج يوسف من الأساذة نعمات أحمد حسن العطا، أبنة أبن أخت الشهيد ‏هاشم العطا، وأنجبا، لاحقا إبنتهما الوحيدة (سيدة). قضوا معنا نحو أسبوع ‏بمنزلنا بحى العمال بكسلا. تلك الفترة، كانت، هى أيضا، التى أتاحت لى قربا ‏حميما منه، من قلبه وروحه ورؤاه. كنت أجالسه ساعات عديدة نكاد لا نكف ‏فيها عن الحديث، حديثا لطيفا وعميقا فى كل شئ تقريبا، حد أن أكرر عليه ‏كثيرا، بإلحاح مستمر، أن يذهب عنى لعروسه، لكنه كان يصرفنى عن ذلك ‏بتغيير وجهة الحديث إلى ما هو أهم، إلى الشأن العام وشئون الحزب. كنت أحس ‏أنه سعيدا بزواجه، فقد استطاع، أخيرا، أن يفرغ من تلك (المهمة) التى، وذلك ‏كان ظنه، من شأنها أن تعوق مسار نضاله الذى هو مسار حياته نفسها. لربما ‏بسبب من ذلك كله كان يرفض اقتراحاتى عليهما أن نذهب فى جولة بالعربة إلى ‏السواقى وبعضا من منتزهات كسلا، فكان يرفض متعللا بأنه لا داعى لكل ذلك، ‏فعلناها مرتين أو ثلاث، حتى أنه كم طلب منى، برجاء لا يمكن أن اتغاضى عنه، ‏أن لا أخبر الرفاق بحضوره لكسلا، فلا داعى لذلك كما كان يقول ويكرر! والحال ‏كذلك، فقد أقتصرت فترة بقاءه معنا على تمضيتها فى المنزل، يقرأ فى معظم ‏الأوقات أو نكون فى الحوار وفى الحديث العام. يوسف لم يكن غريبا عن المدينة ‏وأهلها، فقد كان يأتيها كثيرا فى مهمات حزبية، وتلك أيضا، أوقاتا كانت تجمعنا ‏معه فنجالسه عندما يفرغ من واجباته الحزبية، لكنه، أتى للمدينة حوالى ثلاث ‏مرات معتقلا فى سجن كسلا العمومى وبقى فيه سنوات عديدة جعلته عارفا ‏بتفاصيل دقيقة عن مبنى السجن وتفاصيل أقسامه كلها وأدارته، وله فيه، حتى ‏يوم رحيله، معارف وصلات ظل حفيا بها وحريصا على استمرارها. وليت العميد ‏سجون عوض حمد، الذى كان مديرا لسجن كسلا وقتذاك، يكتب عن معرفته ‏بيوسف وعن فترات اعتقاله تلك، فلديه الكثير من الصفات النبيلة والمواقف ‏الشجاعة التى رأها وعايشها عند يوسف فى ظروف الإعتقال.

‏4: اللقاء الأخير:

كان ذلك يوم 21/أكتوبر/2017م، حين أتى يوسف مدنى برفقة صديق أبو فواز ‏رئيس (حشد) الوحدوى، ممثلين لقوى الاجماع الوطنى لمخاطبة إحتفالية مدنى ‏بذكرى ثورة أكتوبر المجيدة. وكانت (الميدان) قد قامت بتغطية شاملة للأمسية ‏نشرتها فى حينها. بعد الفراغ من تلك الأمسية، ذهبت برفقتهما إلى منزلى ‏ليقضيا ليلتهما معى. بدأ لى يوسف، تلك الليلة، مثل غطاء مطروح على السرير، ‏نحيلا وضامرا، متعبا، تكاد ترى كم هو متعب ومرهق، لم ينام سريعا، وأحسسته ‏غير راغبا فى الحديث، قال بأنه يود أن يحاول النوم لربما يأتيه، رفض العشاء، ‏ألححت عليه لتناول كوبا من اللبن أو العصير فرفض، ذكر أنه لا يحس به ‏جوعا، فأكتفى بالماء. تلك الليلة، وعند الصباح وأنا أودعهما، ظللت قلقا على ‏صحته، لم أكن مطمئنا بشأن حالته العامة، وكنت سألته أن كان يشكو من شئ، ‏فنفى عنه ذلك وأكتفى بالقول(أنا تمام). لم أراه بعد ذلك، إلا عبر مهاتفات قصيرة ‏جلها تتعلق بعمله الحزبى، وخلالها ظللت، كل مرة، أستفسره عن صحته، فلا ‏يزيد عن أن يجيبنى (تماااام). وبسبب من قلقى، ظللت غير مصدق لهذه ‏ال(تمااام)، لكأنه كان يخفى ما يعلمه عن صحته، ولا يخشى موتا يأتيه فى أى ‏وقت وأن تعددت أسبابه.
اللقاء الشخصى الأخير بيننا، كان نهار الأثنين 16/7/2018م بمكتبه بالمركز ‏العام للحزب بالخرطوم حين ذهبت إليه برفقة الأستاذ تاج الأصفياء عثمان سعد ‏تلبية لموعد حددناه معه لإقامة حوار معه يحكى فيه عن ذكرياته الحزبية ‏والإنسانية التى سبق وجمعته بالشهيد عبد الخالق محجوب، تلك الذكريات التى ‏سنضمنها محتويات مخطوطة كتابنا الذى نسعى لإصداره عند إكتمال عملنا فيه.
فى ذلك اللقاء، بدأ لكلينا، التاج وأنا، أنه على قدر عال من الحيوية، فظل يحكى
بترتيب ودقة عن (ذكرياته) ومواقفه مع الشهيد عبد الخالق. وقتها، لم أشعر أنه ‏يخفى آلاما أو مشاكل صحية عنا، فظل يدلى بشهادته عبر ذاكرة حية متقدة ‏وبتفاصيل دقيقة لكأنها قد حدثت بالأمس. لاحظنا، معا أيضا، أنه كان لطيفا ‏وودودا جدا معنا طوال الساعات الثلاث لوقت اللقاء، ثم أخذنا خارج مكتبه ‏ليقدمنا لمن اخترناهم ليحدثونا عن مآثر الشهيد عبد الخالق. من بعد ذلك اللقاء ‏الهام، لم ألتقيه إلا عبر الهاتف، وكان مخططا أن نلتقى للإعداد لعمل حزبى تحت ‏اشرافه، ظللت أترقب ذلك اللقاء، وذلك العمل، حتى إندلعت شرارات ثورة ‏ديسمبر وتواترت مساراتها صوب الإنتصار وتحقيق أهدافها فى أحد أهم وأعظم ‏شعاراتها(حرية سلام وعدالة). لعله، وقد داهمته العلة، كان يراقب أخبار الثورة ‏من على سرير المرض، مبتسما وبه شيئا غير قليل من الرضا. ترى، هل كان ‏راضيا عن الرحيل فى زمن الثورة وهى فى صيرورة إنتصارها؟

‏5: لا نودعه، هذا الإنسان الشيوعى الفريد:

يوسف حسين،
دعنى الآن أقول إليك:
لقد ولدت،
يوم ولدت...
خلف واجهة السماء
أكلت قليلا قليلا،
ضحكت وحلمت
عشت مثل الظل تسعى للضوء والضياء
ثم أريتنا كيف نتغنى بالشمس
بالشمس كلها،
تلك التى تتنفس فى كل صدر
وفى كل العيون
كم علمتنا كيف نلقى بحزم الظلام إلى النار
ونحطم أقفال الظلم الصدئة
ألم تقل:
الثورة حاضرة
والثوار حاضرون ومقبلون
لا يخافون،
لأنهم واثقون بالشعوب
وأن الطغاة زائلون.
‏... ... ...
وأنت يارفيقنا لم تمت،
‏(وهل يموت من كان يحيا
‏ كأن الحياة أبد)

العزاء لأسرته الصغيرة، لنعمات وسيدة لعطا وأهله، للحزب وللرفاق، لمعارفه ‏وتلاميذه الكثر فى مدرسة الحزب والنضال، وللشعب السودانى الذى وهبه حياته ‏كلها، وستظل تلك الصفحات من سيرة حياته مصانة فى كتاب تاريخنا الوطنى.
يوسف حسين، كن فى الخلود يا حبيبنا، ومعنا فى الحياة.
‏__________________________________________
‏* يوسف حسين: عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسى للحزب الشيوعى ‏السودانى.
‎ ‎‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024