الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة الدين: فصل من كتاب -الثورة المستمرة- - قيد الإعداد

عادل العمري
كاتب وباحث غير متخصص

(Adil Elemary)

2019 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني





كلما ازداد ما يضعه الإنسان في الله قل ما يحتفظ به في نفسه

كارل ماركس

مفهوم الدين: لا توجد أيُّ نظرية جامعة مانعة عن الدين. ومثل كل موضوع نظري تشعبت التوجهات والتحديدات، وظهرت "علوم" لا حصر لها، مثل تاريخ الأديان، علم الأديان، الأنثروبولوجيا الدينية، الإثنولوجيا الدينية، علم اجتماع الأديان، علم نفس الدين، فلسفة الأديان..إلخ. وكل هذه تقدم مجرد نظريات وآراء يقوم معظمها على الظن. ولا يوجد حتى الآن ما يحسم الجدل المستمر عن علاقة الدين بالفن والسحر والأسطورة (وهذه كلها لها "علوم" لا نهاية لها!)، وعن أصل الدين وآليات ظهوره ودوره الاجتماعي.. وبالطبع لا أنوي هنا تقديم نظرية إضافية في الدين، بل مجرد تناول - يقوم أيضًا على الظن - في حدود علاقته بمشروع الثورة المستمرة، وبكل اختصار.

وصف هيجل الدين بأنه "الوعي الذاتي بالروح المطلق حسب تصور الروح المتناهي"[1]، فهو يرى أنَّ اللامتناهي؛ المطلق، يوجد داخل المتناهي. وفي موضع آخر ذكر أنَّ "الله هو الحقيقة المطلقة، حقيقة كل شيء، والدين وحده هو معرفة حقيقية مطلقة"[2]. وهو يتفق ويتناقض مع تعريف فويرباخ، المادي: "الدين هو الوعي باللامتناهي، ومن ثم فإنه وعي الإنسان بطبيعته الجوهرية، ولا يمكن أنْ يكون شيئًا آخر"[3]، وهو يرى أيضًا أنَّ اللامتناهي هو حقيقة الإنسان نفسه؛ الطبيعة البشرية. وكل منهما تعريف شديد التجريد؛ الأول ينطلق من المطلق، من السماء والثاني أنثروبولوجي ينطلق من الإنسان، من الأرض، لكنهما يتفقان على أنَّ الدين هو الوعي باللامتناهي.

وقد قدم دوركايم أعرض تعريف للدين: "نسق موحَّد من المعتقدات والممارسات المرتبطة بأشياء مقدّسة، ومنفصلة، ومحرّمة التي توحِّد، في جماعة أخلاقية واحدة تسمّى كنيسة، كلَّ الذين ينتمون إليها”[4]، والمقصود بالكنيسة: ملة. فهو يحتوي على المقدس الذي يستعمل لتوحيد جماعة من الناس، وتميزها على غيرها من الجماعات.

ودوركايم يعني بالمقدس ما هو غير دنيوي، أيَّ شيء يتم عزله ويحاط بمختلف أنواع التحريم. ويمكن أنْ نقسم المقدس إلى نوعين: شيء ميتافيزيقي، فوق طبيعي، أو شيء طبيعي لكنه فوق إنساني، والعامل المشترك بينهما أنه يكون معتقدًا اجتماعيًّا أو أيَّ شيء من إنسان أو حيوان أو مكان أو زمان تنسب له قوة ومكانة عاليتين بالمقارنة مع كل ما هو وجود دنيوي، ومن ذلك جموع البشر. ومن الأمثلة: الله – الملائكة – الأنبياء والقديسين - النص الديني – الأراضي المقدسة – أيام الأعياد الدينية – حيوان مثل البقرة لدى الهندوس.. إلخ. ووفقًا لاستقراء العامل المشترك بين مختلف الأديان بما فيها الأديان التي لا تعترف لا بوجود آلهة أو أيِّ كائنات عليا فوق طبيعية (منها البوذية واليانية)، عُرف الدين بأنه "اعتقاد البشر بقوة أعظم منه تقوده ولا تنقاد إليه"[5]، وهو أبسط وأكثر مباشرة من تعريف دوركايم، وهو تعريف ينطبق على كافة ما تعتبر أديان بكل أنواعها، لكن يجب أنْ يضاف أنَّ هذه القوة إما وهمية أو تخيلية. أما إريك فروم فقدم تعريفًا يضع في اعتباره الأديان "العلمانية" الحديثة بالتحديد واهتمامه بها: "أيُّ مذهب للفكر والعمل اشتركت فيه جماعة ما ويعطي الفرد إطارًا للتوجيه وموضوعًا للعبادة"، وبناء على هذا التحديد لم ولن توجد حضارة بلا دين[6].

يوجد ما يمكن أنْ نسميه المقدس المضاد، أو يسميه البعض المقدس النجس[7]، وهو الذي يتم تجنبه بشدة وكراهيته، عكس المقدس تمامًا. ومن أمثلة ذلك الشيطان، الخمر في الإسلام، الدورة الشهرية للمرأة في بعض الأديان، الصليب المعقوف في أوروبا المعاصرة، كل ما تتم شيطنته من قبل جماعات أو دول معينة، مثل النازية، جماعة الإخوان المسلمين في مصر حاليًا، والشيوعية في فترة سابقة.. وهو ما يمكن أنْ نعتبره دينًا مضادًا.

تعتبر النظريات والفلسفات الشاملة، والدعاوى العنصرية، والنظريات القومية، والعلموية، كلها نفسها الحقيقة النهائية للعالم، وتبشرنا بعضها بنهاية التاريخ، وبعضها يعدنا بتحقيق الخلاص الإنساني من الظلم والتخلف والقهر. وقد سار – بوجه عام - الفلاسفة في اتجاه الكشف عن الحقيقة، وحاولوا الكشف عن علة للعالم، أو الناموس الذي يحكمه، وصناعة أخلاق تتسق مع هذا الناموس، أو مع الطبيعة البشرية. وحتى الفلاسفة الذين تبنوا النظرة النسبية وأنكروا الحقيقة قدموا أفكارهم على أنها الحقيقة، حتى لو لم يعلنوا ذلك. من هنا أوجد البشر مقدسات لا علاقة لها بالآلهة والعالم الأخروي، أو الأرواح، بل غالبًا لا يشار إليها بلفظة مقدس، لكنها تعامل بهذه الصفة. من ضمن تلك الأديان الدنيوية: الماركسية، التي قُدمت كدعوة تبشيرية بمجتمع الخلاص الشيوعي، والصهيونية، والهولوكوست (يحاكم ويسجن كل من يمس هذه العقيدة في دول أوروبية)، الليبرالية، والقومية العربية (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، والأمة بوجه عام، علم الدولة، والنشيد الوطني، وأحيانًا الثورة.. ألا يضحي الأفراد بذواتهم وحياتهم من أجل هذه الأشياء؟ ألم تقم حروب دموية باسم هذه أو تلك؟ ألم يقتل الملايين من أجل "ألمانيا فوق الجميع"؟ وهل يجرؤ مواطن في ألمانيا أو فرنسا أنْ يعلن أنه يعيد النظر في الهولوكوست؟ ألم يكن يتم إعدام كل من كان ينتقد القذافي أو صدام حسين؟ وهل ننسى إعدام عشرات الألوف في عهد روبسبيير لأنهم "أعداء الثورة" وبعضهم قتل على سبيل الاحتياط! وهل يمكن أنْ نرى فرقًا جوهريًّا بين الطوطم وأعلام الدول الحديثة؟

مع تطور المجتمعات، وظهور دوافع إنسانية لتبني القيم والأخلاق تغير محتوى المقدس، فأصبح المقدس "العلماني" أكثر قوة، مثل الأمة، والوطن، والعرق، والدولة، والنظريات الحديثة كالليبرالية والشيوعية. وقد حل تأليه العقل بالتدريج محل تأليه الله إلى حد كبير في العالم المتقدم مع بدء التنوير، بل حاول اليعاقبة في الثورة الفرنسية تنصيب العقل ثم "الكائن الأسمى" إلهًا بشكل رسمي وعبادته في الكنائس. ويمكن إضافة ظاهرة تقديس الزعيم أو البطل، وتقديس النجم، وتقديس فريق الكرة.. فالحضارة الحديثة تتضمن من اللاعقلانية مالا يقل عما تتضمنه الحياة الاجتماعية للشعوب البدائية. بل ومازال هناك وجود قوي للأديان القديمة من كل نوع، بالإضافة إلى طقوس شبيهة بطقوسها، مثل الشعائر الجنائزية وطقوس الدفن.

وتحتوي كثير من الأديان على قصص وهمية وأحداث خارقة للطبيعة، وكائنات وأشياء لا يمكن البرهنة على وجودها، والأهم من ذلك أنَّ كثيرًا من تلك الأديان تعلن بوضوح أنَّ هذه الأشياء لا يمكن البرهنة عليها، وأنَّ علينا أنْ نتقبلها فحسب. هكذا يكون المقدس جزءًا من عالم اللامعقول أو اللامنطقي، رغم أنه يؤدي وظيفة اجتماعية معينة، ومن هذه الزاوية هو أيضًا يقع في دائرة المعقول.

وأيُّ دين هو أيديولوجيا، لكن ليست كل أيديولوجيا هي دين؛ فالمقدس ليس بالضرورة ضمن محتويات كل أيديولوجيا. وضمن مكونات معظم الأديان يوجد تصور عن خلق العالم وطبيعة الوجود والإنسان، ونظرية للأخلاق؛ أيْ أيديولوجيا شاملة. وكون الدين أيديولوجيا أم لا ليس أمرًا محسومًا لدى عموم المفكرين وأصحاب النظريات، وحتى كونه جزءًا من البناء التحتي أو البناء الفوقي لم يتم عليه إجماع. فهناك من يعتبره شيئًا مختلفًا، بدعاوى متباينة، وكثيرًا ما صادفت شروحات غير مفهومة لهذا الفصل بينهما[8]، ومن أمثلة هذا الفصل هذا الرأي: "فللدين بنيته الخاصة وللمطلب الديني موضوعه الخاص والأصيل الذي لا يختلط بغيره، والذي يشكل جذرًا عميقًا وأساسيًّا في نشوء أيِّ مدنية أو حضارة. ووجوده ليس ثمرة استلاب اقتصادي أو روحي، من دون أنْ يعني ذلك أنَّ الأديان غير معرضة للانحطاط والفساد والتشويه"[9]. وآخرون يرون أنَّ الدين منتج إلهي، وبالتالي لا يدخل تحت عنوان الأيديولوجيا، بل يكون التفسير البشري هو كذلك[10]. هذا الفصل بين الدين والأيديولوجيا مفتعل بوضوح؛ فلا يستطيع أحد أنْ يبرهن على أنَّ الدين هو علم أو حقيقة، أو أنَّ المقدسات ليست مجرد اعتقاد.

والدين أكثر عناصر الأيديولوجيا جمودًا ومقاومة للتغيير، بفضل احتوائه على المقدس الذي لا يجب أنْ يُمس. فبالإضافة إلى صعوبة دحض الأيديولوجيا، يثير نقد الدين استفزاز أصحابه وعداءهم.

ويعتقد أصحاب كل دين أنه الحق، حتى لو اعتبر بعض مكوناته مجرد رموز، ولا يظن أحد منهم أنه خرافة أو أسطورة؛ إنه رؤية مثل أيِّ أيديولوجيا، لكنها رؤية مقدسة.

والأديان أنواع؛ فمنها السماوية، ومنها الدنيوية، ومنها ما يؤمن بوجود آلهة وأرواح وتعليمات إلهية (الدين الوضعي كما سماه هيجل) ومنها ما ينكر هذا.

كما توجد أديان تُسمى علمانية[11]، تشمل ما يسمى بالدين الطبيعي، الذي يؤمن بوجود إله صنع الكون ثم توقف عن التدخل في شؤونه بأيِّ طريقة، وقد تبنى هذه الرؤية فلاسفة التنوير بوجه عام، مستمدين جذورها من أرسطو. والدين المدني، أو دين الطبيعة الإنسانية، أسسه جان جاك روسو، وهو "ليس لديه من معبدٍ ولا هياكلَ ولا طقوس، والمقصور على عبادة الرب الأعلى وعلى واجبات الأخلاق الأزلية، إنه هو دين الإنجيل البسيط والنقي، والتوحيد الخالص، وهو ما يمكن أن يُسمى الحق الإلهي الطبيعي"[12]، والدين السياسي، مثل الشيوعية، والفاشية، والصهيونية، والقومية، والليبرالية والإسلام السياسي..إلخ. بل تمت عبادة الثورة أثناء الثورة الفرنسية[13]، وفي عصر الدولة الحديثة تم تقديس القانون رغم أنه قد يظلم، وتقديس السلطة القضائية. كما دعا بعض الفلاسفة إلى دين إنساني، منهم هيجل: " لا يجب أنْ يقتصر الدين على العقائد الجامدة ولا يجوز تعليمه من الكتب، ولا يجب أنْ يكون لاهوتيًّا بل بالأحرى أنْ يكون قوة حية تزدهر في الحياة الواقعية للشعب، أيْ في عاداته وتقاليده وأعماله واحتفالاته. يجب ألا يكون الدين أخرويًّا، بل دنيويًّا إنسانيًّا، وعليه أنْ يمجد الفرح والحياة الأرضية لا الألم والعذاب وجحيم الحياة الأخرى"[14]. وأوجست كونت، الذي رغم تبنيه للوضعية لم يعلن أن عصر الدين قد انتهى، بل دعا إلى دين جديد، بلا ميتافيزيقا ولا لاهوت؛ دين يقوم على حقائق العلم، وبما أنَّ الناس يحتاجون إلى دين لجعلهم يحبون شيئا أكثر من أنفسهم، كما يحتاجه المجتمع لأنه في حاجة إلى قوة روحية، وبالتالي يكون الدين الذي يحقق الغرضين معًا هو دين الإنسانية. وبدلًا من الله يكون "الوجود الأعظم"؛ الإنسانية ذاتها، أيْ الناس، هي الإله. وفي هذه الديانة لا يكون هناك انفصال بين المقدس والمدنس، وتكون الحياة نفسها هي العبادة[15]. كذلك دعا فويرباخ، وإريك فروم، وكارل يونج إلى دين إنساني، ومع الاختلاف في التفاصيل، ورغم اختلاف تحليلهم لماهية الدين، تقترب مشاريعهم الدينية مما قاله هيجل وكونت. وقد حقق الجميع فشلا ذريعًا في نشر دعوتهم الدينية العلمانية.

الليبرالي يؤمن بأن قوى السوق كفيلة بتحقيق توازن المجتمع ورفاهيته، والماركسي يؤمن بأن قوانين الوجود (الديالكتيك وغيره) تحكمنا، وأننا يجب أنْ نتماهى معها (تحدث سيد قطب بطريقة مماثلة بالضبط[16])؛ القومية العنصرية بأنواعها تحمل رسالة إلى العالم: الحضارة، الإنسانيون يعتبرون الإنسان هو معيار الكمال رغم أنَّ سلوك بعض أنواع الحيوانات يبدو أكثر "إنسانية" من سلوك البشر، دعاة العولمة يحملون التقدم للعالم؛ الصهيونية تحقق وعد الرب.



أصل وماهية الدين:

أغلب علماء الأديان وكثير من علماء النفس والفلاسفة قالوا إنَّ الدين لدى الإنسان فُطري، منهم ماكس ميلر، مؤسس علم الأديان، الذي ذهب إلى أنَّ جوهر وأساس الدين هي الأساطير، وأنها تنشأ من اللغة، بعدم إمكانية تطابقها تمامًا مع الفكر وبالتالي فالدين سيظل إلى الأبد[17]. كذلك كارل جوستاف يونج، وإريك فروم، وفويرباخ، وهيجل، وآخرون. وبالعكس قال بعضهم، منهم رايك، و كذلك فرويد الذي اعتبر الدين مجرد خرافة ووهم يحرم المرء من التفكير النقدي، نشأ نتيجة عجز الإنسان عن مواجهة الطبيعة وعن مواجهة غرائزه، وأنه إنما يشبه العصاب الوسواسي، حتى في التفاصيل، ولذلك فالمؤمن الحق في منجى من بعض الأمراض العصابية؛ فارتضاؤه بالعصاب الكوني يعفيه من مهمة اصطناع عصاب شخصي لحسابه الخاص[18]. كما ذهب فلاسفة التنوير إلى تفسير نشوء الدين بجهل الإنسان بأصل ظواهر الطبيعة، وهو بدوره يغذي الجهل ويعمل على تكريسه؛ فهو يتضمن أساطير وخرافات لا يقبلها العقل، وهو يطالب المؤمنين به بالتسليم التام بعقائد لا دليل على صحتها، وهو ما يؤدي إلى جمود الفكر وغياب الحس النقدي. وقد أخذ ماركس وإنجلز[19] بنظرية فلاسفة التنوير وأضافا لها دور العامل الاجتماعي، فاعتبرا الدين وعيًا مقلوبًا، ناتجًا عن الانقسام الطبقي والاستغلال، وبالتالي سيختفى مع اختفاء أسباب وجوده.

الدين له جذور نفسية عميقة وجذور اجتماعية. لا يمكن التعامل معه كمنتج فردي، ولا الاكتفاء باعتباره من إنتاج الطبقة المستغِلة؛ إذ لماذا تتخذ الأيديولوجيا شكل الدين؟ وهو سابق على ظهور الطبقات؛ ظهر قبل الثورة الزراعية بمئات الألوف من السنين، لدى الإنسان المنتصب[20]، وإنسان نيندرتال، وأقزام أفريقيا وإنسان الصين..إلخ، حسب كثير من الأبحاث[21]،[22]. كما ظهر الكهان والسحرة؛ آباء الأنبياء والرسل مبكرًا جدًّا، قبل نشوء الطبقات بكثير.

وهناك من الشواهد ما يدل على أنَّ الدين كان مهمًّا لتحقيق وحدة الجماعة؛ فبعد حدوث الثورة الزراعية، وبالتالي نمو حجم الجماعات تطلب الأمر صناعة رموز، مثل الآلهة والأوطان ثم الشركات المساهمة، لتحقيق الروابط الاجتماعية[23]. وحسب بعض علماء الأنثروبولوجيا، يستطيع البشر أنْ يشكلوا جماعة من الذين يعرف بعضهم بعضًا بشكل شخصي مباشر في حدود 150 شخصًا، وحين يزيد العدد عن ذلك يلجأون إلى ابتكار رمز لهذا الجمع، مثل اسم قبيلة أو قرية، توتم، اسم موقع، لقب.. بحيث يمكنهم أنْ ينتموا إلى بعضهم البعض من خلاله. ويسمى هذا العدد عدد دونار [24]Dunbar number. إنها إذن آلية للحم الجماعة البشرية وحفز روح التعاون بين أفرادها، للتغلب على الأنانية، ووضع قواعد لإجبار الفرد على العمل من أجل الجماعة، بعد أنْ تصبح رابطة الدم غير قادرة على لحمها. ويضاف حافز آخر؛ ففي الجماعة كبيرة العدد لا يمكن للعقاب وحده أنْ يشكل عاملًا رادعًا للخارجين على تقاليدها، لأن كبر حجمها يجعل من الصعب معرفة الخارجين، فيلزم حافز معنوي على التعاون وعدم كسر القانون، وتقليل مستوى التوتر بين أفراد تلك الجماعة الكبيرة، وكلما ازداد عدد أفراد المجتمع وبالتالي ازداد معدل التوتر والتشاحن أصبح من الضروري زيادة معدل الطقوس الدينية. وقد تطلب الأمر أيضًا إنتاج الآلهة وفكرة العقاب والثواب الإلهيين لردع الخارجين على نظام المجتمع، وهي آلية للمزيد من ضبط الناس في التجمعات كبيرة العدد[25]. لقد اخترع خيال الإنسان أشياء اعتبرها مقدسة، بغرض توحيد الجماعات المختلفة كبيرة العدد. إذ لا يمكن لآلاف أو ملايين الناس أنْ تشعر بالانتماء إلا إذا توحدت حول شيء خيالي، مقدس إلى هذا الحد أو ذاك؛ الطوطم، الأمة، الدولة، الدين، القانون، أو أيِّ "رسالة"، مثل الطب، النضال من أجل الإنسانية..إلخ. فحتى حمورابي زعم أن قانونه تعليم إلهي؛ فالهدف هو استقرار الجماعة وتأمين السلطة. هذه الآليات للحم الجماعات لا تتم بوعي، بل بشكل تلقائي؛ باللاوعي الجمعي، وهذا لا ينفي وجود تعمد استغلال هذا اللاوعي من قبل أصحاب السلطة، بدءًا من السحرة قديمًا، انتهاء إلى الأجهزة الأيديولوجية المعاصرة. أما خلق الإله القادر المطلق فهو سعي للإنسان الضعيف لصناعة قوة خارجه ثم التماهي معها أو محاولة ذلك.

فالدين ليس مجرد نتاج لرؤية الإنسان للطبيعة وجهله بها، لكنه ذو أساس اجتماعي، يتحدد شكله عند مستوى معين من تطور القوى المنتجة، بدليل أنَّ الإنسان المعاصر يتمسك به، وكثير من العلماء يؤمن بالدين، وفي واحدة من أكثر البلدان تقدمًا يؤمن أهلها بالأساطير التوراتية. وما العلمانية إلا فصل الدين عن النظام الاجتماعي واعتباره مسألة شخصية دون إلغائه، وهي فكرة تحل إشكال التناقض بين الدين والحياة المعاشة. فالدين ليس مجرد وهم، بل له جذور اجتماعية مثل أيِّ مكون للأيديولوجيا، فهو أولًا نتاج علاقات اجتماعية معينة، لكن لا شك أنَّ الجهل بالطبيعة والمعلومات المغلوطة قد لعبت دورًا في نشوئه.

الدين هو نتاج لسلطة معينة، سلطة جماعة ما؛ قبيلة، أمة، طبقة.. ولأنه أداة للسلطة فقد استخدمته القوى المتنفذة على مر التاريخ لحسابها، من كهنة وسحرة وقادة قبائل، ثم الطبقات المسيطرة، والحكام، والدول، بل واستخدمته جماعات المقاومة كذلك، من مختلف القوى المقهورة، ومن أمثلة ذلك المسيحية في بدايتها، ومناضلو أمريكا الجنوبية (لاهوت التحرير) والحركات الثورية في تاريخ الإسلام القديم، مثل الشيعة والخوارج..

لكن الثابت كما أشرت أنَّ الدين ظهر حين كانت الجماعات البشرية صغيرة الحجم وقبل ظهور القرى والمدن، مما يعني أنَّ هناك صلة بين الدين وعلاقة الإنسان بالطبيعة، تضاف للدوافع الاجتماعية لظهور الأديان. فلا يمكن إهمال دور العوامل النفسية وتأخر المعرفة في نشوء واستمرار الدين. من ذلك دور الأحلام والظواهر الطبيعية غير المفهومة، والضلالات، والخوف، وشعور البشر بالضعف إزاء الطبيعة، والرعب من الموت خاصة، الذي ربما يقف وراء عقيدة البعث وخلود النفس، التي ظهرت - في الغالب - لدى إنسان نيندرتال[26]. لقد ظلت الحاجة إلى الدين منذ بدايته تنبع من الطمع والخوف؛ الرجاء في الطبيعة والخوف منها، وضمن ما يخيف الإنسان الموت. وتطورا في الأديان السماوية الكبرى إلى الطمع في رضا الإله والخوف من بطشه. كما كانت ومازالت مظاهر مثل الأحلام والكوابيس والكوارث الطبيعية تؤرق الإنسان وتثير حيرته. فحتى بعض العلماء المعاصرين يؤمن ويروج لما يسمى بالباراسيكولوجي (منهم جوستاف يونج).

لا شك أنَّ الإنسان يسعى دائمًا إلى اكتشاف العالم حتى يستطيع أنْ يتعامل معه؛ كآلية للسيطرة عليه؛ للدفاع الهجومي. وقد ابتكر الإنسان السحر في البداية لهذا الغرض، ثم الطقوس، ثم الآلهة. فإنتاج الدين كان في بدايته آلية للسيطرة على الطبيعة، بخلق قوة قاهرة والتماهي معها، كما كان طلبًا للشعور بالحماية والأمان، ولتبرير أفعاله، وللبحث عن الخلاص من عذابات الحياة، ولخلق معنى لوجوده. فانتماء الإنسان إلى قوة أعلى تجعل هناك معنى وهدفًا لحياته، وتبرر له أفعاله: فهذه أوامر الله – الوطن فوق الجميع – مصالح الأمة..إلخ. وفقط إذا استطاع الفرد أنْ يقول: أنا أرى أو أريد ذلك، سيصبح في غير حاجة إلى المقدس. وهذا يعبر عن نفسية الإنسان كنوع، التي تتضمن الشعور بالضعف والخوف من الكون ومن الموت. ولا يجب أنْ نتناسى خداع الكهنة والسحرة المتعمد لصالحهم هم وأسيادهم.

إنَّ قصر الدين على العامل الاجتماعي (دوركايم) غير كاف، فهناك علاقة بين الأيديولوجيا ومستوى قوى الإنتاج أيضًا. وهذا ما يفسر أشكال الدين ومحتوياتها الخرافية. إذ لماذا عبد الناس آلهة مثل إلهة الخصب وإله الحرب وإله المطر..إلخ. ولماذا تطورت الأديان نحو التوحيد، ثم التخلي عن الآلهة وكثير من الطقوس؟ ففي تاريخ كل شعوب الأرض كانت الطبيعة هي الموضوع الأصلي الأول للدين[27]. وهاك مثالًا محددًا يثبت أنَّ مصدر الدين مزدوج؛ اجتماعي ومعرفي: قُدست النار في مختلف المجتمعات البدائية؛ فهي مصدر خطير للدمار ومصدر أساسي للحياة، وايُّ إهمال بشأنها قد يؤدي إما إلى انطفائها أو إحراقها للغابة أو الكهف أو خيام الجماعة. لذلك صارت مقدسة ولها سدنة، بل وعبادات وطقوس، في مناطق عديدة. فهي شديدة الأهمية للمجتمع، لكن التحكم فيها صعب إلا عند مستوى كعين من تطور قوى الإنتاج. فلو كان البدائيون يعرفون كيف يشعلونها بسهولة وقت الحاجة وكيف يمنعون الحرائق أو يسيطرون عليها لتعاملوا مع النار مثلما تعاملوا مع أيِّ شيء في حياتهم، بلا تقديس كما يتم الآن. ولو كان الناس يعلمون أنَّ الشمس لا تملك من أمرها شيئًا لما عبدوها.. وهذا ينطبق على كل المقدسات في التاريخ.

يمكن أنْ نلخص أصل الدين في أربعة عوامل:

- جهل الإنسان بظواهر طبيعية مثل الأحلام والكوارث المختلفة، والموت.

- حاجة الجماعة إلى التلاحم بالتجمع حول رمز أو رموز ما.

- استغلال القادة والسحرة والطبقة الحاكمة لجهل الناس وابتزازهم، فيلعب دور أيديولوجيا مضللة وداعية لقبول الظلم الاجتماعي.

- تم استخدامه كسلاح لمقاومة الجماهير للطبقات المسيطرة والسلطات القمعية والمستغلة؛ كسلاح احتجاجي، وسلاح أيديولوجي ومرشد للنضال في بعض الحالات.

نقد الدين:

ضرورة الدين مثل أي مكون للأيديولوجيا:

قال ماركس بحق: "إنَّ نقد الدين هو المقدمة لكل نقد"[28]. فأول شروط العقلية النقدية جعل كل شيء قابلًا للتحليل والنقاش والنقد، وبما أنَّ الدين هو الأشد جمودًا وتحجرًا؛ فإن نقد الدين يكون شرطًا ضروريًّا لتحرير العقل وإطلاق حرية التفكير، سواء الأديان "السماوية" أم الأرضية. خصوصًا الأديان الوضعية (بالمعنى الهيجلي)، التي ترسم للإنسان كل ما يتعلق بسلوكه وعلاقاته بالآخر. وفقط يمكن أنْ يتخلص الإنسان من المقدس حين يستطيع أنْ يعتمد على نفسه ويفكر تفكيرًا نقديًّا.

نقد الدين يجب أن يتركز على أصله كنتاج لمستوى القوى المنتجة، والتي تقدمت بما فيه الكفاية لنبذ الخرافات، والأهم أصله في العلاقات الاجتماعية مثل أيِّ أيديولوجيا، وكشف دوره في طمس الصراع الاجتماعي وفي خداع الجماهير، وهذا ما أهمله فويرباخ، الناقد الأول للمسيحية. فليست القضية الرئيسية فيما يتعلق بالدين إنْ كان حقيقة أم خرافة، بل الأهم أنْ نكشف عما ورائه من بؤس الإنسان وتمزقه واغترابه. فهو ليس كيانًا مستقلًا، ولا ناتجًا عن جوهر إنساني مزعوم، بل هو نتاج اجتماعي، فلا ينبغي ولا يمكن التعامل معه إلا في ارتباطه ببقية جوانب الواقع الاجتماعي.

وإذا كان توحيد الجماعات البشرية يحفز خلق الرموز والمقدسات، فسوف يستمر الوهم وأشكال من الاغتراب. لذلك سيستمر العمل ضد الوهم والخرافة، وتفكيك المقدس؛ اللاهوتي والعلماني. وبدلًا من الوهم يجب أنْ تعتمد وحدة الجماعات على وحدة الأهداف العامة، أو بالأحرى: الاستراتيجيات. واستراتيجيات الثورة المستمرة تصلح كآلية توحيدية. ولما كانت المذاهب والشعارات كثيرًا ما تتحول إلى سلطات يعبدها الناس، فربما يصبح شعار الثورة المستمرة كذلك. في هذه الحالة يصبح الدين هو التمرد، فينفي نفسه طول الوقت.

الاغتراب والشقاء:

قال هيجل: إن مفهوم شعب ما عن الإله يشكل الأساس العام لطبيعة ذلك الشعب[29]. فالناس هم الذين يصنعون المقدس على مقاسهم، مما يؤدي إلى الاغتراب؛ فالإنسان يصنع بنفسه ما يعتبره بعد ذلك غريبًا عنه وسلطة فوق رأسه، ويخضع نفسه له، من آلهة إلى تحويل الوطن والأمة والسوق والقانون إلى كيانات قائمة بذاتها، لها قوانينها الخاصة، تقف فوق الناس، بينما تدل هذه المصطلحات في الأصل على علاقات اجتماعية. فهكذا يقوم الإنسان بتغريب نفسه بنفسه، بتعبير ماركس، فيلقي بما في داخله إلى المقدس. هكذا تصنع الأديان الوضعية، حيث يفكر ويقرر المقدس بدلًا من المؤمنين به، فتعاني الذات مما أسماه هيجل بـ "الوعي الشقي"[30]؛ فالذات تصبح منقسمة على نفسها، فلا هي قادرة على الاستقلال عن المقدس ولا هي قادرة على الاتحاد معه، فتظل تعاني الاغتراب.

من أهم من تناول ظاهرة الاغتراب الديني: فويرباخ ، لكن على أساس أنَّ "الله هو ماهيّة أو جوهر الإنسان، باعتباره الحقيقة النهائية. لكن الله أو الدين – كلاهما واحد – يختلفان حسب الطريقة التي يفهم بها الإنسان ماهيته"[31]. ونظرته تتلخص في أنَّ الإنسان قد خلق الله والدين، مُوضِعًا فيه جوهره الخاص، وأن الدين هو الصورة الأولى والبدائية للوعي الذاتي[32]. لكن هذا الجوهر الإنساني هو شيء وهمي تمامًا؛ فالإنسان ليس له جوهر خالص، بل هو – كما ذهب ماركس في موضوعته السادسة عن فويرباخ - في حقيقته مجموع العلاقات الاجتماعية كافة، وهو "وعي الذات والشعور بالذات لدى الإنسان الذي لم يجد بعد ذاته، أو الذي فقدها"[33] ولا يضع الإنسان جوهره؛ ذلك الوهم، في المقدس، بل يضع فيه خوفه وعجزه وأمانيه. ولذلك فالاغتراب الديني هو بالفعل صورة مقلوبة للاغتراب الواقعي. فيمكن التحرر من الاغتراب الديني بعد التحرر من الاغتراب في الواقع، لكن سلاح نقد الدين هو شرط لكشف هذا الاغتراب.

ويرتبط خلق المقدس بخلق المدنس، شاملًا الإنسان، وكلما ازداد تبجيل المقدس ازداد المرء تحقيرًا لنفسه، وبذلك يفقد الفرد احترام ذاته؛ فالكل يذوب في واحد، وهذا ما يُستخدم في تبرير أنْ تصبح الدولة أو الأمة أو أيُّ جماعة هي الهدف، وما الفرد إلا ترسًا في آلة، لا أهمية له. فالغيرية هنا تساوي موت الفرد ليحيا المقدس. وهذا يكون شديد الوضوح في لحظات العبادة، فيصل المؤمن الحق إلى حالة فقدان الوعي بذاته، ويذوب لحظيًّا في ذات المقدس، خاصة في طقوس العبادة الجماعية حيث يسود اللاوعي الجمعي، ونجد هذا بوضوح في الحج، وطقوس الصوفيين، وفي الاحتفالات التي تتضمن الاعتداء على النفس، وفي الاحتفاء بذكرى البطل.. إلخ. كما نجده في الأنظمة الشمولية؛ فيمكن مثلًا التضحية بجيل كامل، أو بأيِّ عدد من الأفراد لكي تعيش الدولة أو الزعيم، الذي ينظر للشعب على أنه قاصر وشرير وانتهازي ولا يستحق سوى أنْ يطيعه ويعشقه. ففي الدين يوجد الإنسان للآخر وليس لذاته، فهو يتحقق من خلال إفناء ذاته في المقدس، ومن ثم يصبح قابلًا للخضوع للكاهن، وللدولة، والطبقة المسيطرة، والزعيم. والشخص الذي يسلم تفكيره ويتماهى مع شخص آخر لا يمكن أنْ يغير آراءه مهما قُدِمَت له من المعلومات والوقائع الصحيحة. فالشخص الذي يخضع نفسه لمقدس ما يكون غير قادر على تحمل مسؤولية قراراته، فيعزيها إلى قوة مطلقة، وهو بذلك لا يتحقق، بل ينكسر.

وقد يصل التدين إلى حالة الهوس، فالمرء قد يصبح عاجزًا عن الحياة بدون الإيمان وعاجزًا في نفس الوقت عن الإيمان الحقيقي؛ فيتضافر "الكفر" الأخلاقي مع التدين الشكلي. فيضطر المرء لممارسة "الكفر" الأخلاقي لكي يواصل حياته في الظروف المحيطة، ولكنه في نفس الوقت يسعى لنيل رضا الرب، فلا يعرف إلا اللجوء إلى التدين الطقسي دون التخلي عن الكفر الأخلاقي، وتظل في هذه الدوامة، فيزداد كفرًا أخلاقيًّا ويزداد تدينًا شكليًّا، فيصل لحالة الهوس الديني المنتشرة الآن في بعض بلدان الشرق الأوسط. قد يفسر ذلك ظاهرة كون الشخص المتدين يكون في العادة أكثر أنانية وعدوانية من الشخص غير المتدين.

ويتضمن الدين التسلطي علاقة سادية – مازوخية؛ فالإنسان قد نزع عن نفسه كل كل خير وكل قدرة على المعرفة والفهم وأودعها في الجبار؛ الإله أو الزعيم الإله، ثم تصوره متسلطًا ونرجسيًّا؛ يريد منا أنْ نتفرغ لطاعته وأنْ نموت من أجله، ويُعد عصيان سلطته الخطيئة الأهم، بينما هو يستمتع بذلك. وكلما أثنى المرء على الإله شعر بالخواء، وكلما أمعن في ارتكاب الشر ازداد اغترابًا واحتماءً به. وهو يعاني طول الوقت من انفصاله عن نفسه؛ من اغترابه. والدين التسلطي كثيرًا ما يكون مرتبطًا بالسلطة الاجتماعية؛ بالدولة خاصة، أداة القمع المرعب؛ فتضيف إلى سلطتها القمعية بركة الإله، سواء رب السماوات أو أيِّ مقدس آخر.

وفي الأديان السماوية بالذات يتم الهروب من هذا الاغتراب إلى الاتحاد مع المقدس في عالم آخر وهمي.. مجرد خيال، فيكون هروبًا من اغتراب إلى اغتراب آخر. وحتى في الأديان غير اللاهوتية يخلق مستقبلًا خياليًّا عن عالم مثالي؛ جنة على الأرض تظل مجرد سراب.

وحتى لو إذا صار الإنسان هو نفسه المقدس لاستمر الاغتراب الديني؛ فـ"الإنسان" في هذه الحالة سيُنظر إليه كما لو كان كائنًا منفصلًا عن كل البشر؛ مثلما يتم النظر إلى الأمة أو الوطن.

الدين سلاح مزدوج لكنه في الغالب سلاح قوى التسلط:

مثل أيِّ أيديولوجيا، للدين تأثير على النظام الاجتماعي، فهو ليس مجرد انعكاس سلبي. وفي نفس الوقت يتباين هذا الدور؛ فنفس الدين تستخدمه مختلف الطبقات بطرق مختلفة؛ فهناك الدين التسلطي، ودين يدعو للتحمل والاستسلام، ودين يكون هدفه اندماج الأفراد في العدم - على حد وصف هيجل للبوذية – وقليلًا ما يكون سلاحًا للمقاومة. لكنه في الغالب يتم إعداده لخدمة الطبقة المسيطرة والقوى المعادية للتقدم. فهو مثل أيِّ أيديولوجيا، أداة للسلطة بمختلف أنواعها، سواء سلطة الكهنة، أو سلطة الدولة، أو سلطة الفرد على من حوله؛ سلطة وسلطة مضادة، فحتى الطقوس إنما تعبر عن سلطة ما. فالصلاة الجماعية – مثلًا - هي آلية إخضاع الناس، وتخفيف التوترات داخل المجتمع.

وكثيرًا ما يتم إدخال تعديلات على تعليمات الدين لتسويغ سياسة معينة؛ مثل إباحة القتل والكذب والسرقة والنهب باسم الإله. فهو يستطيع أنْ يتغير ويتأقلم مع أيِّ منظومة اجتماعية. ولقد استخدمت المسيحية في الماضي لتبرير الاستعمار واستعباد السود، ثم تطورت وتأقلمت – بعد مقاومة – مع الرأسمالية ومع العلم. الإسلام أيضًا استخدم لتبرير حكم السلاطين بالقوة، كما استخدمه الفقراء والمضطهدون لرفع شعارات تحررية. هذا لا يتوقف على نصوص الأديان، بل يرجع لطبيعة القوى الاجتماعية في هذا العصر أو ذاك، التي تنتج ما تشاء من النصوص أو تأويلها. وطالما أنَّ الطبقة الحاكمة هي الأقوى ماديًّا، تكون الأقدر على تطويع الدين، فتكون أيديولوجيتها – شاملة رؤيتها للدين - هي السائدة. ومثلما يكون الدين الوضعي انعكاسًا للاغتراب الاجتماعي والاقتصادي، فإنه يميل أيضًا لتكريس هذا الاغتراب. وبذا يلعب الدين عادة دورًا في تبرير وشرعنة العلاقات الاجتماعية القائمة والحفاظ على المؤسسات الاجتماعية التي تجسدها.

والمعتاد طول التاريخ أنَّ الدين يعيق الحرية والتقدم والرفاهية، فبحكم كونه أيديولوجيا مقدسة لا يكون من السهل تعريضه للنقد والتجاوز. ومن هنا يأتي طابعه المحافظ. فحتى الآن تلقي الحرية الجنسية رفضًا حادًّا من منطلق ديني، ويعارض الملايين أكل لحوم الأبقار بنفس الحجة، وأكل اشياء أخرى كثيرة، ويتسلط رجال دين - خصوصًا من المسلمين واليهود - على النساء، فيفرضون ملابس معينة ويحرمونها من الاختلاط بالرجال، بل ويحارب الكثيرون فوائد البنوك على أساس أنها حرام، ويحرمون تمثيل شخصيات تاريخية كثيرة على أنها مقدسة..

وأول خطوة في اتجاه التخلص من استخدام الدين لصالح قوى التسلط هو فصله عن الدولة والنظام العام والأخلاق، وجعله مجرد اختيار وممارسة شخصية. وبذلك تتاح التعددية الثقافية والمساواة بين الناس على أساس القانون، ويُفتح الطريق أمام التفكير النقدي والمبدع.

وهذه العلمانية توحد الجماعة البشرية أكثر بكثير من الدين، بل كان الدين عاملًا لانتشار مشاعر الكراهية والحروب والمذابح المتبادلة، حتى داخل البلد الواحد، وصارت البلدان التي تعلمنت أكثر تماسكًا واستقرارًا.

وقد تحققت العلمانية في معظم دول الأرض، لكنها مازالت بعيدة المنال في البلدان الإسلامية، والعربية بالذات. وإنَّ استمرار ظاهرة الإسلام السياسي، بسماته الفاشية، في تلك البلدان، وخضوع ذهن معظم الجماهير له يعني ليَ أنَّ تلك الجماهير مازالت مغيبة، عاجزة عن التفكير بحرية، مهزومة ومكسورة، وأنَّ أفقها مازال بالغ الضيق، وبالتالي ستظل عاجزة عن تحقيق أيِّ خطوات ثورية مدروسة، وستظل احتجاجاتها تتم بعشوائية تفتقر للرغبة في التغيير الحقيقي (وليس بـ "عفوية" الجماهير المدركة لذاتها كما حدث أحيانًا في التاريخ: فرنسا وروسيا مثلًا[34]) وسيكون من السهل على أيَّ سلطة منظمة أنْ تهزمها في النهاية. لا يجب أنْ نعزو فشل ثورات تلك الشعوب إلى غياب التنظيم الثوري أو القيادة، فكما قال ماركس: طرح السؤال الصحيح هو نصف الجواب. والسؤال المجدي الآن هو: لماذا تسود تلك التيارات الغيبية والتي تعيش في كهوف الماضي حتى الآن ولماذا تؤيد كتل جماهيرية هائلة تلك التوجهات حتى الآن رغم كل الكوارث التي سببتها؟ ولماذا لا تحمل تلك الفئات من الجماهير نزعات ثورية؟ هذه الجماهير مازالت تبحث عمَّن يفكر لها ويقودها؛ عن مخلِّص، مسيح؛ مهدي؛ نبي مكلف من السماء، "فكرة مطلقة" تنير لها الطريق، فلا تمتلك الثقة في النفس ولا حتى حب تلك النفس، بل تشعر بأنها مدنسة بما يكفي لتسليم نفسها طوعًا لمن تعتقد أنه طاهر ويمثل الخير المطلق. والفرد في هذه الحالة منسحق، لا يميز نفسه عن تلك الكتل فاشية الطابع، مجرد نفر في عشيرة تتحرك بأمر قائدها، ينفر من التفكير النقدي ويكره من يختلف مع فكرته المطلقة، يعلن أنه مستعد للموت في سبيل المقدس، أيْ أنه بلا طموح سوى الذوبان في المجموع الذي استقال عقله، من أجل تحقيق النصر للفكرة المطلقة؛ إنه موجود للآخر وليس لذاته، فذاته مستلبة تمامًا، مجرد نفر؛ نمرة، مثل جندي الجيش.

وينطبق هذا – إلى حد كبير – على اليهودي الذي ذهب إلى فلسطين استجابة لنداء زعمائه، الذين رغم إلحاد معظمهم، ينادونه باسم التوراة ووعد الرب، وهو يرتكب كل الجرائم ضد الفلسطينيين من أجل الاستيلاء على قطعة من الأرض، بيت صغير، بستان، المسجد الأقصى، لتحقيق وعد الرب، دون أنْ يسأل نفسه: لماذا لم يقم الرب بتنفيذ وعده بنفسه؟ ولماذا يكون اليهودي الصهيوني مضطرًّا للعيش في كل هذا القلق والخوف لكي ينفذ مهمة يفترض أنْ يقوم بها الإله بنفسه؟! هذه شخصية منسحقة أيضًا، تسعى للذوبان في عشيرة تحمل الفكرة المقدسة. لا يمكن قصر تفسير ظاهرة الصهيونية على اضطهاد اليهود، فالحلول الأسهل ممكنة، ولا على المصالح ولا المؤامرات، فوجود تلك القاعدة من جماعات مسحوقة عبر التاريخ، مغيبة، تفتقد للقدرة على الاختيار بالتفكير الحر، كان ضروريًّا لتحقيق الحلم الصهيوني. كما لا يمكن إعفاء هذه الكتل البشرية، من يهود شرق أوروبا خاصةً، المستعدة لقبول تلك الفكرة المقدسة، من المسؤولية؛ فقد عاشت طول تاريخها غريبة، كارهة لبقية البشر. كما لا يتحمل الدين اليهودي المسؤولية هو الآخر، فعلى قول ماركس "يجب ألا نبحث عن سر اليهودي في ديِنه، وإنما عن سر الدين في اليهودي الواقعي"[35]. "ففي شرق أوروبا وطوال قرون طويلة لعب اليهودي دور التاجر والخمار ووكيل السيد الإقطاعي والوسيط في جميع الأمور"[36]. كان شعبًا – طبقة بتعبير إبراهام ليون، يمارس مهنًا مكروهة ومحتقرة من قبل السكان، مما ترجم تلك المشاعر تجاه اليهود أنفسهم. وبذلك عاش يهود شرق أوروبا كجسم غريب في المجتمع، مكروهًا ومنبوذًا ومُزدَريًا، ممثلًا للشر في نظر السكان. ومن الطبيعي أنْ يكون ذلك الشعب مستعدًا للبحث عن الخلاص: من وضعه المزري ومن اضطهاد السكان، فمن عجز عن أو رفض الهجرة إلى الغرب والاندماج بالسكان ظل منتظرًا للمخلص، فسلم نفسه لدعاة الصهيونية.

في الحقيقة لا يلعب الدين الدور المحرك في الحالتين، بل يتم استخدام نصوصه من قبل زعماء يريدون أنْ يكونوا مسلحين بفكرة مقدسة ومدعومين بقوة مطلقة، نتيجة لعجزهم عن إنتاج فكرة تستطيع أنْ تجمع تلك النوعية من الجماهير المغيبة والمتعطشة لخلاص أسطوري، كبديل لعجزها عن تصور مخرج واقعي من عذاباتها. فهكذا يلتقي القادة بالجماهير المتماثلة معهم.

ولا يمكن لأي حوار بالمنطق أنْ يغير تلك النوعية من البشر، بل لابد فضح وكشف تهافت وحقارة وانحطاط مثلها وفكرتها المطلقة بقسوة وبدون لف ودوران، ومواجهة هؤلاء الناس بدوافع خيارهم، ولن يتغيروا مع ذلك إلا حين تصبح القوى الثورية أيضًا قوية وقاسية بما فيه الكفاية.. إنها جماهير معادية للثورة، بل تشكل احتياطيًّا للثورات المضادة.

آلية تعويضية للمعاناة:

الدين يحقق المساواة بين الناس: أمام المقدس ويوم الحساب في الدين السماوي، فيعوض عن عدم المساواة والاضطهاد والقهر، ويعيد الحق لأصحابه يومًا ما. فالعبادات تكون متساوية لدى كل المؤمنين، وفي الصلاوات الجماعية يقف الكل سواسية (إلا في حالات معينة لأسباب أمنية)، وقواعد الحساب واحدة للجميع.

أما إنتاج خيالات، مثل صورة الجنة فهي آلية للهروب من الواقع، وحلم مكبوت في اللاوعي، وقد يكون رغبة نكوصية لعصر ما قبل التاريخ، حين عاش الإنسان الأول في غابات أفريقيا حيث تتوفر كافة احتياجاته ولا يحتاج لبذل مجهود للحصول على طعامه[37].

كما يجيب الدين للإنسان على أسئلة لا يملك لها إجابة، فيجعل لحياته معنى. الإنسان يعاني فعلًا مما سماه سارتر بـ القلق والسقوط واليأس، بسبب وجوده في العالم بلا معين، وهذا من دوافع الهروب إلى الدين؛ إنه هروب من الحرية. وهو سعي نحو الشعور بالأمان وبقيمة الوجود. وهو يحقق بالفعل قدرًا من الشعور بالطمأنينة.

وحتى السعي إلى الاتحاد مع أو الانصياع لإله مطلق القدرة يمنح الإنسان شعورًا بالاطمئنان والقوة الزائفة. لا يختلف كثيرًا عن التماهي مع زعيم ملهم، أو الانتماء لدولة قوية أو سلطة مطلقة. وهذا يفسر انتشار النزعات الصوفية، خصوصًا في الشعوب الأكثر تعرضًا للقهر، ونجد هذا خصوصًا في أديان شرق آسيا.

الدين فعلًا عنصر مهدئ الإنسان البائس، والمغترب، والعاجز عن التحقق.. إنه أفيون الشعوب - كما قال ماركس – من زاويتين: إنه عنصر مخدر، وعنصر معالج؛ مريح للنفس المعذبة. وإن كشف هذه الحقيقة شرط ضروري لدفع الناس إلى البحث عن تجاوز واقع البؤس والاغتراب.

النقد المعرفي:

الدين الثنائي يحل مشكلة الخير والشر، لكنه يواجه مشكلة نظام العالم؛ فكيف يتعامل رب الخير ورب الشر، على أيِّ أساس؟ وهل يحكمان العالم بنظامين مختلفين؟ أما الدين التوحيدي فيحل مشكلة نظام العالم، لكنه يواجه مشكلة الشر؛ كيف يعمل الشيطان خارج الإرادة الإلهية؟ وكيف يحتاج الرب إلى مساعدة الإنسان لمقاومة الشر؟[38]. هذه مشكلة غير قابلة للحل من داخل الدين. أما الأديان العلمانية فلا تستطيع حتى الآن تقديم تعليل ومخرج من الحروب القومية، والعنصرية، بل حتى لا تستطيع مواجهة صعود الأصولية الدينية المعادية للعلم والتفكير النقدي في العالم أجمع، ولا مواجهة الفاشية الصاعدة في كل أرجاء الأرض. وتؤدي ديانة الليبرالية الجديدة والعولمة إلى تهميش شبه مخطط على مستوى العالم، وتراجع "حقوق الإنسان".

مازالت نظرية التطور تلقى مقاومة على أساس ديني، ويتمسك المحافظون - باسم الدين في حالات كثيرة - بالتحفظ على الأبحاث العلمية في علم الوراثة والاستساخ بالذات،

لذلك فالأمر يحتاج إلى قلب الطاولة كلها؛ ثورة على كل تلك الخرافات، مع كشف علاقتها بالقوة المستغلة والمتسلطة في العالم.



‘في النهاية لا يمكن مقاومة الدين بالحوار والبرهان؛ فالجمهور العام يؤمن به. لكن يمكن فضح زيف بعض التعاليم الدينية، كشف الطابع "اللإنساني" في بعض الأديان، فضح رجال الدين، نشر المنطق والمنهج العلمي، الدعوة لقيم أكثر تحقيقًا للحرية والمساواة والإخاء. وفوق كل ذلك كشف العلاقة بين الدين بمختلف أصنافه والاستغلال وتسلط الحكام‘.




[1] The Phenomenology of Mind, p. 231

[2] lectures on the philosophy of religion, Vol. I. p. 89

[3] Essence of Christianity, Introduction, 1 The Being of Man in General

The Elementary Forms of Religious. Life, p.44[4]

“A religion is a unified system of beliefs and practices relative to sacred things, that is to say, things set apart and forbidden—beliefs and practices which unite into one single moral community called a Church, all those who adhere to them”

[5] طه الهاشمي، تاريخ الأديان وفلسفتها، ص 30.

[6] الدين والتحليل النفسي ، ص 25.

[7] لونا الحسني، المقدس والمدنس,

[8] على سبيل المثال رأيِ بورنو إيتين، محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، الأيديولوجيا، ص ص 25-26.

[9] هذا رأيُ برهان غليون في كتابه المشترك مع سمير أمين، حوار الدولة والدين، ص 111.

[10] حسن سلمان، الدين والأيديولوجيا.

[11] خزعل الماجدي، علم الأديان، ص ص 517-527.

[12] The Social Contract, p. 70

[13] وصفها دوركايم كالآتي: "إنَّ ميل المجتمع إلى تنصيب نفسه إلهًا، أو إلى صناعة آلهة، قد ظهرت ببروز إبان السنين الأولى للثورة. ففي تلك اللحظات من الانجراف الحماسي، تحولت بعض الأشياء الدنيوية تمامًا بطبيعتها، إلى أشياء مقدسة، وذلك تحت تأثير الرأي العام؛ وهي: الوطن والحرية والعقل"، The Elementary Forms of the Religious Life, pp. 215-216

[14] نقلًا عن أحمد عبد الحليم عطية، من تقديمه لكتاب "فويرباخ – أصل الدين"، ص 12.

[15] Kemal ATAMAN, RELIGION of HUMANITY REVISITED

[16] "فالناس محكومون بقوانين فطرية من صنع الله في نشأتهم ونموهم، وصحتهم ومرضهم، وحياتهم وموتهم، كما هم محكومون بهذه القوانين في اجتماعهم وعواقب ما يحل بهم نتيجة لحركتهم الاختيارية ذاتها، وهم لا يملكون تغيير سنة الله في القوانين الكونية التي تحكم هذا الكون وتصرفه. ومن ثم ينبغي أن يثوبوا إلى الإسلام في الجانب الإرادي من حياتهم، فيجعلوا شريعة الله هي الحاكمة في كل شأن من شؤون هذه الحياة، تنسيقاً بين الجانب الإرادي في حياتهم والجانب الفطري، وتنسيقاً بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين الوجود الكوني"، معالم في الطريق، نشأة المجتمع المسلم وخصائصه.

[17] خزعل الماجدي، علم الأديان، ص ص 121-122.

[18] مستقبل وهم، ص 67.

[19] قال إنجلز: " إن الدين قد ولد في عصور بدائية، من تخيلات الناس الخاطئة ، البدائية عن طبيعتهم وعن الطبيعة الخارجية التي تحيط بهم"، Ludwig feuerbach and the end of classical german philosophy, Part 4

[20] خزعل الماجدي، أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ، ص 35.

[21] طه الهاشمي، تاريخ الأديان وفلسفتها، ص ص 180-189.

[22] خزعل الماجدي، أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ، ص 31 وما بعدها.

Yuval Noah Harari, Sapiens, A Brief History of Humankind, P. 98[23]

[24] Aleks Krotoski, Robin Dunbar: we can only ever have 150 friends at most…

[25] R. I. M. Dunbar, The Origin of Religion as a Small-Scale

Phenomenon

[26] خزعل الماجدي، أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ، ص 31.

[27] هكذا تكلم فويرباخ، أصل الدين، ص 41.

[28] Critique of Hegel’s Philosophy of Right, Introduction

The Philosophy of History, p.66[29]

[30] Phenomenology of Mind, 208

[31] Essence of Christianity: Introduction, 2 The Essence of Religion in General

[32] Ibid., Chapter XXVII. Concluding Application

[33] Critique of Hegel’s Philosophy of Right, Introduction

[34] في الحالتين بدأت الثورة بانتفاضة الجماهير العفوية بعنف وكانت في حالة عصابية حادة. بعد ذلك راحت السكرة وجاءت الفكرة: شكلت الجماهير جماعات ضغط في فرنسا، منها الحرس الوطني، وسوفيتات في روسيا، راحت تضغط على المشهد السياسي وتفرض المكتسبات، بوعي وقصد.

[35] On The Jewish Question

[36] إبراهام ليون، المفهوم المادي للمسألة اليهودية.

[37] طرح هذه الفكرة العالم الروسي سيرغي سافيلييف، https://www.youtube.com/watch?v=YCm9bWxXgbY

[38] Sapiens, A Brief History of Humankind, p. 200








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح