الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة

خالد الصلعي

2019 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية




جميل ونبيل أن يثير مسؤول ما نقاشا عاما أثار ما أثار من ردود الفعل العاقلة والرزينة، وتلك المتهورة والمندفعة . فنحن ننتمي الى عالم شعاره المقدس "لا أريكم الا ما أرى " . واذا كان موقعها الحساس وثقافتها الحقوقية الغزيرة قد اثارت فيها نوعا من الرغبة في اعادة الاعتبار للذات ، وهذا جانب سيكولوجي يمكن تحليله من زوايا متعددة . فان حجب الشمس بالغربال لا يجدي في مثل هذه المواقف . كما انه يستحيل اخراج فيل من ثقب ابرة .
ان ما أثارته الأستاذة امينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان في ردها المعنون ب" طلقوا الدراري " ، يدخل في اطار القضايا المفتوحة على النقاش العمومي ، حتى وان تواضعت الأستاذة في تقديم وتعريف مداخلتها واعتبرتها مجرد أرضية لفتح نقاش جاد ومسؤول عن مفهوم المعتقل السياسي .
ولا اظن أن هذا المفهوم قد بقي مبهما او غامضا او عصيا على التحديد والضبط . ففي أدبيات الحقوق الانسانية يعتبر المعتقل السياسي كل من يعارض النهج العام لنظام معين . غير ان هذا الفهم او التعريف يظل قاصرا اذ يمكن أن يكون المعتقل السياسي موافقا للنظام الحاكم ومهادنا له ، لكنه ضد كل أشكال الفساد .
واذا كان الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو قد اشار في احدى تدخلاته الى ان مفهوم المعتقل السياسي منعدم في الثقافة الحقوقية المغربية ، الا عبر اجتهادات ، ويؤكد أن هذا المفهوم أيضا لا يرد له أي تعريف في المواثيق والقوانين المتعلقة بالموضوع ، وما يمكن الوصول اليه في هذا الجانب هو تعريفات منحوتة من قبل مناضلين أمميين يمثلون المنظمات الدولية ذات الاختصاص .
وعليه فان الاستئناس بمختلف المقاربات التي حاولت تضمين تعريف لمفهوم المعتقل السياسي يبقى المسلك الأنجح للاحاطة بهذا المفهوم .
وبعودتنا الى التقسيم الذي قاربه الأستاذ بنعمر ومعيارية المعتقل السياسي ذات الشقين ، فان ما جاء في مقال الأستاذة بوعياش يعتبر ليا لعنق حقيقة مفهوم المعتقل السياسي . ذلك أن المعتقل السياسي غالبا ما يكون مناضلا من أجل احقاق الحقوق والدفاع عن العدالة الاجتماعية ، وابداء الرأي بكل حرية . وقد يتوخى الى تحقيق برنامج أو أفكار الفريق المنتمي اليه بالعنف ، مما قد يترتب عنه ارتكاب جريمة ما . وبذلك يتوسع أكثر مفهوم المعتقل السياسي ليقترن بالصفة الجرمية ، ما قد يحرفه عن الأهداف النبيلة المقرونة بأساليب سلمية .
يمكن الاستئناس أيضا بما قدمته بوعياش من رؤى تخص الاتحاد الأوروبي حول موضوعنا . ولربما كان هذا الاتكاء مبررا لأنه متقارب موضوعيا مع حالات الاحتجاجات والصراع السياسي القائم في المغرب وأوربا مع فارق الوعي ، في جانبي المعادلة ، واقصد بهما الطرف المقابل للسلطة والسلطة نفسها .
وبما ان ورقة بوعياش قد اقترنت والتصقت بأحداث الريف وجرادة ، فانها احداث طرية وطازجة ولا يمكن تحريفها الا بارادة قسرية ، ذلك أن دوافع احتجاجات الريف كانت مطالب اجتماعية متعلقة بمشاريع حكومية متعثرة حسب تعبير أمينة بوعياش نفسها . والبيان المشؤوم الذي صدق عليه ستة أحزاب بضغط من وزارة الداخلية ، كان بيانا سياسيا صرفا . وبذلك تسقط احدى أهم اوراق توت بوعياش .
ان اثارة قضية العنف ، لايمكن ان تكون مصوغا لتغطية أزيد من خمسة أشهر من النضال السلمي والراقي . كما ان السبب الجوهري الذي أشعل فتيل حراك الريف لا يمكن ان يعمينا عن هول الجريمة التي ارتكبها خدام النظام ضد شاب ريفي وذلك بطحنه . لتطفو على السطح المطالب الاجتماعية البسيطة التي برمجت من قبل الدولة وصدق عليها الملك شخصيا . فنحن يمكن أن نتقصي بكل سهولة ويسر كرونولوجيا حراك الريف لنتبين السمين من الغث ، ونسستكشف الخيط الأبيض من الأسود
فالعنف يشكل في قضية حراك الريف أقصر حائط يمكن للنظام او للسلطة الاختفاء وراءه . فكرونولوجية الأحداث موثقة وتمثل ادانة صريحة للجور والظلم الذي تعرض له ابناء الريف .
من سينسى كيف حمى حراكيو الريف رجال القوات العمومية عبر سلسلة بشرية واقية ؟ وكيف سننسى تصريحات قياديي الحراك السلمي ومطالبتهم المناضلين والحراكيين بالتشبث بالنهج السلمي ؟ . الذاكرة قوية في هذا الخصوص والوثلئق على الطريق والأدلة واضحة وعديدة ، ولا يمكن لأي اطار مهما اتشح بالموضوعية وتعلق بالمنهج الحقوقي أن يحجب عنا حقائق ما جرى بالريف .
واني أتساءل باندهاش وصدمة اذا لم تكن تلك المعايير الدولية وكذا بعض نصوص الدستور المغربي تنطبق على حراكيي الريف وجرادة ، فعلى من تنطبق اذن ؟؟
اذا لم يكن معتقلون على ذمة ورقة مختومة من ست أحزاب مدفوعة دفعا من قبل وزارة الداخلية ، على خلفية مطالب اجتماعية او المطالبة بالعدالة الاجتماعية التي يقرها الدستور المغربي ونصوص المعاهدات والمواثيق الدولية . فماذا سنسميهم ؟ . نحن لدينا خلفية سياسية ضخمة وكبيرة تؤطر اعتقال حراكيي الريف وجرادة ، فكيف نرمي بكل هذه الحقائق جانبا لتحريف صفة مثبتة بقوة القانون والواقع ؟؟
"شخصيًا أقول إنهم ضحايا تدبير متعثر تشوبه أوجه قصور كثيرة، ولم يستطع ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؛ كما لم يتمكن من أن يضمن لهم عيشا كريما والاستجابة لمطالبهم المشروعة." هذا هو تعريف الأستاذة بوعياش لمعتقلي حراك الريف وجرادة . لنقم بتحليل كل لفظ ورده الى أصوله السياقية .
في البداية لابد وأن ننوه باعتراف بوعياش بكونهم "ضحايا" ، ودون الغوص في متاهات أسباب هذا الوضع "ضحية " ، فان لفظة "تدبير" ذات حمولة هامة وحساسة ، وأعترف مسبقا بحس بوعياش اللغوي وقدرتها على تشويه الصفات والنعوت والأسماء . لأننا هنا لسنا بصدد "تدبير ورشة نجارة " ، بل بتدبير قطاعات اجتماعية ذات منحى سياسي ، يقوم عليه رجال سياسة وليس رجال غابة . وهذا التدبير شابته" اوجه قصور كثيرة " ، وهو اعتراف ضمني بفساد ما ، وهو فساد سياسي بكل تأكيد .لأنه لم يستطع ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين " ، نحن هنا امام انهيار تام للدفاع ، اذ تزيد بوعياش ان هذا التعثر ، وهو فساد ، حرم المواطنين أن يضمنوا "عيشا كريما ، ولم تتم " الاستجابة لمطالبهم المشروعة " . انها مطالب ، وهو مصطلح سياسي بحت ، وهي مشروعة ، أي يضمنها القانون والأعراف والاتفاقات الضمنية .
فهل نزيد في الشرح والتفكيك ؟ امينة بوعياش تناقض نفسها ، تستعمل مصطلحات وصفات وتعابير سياسية ، وتعترف من حيث لا تدري أن حراكيي الريف أصحاب مطالب اجتماعية واقتصادية ، وهو نفس التحديد الذي اتفقت عليه منظمات حقوق الانسان لتعريف المعتقلين السياسيين .ولن ننسى كما سبقت الاشارة الى ذلك أن مرجع الاعتقال كان مذكرة الأحزاب الستة بايعاز من وزارة الداخلية . فهل نحتاج الى دلائل أخرى على صفة المعتقلين السياسيين ؟ ألآ تحاول فعلا الأستاذة أمينة بوعياش اخراج الفيل من خرم ابرة ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد